بعد يومين من "الشحاذة" في وزارة التربية.. ابنتي المتفوقة: لا أريد منهم شيئاً يا أمي!
2015-07-27 - 8:10 م
مرآة البحرين (خاص): لليوم الثاني على التوالي أحج إلى وزارة التربية والتعليم مع ابنتي الحاصلة على تقدير 96% والتي لم تحصل على أي من رغباتها الـ12 التي سجلتها ضمن ترشيحات البعثات المعروضة. الإذلال هو أخف ما يمكن أن أقوله عما يتعرض له الطلبة المتفوقون وأولياء أمورهم في وزارة التربية هذه الأيام. الاذلال الذي يجعلك تشعر بأنك لست أكثر من "شحّاذ"، هذا باختصار ما خلصت إليه خلال هذين اليومين، وأنا أخرج خالية الوفاض من كل شيء، إلا من ضربة الشمس اللاهبة فوق رأسي.
استأذنت من عملي يوم أمس 26 يوليو 2015، وذهبت إلى مبنى وزارة التربية والتعليم بعد الساعة العاشرة والنصف صباحاً، كم كنت متفائلة (هههههه)، تصورت أني أذهب لمكان منظم ومريح أقوم فيه بتعبئة الأوراق المطلوبة وأنتهي خلال ساعة من الزمن. على الأقل هذا ما صورته لي أوهامي الساذجة.
ما إن وصلت إلى بوابة وزارة التربية حتى تفاجأت بحشود السيارات الواقفة في الخارج والتي اصطفت طوال سور الوزراة من جهة وسور وزارة الإعلام المقابل لها من الجهة الثانية، لم أجد منفذاً لإقحام سيارتي إلا بعد أن حرّك أحدهم سيارته مغادراً. أوقفت سيارتي عند سور وزارة الإعلام ورحت أسير علـى قدمي في هذا الطقس اللاهب نحو بوابة الوزارة. أذهلني -بينما أن أهم بالدخول من البوابة- طابور طويل معطل من السيارات التي تنتظر الدخول نحو مواقف السيارات بالداخل، حمدت الله شكراً أني لم تأخذني الحماقة إلى أن أفكر في الدخول بسيارتي.
تقدمت بضعة أمتار داخل الوزارة وأنا أتصبب عرقاً من شدّة الحر، فإذا بأحد رجال الأمن يشير لي بالعودة إلى المدخل من جديد لضرورة تسجيل اسمي، وأنه في حال عدم تسجيل اسمي لن يسمحوا لي بدخول المبنى. شعرت أنني أدخل مكان أمني لا مكان خدماتي. عموماً، توجهت نحو كابينة التسجيل وأخذوا بطاقتي السكانية. ومنها نحو موقف الباص الذي ينقل المراجعين نحو مبنى (1) حيث استكمال الإجراءات.
وقفنا دقائق، كانت أعدادا كبيرة من أولياء الأمور والطلبة قد سبقونا في الانتظار، جاء الباص، كان ممتلئاً على آخره بالمراجعين الذين أتى بهم عكسياً من مبنى (1). نزلوا وصعدنا. كانت الأجساد تتصبّب عرقاً، والتكييف في الباص كأن لا وجود له: "لا بأس" قلت لنفسي، "أفضل من المشي تحت لهب الشمس مباشرة".
وصلنا المبنى، كان عشرات المراجعين ينتظرون العودة، فيما يروج المبنى من الداخل. لم ألبث طويلاً، فسرعان ما أخبرني رجل الأمن الواقف قريباً من القاعة التي يتم فيها التسجيل أن الأرقام نفدت: "تعالوا بكرة"، استفسرت: "أي أرقام؟"، أجاب: الدخول بالأرقام وقد نفدت لهذا اليوم. سألت: كم عددها؟ أجاب: 70، وأردف القاعة ممتلئة، يتم استدعاء المراجعين حسب الأرقام، وهم ما يزالون حتى الآن في العشرينات!! سألت: وفي أي وقت يبدأ التسجيل؟ أجاب: التاسعة. قلت: لكني في العمل ولا أستطيع الخروج كل يوم. قال: "جيت متأخرة وايد، تعالي بكرة من وقت قبل تسع عشان تحصلين رقم". لم يكن لي بد من الانصراف، ورغم صعوبة استئذاني من عملي إلا أنه لا مجال آخر لي، وليس هناك أحد غيري يمكنه أن يتابع الأمر مع ابنتي.
