بريطانيا تكشف أجزاء جديدة من وثيقة سرية حول البحرين: آل خليفة أوقفوا قرارا لـ"هندرسون" باعتقال معارضين سنّة
2015-05-31 - 4:30 ص
مرآة البحرين (خاص): كشفت الحكومة البريطانية يوم أمس رسميا عن أجزاء إضافية من وثيقة سريّة عن البحرين، تعود إلى العام 1977، وذلك بأمر من المحكمة، التي أيّدت عدم نشر الوثيقة بالكامل، لكنّها أمرت بالكشف عن سطور أخرى فيها.
وفي حين لا يزال الباحث والأكاديمي البريطاني مارك أوين جونز، الذي رفع الدعوى القضائية ضد الحكومة البريطانية للكشف عن كامل الوثيقة، يعكف على دراسة الأجزاء الإضافية المنشورة، بيّنت قراءة مبدئية أن رئيس جهاز الأمن العام البحريني ورئيس مباحث أمن الدولة السابق، الضابط البريطاني إيان هندرسون، تم تجاوزه في بعض القرارات التي كان يريد أن يتّخذها، إذ منع من اعتقال مجموعة من السياسيين يعتقد جونز أنّهم بحرينيون سنّة من أعضاء الحركات اليسارية، التي تصدّرت الجبهة المعارضة للنظام آنئذ.
ونقلت الوثيقة عن هندرسون أنه قال إن عائلة آل خليفة الحاكمة اعتبرت أنه من غير الممكن سياسيا اعتقال كل هذا العدد من هؤلاء (20 شخصا)، وأن وزير الداخلية لم يكن مستعدا لاتباع نهج متشدّد ضدّهم.
وفي أحد التعليقات الخطّية التي كتبت على الوثيقة، قال مسئول هويّته غير معلومة لحد الآن إنه حين غادر البحرين في العام 1956، لم يكن يراهن على بقاء آل خليفة في العشرين عامًا المقبلة، واصفا الظروف والأوضاع التي تحدّث عنها هندرسون بـ"المزعجة جدًا".
وكانت "رويترز" قد اعتبرت أن النص المنشور سلفا من الوثيقة، يعبّر عن تشاؤم بريطاني بشأن مستقبل حكم آل خليفة للبحرين. وكان المسئول البريطاني، صاحب الرسالة، قد عبرّ فيها عن دشهته مما أسماه "النظرة التشاؤمية" لهندرسون بشأن "قدرة آل خليفة على البقاء". وقالت "رويترز" إن الوثيقة لا تزال تثير مخاوف بريطانيا رغم مرور عقود عليها، وإنّها تكشف عن صلة شائكة بين الماضي الاستعماري للمملكة المتحدة وطموحاتها العسكرية الجديدة في منطقة كانت تهيمن عليها في وقت من الأوقات.
ولم ترد السلطات البحرينية على طلب بالتعليق من رويترز.
الملف السرّي
وتزامنًا مع زيارة الملك حمد إلى بريطانيا للمشاركة في مهرجان ويندسور السنوي للخيول، الزيارة التي قالت صحيفة "الإندبندنت" إنها ترمز إلى استمرار العلاقات الوثيقة بين المملكة المتحدة والبحرين، تناقلت وسائل الإعلام الدولية آخر أخبار الدعوى القضائية التي رفعها الكاتب والأكاديمي مارك أوين جونز، ضد الحكومة البريطانية، في محكمة المعلومات بالمملكة المتحدة، لإجبارها على الكشف عن هذه الوثيقة الدبلوماسية التي تعود إلى العام 1977، وتحوي مراسلات سرية يمكن لها تسليط الضوء على المزيد من التّفاصيل حول علاقة بريطانيا بالنظام الدكتاتوري في البحرين آنذاك.
وكانت الخارجية البريطانية قد كشفت في الأساس عن أجزاء فقط من الملف السري الذي جاء تحت عنوان "البحرين: الوضع السياسي الداخلي في العام 1977"، وذلك استجابة لطلب قدّمه جونز بموجب قانون حرية المعلومات، في حين تم تسويد بقية الفقرة المكتوبة بالآلة الكاتبة بشدة.
والوثيقة قيد المساءلة تتعلق بالوضع الأمني في البحرين، وهي عبارة عن مراسلات بين مسئول في قسم الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية يدعى ديفيد تاتام، ورؤسائه في الوزارة على ما يبدو، ويحوي الملف توثيقا لمحادثة جرت بين تاتام وبين الضابط البريطاني المشهور بجزّار البحرين "إيان هندرسون"، والذي كان يدير جهاز الأمن العام ومباحث أمن الدولة في البحرين (جهاز المخابرات).
