تهمته أنه يفسد على السلطة لعبتها الطائفية.. الشيخ علي سلمان وتهمة التحريض على بغض طائفة
2015-06-05 - 4:55 م
مرآة البحرين (خاص): تعد تهمة "التحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام"، واحدة من أسخف التهم الموجهة لأمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان والتي ينتظر حكماً قضائياً وفقها. فمن بين كل الترهات الملفقة له، تعد هذه التهمة الأكثر فقاعة وتزييفاً.
فإذا كان قد تم التلاعب في منهج (المقاومة السلمية) التي يتبناها الشيخ علي سلمان، بإبراز جانب (المقاومة) في خطابه وقطع جانب (السلمية)، وتحميل (مقاومة) سلمان ذرائع انقلابية بالقوة، فإن ما يتعلّق بخطاب الشيخ سلمان مع شركاء الوطن لا يمكن التلاعب به أو اقتطاعه من سياقاته التي لم تأت يوماً إلا مثخنة بالحب والدعوات الصادقة.
ففي المسيرة الحاشدة المطالبة بتغيير الحكومة وتشكيل حكومة وطنية جديدة في (4 مارس/ آذار 2011)، بالقرب من السكرتارية الحكومية باتجاه دوار اللؤلؤة، وفيما كان حراك 14 فبراير في أوج عنفوانه، وقبل أن تجتاح قوات درع الجزيرة البلاد وتقمع الحراك السلمي، وقف سلمان خاطباً في المحتشدين: «هذا الوطن ليس للشيعة وحدهم، البحرين ليس وطناً للشيعة وحدهم، بل هو وطن السنة والشيعة معاً على قدر المساواة، لا فضل لأحد منهم على الآخر، بل يتساوون في دينهم ومذاهبهم ومواطنيتهم، يحترم بعضهم بعضاً، يحب بعضهم بعضاً، يبنون هذا الوطن معاً».
قال ذلك قبل أن يحمّل المواطنين الشيعة، قبل المواطنين السنّة، أمانة الحفاظ على أوراح شركائهم في المجتمع: «كل فرد ومنزل وأسرة سنية، هي أمانةٌ في أعناقنا نحن الشيعة... أمانةٌ في أعناقنا نحن الشيعة. وكل فرد ومنزل وأسرة شيعية هي أمانة في عنقك أخي السني»، ثم عرّج على مسؤولية الجميع تجاه الوطن «وطننا أمانة في أعناقنا سنة وشيعة، فلندفع بالحرب الطائفية بعيدةً عن هذا الوطن».
بل أكثر من هذا، اعتبر سلمان أمن السني، بمثابة أمنه الشخصي وراح يكرر كلماته بقوة العاطفة والعقل: «أمن وسلامة كل فرد سني في هذا البلد، هو من أمني الشخصي، ودمه دمي، ولحمه لحمي، لا أرضى أن يُمس أحد من السنةِ بسوء. لا أرضى أن يُمس أحد من السنةِ بسوء. اليوم أو غداً أو بعد غد. هو لحمي ودمي. هو لحمي ودمي».
لم يستثن سلمان المقيمين من غير الأصول البحرينية، بضرورة عدم التعرض لأمنهم وحرياتهم: «لا أرضى ولا أقبل أن يتم التعدي على حرية أي فرد في هذا البلد، من المواطنين أو من المقيمين، وأي اعتداء أو تعد هو اعتداء عليَّ أنا شخصيّاً، لتسقط الورقة الطائفية، وبعد سقوطها ليس إلا النصر».
كان هذا واحداً من جملة خطابات مشابهة ومكررة، تمثل عمق روية الشيخ علي سلمان لشركاء الوطن، قال ذلك إبّان قوة الحراك المطلبي في 14 فبراير 2011، وظل حريصاً على تثبيتها خلال فترة الطوارئ الصاخبة بخطابات الكراهية والتحريض ضد المواطنين (الشيعة)، تلك الخطابات التي تبناها النظام البحريني وحشّد لها إعلامه وخطباء منابره. وكان المكوّن السني هو المستهدف من قبل النظام البحريني في التخويف والتحشيد والتأجيج وبث الكراهية ضد شريكه الشيعي. لقد استخدم النظام كل أدواته (الرسمية وشبه الرسمية) في شحن مكون من الشعب ضد المكون الآخر. فكان هو من قام بجريمة "التحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام"، وكان الشيخ علي سلمان هو من وقف لها بالمرصاد. ظلت خطابات سلمان تمعن في تقديم الحب والتطمين للشارع السني، وفي الوقت ذاته تمعن في توعية الشارع الشيعي لحمايته من الانفلات في موجات ردود الفعل. بعد ما تعرّض له من تطهير طائفي خلال فترة الطوارئ.
