ذنوب السلطة الكبيرة في رمضان منذ 2010: توترات واضطرابات وعزة بالإثم
2015-07-17 - 11:50 م
مرآة البحرين (خاص): ينقضي اليوم شهر رمضان الخامس، في زمن الثورة. رمضان الثورة تحوّل إلى شهر مميّز ومخيف سياسيا، منذ العام 2011. وبدلا من أن يكون شهرا للكسل والتراخي، بات شهرا يثير قلق النظام بشدّة.
في الجو السياسي، كان يفترض أن يكون شهر رمضان شهرا هادئا جدا، صيام في النهار، وفي الليل زيارات اجتماعية، أدعية، مآتم، مقاهي، والكثير الكثير من البرامج التي يمكن أن تشغل الجميع. على العكس من ذلك، كان رمضان شهر ثورة في البحرين رمضانا سياسيا بامتياز، ساخنا أكثر من حرارة صيفه التي تصل إلى الخمسين، ومضطربا متحرّكا، يضرب فيه المثل الأعلى.
تحسب الحكومة البحرينية ألف حساب لرمضان، منذ 5 سنوات.
-
رمضان 2010
رمضان في البحرين، بات أحد المؤشّرات السياسية، التي يقاس بها مستوى الصراع والتأزّم في البلاد. بدأ ذلك قبل الثورة بعام. كان رمضان في 2010 مؤشّرا على أن أمرا ما سيحدث قريبا. شهد رمضان 2010 في يومه الأول ما عرف بالأزمة الأمنية، وهي حملة الاعتقالات التي شنّتها السلطات ضد قيادات معارضة ومجموعات شبابية كانت تستمر في تنظيم احتجاجات متفرّقة من وقت إلى آخر.
بدأت حينئذ محاكمة ما عرف بمجموعة الـ 25، من أبرزهم الدكتور عبد الجليل السنكيس، الشيخ محمد حبيب المقداد، علي عبد الإمام، عبد الغني خنجر، الذين تعرضوا إلى تعذيب شديد جدا داخل سجون الأمن الوطني. وكان هناك أمر باعتقال المعارض السياسي المعروف حسن مشيمع، لكنّه كان في لندن يتلقّى العلاج. أثارت هذه المحاكمة، إلى جانب اعتقال المئات من الشبّان قلقا من عودة قبضة التسعينات الأمنية.
كان رمضان ساخنا. كانت الانتخابات النيابة الثانية التي تشارك فيها جميعة الوفاق، على الأبواب أيضا، وبدأت الأوراق السياسية تختلط ببعضها. في نهاية رمضان 2010 كتب رئيس تحرير صحيفة الوسط منصور الجمري مقالا تحت عنوان "رمضان هذا العام ...غير"، قال فيه إن "رمضان هذا العام دخل التاريخ البحريني"، وإن "أيامه مضت بسرعة لأن الأحداث التي مرت بنا كانت جسيمة"، وإن جميعنا سيراجع ما حدث "لاستكشاف الآفاق التي تتحرك نحوها البحرين".
لم يكتب لمحاكمة مجموعة الـ 25 أن تستمر، بعد حوالي 7 أشهر، انطلقت ثورة 14 فبراير 2011، واستجاب الملك في ظرف أيام لأوّل مطالبها، وهو الإفراج عن جميع هؤلاء. أطلق سراحهم جميعا، ورجع الأستاذ حسن مشيمع إلى البلاد.
-
رمضان 2011
في رمضان 2011، كان أغلب هذه المجموعة في السجن مجدّدا، ولكن في السجن العسكري هذه المرّة. ولولا رحمة الله الذي بعث للبحرين المحقّق بسيوني في ذلك الوقت، لكان المعتقلون السياسيون الذي قدّروا بالآلاف صاموا رمضان تحت وطأة ألوان من التعذيب، لم يعرفها تاريخ البحرين الأمني من قبل مسبقا.
رمضان 2011، شهد بداية عمل لجنة تقصي الحقائق، برئاسة البروفيسور محمود شريف بسيوني، وهو ما استدعى إطلاق سراح أعداد من المعتقلين السياسيين، الذين زجّ النظام بهم بالآلاف في السجون، إبّان فترة السلامة الوطنية.