حكم المحكمة
وبعد عدة جلسات، أصدرت المحكمة البريطانية في 29 أبريل/نيسان 2015، أمرا بالكشف عن أجزاء أخرى فقط من الوثيقة (وليس كامل الوثيقة) في مهلة لا تتجاوز الشهر (انتهت اليوم 30 مايو/أيار 2015)، مؤيّدة ادّعاء الحكومة البريطانية بأن الكشف عن كامل الوثيقة قد يضرّ بعلاقات المملكة المتحدة مع البحرين.
وحدّدت المحكمة في قرارها أجزاء بعينها ليتم الكشف عنها، وقبل يوم واحد من انتهاء المهلة المحدّدة (يوم أمس 29 مايو/أيار 2015) استجابت الحكومة البريطانية لهذا الأمر، ونشرت الوثيقة مجدّدا محتوية الأجزاء التي أمرت بها المحكمة، لكنّ هذه الأجزاء لم تكن لتتعدى سوى بضعة أسطر كتبت بخط اليد، وبضعة أسطر أخرى في المقطع الثالث من الملف، وهو ما اعتبره مارك أوين جونز، أمرًا مثيرًا للسخرية، بعد كل هذه المحاكمة الطويلة والمكلفة.
صورة الوثيقة قبل الكشف عن الأجزاء الجديدة |
الأجزاء المكشوفة سلفا
الفقرات المجتزأة من الوثيقة، والتي سمحت الخارجية البريطانية بالكشف عنها، تقول على لسان تاتام إنه التقى بإيان هندرسون، الذي وصفه بـ"رئيس الفرع الخاص في البحرين"، وإن الأخير أبلغه إنه يأمل مغادرة البحرين في غضون ستة أشهر، معبرا عن قلقه من أن مغادرته ستدفع "قائد الشرطة السيد بيل وتسعة من ضباط الفرع الخاص" للمغادرة أيضا، مؤكّدا أن علاقاته الشخصية مع الحاكم وغيره من المسؤولين البحرينيين ستتوتر، ومع ذلك فقد أبلغهم الأمر بدبلوماسية، حسب تعبير الرسالة.
وفي إشارة غريبة، أوضح تاتام إنه لم يكن لديه أي فكرة أن هناك عدد كبير من الضباط البريطانيين في البحرين آنئذ.
ونقل عن هندرسون أيضا إنه يعتقد أن تأثير مغادرته سيكون حادا على كفاءة وفاعلية الأجهزة الأمنية عموما، وبحسب تعبيره فإنّه هو والضابط بيل يحاولان جاهدين حاليا، المحافظة على المعايير، إلا أن "إهمالًا عامًا كان يتسلل"، وقد حذفت الأجزاء الأخرى من هذه الفقرة.
وقال تاتام إن ما فاجأه في الحديث مع هندرسون "كان نظرته التشاؤمية حول قدرة آل خليفة على الاستمرار"، وكذلك حذف الجزء المتبّقي من هذه الفقرة، وأضاف تاتام عن آل الخليفة إنّهم "كانوا يتجهون نحو نطاقات مربحة في التجارة، ويبتزون التجار المعروفين".
الأجزاء الجديدة
ويوم أمس، نشرت الحكومة البريطانية، الأجزاء الأخرى التي أمرت بكشفها المحكمة من الوثيقة.
ومن ضمن الأجزاء كتابة بخط اليد في رأس الوثيقة موقّعة من شخصين مختلفين، لم يعرف بعد من يكونان. وبحسب الكتابة الخطية التي كانت صعبة القراءة، يقول الشخص الأول "أنا كذلك، أخذا باعتبار أن هندرسون كان يقول هذا ( و..؟) مرتين سنويًا منذ العام 1967". في حين يقول الشخص الثاني "حين غادرت البحرين في العام 1956، لم أكن لأراهن على بقاء آل خليفة في العشرين عامًا المقبلة، ولكن ها هم لا يزالون هنا. رغم ذلك (...) لا يُحتمل، أتّفق على أن هذه الظروف والأوضاع مزعجة جدًا".
وكشف في الملف أيضا، عن جزء فقط من تتمة الفقرة الثالثة، التي كانت قد توقفت عند حديث تاتام عن أن هندرسون يعتقد "أن تأثير مغادرته عموما على كفاءة وفاعلية الأجهزة الأمنية سيكون حادا، وإنّه هو والضابط بيل يحاولان جاهدين حاليا، المحافظة على المعايير، إلا أن "إهمالًا عامًا كان يتسلل".
المكشوف من تتمة الفقرة كان يقول "لم يكن وزيره مستعدًا لاتباع نهج متشدّد، وكان هناك الآن عشرة أشخاص أو عشرين شخصًا طليقين، يجب اعتقالهم. للأسف كان هناك حد تقريبي (حوالي أربعين) لعدد الأشخاص الذين يعتبر آل خليفة أنه يمكن سياسيا إبقاؤهم داخل السّجن. من هنا برزت الحاجة إلى إصدار مراسيم العفو بشكل متكرر لإفساح المجال للمزيد من المعتقلين".
