التعليق السياسي، بلجريف يرسم أعلام عاشوراء ووزير الداخلية ينزعها

موكب عزاء في البحرين بريشة بلجريف
موكب عزاء في البحرين بريشة بلجريف

2015-10-21 - 7:38 ص

مرآة البحرين (خاص): اعتاد وزير الداخلية ممثلاً للملك أن يجعل من  عاشوراء ساحات حرب مع ذاكرة شعب لم يعرف طوال تاريخه سوى التشبع بثقافة التشيع وما يرتبط بها من شعائر تتمركز حول رفض الظلم والتشهير بالظالم وتحديه "هيهات منا الذلة".

نزعت وزارة الداخلية أعلام ولافتات عاشوراء المعتادة بحجة، مخالفة قانون الالتزام بأماكن وضع الرايات والشعارات والخطر على الحركة المرورية والاعتداء على الشوارع العامة واستخدام لافتات سياسية  وصور وأعلام لا علاقة لها بعاشوراء

السؤال من الذي يحدد المجال العام في القرى والمناطق والمدن؟

ساحات القرى والمناطق والمدن، مساحات للتعبير عما يريده أهل هذه المناطق؟ يمارسون فيها ما يشتركون فيه. السلطة وظيفتها حماية هذه المساحات من أي اعتداءات تضر بحرية الناس العامة في ساحاتهم، لكن السلطة بالبحرين، هي من يضر بشكل طفولي بهذه المساحات المشتركة، وتتذرع بحجج لا يصدقها وزير الداخلية نفسه، يعرف أنه يكذب ولا يريد أن يقول إنه يلاحق مساحات الحرية الدينية المتجذرة في ثقافة هذه الشعب بدون أن تنتظر منحة السماح من أحد.

قبيل بدء موسم (عاشوراء) نشرت صحيفة موالية خبر "مصادر عن اجتماع أمني مهم لوزير الداخلية مع المحافظين اليوم".

وأكدت المصادر حسب الصحيفة حرص وزير الداخلية على تفعيل المحافظات لدورها القانوني [بمعنى تطويع القانون لتطويق حرية الناس في ممارسة ثقافة عاشوراء في رفض الظلم]  وتكثيف تواصل المحافظين مع المواطنين [أي البحث عن وساطات وواجهات لضبط سلوك الناس الثوري في عاشوراء واحتوائهم وتحميل المسؤولية في رقاب أصحاب المآتم] والجهات الخدماتية لتوفير أفضل الخدمات للمواطنين [صبغة دعائية لتحسين صورة السلطة كراعي لحرية الممارسة الدينية].

يعمل وزير الداخلية كشرطي يلاحق رموزاً لا يمكن الإمساك بها، أو السيطرة على مجالها، فعاشوراء ثقافة عامة ومتجذرة في الفضاء العام، وهذا ما أراده مستشار حكومة البحرين منذ الخمسينيات، وكان يستقبل هذه المناسبة بترتيب اجتماعات أمنية لحفظ سير إحياء الشعيرة من غير صدامات أمنية تخل بأمن المجتمع "الأحد 5 سبتمبر/أيلول، 1954م، اجتماع مع ضبّاط الشرطة لمُناقشة ترتيبات عاشوراء..."

لم يحدثنا بلجريف أنه نزع أعلام عاشوراء، بل احتفى بها وخلدها في لوحاته، ولم يحدثنا عن إطلاق مسيلات الدموع على المعزين بل حدثنا عن محاولته إيقاف الموتورين الطائفيين من الاعتداء على الحريات الدينية. لكنه سجل لنا استياءه الشديد من التوظيف السياسي لعاشوراء، أراد أن تبقى المناسبة في إطارها الديني من غير توظيف سياسي. سعى لحمايتها وحاول التحكم في محتواها، ولم ينجح كما أنه لن تنجح السلطة اليوم في فرض تحكماتها في طريقة توظيف رسالة عاشوراء.

يسجل لنا بلجرايف في يومياته توظيف زعماء هيئة الاتحاد الوطني لخطاب عاشوراء توظيفاً سياسيا وطنيا "اثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول، 1954م، بعد الظهر تجمّع كبير في مسجد للشيعة، إنه أمر اعتيادي بعد مرور أربعين يوما على محرم (ذكرى عاشوراء) ولكن تم توجيهه من قبل عدد من الشباب المناهض للحكومة إذ ألقوا خطابات عنيفة للمطالبة بـ "مجلس" وكذلك أبدوا بتصريحات متطرفة، منهم "بحر" الذي ألقى خطاباً. إنه لأمر مزعج حيث تضمّن الاجتماع شيعة وسُنّة بدوا جميعاً في رأي واحد"

كان واضحاً سبب انزعاج بلجريف، إنها المطالب السياسية التي توحّد فيها السنة والشيعة، لكن السلطة اليوم لا تستطيع أن تكون بوضح بلجريف، وتكشف سبب نزعها للأعلام واللافتات، لأن الأمر يتجاوز الانزعاج السياسي ويصل إلى حد الضيق العقائدي والحقد الطائفي.

لم يستهدف بلجريف ولا مرة شعائر دينية أو مؤسسات دينية، لكن السلطة والمحسوبين عليها اليوم استهدفت مأتمي الهملة ودمستان وقبله مسجد في الدراز، وأطلقت غازات مسيلات الدموع السامة، وقدمت حولها تبريرات هزيلة مثل عدم وجود بلاغ أو التعامل معها على أنها مجرد تلفيات، والتوجه بدلاً من ذلك لنزع مظاهر عاشوراء في عدة مناطق بحرينية كل يوم.

ماذا لو رسم وزير الداخلية لوحة لعاشوراء، بدلاً من أن يناطح لمحو ما لا يمكن محوه "... لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا"

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus