ميدل إيست آي: المملكة المتحدة تخاطر بالمصالح البريطانية بدعمها للبحرين

2015-08-24 - 5:43 ص

جيما فوكس، موقع ميدل إيست آي

ترجمة: مرآة البحرين

نشر مكتب وزارة الخارجية والكومنولث البريطاني مؤخرًا تقرير مخاطر التجارة ما وراء البحار المتعلق بالبحرين. محللًا احتمالات التّجارة البريطانية في المملكة، استنتج التّقرير أن "البحرين هي شريك مهم وقاعدة للشّركات البريطانية في الخليج، نظرًا لموقعها كمركز تجاري رئيسي في المنطقة".

وقال التّقرير إن عوامل عوامل كالنمو الاقتصادي القوي والإصلاحات السّياسية الإيجابية والاقتصاد المتنوع بازدياد تُعَد "أسسًا جيدة" لثقة المستثمر.

مع ذلك، مع استمرار الاضطراب السّياسي، وانخفاض أسعار النّفط وارتفاع نسبة الدّين الحكومي والممارسات التّجارية غير الأخلاقية، هل الأعمال التّجارية البريطانية مُعرضة للخطر في البحرين؟
انعدام مستمر للاستقرار السّياسي منذ سنوات

التّوقعات التي قدمها مكتب وزارة الخارجية والكومنولث البريطاني عن البحرين إيجابية جدًا. حوجِج بأن انتخابات العام 2014 كانت "شفافة"، وأعرب التّقرير عن خيبة الأمل من رفض المعارضة المشاركة فيها.

مع ذلك، تتناقض تصريحات مماثلة تمامًا مع آراء مراقبين مستقلين: صنّف فريدوم هاوس، وهو مركز أبحاث متمركز في واشنطن يقال إنّه على علاقة وثيقة بوزارة الخارجية الأمريكية، البحرين بشكل ملفت على أنّها بلد "غير حر" ووضع الحقوق السّياسية في أدنى تصنيف ممكن.

حتى في داخل ويستمنستر، لطالما طالبت لجنة الأعمال الخارجية وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية بـتقبل الأمر وإدراج البحرين كـ "بلد مصدر قلق"، استنادًا إلى عدم إيجادها أي دليل على أي إصلاح سياسي أو ضمانات لحقوق الإنسان في البلاد. ووصفت لاحقًا عدم استعداد وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية للقيام بذلك بالـ "متلون سياسيًا".

على مستوى الانتخابات، مركز فريدوم هاوس لا يحاجج فقط بأن "عيوبًا خطيرة"، بما في ذلك التّلاعب الانتخابي، جعلت الانتخابات غير حرة وغير نزيهة، بل يشير إلى واقع كون كل زعماء المعارضة في السّجن.

ويزدري تقرير وزارة الخارجية والكومنولث أيضًا الاحتجاجات الواسعة النّطاق المطالبة بالديمقراطية بوصفها بمجرد "استياء واضطراب لدى أجزاء من الطّائفة الشّيعية". مخفضًا توصيفها إلى قضية طائفية ذات وجه واحد، يفشل التّقرير في الاعتراف بالمظالم الأكبر التي يشتكي منها كل من البحرينيين السّنة والشّيعة على حد سواء.

تسلط إعادة اعتقال زعيم المعارضة العلماني السّني ابراهيم شريف الضّوء على زيف موقف وزارة الخارجية والكومنولث، ومع ذلك، في حين أدانت الولايات المتحدة الأمر، اختارت وزارة الخارجية البريطانية الصّمت.

منذ فبراير/شباط 2011، حين اندلعت الاحتجاجات في العاصمة المنامة، قُتِل 130 شخصًا على الأقل واعتُقِل أكثر من 3500 شخص، و 180 شخصًا على الأقل جُرّدوا من جنسياتهم على يد السّلطات البحرينية.

بدلًا من الاعتراف بالوضع المتدهور في البحرين، وصفت الحكومة البريطانية المنامة بأنّها "تنتهج المسار الصّحيح" واستشهدت بتشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق كمثال أساسي على الإصلاح الإيجابي.

وألمحت وزارة الخارجية والكومنولث أيضًا إلى كون السّلطات البحرينية نفذت "الكثير" من التّوصيات الـ 26 للإصلاح التي أصدرتها اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.

مع ذلك، يتناقض هذا الاستنتاج تمامًا مع تصريحات رئيس اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، الذي وصف تنفيذ الحكومة للإصلاحات بـ ""غير المنتظم" والمنهج العام بأنّه يبيض سمعة البلاد.

مع التّعذيب المنهجي، والاعتقالات التّعسفية والاختفاءات، توقعت صحيفة الإيكونوميست أن المشهد السّياسي سـ "يبقى غير مستقر" على الأقل خلال السّنوات الأربع المقبلة حتى العام 2019.

منذ نشر اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، لم يقتل 50 شخصًا على يد القوات الحكومية فقط، بل سُنّت قوانين جديدة تُجَرّم التّظاهرات السّياسية وتُعَرض المواطنين للسّجن لمدة قد تبلغ سبع سنوات بسبب "إهانة الملك". اعتُقِل مدافعون بارزون عن حقوق الإنسان، بمن فيهم عبد الهادي الخواجة وعبد الجليل السنكيس، بشكل تعسفي وتعرضوا للتّعذيب.

شكّلت أوضاع السّجن وسوء معاملة المعتقلين موضوع تدقيق شديد من قبل منظمات دولية غير حكومية، لكن، على الرّغم من توصيات اللّجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، لم يحاسب أي مسؤول حكومي على خلفية تورطه بأعمال التّعذيب.

طاقة البحرين ستنفد

على الرّغم من الاضطراب السّياسي البارز، تصف وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية البحرين بأنها "مكان جيد للقيام بأعمال تجارية"، استنادًا إلى معدلات نموها المطردة واقتصادها الملائم للأعمال التّجارية. على مستوى النّمو الكلي والنّاتج المحلي الإجمالي، يزعم التّقرير أن الاقتصاد كان يتوسع باستمرار على مدى السّنوات الخمس الماضية، ويشير إلى أن التوّقعات "إيجابية جدًا". مع ذلك، على الرّغن من كونها البلد الأكثر تنوعًا على المستوى الاقتصادي بين الدّول السّت في مجلس التّعاون الخليجي، يستمر الاعتماد المفرط للبحرين على النّفط في الإضرار بنموها وأرباحها التّجارية.

في حين تنمو القطاعات غير النّفطية في البحرين، لا يزال قطاع النّفط والغاز يشكل حوالي 20 بالمائة من النّاتج الإجمالي المحلي، ووجد صندوق النّقد الدّولي أن هناك "تقدمًا محدودًا على مستوى التّنوع". ومع انخفاض أسعار النّفط بنسبة 45 بالمائة بين العامين 2014 و2015، يتباطأ نمو الاقتصاد البحريني على نحو ملحوظ.

وكنتيجة لذلك، ارتفع سعر التّعادل لبرميل النّفط في البحرين إلى 125 دولار للبرميل الواحد. وفقًا لكلية لندن للاقتصاد، سعر التّعادل الآن أعلى من الأسعار الحالية للنّفط في البحرين، ما يؤدي إلى وضع تنفد فيه قوة البلاد في نهاية المطاف.

دفع هذا التّوقع السّلبي وكالة موديز لخفض التّصنيف الائتماني للبحرين من Baa2 إلى Baa3.

ليست تقلبات السّوق فقط وحدها مرتبطة إيجابيًا من بين الصّناعات في البحرين، لكن القوة المالية للحكومة مرتبطة بقوة النّفط. عادة، يمكن للحكومات زيادة الإنفاق لتحفيز الاقتصاد وحمايته من التّباطؤ؛ مع ذلك، في حالة البحرين، كانت احتياطيات الحكومة في عجز مستمر منذ العام 2009، بلغ متوسطه 4 بالمائة من النّاتج المحلي الإجمالي.

وفي حين يشكل احتياطي النّفط أكبر مساهم في اقتصاد البحرين بنسبة 90 بالمائة، فإن المرونة المالية محدودة إلى حد كبير.

لذلك، النّظرة المستقبلية للمملكة قاتمة، مع تنبؤ وكالة موديز في أبريل/نيسان بأن الازدياد في الإنفاق في المملكة سيؤدي إلى ارتفاع الدين الحكومي إلى أكثر من 70 بالمائة من النّاتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2016.

التّمييز المؤسساتي

يتضمن تقرير وزارة الخارجية والكومنولث قسمًا عن "التّجارة وحقوق الإنسان"، وهو مضلل للغاية في وصف قانون العمل البحريني للقطاع الخاص رقم 36 الصّادر في العام 2012 بأنّه "مطابق على نحو وثيق للمعايير الدّولية"، في "منح الموظفين المزيد من الحقوق على نحو ملحوظ".