في 24 ابريل 2011، وبينما الدولة تمارس أعنف حملاتها الطائفية تحت عنوان "التطهير"، وبينما الإعلام الرسمي وخطباء المنابر في أوج تحشيدهم الطائفي ضد المكون الشيعي، وقف سلمان في أول تجمع نظمته القوى المعارضة تحت عنوان "الشعب مصدر القرار"، وخاطب شركاء الوطن: "الأحبة من أبناء الشعب سنة وشيعة، الذين أفكر فيهم كما أفكر في أسرتي وبيتي، تعالوا نبني أسس لنظام ديمقراطي يحقق الأمن والاستقرار، ويحقق أكبر قدر من مصالح جميع مكونات البحرين، وأن نبعد البحرين عن دائرة المربع الأمني الذي نعيشه منذ عقود". وراح يرسل تطميناته "الوفاق لا نسعى لدولة دينية أو طائفية إنما إلى دولة ديمقراطية حديثة تضمن حقوق ومصالح الجميع"، مشيراً لوجود بعض الأفراد في السلطة ممن لا يقبل بالمشاركة، ولا يريدنا شركاء في الوطن، وإنما يريدونا عبيد وأدوات ورعية مهملة".
كان سلمان قد أرسل تطميناته في اليوم نفسه خلال خطبة صلاة الجمعة : "رسالتي إلى أحبتي السنة، الشيعة ينظرون إليكم بمحبة واحترام، وينظرون لكم شركاء في الدين والوطن والإنسانية، يريدون لكم الخير والعزة والكرامة، ويكذب عليكم من يقول لكم غير ذلك"، وأردف: "يكذب عليكم.. ليس حباً فيكم وإنما لمصلحة دنيوية سياسية، يجعل من خوفكم ورقة في يده من أجل أن يستمر في خلاف الحق، وخلاف العدل، وخلاف الإنصاف، وخلاف مصلحة الوطن". وأكمل "إن الشيعة أيها الأحبة من السنة، لا يريدون لكم إلا الكرامة والعزة والخير، ولا يكنون لكم إلا المودة والحب".
وفي 22 يوليو 2013، وعقب ما أعلنته الداخلية عن تفجير سيارة قريباً من مواقف أحد المساجد في منطقة الرفاع، استنكر سلمان هذا التفجير وشكك في أهدافه، وقال إنه طوال التاريخ في البحرين لم يسجل اعتداء شيعي على مسجد سني: "طوال التاريخ المشترك في البحرين بدون استثناء، و التاريخ يُكتب بيد القوي، تاريخ البحرين خلال مئتين سنة كتبته الأسرة المالكة أو الأقلام المؤيدة للأسرة المالكة، في هذا التأريخ الذي هو ليس تأريخنا الأصلي ليس هناك اعتداء شيعي على مسجد سني في كل هذا التأريخ المُدوَن بالأقلام المناصرة".
وأضاف: "طوال هذه الثورة، كنا جالسين في الدوار وبجانبنا أسواق المنتزه ولم نضرها بشيء، طوال هذه الثورة ليس فقط لم نعتد على مسجد والمساجد موجودة في مناطقنا، في هذه المنطقة يوجد مسجد كريم في مقابلنا نعتبر قدسيته مثل قدسية هذا المسجد، لا يوجد فرق بين قدسية هذين المسجدين، هذه تربيتنا ودنينا هكذا فهمنا الدين، وليس كمن هدم المساجد ولا نسمع استنكار واحد، ولا استنكار من أي جهة رسمية على هدم المساجد".
وأكد "هذا ليس من ثقافتنا وديننا وتربيتنا، لم يعتد الشيعة ولن يعتدي الشيعة لا على فردٍ سني ولا على ملكٍ سني فضلاً عن مسجدٍ سني يعنيأنه مسجد مسلم وله الحرمة الكاملة كحرمة ما نعتقده من مساجد الشيعة". وأوضح أن الشعب سنةً وشيعة، أوعى "من الإنجرار إلى ذلك، فدماء المسلمين وغير المسلمين في عقيدتنا وفي فكرنا وسلوكنا حرام، مالهم وأعراضهم، فقد نصح الرسول بعدم التنازع والتقاتل في حجة الوداع لكي يلتزم بها المسلمون بعده، وليس هذا حصراً على المسلمين فمن فهمي أن دماء كل الناس حرام، فلا يجوز لأحدٍ أن يستبيح أعراض الناس و دماءهم أموالهم". ثم ختم مخاطباً السلطة: "إذا كان لديكم خلافات سياسية فلا تلعبوا في مساحة الفتنة".
هذا هو نهج أمين عام الوفاق المتهم بالتحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام. تهمته الحقيقية ليست في التحريض، بل في فضح آليات السلطة في التحريض على الكراهية، في تعرية لعباتها في مساحات الفتنة الطائفية، في منع تداعيات التحشيد الطائفي من أن يكون له موضع قدم عند الشعب البحريني. تهمة علي سلمان الحقيقية أن خطاباته تفسد على السلطة لعبتها الطائفية، وبهذا الافساد يحاكم علي سلمان اليوم.