"مرآة البحرين" تحاور الشيخ علي سلمان: دعها تطول، لكن لتكن الأخيرة!
2012-01-09 - 12:58 م
- ليست قصة أشخاص ولا صقور وحمائم.. أي شخص ضد تداول السلطة هو خصم سياسي
- لسنا خفيفين ولم نفقد اتزاننا في لحظات النشوة الشعبية ولا تحت الضغط.. نحن أصحاب مشروع
- ليس لدينا "فيتو" على أن يحاور الحكم أي أحد.. لكن بالنسبة إلينا هذه هي الشروط
- أي عاصمة تفتح لنا الأبواب سنطرقها.. ومستعد للقاء صانعي القرار في الخليج
- صافحت الشيخ المحمود في الدوحة ولندن.. ولكن "المصافحة السياسية" لم تنضج بعد
- أحترم الشعب الأميركي والحكومة التي تفرزها إرادته.. ونقول للخطأ: خطأ
- ملتزمون باتفاقيات البحرين الخارجية.. و"القاعدة الأميركية" يبت فيها ممثلو الشعب
مرآة البحرين (خاص): إن لم تكن ممكنة قبل ذلك، أو تعذرت لأي سبب، فإن المطالعة الآن، فيما نتجه إلى إغلاق قوس هذا العام 2011، في أوراق حراك 14 فبراير/ شباط غدت واجبة: ما لها وعليها. يمثل هذا الحوار مع أمين عام جمعية "الوفاق" الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، نوعاً من المطالعة، وربما النقد، أردناها وأردناه، في "مرآة البحرين"، لحراك استمر، حتى الآن، عشرة أشهر ونصف. وهو مؤهل إلى أن "يستمر 4 أعوام" - مثلما عبر سلمان - شريطة أن نغلق هذا الملف إلى الأبد. فلا نفيق في العام 2020 على معمودية جديدة من الدم والضحايا، كما شاهدنا، ومشهد استباحة الناس، شاهدنا وشاهدتم.
الأسبوع ما قبل الماضي، كان الشيخ علي سلمان يزور جنيف بسويسرا بغرض اجتماع مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، التي كانت بعثتها قد أنهت زيارة إلى المنامة تواً. وقد التقته "مرآة البحرين" وألقت عليه ما جمعته من حصاد أسئلة، هي في الأساس مشاعة في أكثر من فضاء، همساً أو مواربة أو ب"العين القوية". وترد على ألسنة خصوم سياسيين، أو غرماء منافسين، ومناوئين. وفيما يلي مقتطفات من الحوار معه:
مرآة البحرين: لنبدأ من الأخير مع خطاب الملك بمناسبة عيد الجلوس الأخير 16 ديسمبر/ كانون الأول 2011. هل فاجأك؟
المرآة: هل ترى إمكانية التوصل إلى تسوية مُرضية في ظل وجود الملك الحالي، خصوصاً مع هذا الكم من الضحايا؟
سلمان: مهما كان حجم الأزمة التي نعايشها في البحرين، فهي سياق طبيعي للصراع بين الديكتاتورية ومن يتطلعون إلى الحرية. وهو سياق مرت به مختلف الشعوب، كل المجتمعات مرت بلحظات أزمات قاسية استمرت سنيناً. في النهاية لابد أن ينتهي الأمر إلى نوع من التوافق الاجتماعي للخروج من الأزمة. وظيفتنا هي أن نسرّع هذا الخروج ونجعله حقيقيا وليس شكليا ومرحليا، كما أن نقلل من الكُلف للوصول إلى هذه اللحظة. بمعنى آخر، إن التفكير في الأطراف المختلفة المكونة لمجتمعنا، ومحاولة إنتاج ما يحقق مصالح هذه الأطراف، وتغليب مساحة الحياة المشتركة بينهم، بحيث يتم إنصاف الجميع فلا يظلم أحد، يجب أن يبقى دائما حاضرا في أذهاننا. إن عقلية الثأر والانتقام والكراهية ليست هي التي تحرك المشروع السياسي لدينا بقدر ما هي عقلية البحث عن واقع حقيقي للكرامة يسع الجميع. ومتى ماتوفر ذلك بأي شكل من الأشكال فإن هذا المشروع يمكن أن نشترك فيه، ولا يهم مع من يكون.