كما شهد رمضان 2011، أول تحرّك للمفصولين عن العمل (على خلفية المشاركة في الاحتجاجات) والذين قدّر عددهم بأكثر من 4000، واعتصم المفصولون في الأوّل من رمضان داخل مبنى وزارة العمل، في احتجاج تاريخي، كما نظّموا مراجعة جماعية للجنة بسيوني، أدّت في نهاية المطاف إلى قيام اللجنة بإغلاق أبوابها 3 أيام بسبب الضغط الهائل الذي تسبّب به الحدث.
رمضان 2011 شهد أيضا، أهم موجة تظاهرات مرّت في ذلك العام، توّجت باستشهاد الفتى علي الشيخ، في سترة، صبيحة يوم العيد. كانت التظاهرات الصاخبة جدا تجري كل ليلة بلا استثناء، مصحوبة بأبواق "يسقط حمد"، وتنتهي بمواجهات أمنية شرسة بين قوات النظام والشبّان المحتجّين، داخل القرى، وقريبا من الشوارع العامة. حضر إحدى التظاهرات في ذلك الشهر لجنة بسيوني نفسها. ونظّمت في هذا الرمضان أيضا، في قرية بني جمرة، إحدى أهم جولات "تقرير المصير"، الذي لا يزال يعتبر أيقونة احتجاج مخيفة للحكومة.
كان رمضان 2011 شاقّا على حكومة البحرين. تجمّعت كل الظروف لتواجه جبروتها. في الشهر نفسه بثّت قناة الجزيرة الإنجليزية الفيم الوثائقي الشهير "صراخ في الظلام"، عن الثورة البحرينية. سبّب الفيلم ضجّة كبيرة، وترجم إلى عدة لغات، وانتشر بشكل واسع دوليا، واستدعى ردود فعل غاضبة من النظام البحريني.
وشهدت الجمعة الأخيرة من رمضان 2011، مسيرات يوم القدس، التي نظّمها هذه المرة ائتلاف 14 فبراير والحركات الشبابية. بعد أن منعت السلطات المسيرة المركزية، دخلت قضيّة القدس إلى كل قرى وأحياء البحرين، وامتزجت تماما بثورة 14 فبراير. المثير أن مسيرات القدس، خرجت فجرا، وظهرا، وعصرا!
-
رمضان 2012
في 2012، ومع مرور الزمن، كان هناك رهان، ليس على تقليل حجم التأثير الرمضاني، بل على إضعاف زخم الثورة كلّه. فشل هذا الرهان. استمرّت التظاهرات والاحتجاجات بشدّة، ولم يتصرّم رمضان إلا وقد سقط شهيد آخر، هو الفتى حسام الحدّاد، الذي قتلته قوّات النظام في الليلة الأخيرة من رمضان، بأحد شوراع المحرَق.
كان رمضان 2012، شهرا للقمع بامتياز، تعرّضت في بدايته أكثر من 70 منطقة لاستباحة قوّات النظام، واستخدمت فيه رصاص الشوزن والقنابل الصوتية وقنابل الغاز بكثافة جدا، كما اعتقل فيه عدد كبير من الشبّان. ومن أهم أحداثه قيام الضابط «تركي الماجد» بالاعتداء على المحامية بلقيس المنامي في منزلها ومهاجمة عناصر «المرتزقة» احتفالات النصف من رمضان، وتطويق المواكب العزائية بنقاط التفتيش في مناسبة استشهاد الإمام علي، في حين اعتدي على عزاء المحرّق، وقذفت قنبلة غاز تجاه أحد المآتم في منطقة البرهامة، وقمعت مسيرات "تكبير" سياسية، كانت قد خرجت فجر اليوم العشرين من رمضان، كما استدعي في ذلك العام منشدون ورؤساء مآتم للتحقيق بشك مواكب العزاء السياسية، والهتافات التي أطلقت فيها ضد رموز النظام الحاكم، وتهديدهم لمنع تداول الشأن السياسي في المآتم.
ونظّمت في 2012 كذلك، جولة أخرى من مهرجان "تقرير المصير"، استخدم التمويه في الإعلان عن مكانها، لضمان نجاح الفعالية، التي هوجمت بشدّة، هي والفعاليات المساندة التي أقيمت في مختلف قرى البحرين في الوقت ذاته، وسقط خلالها عشرات الجرحى، واعتقلت فيها الناشطة زينب الخواجة، التي شاركت رغم إصابتها بطلق ناري قبل شهر من ذلك.
أطلقت في رمضان 2012 السلطات لأوّل مرّة "منطاد التجسس" الذي شوهد يطير على "البلاد القديم"، ثم تحوّل إلى مادة للتندّر، قبل أن يختفي من الساحة.
-
رمضان 2013
رمضان 2013، شهد استشهاد الشاب المطلوب محمود العرادي ورفيقه من قبل الشرطة، في حادث غامض أودى بحياتهما قرب قرية "العكر". جمعية الوفاق اعتبرت شهر رمضان شهر مداهمات واقتحامات للمنازل في البحرين، دوهم فيه أكثر من 300 منزل، وجاءت المداهمات في مختلف أوقات اليوم حتى قرابة وقت الإفطار، وزادت فيه عدد الاعتقالات عن الـ 200. وشهد رمضان 2013 تعرّض مجالس قرآن في قرى شيعية إلى هجوم بقنابل الغاز، من قبل قوّات النظام.
-
رمضان 2014
رمضان 2014، شهد تشييع الشهيد عبد العزيز العبّار، بعد أن بقي جثمانه أكثر من 80 يوما في ثلّاجة الموتى، بسبب تزييف شهادة وفاته. كما شهد هذا الرمضان حادثة هزّت الأوساط الدبلوماسية، وهي طرد مساعد وزير الخارجية الأمريكي توماس مالينوسكي من البلاد.
-
رمضان 2015
في هذا العام... كان رمضان سيبدو شهرا حزينا. كان سينقصه اللقاءات الرمضانية التي اعتاد أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، أن يجريها سنويا، في كل مناطق البحرين. حوّل سلمان، وقيادات وفاقية، شهر رمضان إلى موسم سياسي. وكما كانت قنابل الغاز تصل إلى كل حي من أحياء القرى، كان صوت سلمان يصل إلى كل فرد فيها، كل ليلة. كان صوتا صاخبا جدا أريد له أن يخمد في هذا الشهر. في هذا الرمضان، كان الشيخ علي سلمان في السجن لأوّل مرّة.
رفاق سلمان، ورغم الظرف الأمني، قررّوا أن يخلفوه في هذا البرنامج المهم. راح خليل المرزوق، وسيد هادي الموسوي، ومجيد ميلاد، يدورون من مأتم إلى آخر، وحين قرّرت الداخلية منع هذه اللقاءات، كانت تجري تغييرات عاجلة للمكان. فرضت اللقاءات نفسها ونجحت، وزادت من فشل الحكومة واضطرابها الرمضاني، حتى لو كانت ستستدعي خليل المرزوق للتحقيق مرتين، ثم ستعتقل مجيد ميلاد، للسبب ذاته.
في بداية هذا الرمضان، أطلق سراح المناضل الوطني إبراهيم شريف، بشكل مفاجئ جدا. شريف، الذي يمثّل أحد أهم رموز المعارضة المعتقلين ضمن قضية الـ 13، لم يقض من رمضان سوى 3 أسابيع، أعيد بعدها للسجن بعد خطاب ناري مجلجل، ألقاه في تأبين الشهيد حسام الحداد، الذي سقط في رمضان 2012.
رمضان كان خاليا أيضا من صوت مهم، رجع إلينا في رمضان 2012، بعد انقطاع سنتين. هو صوت نبيل رجب، ومجلسه الذي يعقد في كل سبت. اعتقل نبيل في مايو/أيار 2015 مجددا. لكنّ نهاية رمضان هذا شهدت الإفراج عن نبيل رجب، بذات قدر المفاجأة الذي شهده الإفراج عن إبراهيم شريف وإعادة اعتقاله.
اضطراب أشبه بالاضطرابات المعوية، يصيب السلطة في رمضان من كل عام. رغم العدد الهائل من المعتقلين، ورغم ما سمّاها إبراهيم شريف بـ"استراحة المحارب"، لا زال رمضان يتهدّد السلطة، ويذكّرها بذنوبها.
كل عام وأنتم بخير.