"السلامة الوطنية" بدعة لم يوردها المشرّع البحريني.. وهي أشد من "الأحكام العرفية"
2012-01-08 - 3:01 م
مرآة البحرين(خاص): لقد نص الأمر الملكي رقم (28) لسنة 2011 بتشكيل اللجنة في المادة التاسعة منه على أنه "يجب أن يشتمل تقرير اللجنة ضمن أمور أخرى على ما يلي: 1- سرداً كاملاً للأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، 2- الظروف والملابسات التي وقعت في ظلها تلك الأحداث، 3- ما إذا كانت قد وقعت خلال تلك الأحداث إنتهاكات للمعاير الدولية لحقوق الإنسان من قبل أي من المشاركين خلال الأحداث أو التداخل بين المواطنين والحكومة، 4- ظروف وصحة عمليات التوقيف والإعتقال". ومؤدى هذا النص يقطع – بدون شك – بأن من مهام اللجنة واختصاصاتها أن تتعرض للبيئة القانونية التي جرت في ظلها هذه الأحداث. ومن المؤكد أن مرسوم إعلان حالة السلامة الوطنية والحالة التي خلقها، شكّل العنوان الرئيس والركيزة لكل المشهد البحريني في الفترة التي تناولها التقرير. وبالتالي فإنه كان من قبيل التقيد بالمهمة المسندة إليها ومن قبيل الموضوعية أيضاً أن تتعرض اللجنة، طالما أنها لجنة تقصي حقائق، لفحص مدى شرعية تلك التدابير الإستثنائية التي تم فرضها بموجب إعلان السلامة الوطنية، وذلك في ضوء الحقوق المنصوص عليها في دستور البلاد وفي ضوء المعايير والقواعد الدولية المتعارف عليها فيما يتصل بفرض حالة الطوارئ.
وما يؤكد أيضاً واقع تجاهل اللجنة وعدم تعرضها لمدى صحة وملاءمة فرض حالة السلامة الوطنية في ملاحظاتها العامة الختامية، أن اللجنة ذاتها توصي في الفقرة (184)، بعد استعراضها للدفوع التي أثارها المحامون، بشأن عدم دستورية المرسوم الملكي بإعلان حالة السلامة الوطنية، توصي بعرض الدفوع المتعلقة بمخالفة بعض أحكام المرسوم بإعلان حالة السلامة الوطنية لأحكام دستور البحرين على المحكمة الدستورية. لذلك فقد كان من الأولى والأجدر أن تتعرض اللجنة بذاتها- بشكل واضح وصريح – لمسألة مدى مشروعية أو دستورية فرض حالة الطوارئ، المسماة بحالة السلامة الوطنية وأن تبدي رأيها في هذه المسألة. ولا ينفع، رداً على ما أقرره من تجاهل اللجنة لهذه المسألة، القول بأن التعرض لمدى مشروعية فرض حالة السلامة الوطنية هو من قبيل الخوض في أعمال السيادة التي لا يجوز إخضاعها للرقابة، أياً كانت طبيعة هذه الرقابة. أو القول بأن هذه المسألة تخرج عن نطاق المهمة الموكلة للجنة تقصي الحقائق. إذ أن هذه الحجج مردود عليها من ذات الأمر الملكي بإنشاء لجنة تقصي الحقائق، والذي كلف اللجنة ببحث الظروف والملابسات التي وقعت في ظلها الأحداث، وما إذا وقعت خلال تلك الأحداث انتهاكات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما أن تلك الحجة مردود عليها بأنه قد استقر العمل على المستوى الدولي على إخضاع إعلان حالة الطوارئ لرقابة القضاء والمنظمات الدولية المختصة للتحقق من مدى صحة المبررات التي تم الإستناد إليها لفرض تلك الحالة.
"بدعة" لم نسمع بها
إن "إعلان "حالة السلامة الوطنية، هو أمر يختلف تماماً من حيث طبيعته عن الحالة التي تنشأ نتيجة له، أي للإعلان. ذلك أن المادة (36/فقرة ب) من "الدستور" تنص على أنه " لا تعلن حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية إلا بمرسوم". وهذا النص قائم على فرضية سابقة بالضرورة على "إعلان حالة السلامة الوطنية". وهي وجود القانون الذي يحدد مفهوم حالة السلامة الوطنية، وينظم حدود ونطاق الإجراءات التي يجوز لأجهزة السلطة التنفيذية اتخاذها، بما يجاوز تلك الحدود التي تنظمها القوانين العادية السارية في البلاد. والحال أنه ليس هناك في المنظومة القانونية البحرينية قانون باسم "قانون حالة السلامة الوطنية". ويترتب على هذه الحقيقة أن مرسوم إعلان حالة السلامة الوطنية هو، في واقع الأمر، غير ذي موضوع، لأنه يعلن عن قيام حالة إستثنائية لا وجود لها في القانون البحريني. وتبعاً لذلك فإن إصدار هذا المرسوم، بالشكل والمضمون اللذين صدر بهما هو أمر مخالف للدستور.