لا حُسن ولا كُره نوايا بل جدية
المرآة: تشبه تناقضات الحكم بشأن ما يثار من وجود أجنحة صقور وحمائم، تناقضاتكم في المعارضة بين من يؤيد إصلاح النظام، أو إسقاطه. بمعنى، توجد تناقضات صحيح، لكنها أمام خصم جدي، فإن جميع الأجنحة موحدة. بالتالي فأنتم تضيعون وقتكم في التحرك تحت وهم إمكانية استثمار هذا التناقض؟
سلمان: نحن نشجع أية رؤية إصلاحية جادة، ولدينا الاستعداد للتفاعل الإيجابي مع أي طرح صادق في إنصاف الناس. النظر إلى الأشخاص أو الأسماء أمر ثانوي، كل من لديه مشروع إصلاحي حقيقي يمكن أن يكون شريكا لي، كل من لايستجيب إلى مطالبات الإصلاح التي ينادي بها الشعب هو خصم سياسي، بصراحة وبدون أية حساسسيات شخصية. كائناً من كان من يقف وراء حوارات كاذبة، من شاكلة "حوار التوافق الوطني" هو بالنسبة لي خصم سياسي، أكان اسمه ملكاً أو ولي عهد أو رئيس وزراء. كل من يقف ضد انتخاب برلمان كامل الصلاحية، هو خصم سياسي. نحن لاندير عملنا السياسي اعتماداً على حسن النوايا أو كره النوايا، إنما نديره على أساس وقائع. أي أحد في الحكم يقدم مشروعاً سياسياً جدياً سوف نتعاطى معه. ومن متطلبات الجدية، كما نرى، أن يتحول المشروع السياسي إلى برامج عمل وليست وعوداً في الهواء.
المرآة: هناك رأي طرح لدينا في "مرآة البحرين" أن أجهزة إعلام السلطة، وكذلك الغرب، يسعى إلى تضخيمكم في "الوفاق" بقصد مفاوضتكم. وأنكم لستم بهذا الحجم الفعلي في المعارضة؟
سلمان: لم نكن في يوم من الأيام نحمل قلقاً بشأن كم نحن في المعارضة، أو الشريحة الشعبية التي نمثلها. القلق الذي نعيشه هو قلق يتعلق بمدى قدرتنا على إبراز قضايا مجتمعنا، بحيث نتبناها ونبلورها في شكل حراك سياسي مطلبي نقوم بإيضاحه للداخل والإقليم والمجتمع الدولي. ما يزال هذا الهم هو الفكرة الرئيسة التي تحرك عملنا. وعليه نقوم في "الوفاق" بالتحالف مع القوى السياسية الأخرى في صياغة برامجنا. الحجم على الأرض متروك إلى إرادة الناس. لدينا مؤشرات سابقة عن ثقلنا قمنا باختبارها على مدى 10 السنوات الماضية. وهي موجودة في الانتخابات، ولدينا دعوات شعبية تتبناها الجمعيات السياسية وتشاركها فيها شرائح مجتمعية مختلفة. مانتبناه فعلياً، من غير حساب الأحجام، هو أن ندفع هذا البلد إلى الخروج من أفق الاستبداد إلى الديمقراطية، ومن الحكم اللارشيد إلى الحكم الرشيد.
صافحت "المحمود" لكن المصافحة السياسية غير
شيخ علي والمحمود في اجتماعات مارس 2011 |
سلمان: المصافحة بمعنى أن نسلم على بعض، فنحن حتى في الدوحة سلم كل منا على الآخر. وكان الطرف المعارض هو المبادر. هذه حالة أخلاقية وإنسانية نعتبرها جزءاً من أخلاقنا الإسلامية. ولكن السلام يختلف عن المصالحة السياسية، فهذه الأخيرة تقوم على قاعدة المثل الإنسانية، وهي دعوة مفتوحة. نتصافح على أساس المساواة بين المواطنين، على أساس صوت لكل مواطن، على أساس الشعب مصدر السلطات. إن يدنا ممدودة من أجل إنجاز هذه المصافحة وتحويلها إلى مطلب مشترك. ولكننا لا نستطيع أن نتصافح على أساس بقاء الديكتاتورية جاثمة على صدور السنة والشيعة على السواء. هذا النوع من المصافحة لا معنى له.
