«ويكيليكس»: تقرير السفارة الأمريكية عن اللطم والإيقاع و«الحيدر» في مواكب العزاء بالمنامة «2»

2015-10-26 - 1:32 ص

مرآة البحرين (خاص): خلال أزمة الصور والأعلام في 2005، وجدت السفارة الأمريكية في المنامة نفسها مضطرّة لفهم المزيد عن ذكرى عاشوراء، وطريقة إحيائها في البحرين، وعليه قامت ببحثها، وخرجت بتقرير مدهش، في ظرف أيام.

يعد هذا التقرير - الذي أرسل هو الآخر في برقية للخارجية الأمريكية بتاريخ 9 مارس/آذار 2005 - واحدا من أهم الوثائق الرسمية، التي تظهر مدى اطّلاع الدبلوماسية الأمريكية على معاني ذكرى عاشوراء وأبعادها الثقافية والسوسيولوجية، وعلى طقوس ومراسم إحيائها في البحرين على وجه الخصوص، وكل التفاصيل المحيطة بها، بما فيها التفاصيل الدينية، والعقائدية.

تقدّم البرقية خلفية عن الأساس الديني والتاريخي للمناسبة، وعن اختلاف الشيعة في إحيائها بحسب مراجعهم الدينية. يقدّم التقرير رصدا مفصّلا لمظاهر عاشوراء (في البحرين على وجه الخصوص)، ووصفا شاملا ودقيقا إلى حد ما للمراسم الدينية، بدءا من حضور المأتم، اللطم، الحيدر، وحتى مواكب العزاء التقليدية، وتلك الحديثة، التي تستخدم آلات موسيقية.

ربّما تكون هذه البرقية أشمل وصف توثيقي غربي صدر عن هذه المراسم الدينية، وهي بلا شك تفتح أسئلة كثيرة عن سبب اهتمام السفارة بهذه التفاصيل، وكيف تنعكس على موافقها، آرائها، وفهمها للطائفة الشيعية، وللأحداث السياسية والاجتماعية بالبلاد. وعليه قامت "مرآة البحرين" بترجمتها حرفيا.

البرقية رقم: 05MANAMA347_a*

التصنيف: سري**

رابط البرقية (اضغط هنا)

تقاليد إحياء ذكرى عاشوراء قديمة العهد

3. أيام الاحتفال بعاشوراء لدى الشّيعة، التي يتم فيها إحياء ذكرى مقتل حفيد النبي الإمام الحسين في كربلاء، تمتد طيلة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم بالتقويم الإسلامي. وتصل الاحتفالات إلى ذروتها في التّاسع والعاشر من محرم، اللّذين يصادفان في 18 و19 فبراير/شباط من العام الحالي. نحو 70 بالمائة من سكان البحرين مسلمون شيعة، والبحرين هي الدّولة الوحيدة من بين دول مجلس التّعاون الخليجي التي تسمح بإقامة احتفالات علنية واسعة النّطاق بعاشوراء. شيعة البحرين فخورون بوضعهم الفريد في المنطقة: أحد معارفنا تفاخر بأن الشّيعة حافظوا على هذه التّقاليد لقرون قبل مجيء أسرة آل خليفة (السّنية) الحاكمة إلى الجزيرة.

4. تشتهر عاشوراء على الأغلب بمسيرات يمشي فيها المؤمنون في مواكب يغطيها الدّم النّاتج عن ضرب النّفس بالسّيوف وجرح الرؤوس والظّهور بالسّكاكين (ما يسمى بــ"الحيدر" باللّغة العربية)، وهو يرمز إلى معاناة الحسين. وفي حين كان هذا المشهد البارز والرّهيب ظاهرًا في وسط المنامة، بالتحديد في صبيحة العاشر من محرم (19 فبراير/شباط)، أشار البحرينيون الشّيعة إلى أن احتفالات عاشوراء تحمل في طياتها أكثر من إسالة الدّماء. إنهم يلفتون إلى أنه في هذا العام تحديدًا، نظمت التّجمعات الشّيعية (المآتم) في كل من العاصمة والمدن الأصغر منها والقرى، محاضرات منتظمة حول الأحداث والشّخصيات المحيطة بعاشوراء، و"مسرحيات عاطفية" تصف معاناة الحسين، وتبرعات بالدّم لدعم المستشفيات المحلية، ومجسمات ورقية تشير إلى شهادة الحسين، على غرار مجسمات ولادة السيد المسيح. وفي مساحة شاغرة، على جانب الشارع الذي يقع عليه مستشفى الإرسالية الأمريكية المعروف، وسط المنامة، يقدّم علماء دين شيعة، من بينهم واحد على الأقل ذو أصل إيراني، محاضرات بلغة إنجليزية جيدة، للأجانب المهتمين.

