منقّب الوثائق البريطانية مارك أوين جونز لـ"مرآة البحرين": الملف السرّي يظهر أن هندرسون كان أداة بيد آل خليفة
2015-06-01 - 1:15 ص
مرآة البحرين (خاص): قال الكاتب والباحث الأكاديمي البريطاني مارك أوين جونز، لـ"مرآة البحرين"، إنه يعتقد أن الأجزاء التي حجبت من الوثيقة البريطانية، التي كانت محل نزاع قضائي حتى وقت قصير، تتضمن معلومات سلبية عن الأسرة الحاكمة. وحول أهمّية كشف هذه الوثيقة، قال جونز إن "المضي قدمًا نحو الإصلاح في البحرين يحتاج إلى الحقيقة والمصالحة".
وجونز هو من رفع الدعوى القضائية نيابة عن منظمة "بحرين ووتش"، ضد الحكومة البريطانية، لإجبارها على الكشف عن كامل الوثيقة السرّية التي تعود إلى العام 1977، وتحتوي على مراسلات تخص الوضع الأمني والسياسي في البحرين، فيها توثيق لمحادثات بين رئيس جهاز الأمن العام السابق الضابط البريطاني إيان هندرسون، ومسئول في الخارجية البريطانية.
وقضت المحكمة قبل شهر من الآن بالكشف عن سطور أخرى فقط من الوثيقة، وأيّدت عدم الكشف عنها بالكامل. ونفّذت الحكومة البريطانية أمر المحكمة يوم أمس الأول 29 مايو/أيار 2015، وأتاحت للعلن فقرات إضافية من الملف السري المثير للجدل.
ويخضع جونز هذه الوثائق وغيرها، لتحليل سياسي وتاريخي عميق، ضمن رسالته للدكتوراة، التي يقدّمها في جامعة درهام بالمملكة المتحدة. وكان جونز قد قال لوكالة أنباء رويترز إنه يعتقد أن الأجزاء التي خضعت للرقابة من هذه الوثيقة البريطانية تستخف بعضو على قيد الحياة من الأسرة الحاكمة.
وفي أوّل تعليق له على المعلومات الجديدة، قال جونز إنّ تخمينه يقوده إلى أن المعتقلين السياسيين الذين كان هندرسون يريد أن يزج بهم إلى السجن في ذلك الوقت، ومنعه النظام الحاكم عنهم، كانوا من البحرينيين "السنّة"، وهو ما يكشف لماذا كان النظام متردّدا في سجنهم، رغم أن هندرسون كان يرى خطورتهم السياسية.
"هندرسون كان يقول للمسئول البريطاني إن آل خليفة خائفون جدا من تطبيق القانون ضد المجرمين السياسيين. ذلك يعني إنهم يظنون بأنهم إذا وضعوا الكثير من الأشخاص في السجن، فإن هذا سيتسبب بغضب أكبر داخل المجتمع، وأنا أظن بأن غالبية السجناء أو من كانوا سيعتقلون في ذلك الوقت، هم من السنّة".
وقال جونز إن قرارات هندرسون في كثير من الأوقات كانت تنقض وتتجاوز. وخلص إلى أن هندرسون كان أشبه بأداة منذ السبعينات "دوره الرئيسي كان في خلق شبكة من المخبرين، ولكنه كان أيضا عالما بوسائل التعذيب".
ومع أن الأجزاء الجديدة التي كشف عنها من الوثيقة لا تضيف الكثير بحسب ما يقول الباحث البريطاني، إلا أنّها تعطي إشارة مختلفة على نحو ما، إذ تؤكّد أن التحكّم بالوضع الأمني وتوجيهه كان بيد آل خليفة أكثر من البريطانيين، وأن هندرسون كان مهمّشما من ناحية اتّخاذ القرارات.
وفي سياق تحليل الوثيقة المبدئي، يقول جونز إن التأثير السعودي في البحرين كان قد بدأ في النمو بعد الاستقلال، وإن القمع في البحرين بدأ يعكس التأثير السعودي أكثر مما يعكس التأثير البريطاني على البلاد.
ويشير في هذا السياق إلى أن البريطانيين يعتقدون بأن السلطات قد أشاعت بأن القوات السعودية كانت في البلاد من أجل تخويف الشيعة، قبيل إحياء ذكرى عاشوراء في 1980.