لقد ترتب على المرسوم الملكي بإعلان حالة السلامة الوطنية تعطيل بعض أحكام الدستور. وهو الأمر غير الجائز طبقاً لنص المادة (123) من الدستور، والتي تنص على أنه " لايجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء إعلان الأحكام العرفية، وذلك في الحدود التي يبينها القانون". ونكرر مرة أخرى "أثناء إعلان الأحكام العرفية" وليس إعلان حالة السلامة الوطنية. وتدليلاً على أن المرسوم الملكي عطل بعض أحكام الدستور، نشير إلى نص المادة (5/فقرة12) من المرسوم والذي ينص على أنه "للسلطة المكلفة بتنفيذ أحكام هذا المرسوم إتخاذ كل أو بعض التدابير والإجراءات الآتية: 12- إسقاط الجنسية البحرينية عن كل من كان في وجودهم خطورة على الأمن والنظام العام وإبعادهم عن البلاد أو حجزهم في مكان أمين". هذا في حين أن المادة (17) من الدستور تنص على أن " أ- الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها إلا في حالة الخيانة العظمى، والأحوال الأخرى التي يحددها القانون. ب- يحظر إبعاد المواطن عن البحرين أو منعه من العودة إليها". إذن ما هي قيمة الدستور إذا كان يمكن تعطيل أحكامه بمجرد مرسوم؟!
تفسيرالقانون أطلق يد الأجهزة الأمنية
على الرغم من أن "المذكرة التفسيرية" المرفقة "بالدستور"، تشير بشأن المادة (36) المتعلقة بإعلان حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية، وذلك بقولها "ولما كانت هذه الظروف تتدرج من الضعف إلى القوة، وتختلف درجة خطورتها، فإنه رغبة في عدم المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم إلا بالقدر اللازم لمواجهتها، فرق الدستور في المادة 36 بين حالتين: حالة السلامة الوطنية وحالة الأحكام العرفية... ويترتب على هذه التفرقة، أن تكون الإجراءات اللازمة لإعادة السيطرة على الوضع القائم عند إعلان حالة السلامة الوطنية أقل حدة ومساساً بحقوق الأفراد وحرياتهم من تلك التي يتم اللجوء إليها في حالة إعلان الأحكام العرفية"، على الرغم من ذلك فإن لجنة تقصي الحقائق ذاتها تقرر في الفقرة (169) من التقرير ما يلي " بل والأمر الأكثر غرابة هو أنه بالرغم من حقيقة أن المذكرة التوضيحية المرفقة بدستور المملكة تنص على أنه يجب أن تكون التدابير المتخذة بموجب حالة السلامة الوطنية أقل تقييداً من تلك التي يتم تنفيذها أثناء تطبيق الأحكام العرفية، فقد أثبت الواقع تفسير هذا المرسوم بطريقة تمنح سلطات للأجهزة الحكومية تزيد عن تلك المنصوص عليها في المرسوم الأميري رقم (27) لسنة 1981 بشأن تطبيق الأحكام العرفية، وخاصة فيما يتعلق بسلطة توقيف الأشخاص لفترات غير محددة دون الرجوع إلى السلطة القضائية". ولعل هذا الذي تقرره اللجنة في متن تقريرها، يؤكد مرة أخرى ما أشرنا إليه من تجاهلها لإبداء رأي محدد حول سلامة ومشروعية المرسوم بإعلان حالة السلامة الوطنية الذي ثبت أنه أشد وطأة من حالة الأحكام العرفية.
وأخيراً، فإن أحدى الوسائل لتقييم صحة المسوغات التي يتم الإستناد إليها لفرض حالة الطوارئ أو التدابير الإستثنائية، تتمثل فيما إذا كان حل المشكلة التي تتعرض لها البلاد لا يتحقق بالتدابير العادية التي تتفق مع المعايير والقواعد الدولية التي لا تجوز مخالفتها. والواقع أن منظومة القوانين البحرينية، أو ترسانتها بعبارة أصح، مليئة بكل ما يخطر على البال من القوانين المقيدة للحريات، وتدعم هذه الترسانة، على الدوام، أجهزة قضائية مستعدة للإستجابة لطلبات التوقيف والقبض والتفتيش والحبس التي تتقدم بها إليها أجهزة إنفاذ القانون. وهو ما ينفي قطعاً أي ضرورة لإعلان حالة الطوارئ التي تم فرضها على البلاد.