وبخلاف ما ذكر، بقيت تتمّة الفقرة الرابعة التي تحدّث فيها تاتام عن نظرة هندرسون التشاؤمية حول قدرة آل خليفة على البقاء في حكم البلاد، مجهولة، كما أن الفقرة الخامسة من الرسالة لم يكشف عن أي شيء منها إطلاقا.
المحكمة البريطانية تبرّر
وكانت هيئة المحكمة البريطانية قد أكّدت استنادها في الحكم الصادر عنها إلى أدلة سرية، تضمنت نسخة كاملة عن الوثيقة المطلوبة، اطّلع عليها القاضي، ونسخة عن الشهادة الخطية للسيد أوكدين (وكلاهما لم يستطع المدّعي مارك أوين جونز أن يطلّع عليهما).
وباطّلاع القاضي على الوثيقة المحجوبة، وما ورد فيها من معلومات سرّية، خلص بحسب وثيقة الحكم إلى أنه يمكن الكشف عن بعض المعلومات الإضافية فقط، وقالت المحكمة إنّها تفهم السّبب "الذي يدفع شخصًا كالمدعي وأي شخص يقرأ الحكم، للتساؤل عن سبب إبقاء معلومة مسجلة في اجتماع بين مسؤول بريطاني في وحدة بحرينية خاصة - وهو إيان هندرسون- ومسؤول بريطاني من وزارة الخارجية يعود تاريخه إلى الأول من ديسمبر/كانون الأول 1977، إبقائها سرية، بسبب تأثيرها على العلاقات الدولية لهذا البلد مع البحرين" مشيرة إلى أن "المصلحة العامة تقتضي ذلك".
وأضافت أنه "مر ما يقرب أربعين عامًا منذ ذلك الوقت وتم الكشف عن بعض المعلومات عن قضايا مختصة بحقوق الإنسان والتّاريخ المتعلق بها، والسؤال الحتمي الذي يجب طرحه هو: "ما الأمر
الاستثنائي بشأن الجزء المتبقي من الوثيقة بحيث لا يمكن الكشف عنه؟" والجواب المختصر على هذا الأمر هو أن مسألة المعلومات المتبقية تحتاج إلى تطبيق المادة 27 من قانون حرية المعلومات، إذ يمكن لها الإضرار بعلاقات المملكة المتحدة مع البحرين، وفي حال الكشف عنها، فمن المرجح أنها ستعرض العلاقات الدّولية للخطر.
خيبة أمل
صحيفة الإندبندنت أشارت، في تقرير صدر الأحد 17 مايو/أيار 2015، إلى أن الحكم الصادر عن محكمة المعلومات "خيب أمل النّاشطين".
ونقلت "الإندبندنت" عن مارك أوين جونز، قوله بأن الكشف الجزئي عن الوثيقة، وفقًا لأوامر المحكمة، يعد "نصرًا جزئيًا"، لكنه قال إن "الحكومة كانت تلجأ إلى "القمع البيروقراطي" لإيقاف التدقيق في الدّور التّاريخي لبريطانيا في البحرين". ورأى جونز أن "النّتيجة أساسا هي مظهر زائف للشّفافية التي تسمح للحكومة البريطانية بوقاية حلفائها من تدقيق مناسب".
وأفادت الإندبندنت أن محكمة المعلومات قد استمعت إلى أدلة سرية قدمها ممثل الخارجية البريطانية إدوارد أوكدين، ولمّح فيها إلى أن الكشف عن معلومات مماثلة قد يلحق الضرر بالعلاقات الدّولية ويعرض القاعدة البريطانية الجديدة في البحرين للخطر".
وكان جونز قد احتج في طعنه ضد القرار بأن اعتبار الكشف عن سجل محادثات حصلت منذ حوالي 38 عامًا، وتوفي أحد المشاركين فيها، قد يضر بالعلاقة الوثيقة جدًا والطويلة الأمد بين البحرين والمملكة المتحدة، والتي امتدت لعقود، هو أمر سخيف جدًا.
وأوضح في مقال أن القضية هي "حصيلة أشهرٍ من العمل، وتكلفة قانونية ضخمة" وعلّق قائلا "هذه السيطرة البيروقراطية هي في الأساس عملية استنزاف، ومجموعة من العقبات المصمّمة لثني الناس عن الولوج إلى معلومات الحكومة المتباينة".
وأكّد جونز أن وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث رفضت على الأقل ثلثي طلباته الإحدى وعشرين، التي أرسلها للكشف عن وثائق، وأوّلها معلومات تعود إلى العام 1956، وفي حين تم الكشف عن واحدة من الوثائق جزئيًا، وثلاثة بشكل كامل، تنتظر 3 طلبات أخرى اختبارات المصلحة العامة.