وحول تذرّع النّظام الحاكم في تبريره للتعذيب والقمع الأمني، بسوء تصرّف الضبّاط والمستشارين البريطانيين في الأجهزة الأمنية البحرينية، قال جونز "دائما ما يقول آل خليفة، حتى في أحداث هيئة الاتحاد الوطني العام 1956، إن البريطانيين هم من يوقفهم ويعرقلهم عن تنفيذ الإصلاحات، بينما الحقيقة هي أن آل خليفة كانوا يطلبون من البريطانيين قمع هيئة الاتحاد الوطني. آل خليفة كانوا يستخدمون البريطانيين".
وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد رفضت الكشف عن وثيقة طلبها مارك أوين جونز، فيها معلومات تعود إلى العام 1956 (عند استخدام القوّات البريطانية للمساعدة على قمع انتقاضة شعبية في البحرين، بقيادة هيئة الاتحاد الوطني)".
ويرى جونز أن حديث الملك العلني لرموز المعارضة في العامين 2000 و2001، عن قراره إبعاد هندرسون عن المشهد الأمني تماما، وإلقائه باللائمة عليه في عمليات القمع والتعذيب والانتهاكات التي حصلت في التسعينات وقبلها، يصب في هذا السياق تماما.
"ما أجادل به هو قولي إن النفوذ البريطاني في البحرين تضاءل بعد العام 1971، وإن السعوديين وآل خليفة بدأوا بأخذ الزمام، ومن حينها فإن القمع أصبح أسوأ، خصوصا مع انتقال التهديد على النظام من اليساريين إلى الشيعة" يقول جونز، موضّحا تحليله للمشهد السياسي في البحرين بعد الاستقلال.
ويضيف "أظن أيضا أن البريطانيين كانوا قد غلّوا يدي آل خليفة في العشرينات، ولذلك فإن الكثير من المتشدّدين رأوا الاستقلال وسيلة للبحث عن انتقام من البحارنة".
خليفة بن سلمان أم هندرسون؟
وبحسب الباحث الأكاديمي البريطاني فإن الكثير من الأدلّة تعضّد هذا الفهم، وتؤكّد أن الشخص الأكثر تشدّدا وقوّة في الحكم كان رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، وأنّه هو من كان يدير السياسة الأمنية.
وكان جونز قد ذكر في مقال تحت عنوان "رئيس وزراء البحرين ودوره في الحملة المناهضة للشيعة في الثمانينات"، أن الضابطين البريطانيين هندرسون وبيل (الموجودين في البلاد منذ الستينات) أصبحا، بحسب رسالة من السفير البريطاني، أقل تأثيرًا على سياسة الأمن الداخلي منذ مطلع عام 1973، وأن رئيس الوزراء ووزير الداخلية (الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة) قد شرعا في تولي السلطة.
ورغم أن السفير البريطاني خلص إلى أن قوة الردع قد تراجعت، إلّا أنّه ختم رسالته لمسئوليه مطمئنا بأن "التهاون ليس خطيرًا جدًا طالما أن رئيس الوزراء الحالي في السلطة".
وفي جزء آخر من المقال، قال جونز نقلا عن إحدى الرسائل الأرشيفية أيضا، إن هندرسون كان رافضا على ما يبدو للحملة التي شنّها رئيس الوزراء على المواطنين الشيعة بعد إحياء مناسبة عاشوراء في 1980لأنّه رجّح أن يكون لها "تأثيرٌ عكسيًّ عما هو مطلوب". لكن الشيخ خليفة "رأى بأن الوقت قد حان ليظهر للشيعة بأن حكومة البحرين عربية حقيقية" حسب وصف الرسالة.
يؤكّد جونز أن تغيير دور هندرسون لا يعني شيئًا في تورطه في تنفيذ التعذيب، ويقول "بالطبع يمكن للمرء أن يرفض هذا باعتباره خطة محكمة لحماية البريطانيين من اتهامات التورط المفرط في الشؤون الداخلية. ولكن، هذا يثير عددًا من الأسئلة الهامة؟" ويضيف متسائلا "هل من الممكن أن تكون السيطرة المتزايدة لرئيس الوزراء على سياسة الأمن الداخلي قد دفعت إلى حملة طائفية عقابية؟"
ورأى جونز أن دور هندرسون في التعذيب كان ما يزال إسفنجة مفيدة يمكنها أن تصرف الانتقادات عن الأسرة الحاكمة باتجاه الإمبريالية الظالمة.
وختم مقاله بالتساؤل "أليس من الممكن بأن واحدة من طرق رئيس الوزراء ببساطة هي إعادة تأكيد ما وصفه عبدالهادي خلف بـ "تركة غزو" آل خليفة، الشيء الذي تراجع مع زيادة التدخّل البريطاني في البحرين خلال العشرينات؟".