عاشوراء 7

نماذج مختلفة من المشاركين في طقوس المواكب

5. على الرّغم من كونها أقل دموية، فإن مواكب عاشوراء في ليل التّاسع من محرم، 18 فبراير/شباط، كانت لافتة من حيث الحجم والتّنوع والحماسة الدّينية. وباستثناء مجموعة من حوالي عشرة شبان ضربوا ظهورهم بالسّيوف والسّكاكين، لم يجرح الآلاف الذين شاركوا في المسيرة أنفسهم. وقد مشت معظم المجموعات، التي نظمتها المآتم، في صفوف (مؤلفة من الرّجال فقط) ترافقهم أحصنة من دون ركاب، وخطباء يلقون أناشيد عبر أنظمة صوتية محمولة، وطبول ويافطات، والنعش الرمزي الخاص بالمناسبة. إحدى المجموعات رافقتها فرقة يرتدي أعضاؤها زيًا موحدا من الساتان الأسود مع أوشحة ذهبية، تشابه مشهد موكب جنائزي على موسيقى الجاز "ديكسيلاند" في مدينة نيو أورليانز الأمريكية.

6. تعرف (تسمّى) المآتم من خلال موقعها في منطقة ما من البحرين، أو من خلال الأصل العرقي لأعضائها. هناك مآتم للشّيعة من أصول بحرينية، الذين يدعون بـ "البحارنة"، ولذوي الأصول الفارسية الذين يحظون بجنسيات بحرينية، ويدعون بـ "العجم" (بعض هذه العائلات موجودة في البحرين على مدى أجيال لكنها تُعتبر فارسية)، وللعمال الوافدين من شبه القارة، ومعظمهم باكستانيون، وللسعوديين من المنطقة الشّرقية الذين يستطيعون ممارسة شعائرهم الدّينية في ظل حرية نسبية. وتؤدي كل من هذه المجموعات نمطًا خاصًا من جلد الذّات في انسجام تام. ويضرب عدد منهم صدورهم بأيديهم اليمنى برفق، ويؤدي آخرون حركات إيقاعية معقّدة، مشابهة للرّقص، تنتهي بضربة عنيفة على صدورهم بكلا اليدين، فيما تضرب مجموعات أخرى بعنف ظهورها بسلاسل مجدونة، متصلة بمقابض خشبية. هناك مستوى معين من "اللهو"، والمزايدة المراهقة في الحماس الذي يظهره بعض المؤمنين. أفراد مجموعات صغيرة، مكونة من إخوة وأقارب وأصدقاء مقربين، على ما يبدو، يحثون بعضهم البعض على إظهار المزيد من الحماسة في الصّراخ والدّعاء واللطم.

7. تصطف على طريق الموكب أكشاك أنشأتها المآتم، يتم فيها توزيع المشروبات السّاخنة والباردة والأطعمة المجانية لكل الحضور، بمن في ذلك موظفي السّفارة (الذين كان من الواضح أنهم غير بحرينيين). المتطوعون في الأكشاك يبذلون أقصى جهودهم لجعل الأجانب يشعرون بأنهم مرحب بهم، ويقدمون شخصيًا الطّعام والشّراب إلى أولئك الواقفين مباشرة أمامهم. كما أنهم يتقدمون باتجاه المواكب لمسافات قصيرة لتزويدهم بالمرطبات، تمامًا كما يفعل المتفرجون عند تقديم المشروبات إلى المتسابقين في الماراثون. يشاهد كثير من النّساء والأطفال المواكب من جوانب الطّرقات أو من النّوافذ، في إضافة إلى الأجواء التي تبدو كرنفالية تقريبا.

عاشوراء 77

عرض علني لصور علماء الشّيعة

8. تنتشر عدة صور، بما في ذلك صور كبيرة جدا للخميني والخامنئي، على طول طريق الموكب في قلب المنامة. ويوجد على الجدران ملصقات تحمل صور الإيرانيين الاثنين وأيضًا أمين عام حزب الله نصر الله. وعلى الرّغم من أن موظفي السّفارة لم يروا أي أعلام لحزب الله، غير أن متفرجين آخرين رأوا ذلك. وجاءت بعض الملصقات كاحتجاج على المادة الـ 56 من دستور البحرين 2002***، الذي يمنح عفوًا عامًا لمجموعة، بينهم عناصر من قوات الأمن، يتهمهم الشّيعة بتعذيب وقتل معتقلين خلال صراع منتصف التّسعينات. وتظهر هذه الملصقات صور أجساد القتلى في الاشتباكات مع قوات الأمن وأثناء الاعتقال. وحمل عدد قليل من المشاركين في المواكب شارات كُتِب عليها "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" بالفارسية.

الشّيرازيون في أقصى الحدود

9. وفقًا لمصادر شيعية، فإن الطّرق المختلفة في إحياء ذكرى عاشوراء تعكس مدارس عقائدية مختلفة في المجتمع الشّيعي. يتبع البحرينيون الشّيعة اتجاهات مختلفة داخل الطّائفة الشّيعية، بما في ذلك اتجاهات الخميني والخامنئي والخوئي وفضل الله والسّيستاني والشّيرازي. في أواخر الثّمانينيات، أصدر الخميني فتوى مفادها أن ضرب الحيدر وإسالة الدّماء "حرام" أو غير مقبول شرعًا. وأوصى بأن يتبرع الشّيعة بدمائهم بدلًا من ذلك. وما تزال أغلبية شيعة البحرين تتبع تعليماته. غير أنه، وبعد سنتين فقط، عارض ذلك آية الله محمد الشّيرازي (المتوفى حاليًا)، زعيم الحركة الشّيرازية الأكثر تطرفًا، وأفتى بأن ضرب الحيدر هو أمر مقبول دينيًا. وتزامنت فتواه مع الانفتاح السّياسي الأكبر في البحرين، الذي أدت إليه سياسات الملك في الإصلاح، وسرعان ما عاود مؤيدو الفلسفة الشّيرازية استئناف هذه الممارسة الدّموية، التي ينظر إليها عدد من الشّيعة غير الشّيرازيين بعين الاشمئزاز.

10. مأتم القصاب في وسط المنامة هو مركز الشّيرازيين في البحرين. وتديره أسرة آل العلوي. وينتمي إلى هذه الأسرة وزير العمل والمعارض المنفي السابق مجيد العلوي، ولكنّ علاقته غير وثيقة بفرع الأسرة المسؤول عن مأتم القصاب. وتقول مصادرنا إن كل الرّجال الذين يضربون الحيدر في مواكب عاشوراء هم أعضاء في هذا المأتم. وقد زعم أحد المصادر أن عددّا من السّعوديين الشّيعة الذين يأتون إلى البحرين خلال الاحتفالات هم أعضاء في الحركة الشّيرازية ويجرحون أنفسهم أيضا في المواكب الدينية.

حيدر 7

هامش:

* تم اقتطاع ترجمة الفقرتين الأولى والثانية، والفقرة الأخيرة من البرقية، كونها تتكلم عن قضية الصورة والأعلام في 2005، وقد استعرضت تفاصيل في التقرير السابق، برقية رقم 3

** التصنيف السرّي يعني أن كشف الوثيقة قد يعرّض الأمن القومي الأمريكي لضرر خطير، وأن عدد الذين لهم الصلاحية للاطلاع عليها محدود

*** هذا الوصف خاطئ. المقصود هو المرسوم بقانون رقم 56 لسنة 2002، وليس المادة 56 من الدستور.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus