برصاص الشوزن المستقر في قلبه ومعدته وطحاله.. محمد الملا يودع والدته: سامحيني يا أمي
2015-07-17 - 8:10 م
مرآة البحرين (خاص): لم تعهد والدة المعتقل الشاب محمد الملا (23 عاماً) الضعف في طبع ابنها ولا في شخصيته، القوة والصبر هو ما يتميز بهما، لكن في آخر محادثة هاتفية له مساء الجمعة 3 يوليو 2015، بكى سوء حاله وراح يتودع منها كمفارق، ظلّ يردد عليها: "سامحيني يا أمي". كانت هي المرة الأولى التي ينهار فيها محمد أمام والدته ويبكي، لم يعد جسده الفتي فتياً، لم يعد يحتمل الألم، خارت قواه وأصبح عاجزا عن الصيام والصلاة وعن أي حركة بسيطة، وأصبح لا يشتهي الطعام بسبب تقيؤه المستمر، ما جعله يشعر أن جسده يستسلم لموت بطيء، نقل إلى المستشفى مؤخراً، لكنه ما يزال بحالة سيئة جداً.
مضت أكثر من أربع سنوات ومازال جسد محمد محمولاً بالمئات من رصاصات الشوزن. أطلقت عليه أمام مستشفى السلمانية 16 من مارس 2011. لقد خرّقت جسده بالكامل، وتغلغلت في أحشائه وسكنت، ومنذ أن سكنت الرصاصات في داخل محمد، وهو لا يعرف للسكينة معنى. لقد استقرت بعض هذه الرصاصات في جدار قلب أحمد، وبعضها في معدته، وبعضها في الطحال، والكثير منها في رئته، قدرت بما يقارب (120 طلقة). تفاقمت المشاكل الصحية لديه مع تعمد الإهمال الطبي لحالته من قبل إدارة سجن الحوض الجاف، حيث الإهمال جزء من الانتقام لا العقاب.
بدأت مأساة محمد منذ اليوم الأول لاقتحام قوات درع الجزيرة دوار اللؤلؤة، استقل سيارته متوجهاً إلى مستشفى السلمانية حيث مقر عمل والده، وهناك تفاجئ محمد بقوات الأمن تطوق جميع بوابات المستشفى، وعندما هم بالخروج، صوّبت قوات الأمن رصاص الشوزن عليه من مسافة قريبة جداً جعلت القسم الأيسر من جسده غربالاً.
أدخل محمد جناح 64 المسمى حينها بجناح التعذيب. هناك تلقى معاملة قاسية جداً عوضا عن علاجه، ظل مصمد العينين طوال فترة وجوده في الجناح، وبدل أن يتلقى العلاج، تلقى تعذيبا شديداً حتى ساءت حالته ونقل على إثره إلى المستشفى العسكري، قبل أن يعاد مرة أخرى إلى مستشفى السلمانية.
طوال الشهر الأول لإصابته بقى محمد مجهول المصير، لم تعرف عائلته ماذا ينتظر والدها من مصير حياة أو موت خاصة في فترة ما عرف بالطوارئ التي كان كل شيء فيها ذاهب نحو الانتقام الباطش. أبقى محمد في المستشفى ثلاثة أشهر بسبب خطورة حالته الصحية، وبعد خمسة شهور أطلق سراحه في ديسمبر 2011، ليبدأ فصلا آخر من الاستهداف المتكرر والمتعمد، ويخسر بذلك دراسته الجامعية.
استشهاد ( أسماء حسين) من قرية جد الحاج هو فصل آخر من فصول العذاب الذي عاشه الملا، فبيت محمد مجاور لبيت الشهيدة. أعداد هائلة من قوات الأمن اقتحمت بيت الشهيدة بعد أن اقتحمت بيت محمد ولم تجده، ولشدة الروع والخوف الذي دخل على قلبها سقطت مغشيا عليها لتفارق الحياة من لحظتها، وليعتقل الملا بعد يومين من استشهادها أثناء محاولته السفر عن طريق مطار البحرين.
مازال محمد يحاكم حتى الآن بتهمة الانتماء إلى خلية إرهابية، فيما حال استهدافه المتكرر بينه وبين العلاج اللازم له، وما زاد الأمر سوءا هو امتناع إدارة سجن الحوض الجاف والطبيب المسؤول عن إرساله إلى المستشفى لمتابعة علاجه.
والدة الملا في آخر زيارة لها لابنها وصفت حاله بأنه "ضعيف جداً، الألم ينطق من كل جزء من جسده ومن طريقة كلامه وأنفاسه". تقول والدته: " ابني محروم من العلاج، رصاصات الشوزن المنتشرة في جسد ولدي تهلكه. لم تراع الحالة الصحية لابني داخل السجن بل أدخل الانفرادي عشرات المرات تعرض خلالها للضرب، وقد لجأت لعدة جهات علها تساعدني في علاج ابني دون جدوى. كانت لجنة بسيوني أول هذه الجهات وآخرها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وقد مضت أكثر من 4 سنوات على محاولاتي دون جدوى".
موجوعة أم محمد ولا يهدأ بالها، فلديها أربعة من الأولاد جميعهم مصابون، ابنها "منتظر" أصيب بكسر في فكه وأسنانه بسبب طلقة مباشرة من قوات الأمن، أما "حسين" فقد أصيب بطلقات الشوزن في عينيه، وهو معتقل إثر حادثة تفجير المقشع، كان هو الشخص الذي نجا من التفجير. أما ابنها "حيدر" وهو أصغرهم فقد كسرت قوات الأمن أنفه وأجريت له عدة عمليات، أما زوجها الذي يعمل في مستشفى السلمانية فقد ضُرب في المستشفى بعد سيطرة قوات درع الجزيرة عليه، استدعى إجراء عملية في كتفه الأيسر. لكن رغم ذلك لا ترى أم محمد في كل هذه الإصابات بأساً. بأسها ذاهب مع حالة محمد التي لا تنبئ بخير، والمتروكة بلا علاج وبإهمال متعمّد كمن يستهدف نهايته.