وزارة التربية للمراجعين: الارقام نفذت.. عودوا غداً |
لم يكن بين خيارات ابنتي أي من التخصصات الصعبة، تلك التي تشهد طلباً استثنائياً كالطب والهندسة، كان كل ما سجلته هي تخصصات متوافرة في جامعة البحرين من علوم الحاسوب وتخصصات تجارية أخرى، لكنها لم تحصل على أي منها، واخبرها موقع الوزارة عندما راحت تبحث عن رقمها بأنها: مرشحة لمنحة. ما المنحة؟ مبلغ تمنحه وزارة التربية للطالب المتفوق قدره 400 دينار بحريني في العام الدراسي كاملاً.
اليوم 27 يونيو 2015، استأذنت من عملي باكراً، شرحت ظروف يوم أمس لمسؤولي، أبدى تفهماً وسمح لي، توجهت مع ابنتي إلى الوزارة عند السابعة والنصف، حملت معي كتاباً وأملاً، قلت سيكون وقتي طويلاً حتى يفتتحوا القاعة للتسجيل، سأتدبر وقتي بالقراءة، وإن انتظرت داخل القاعة طويلاً، سيكون الكتاب تسلية تشعرني أن وقتي في أمان.
لم يكن عدد السيارات خارج بوابة الوزارة مثل يوم أمس، كانت تلك بشارة لي أنني مسيطرة على الوقت، أوقفت سيارتي خارجاً ودخلت راجلة، الشمس تترجل فوق رؤوسنا أيضاً، لكن لا يهمّ سننتهي من هذا اليوم. نسير في الخطوات ذاتها: التسجيل، الباص، إلى المبنى، نصعد العتبات نحو القاعة المخصصة للتسجيل، ظننت أننا أول من وصل، تفاجأنا بأن كثيرين غيرنا كانوا قد سبقونا، بعضهم أتى هنا عند الساعة السادسة: "يا للهول.. حالتنا حالة" قلت، غمزت لي ابنتي: "هل ظننت أنك الذكية الوحيدة التي ستفكرين هكذا؟ " ضحكنا. أجبتها "الأعداد ما تزال تحت السيطرة، نحن بين العشرات الأولى التي حضرت". لكن الأعداد أخذت في التزايد بسرعة رهيبة، خلال نصف ساعة كان الممر قد امتلأ تقريباً، وقبل التاسعة كانت الأعداد قد غطت كامل الممر المؤدي إلى القاعة، فضلاً عن السلالم وكل المكان. تقدمت شرطة الأمن وطلبت منا التراجع إلى الخلف قبل أن يبدأ توزيع الأرقام. تدافعت الحشود المكتظة، صار ما يشبه الموجة، قذفتنا الموجة خطوات إلى الوراء. في لحظة واحدة توزعت الأرقام، لا أدري كيف، وفجأة أيضاً سمعت صوت: خلصت الأرقام اليوم، اللي ما حصل يروح ويرجع بكرة!!
بقيت مدهوشة، أريد أن أصرخ، أن أصل، أن أقول أنا هنا منذ السابعة والنصف، أنا أتيت قبل هؤلاء، لم أستطع التقدم خطوة للأمام، الجميع كان مستنكراً، للتو صارت الساعة التاسعة؟ كيف تنتهي الأرقام قبل أن يبدأ وقت التسجيل؟ أي مسخرة هذه يا وزارة التربية، هل تهزؤون بنا!!!
شعرت نفسي أمتلئ بالغضب وأريد أن أصرخ، لكن الأنفاس المكتظة التي اختلطت برائحة العرق والقهر والشعور بالإذلال كانت أقوى من قدرتي، لم أعد قادرة على الوقوف في مكاني أكثر، كدت أختنق، تراجعت للوراء وخرجت من الباب لألتقط أنفاسي. لم أستطع العودة للداخل مرة أخرى. رأيت المتفوقين يخرجون مطأطئين أكتافهم من اليأس والإحباط والقهر. يتبادلون نظرات الخيبة والإذلال المكسور. لا أحد يستوعب عمق هذه النظرات إلا متفوقو البحرين فقط.
بقيت واقفة مكاني لا أعرف ماذا أفعل. قالت لي ابنتي: "أشعر أني أشحذ حقاً طبيعياً لي يا أمي، وأني آتي هنا برجلي كي أهان باسم هذا الحق". ثم أردفت: "لا أريد منهم بعثة يا أمي، لا أريد منهم شيئاً، أريد الخروج من هنا فوراً وحسب".