المرآة: يتمسك تجمع الوحدة الوطنية، وهو يتحدث هنا باسم مكون رئيس في البحرين، وهم السنة، بأنه لن يغطي أية تسوية مع الحكم في البحرين ما لم تعتمد الصيغة التوافقية. ما هي إمكانات التوافق المستقبلي في البحرين، هل نحن ذاهبون باتجاه ديمقراطية توافقية تقوم على المحاصصة الطائفية، أم الديمقراطية التمثيلية؟
سلمان: التوافق المجتمعي عنوان غير محدد سياسيا. وما الذي يمكن أن يدعى توافقاً في حال تراضت أطراف المجتمع إزاء قضية ما، وما الذي لا يدعى توافقاً. الآن، تجد أن المجتمع البريطاني ليس موحداً، هو مختلف، ولكن غالبيته متوافقة على الديمقراطية. تركيا أيضاً غير موحدة، ولكن تركها وكردها، مسلميها وعلمانييها، متوافقون على الديمقراطية. ومثل ذلك بقية الدول ذات التعدد الإثني والديني. ما نسعى إليه هو أن نتوافق على مشروع إنساني يمثل خلاصة تجربة المجتمعات الإنسانية في الحكم، وهي الديمقراطية. إن رفض الظلم، المساواة في المواطنة ورفض التمييز كلها موضوعات يمكن التوافق عليها. لكن أن نتوافق على بقاء الديكتاتورية، فهذا الشيء لا يمكن أن نقبل به.
المرآة: بصراحة، المحاصصة الطائفية، هل ترضيكم في حال انسداد أي أفق آخر للتسوية مع السلطة؟
سلمان: ما نسعى إليه في بلدنا هو تحريره من التقسيمات. الآن بلدنا مقسم طائفيا، وأسريا، ومقسم على أساس الولاءات السياسية. لقد عبرت أكثر من مرة بأن هذه التقسيمات جاهلية، نحن نريد تحرير البلد منها، بحيث ندخل في متّحد يقوم على أساس المواطنة. جلالة الملك مواطن فيه، وكذلك أي إنسان آخر مواطن. طبيعة المنصب قد تفرض نوعاً آخر من التعاطي، لكن في النهاية هي حقوق وواجبات، وعلى ذلك تنشأ فكرة المواطنة. إن أي مسئول هو مواطن في الأصل، و القاعدة التي ينطلق منها المواطنة. نحن نريد أن نأتي ببلدنا إلى هنا، ذلك أن بناء البلدان على أساس التقسيمات العرقية أو المذهبية أوجد أزمات سياسية مستمرة في كثير من التجارب.
المرآة: من التعليقات التي أتت بشأن لقائك في "تشاتم هاوس" مع تجمع الوحدة الوطنية أن الطرفين بدءا أخيراً ينصتان لبعضهما البعض. هناك من يرى أن أية تسوية مستقبلية بينكم وبين الطائفة السنية لن تكون إلا مع تجمع الوحدة الوطنية، بمعنى آخر ليس مع السلف أو الإخوان. فهو، استثناء خطابه المذهبي، إلا أن رؤيته لشكل التطور السياسي أكثر تقدما من السلف والإخوان؟
سلمان: الأمور في البحرين من الزاوية هذه متحركة الاتجاه، وأيضاً السرعة في هذه الأيام. إمكانية الادعاء قائمة، قبل انتخابات 2002 وانتخابات 2006 و2010، سمعنا دعاوى كثيرة من أطراف مختلفة، بأنها هي من تمثل هذا المجتمع، ونسبة تمثيلها بهذا الشكل. أعتقد أن هذه ادعاءات تحتاج إلى امتحان، وما ينظمها هي صناديق الاقتراع، لنتمكن من إنجاز توافق على هذا الأساس. لو مثل تجمع الوحدة 70 في المائة من أصوات شعب البحرين، فسنحترمه على هذا الأساس. وسيكون هذا تمثيله وفقاً لهذه النسة على أي طاولة نجلس فوقها معه. في العموم، نحن لانحصر عملنا بتجمع الوحدة الوطنية، نحاول أن نتوافق مع الشرائح المختلفة على أساس ديقراطية إنسانية.
مستعد للقاء صانعي القرار في الخليج
المرآة: جزء من حراك المعارضة في الخارج يتوجه إلى عواصم القرار في لندن، وجزء منه إلى واشنطن. هل نحن أمام سيناريو المعارضة العراقية في البحرين؟
سلمان: نحن لا نتحرك باتجاه لندن أو واشنطن، إنما باتجاه القاهرة، أسطنبول، بغداد، الكويت وأي عاصمة يمكن أن تستمع لنا. نحن أصحاب قضية إصلاحية، ولدينا الاستعداد للعمل من أجل هذه القضية، وهي لكل شعب البحرين كما لمصلحة المنطقة، مع أية عاصمة تنفتح علينا. وشخصياً، لديّ طلبات ورغبة في أن ألتقي بمراكز صناعة القرار في منطقة الخليج، ومستعد لها متى ما توفرت. لقد زرنا العراق مصر وتركيا لهذا الغرض، وسنزور تونس والمغرب وأية عاصمة يتوافر لديها الاستعداد لأن تستقبلنا.
المرآة: هل أبواب واشنطن ولندن مفتوحة؟
من لقاءات تركيا |
المرآة: صار معتاداً سماع دعوات على ألسنة مسئولين غربيين، خصوصاً بريطانيا والولايات المتحدة، بما في ذلك الرئيس أوباما، إلى الحكم للقيام بإصلاحات "جدية وذي معني". وفقاً لعلاقاتكم مع دوائر القرار في لندن وواشنطن، ما هو سقف الإصلاحات "ذي المعنى" الذي يتحدثون عنه؟
سلمان: ما أفهمه من هذه الدعوات، وفقا إلى المعايير الدولية والمثل الإنسانية فإن السقف هو الاستجابة إلى مطالب شعب البحرين. ما هي المعايير الدولية؟ هي التحول إلى الديمقراطية، حق الناس في انتخاب حكومتهم، القدرة على مراقبتها محاسبتها وحتى عزلها متى ما تطلب ذلك. العبارات التي ترد في الخطاب الأميركي أو البريطاني، تعني الاستجابة إلى هذه المطالب.
المرآة: هذا ما يفهمه علي سلمان. نسأل عن ما تفهمه لندن وواشنطن؟
سلمان: على الأقل، فيما يتعلق بالقوى السياسية التي يستجيب لها أغلبية المتظاهرين، فإنها تطالب بالحكومة المنتخبة. إن هذا هو سقف الإصلاحات "ذا المعنى" .
المرآة: بعض حلفائكم في المعارضة طرحوا أسئلة عن السبب في اتخاذ الولايات المتحدة "الوفاق" حليفة لها؟
سلمان: نحن أصحاب مشروع ديمقراطي يريد أن يطور البحرين وينصف أهلها، كلهم. إنسانياً برأيي، إن ذلك خطاب مشروع ويمتلك مقبولية. وذلك هو مصدر قوتنا، أننا نعبر عن مطالبات مشروعة تحمل رؤية للتطور السياسي. أعتقد أن كل الشعوب عندما تتحرر من الديكتاتورية وتفرز حكوماتها طبقاً لإرادتها الحرة الديمقراطية، فإنها تخلق كثيراً من المساحات العقلانية. لذلك قيل: لا تتحارب ديمقراطيتان، بمعنى أن الديمقراطية تفرز حالة من العقل والمصالح المشتركة تقلص من احتمال أن تتطور التناقضات إلى حرب.
المرآة: بصراحة، ما التطمينات التي أعطيتموها إلى الولايات المتحدة لتقف هذا الموقف الإيجابي من "الوفاق". لنتحدث عن موقفكم من القاعدة الأميركية في البحرين؟
سلمان: إن أولويات المعارضة، وهي ليست من الآن بالمناسبة، تتمثل في إقامة نظام ديمقراطي. لننجز هذا النظام، ثم لنتفرغ بعد ذلك إلى النظر في مصالح البحرين من خلال من ينتخبهم الشعب لتحمل المسئولية. إن هؤلاء هم من يحق لهم النظر في المعاهدات والاتفاقيات. لكن بالنسبة إلينا في المعارضة، خطابنا هو أننا سنلتزم بكل المعاهدات التي وقعت عليها البحرين سابقاً. المعارضة تعلن إنها ملتزمة بهذه الاتفاقيات التي وقعت عليها السلطة، وهي ملتزمة بالمواصلة في تفعيل هذه الاتفاقيات.
المرآة: هناك رأي يذهب إلى أن الأميركان ليسوا معكم وكذلك البريطانيين رغم كل المراعاة التي تتبعونها إزاءهم. هل وجدتم أن هذه المراعاة قد أثمرت دعماً لكم، ومتى يمكن أن ينقطع الخيط بينكم وبينهم؟
سلمان: كل الدول تبحث عن رعاية مصالحها، في المقابل فأنت تبحث عن رعاية مصالح شعبك. إذا كانت هناك مساحة مشتركة لم لا. السياسة الناجحة هي تلك التي تذهب في اتجاه توسيع المساحات المشتركة مع كل الأطراف. لنأخذ مثال تركيا، لقد طرحوا فكرة "تصفير" المشاكل، واستبدالها بمراكمة المشتركات. حاولوا مع الأرمن، ومع آخرين، الفكرة إلى أي درجة تستطيع أن تزيد من المشترك بينك وبين الأطراف الفاعلة التي لديها تأثير على واقعك. لسنا بدعاً، نحن جزء من المجتمع الخليجي والإنساني، لدينا مشروع نعتقد أنه يمثل مصالح شعب البحرين، ونحاول البحث عن هذه المصالح في كل الدوائر.
هكذا نرى أميركا
المرآة: ألا تشعرون بالتناقض، كحركة إسلامية، من مواقفكم السابقة حيال السياسات الأميركية في المنطقة وما يبدو من تعويل لديكم الآن على ضغوط أميركية أو غربية من أي نوع من أجل دفع الحكم في البحرين إلى القيام بإصلاحات؟
سلمان: نحن ليس لدينا عداء مع الشعب الأميركي، الشعب الأميركي شعب حر، وهو لديه القدرة على تغيير حكومته - إذا لم تعجبه - كل 4 سنوات، حيث يجري تناقلها بين الحزبين الرئيسين، الجمهوري والديمقراطي. الشعب الأميركي محترم، وما يفرزه من إرادة في حكومته، هي محترمة. ولكن هذا لا يعني أننا لا نختلف معهم. نقول: إن السياسية الأميركية في فلسطين، قضية الشرق الأوسط الأولى، سياسة خاطئة. ومثل ذلك سياستها في منطقة الخليج العربي خاطئة، فهي تقدم المصالح الاقتصادية على المثل وحقوق الإنسان. وهو الشيء الذي ما نزال نعيبه عليهم. فمتى ما وجدنا عدم انسجام معهم، خصوصاً حين تشخيص البون الشاسع بين المثل والمصالح، فإننا لا نتردد في إعلان ذلك، والقول إن هذا خطأ.
المرآة: ألا تبدو، مع هذا الطرح المتراخي، هواجس سنة البحرين مفهومة، عبر خشيتهم التي عبروا عنها في أكثر من مناسبة من تكرار السيناريو العراقي في البحرين؟
سلمان: نحن نعمل على الوصول إلى بحرين تنصف السني والشيعي معاً. لأن السني والشيعي اليوم مضطهدان، مظلومان ومنتقصة حقوقهما. في البحرين التي نعمل على صناعتها يُعطى السني والشيعي صوت في إدارة بلده، وهو محروم منه اليوم. وكذلك الحق في التصرف في الثورة، وهو أيضاً محروم منه. مع إيماننا بضرورة وجود الضمانات لذلك. لذا نحن ندعو إلى أن يكون هناك نظام ديمقراطي يستلزم أغلبيات خاصة. نسبة 60 في المائة يحصل عليها أي قرار، تجعله مشتركاً. للوصول إلى هذه النسبة، لا بد من أن تكون هناك تحالفات عابرة إلى الطوائف. سواء بين السنة والشيعة، أو الإسلاميين والعلمانيين وغيرهم. لابد من من صيغة تضمن عدم الاستفراد في القرار، وهيمنة طرف ما، ولكن أيضا تسمح بمرونة في النظام السياسي، بحيث تستطيع بموجبها تعيين رئيس الوزراء. بحيث لا تقول إن ذلك يستلزم الحصول على نسبة 90 في المائة، لأنك بذلك تجعل الشيء مستحيلاً، ولكن تقول 60 أو 65 في المائة، أقل بقليل أو أكثر بقليل. هذا ما أعنيه من قولي المرونة في النظام السياسي. شخصياً، لا أعتقد أن ثمة قيمة أو جدوى حين الخروج من صيغة ظالمة إلى قسم من المجتمع، إلى صيغة أخرى تكون ظالمة إلى قسم آخر من المجتمع. دائماً هناك سعة في الخير تخدم الناس جميعاً. من دون أن ندخل في سيناريو العراق أو غيره، أعتقد أن علينا أن ننجز "سيناريوهانا"، أو نموذجنا الخاص في البحرين. برأيي، كثير من الهواجس والتقسيمات، من خلال 3 أو 4 دورات من العمل الديمقراطي الحقيقي سوف تذوب، سواء المذهبية أو الدينية، لصالح الأطروحات السياسية.
دعوتي للحوار مفتوحة
المرآة: قلت في لقاء أخير معك إنك مستعد للجلوس مع الملك في حوار. هل هذه الدعوة مفتوحة أم يمكن أن تسحبوها تحت ظرف ما؟
المرآة: في لحظة ما من التسعينات، قبل الميثاق، وأمام ما بدا من إقفال الحكم للباب أمام أية تسوية مع المعارضة، أطلق الصحفي روبرت فيسك هذا الوصف "أفق الاستعصاء" تعبيراً عن هذا الحال. هل نحن اليوم، ونحن في الألفينات الآن، أمام "أفق استعصاء" آخر، بمعنى: معارضة تطلب الحوار وحكم متصلب؟
سلمان: الزمن الألفيني يختلف، خصوصاً بعد ثورات تونس مصر وميدان التحرير. برأيي، إن الأمور اليوم أصبحت تتحرك بدينامية مختلفة. لا أعرف تماماً إلى أين تمضي بنا، ولكن أعرف أن هذه الدينامية تختلف عن دينامية التسعينات، وهي لا تزال تتفاعل من المحيط إلى الخليج، ولن تقف. نحن نأمل في استثمارها لصالح حل ديمقراطي مستقر. حتى نصل إلى ذلك، ليس هناك من خيار سوى المواصلة. وأقول: إننا إذا لم نحصل على الحل في 10 أشهر، فإن خيارنا هو أن نستمر. لم نحصل عليه في سنتين، أيضا الخيار هو أن نستمر. 4 سنوات؟ سنستمر أيضاً. لا نريد تكرار العودة إلى المربع الأول الذي نحن فيه اليوم. لا نريد أن نخوض تجربة العام 2011 في 2020، فنأتي ونصارع النظام، يسقط الضحايا ويستباح الناس. نريد أن ننتهي من هذا الملف، بحيث يستقر البلد. لذا، كائناً ما كان طالت العملية، على الرغم من قساوتها، سنستمر.
المرآة: كان لك تصريح يشي بالتحدي مؤخراً أنكم في المعارضة لن تدخلوا في حوار شكلي، أو تغطوا تسويات شكلية. هل يفهم من ذلك أن سيناريو دخولكم في حوار التوافق الوطني، هي غلطة لن تتكرر؟
سلمان: لم تكن غلطة. كان الدخول قراراً صائباً وفقا لقراءتنا الإقليمية والدولية أكثر من المحلية. الأطراف الدولية هي أكثر جهة لديها تفاصيل عن عدم جدية الحكومة في الحوار قبل أن يبدأ. ولكن العالم لايستطيع أن يتفهم بالدرجة نفسها التي كانت الوفاق تطرحها، لو لم تشارك. اشتراكها في الحوار وضعه على أجندة المجتمع الدولي. وأن مجيئه بهذا الشكل سياسة حكومية متعمدة يراد منها تهميش المعارضة. وفعلاً، فقد تشكلت قناعة لدى المجتمع الدولي أن الحوار فاشل، والسبب الحقيقي هو أن الحوار فاشل فعلاً. إن هذا ما قوّى موقف فصائل المعارضة، حتى تلك التي لم تنسحب، فهي تتبنى اليوم فكرة أن ما تمخض عنه هذا الحوار فاشل.
المرآة: جزء كبير من أدبياتكم في الحوار يقوم على مبادرة الحوار مع ولي العهد في فبراير ومارس، التي تزعمون إن التدخل السعودي أجهضها. هناك من يرى أنكم تعولون على أضعف طرف في الحكم الآن، وهو شيء واضح.
سلمان: نعول على المباديء. المباديء هي تداول السلطة متمثلاً ذلك في البند المتعلق بحكومة تمثل إرادة الشعب، والرقابة الشعبية متمثلاً ذلك في البند المتعلق بوجود برلمان يتمتع بسلطات كاملة، والمساواة بين المواطنين ممثلة في البند المتعلق بنزاهة تقسيم الدوائر الانتخابية، إلى آخره من البنود، بما في ذلك ما أشار له بسيوني من وجوب تشكيل أجهزة الأمن من كافة طوائف المجتمع. هذه الأمور هي التي نعول عليها، أي شخص مستعد أن يعمل بها ويدخل، بناءاً على ذلك، في حوار مع المعارضة فنحن مستعدون، ويدنا ممدودة. أي شخص سيحاول المناورة عليها أو لايستجيب لها، فهو كما أسلفت، يبقى خصماً سياسياً مهما كان اسمه. المعارضة لديها من الذكاء لمعرفة من الذي يناور ومن الذي يسعى إلى الوصول إلى تسوية حقيقية.
المرآة: مثلما يقال: أنتم الآن تتباكون على المباديء السبعة!
سلمان: المعارضة لم تصل إلى هذه البنود السبعة إلا بعد مفاوضات شاقة وحركة شعب. بدورنا، نحن نأمل من كل أطراف النظام أن تتبنى هذه المباديء لأنها مباديء إنسانية. إذا كان أحد من هذه الأطراف صادقاً، يجب ألا يقول إنها فرصة وانتهت. لا يوجد شيء اسمه فرصة وانتهت.
المرآة: توالي سقوط الضحايا المستمر. هل يفاقم عليكم ضغطاً من نوع ما؟
سلمان: نحن نتألم إلى كل ضحية تسقط بأي شكل، سواء بالشهادة أو الإعاقة، أو فقد الوظيفة أو الأمان، ومن أي طرف كانت، هذا شيء مؤلم. واستراتيجيتنا في المعارضة هي تخفيف الضرر والكلفة، ولكن هذه سنة في الحياة. وفي التحليل، إن الديكتالتورية لاتترك مواقعها بسهولة، لمجرد إن هناك أمنيات. لابد من أن يكون هناك حراك شعبي وضغط سياسي، كل هذه العناصر تتكامل إلى أن تأتي الساعة التي تتخلى فيها الديكتاتورية عن مواقعها.
المرآة: سؤالي تحديداً، هل أن طرحكم إلى المملكة الدستورية هو طرح نهائي وأخير، أو يمكن أن يتغير تحت وطأة هذا الضغط. وهو ما حصل في تونس ومصر، كما أشار إلى ذلك بسيوني في تقريره؟
سلمان: في المحصلة، السياسي لا يفقد وعيه تحت ضغط عاطفة سلبية أو إيجابية. بمعنى آخر، إن الانتشاءات الآنية غير الواقعية تفقد السياسي اتزانه. "الوفاق" وكذلك القوى السياسية الأخرى، عندما كانوا في نشوة تواجد الناس في دوار اللؤلؤة، بقوا على هذه المطالب. عندما اشتد القمع، وكان البعض يطالبنا بتقديم اعتذار، رفضنا وواصلنا المجاهرة بنفس المطالب. هذا الاتزان، سواء جاء تحت نشوة الحالة الشعبية، أو جاء تحت تحت أقصى لحظات الضغط، مطلوب. السياسي لديه مشروع، وثباته على هذا المشروع ناتج عن أنه يعتقد أن فيه المصلحة. فلا يكون خفيفاً، طالعاً ونازلاً، بناءاً على متغيرات لحظية، محلية أو إقليمية طارئة.
المرآة: حتى يوم 13 فبراير لم يكن هناك أي تنظيم سياسي يتبنى فعلياً خيار إسقاط النظام، لكن لدينا الآن جميع أطراف المعارضة الشيعية، استثناءكم. برأيك، تسوية بينكم والحكم على سقف الملكية الدستورية يمكن أن يقنع هذه الأطراف؟
فضح وثيقة شراء رئيس الوزراء للمرفأ المالي بدينار واحد |
المرآة: هناك رأي يقول إن السلطة ما دامت قد استخدمت القوة الغاشمة، فإن عليها الآن مفاوضة متطرفي المعارضة، فهم القادرون فعلياً على إقناع الجماعات الأكثر تشدداً بالتهدئة. بمعنى آخر، ضاعت الربطة من بين يدي الجمعيات.
سلمان: ليس لدينا أي "فيتو" على الحوار مع أي طرف. نحن جزء من هذا الشعب، أي توافق أو أي صيغة تطرح للحوار سنعبر عن وجهة نظرنا بإزائها. كررت في أكثر من مناسبة، إن ما يهمني في الحقيقة، هو أن يوجد حل لهذا البلد قادر على أن يحقق مصالح آبنائه. كيف يأتي؟ من يساهم فيه؟ هذا ال٬ر ليس لدي أي "فيتو" عليه.
لاتوجد أحزاب دينية في البحرين
المرآة: الانقسام الطائفي الحاد بين السنة والشيعة، الذي يكاد يكون الأول الذي يحدث بهذا الحجم في تاريخ البحرين الحديث. ألا يفرض ذلك عليكم نوعاً من المراجعة المستقبلية بإزاء الجدوى من تأسيس أحزاب أو جمعيات على أساس ديني. على أساس أن ذلك سبب، إضافة إلى تسهيله على الحكم اللعب على تناقضات المجتمع، يشكل أرضاً خصبة لتغذية الهواجس المتشككة؟
سلمان: برأيي، من الصعب إطلاق صفة الأحزاب الدينية على أي من الجمعيات الحالية الموجودة في البحرين. ذلك لأنها، أولاً: أحزاب مفتوحة، وثانياً: برامجها سياسية وليست دينية. لذا أقول من الصعب نعتها بالأحزاب الدينية. في ألمانيا يوجد الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني، وكذلك في بريطانيا، هناك الحزب الديمقراطي المسيحي، هذا لا يعني أنها أحزاب مسيحية أسست لتكون في قبال اليهودية أو المسيحي البروتستانتي أو الأرثوذكسي. إن برامجها سياسية.
المرآة: كانت لديكم فرصة مطلع الألفينات في تطوير "كتلة تاريخية" تشكلت نواتها في لجنة العريضة الشعبية. بدلاً من الذهاب في تطوير هذه التجربة، رحتم تؤسسون جمعية شيعية.
سلمان: نحن منفتحون على أية صيغة جامعة تستطيع أن تجمع المؤمنين بالديمقراطية، ومستعدون للكفاح أجلها ودفع كلفتها. ولكن إلى أن تتأسس هذه الكتلة، لن نضع رجلا على رجل، ونجلس في بيوتنا. سوف نتبنى المطالب التي نعتقد أنها تمثل التطور، وسندافع عنها، وعندما نصل إلى صيغة بشأن هذه الكتلة سنكون جزءاً منها. سعينا في المؤتمر الدستوري، وفي التحافل الرباعي والسباعي، كان هذا نوعاً من التكتيل، لم تكن العلاقات تقوم على أساس طوائف، إنما علاقة وطنية جامعة. الآن هناك جهد لإفراز كتلة تدافع عن الديمقراطية في البحرين. إلى أن ينضج هذا الموضوع، ويخرج في صيغة متبلورة، لن أجلس واضعاً يدا على يد، في انتظار أن تأتي.