وجد تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش أنّ القانون ليس فقط سيء التّطبيق في الممارسة العملية، بل يفشل أيضًا في "التّصدي للممارسات التّعسفية الأكثر شيوعًا، ألا وهي ساعات العمل الزّائدة" للعمال المهاجرين.

علاوة على ذلك، فإن الإشارة إلى وجود "مواد أكثر لقواعد مكافحة التّمييز" تتجاهل واقع أن البحرينيين الشّيعة لا يزالون "يشغلون أقل من 18 بالمائة من إجمالي الوظائف العليا في المؤسسات الحكومية"، وفقًا لمركز البحرين لحقوق الإنسان، وأنّ الوظائف في الشّرطة والقوات المسلحة متاحة فقط للبحرينيين السّنة.

يحتاج هذا التّمييز المؤسساتي في البحرين إلى الاعتراف به من قبل وزارة الخارجية والكومنولث، إذ إنّه يؤدي إلى تفاقم التّوترات الطّائفية بشكل ملحوظ.

تقرير وزارة الخارجية والكومنولث غير محق أيضًا في التّصريح بأنّ "القانون يغطي وضع كل شخص موظف بشكل شرعي". فكما هو مبين بوضوح في المادة الثّانية، "يجب أن لا تنطبق أحكام هذا القانون على الموظفين المحليين، والأشخاص الذين يتمتعون بالرّتبة ذاتها، بمن فيهم العمال الزراعيين وحراس المنازل والمربيات والسّائقين والطّباخين".

يشكل العمال المهاجرون حوالي 77 بالمائة من القوى العاملة، ويعمل غالبيتهم في وظائف مؤقتة وضعيفة، وهي وظائف ذات أجر منخفض، لا تتطلب مهارات عالية، ويخضعون للعمل لساعات طويلة، في ظروف عمل قاسية.

وحيث إن العمال المهاجرين يعتمدون على صاحب العمل في ما يخص وضعهم القانوني والكفالة، تصادر جوازات سفرهم غالبًا وتقيد حريتهم في التّنقل. يمكن حجب الأجور، وتجد النساء العاملات في المنازل أنفسهن "بشكل خاص معرضات للاعتداء النّفسي والجدسي والجنسي".

الشّركات البريطانية في خطر

يُعد تقرير مخاطر التجارة ما وراء البحار لوزارة الخارجية والكومنولث البريطانية في أفضل الحالات مُضللًا، وفي أسوأ الحالات خاطئًا تمامًا وخاليًا من الأدلة الدّقيقة. تصور النّظرة العامة السّياسية للبحرين المملكة على أنّها ديموقراطية ومستقرة وإصلاحية، وتنسب الاضطرابات الأخيرة إلى أقلية صغيرة من المتطرفين الشّيعة.
هذه الرّواية خطيرة.

باختيارها تقديم مصالح العلاقات الحكومية بين المملكة المتحدة والبحرين على المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، كالاستخدام المنهجي للتّعذيب وازدياد العنف، تعرض وزارة الخارجية والكومنولث البريطانية المصالح البريطانية للخطر.

حتى على مستوى الاقتصاد البحريني، يبدو تقرير مخاطر التجارة ما وراء البحار إيجابيًا على نحو مفرط ويتناول بشكل غير ملائم مخاطر الأعمال البريطانية في المملكة، من خلال التّركيز على معدلات النّمو الماضية على أنها تتعارض مع الانخفاض الأخير في الرصيد والتّوقعات الاقتصادية السّلبية.

قد تكون كيفية العرض غير الدّقيق من قبل وزارة الخارجية والكومنولث لقوانين العمل الأخيرة على أنّها شاملة ومناهضة للتّمييز أكثر مدعاة للقلق. في حال أراد كبار رجال الأعمال تقييم المخاطر المحتملة للاستثمار في البحرين، يحتاجون بالتّالي لتخطي تقرير مخاطر التجارة ما وراء البحار للعثور على تقارير موثوقة ودقيقة ومحايدة.

من حيث موقعها الحالي، ستعرض الشركات البريطانية نفسها لخطر سياسي واقتصادي كبير في حال اختارت الاستثمار في البحرين.


التّاريخ: 14 أغسطس/آب 2015
النّص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus