الشهداء يموتون في الدمام والقطيف ويسرق دماءهم محمد بن نايف

2015-05-31 - 3:18 ص

مرآة البحرين (خاص): أسبوع واحد كان يفصل السعوديين عن فاجعةٍ جديدة. كل الاحترازات الأمنية، ونقاط التفتيش لم تمنع انتحارياً ينتمي لداعش من تفجير نفسه. الشهداء كانوا أقل عدداً لا لتواجد الدولة الأمني، بل بفضل اللجان الشعبية والأهالي الذين ضحّوا بأرواحهم لحماية المصلين. لتأتي الدولة وتسرق "إعلامياً" ذلك.

كان بالإمكان أن يكون ضحايا تفجير "العنود" بالمئات. لولا أن المواطنين الشيعة ضربوا عرضاً تهديدات ولي العهد السعودي ووزير الداخلية محمد بن نايف. كان قد توعد بمعاقبة المواطنين الذين سيقومون بمهام موكلة للدولة، في الأمن والحراسة والحماية. لو استمع الناس إلى كلام بن نايف، لكانت مجزرة رهيبة ضحاياها المئات. فمسجد الإمام الحسين الذي شهد العملية الانتحارية هو الوحيد للشيعة في الدمام ويتّسع لما يقارب الـ 5 آلاف مصلّ.

قبل يومٍ واحد من الانفجار باشر المواطنون في المنطقة الشرقية بالسعودية، وتحديداً في القطيف والأحساء بتكثيف الاحترازات الأمنية. وجّه رجل الدين السيد علي الناصر إمام جامع الإمام الحسين في حي العنود بإغلاق مدخل النساء لسد ثغرة أمنية قد يستغلها إرهابي للنفوذ للجامع. طُلب من نساء الحي أن يصلين في منازلهن، لإحكام الأمن في المسجد. وأما عن محيطه فتم توجيه الناس لإيقاف سياراتهم بطريقة مُنظمة، كي لا يتم استغلال عدم التنظيم أو الاكتظاظ في هجومٍ مُحتمل.

وقع ما كان يخشاه كثيرون. انتحاري تنكّر بزي امرأة محاولاً دخول المسجد. إلا أن الشاب عبدالجليل الأربش اعترض الإرهابي، ولما شكّ في ردة الفعل اقترب منه محاولاً الإمساك به. احتضنه فما كان من الإرهابي إلا أن فجّر نفسه فيه في تلك اللحظة.

عمل الأربش كان بطولياً. منع مجزرة محققة في المصلين الذين يعاني أكثريتهم من التمييز والحرمان والتهميش والتحريض بشكل يومي. كمثال لذلك، فطائفته لا تمتلك مقبرة حتى يدفن فيها في الدمام. لم يكن الأربش إلا صورةً أخرى مُشرقة لوطنه. كان مبتعثاً يدرس الطب في الولايات المتحدة الأمريكية. قدم من أمريكا لعقد قرانه الذي تم قبل يومين من استشهاده. كان مُقبلاً على حياةٍ سعيدة، لكنه استرخصها لحفظ كثيرين، العشرات بل المئات ممن نجوا ويرفلون وسط عوائلهم الآن بسلام.

حاولت السعودية أن تنسب البطولة لها ولرجال أمنها، حين قال المتحدث الأمني السعودي، إنهم أحبطوا محاولة تفجير مسجد الإمام الحسين بحي العنود في الدمام. وسائل الإعلام السعودية نقلت تصريح الداخلية، وفي الوقت نفسه تحدّثت عن الشهيد الأربش كبطل منع مجزرةً محققة.

أما تنظيم داعش فتبنى العملية. وعاود التهديد مجددا تهديداته للشيعة بعمليات أخرى حتى إخراجهم من جزيرة العرب. أحد أنصار التنظيم الذين يسرحون شاهراً ظاهراً على شبكات التواصل قال إن هدف الجمعة المُقبلة سيكون استراحة العمري بالمدينة المنوّرة المملوكة لعائلة شيعية.

فتح تفجير القديح الأسبوع الماضي جرحاً عميقاً لدى المواطنين الشيعة في السعودية. استذكروا المناهج التي يُجبرون على دراستها وهي تُكفّرهم ولا تعتبرهم مسلمين. استذكروا خطابات التحريض التي يطلقها رجال الدين القريبين من مؤسسة الحكم. واستذكروا القنوات السعودية المتطرفة التي تعمل ليل نهار تحريضاً وتعبئةً ضد الأقلية الشيعية.

لقد تجاوز المواطنون الشيعة الخطاب الذي أعقب الهجوم الإرهابي على حسينية الدالوة بالأحساء نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. يومها زار وزير الداخلية محمد بن نايف الذي يشغل اليوم منصب ولي العهد أيضاً، حسينية المصطفى، وجلس بجانب رجال الدين. سمع منهم كلاماً حلواً عن ضرورة التلاحم والوحدة الوطنية، إلا أن كلامهم قوبل بتجاهل رسمي في ملاحقة المحرّضين ضدهم. وقد أعفي وزير الإعلام السعودي عبدالعزيز خوجة من منصبه بعد ساعات من قراره إغلاق مكتب قناة وصال بالرياض، وهي إحدى أبرز القنوات الدينية المتطرفة المسئولة عن دعوات التكفير.

محمد بن نايف الذي صار ولياً للعهد مؤخراً، زار القطيف بعد التفجير الدموي، لكنه تفاجأ بنبرةٍ حادّة من مواطنٍ قطيفي، يُحمّل الحكومة السعودية مسؤولية ما حدث. حاول بن نايف أن يبدو مُتفّهماً، إلا أن الغرور الذي ورثه من والده أخذه إلى التهديد بملاحقة "كل من يأخذ دور الدولة"، في إشارة إلى لجان الحماية.

على مدى أسبوع، خفّ منسوب التحريض ضد الشيعة من رجال الدين المقربين من الحُكم في السعودية إثر توجيه رسمي لامتصاص الغضب. إلا أنه لم يؤد بطبيعة الحال إلى الإمساك بالخطاب التحريضي والتكفيري بشكلٍ مُطلق. فرجل دين مثل إبراهيم الفارس الذي عمل كأستاذ جامعي في كلية التربية بجامعة الملك سعود سابقاً، استمر في مهاجمتة الشيعة طوال أسبوع.

وهكذا فعل علي الربيعي الذي اتهم أبناء القطيف، بأنهم يحاولون إنشاء "حشد شيعي لإثارة الفوضى" على غرار الحشد الشعبي في العراق لمواجهة داعش، بعد أن اتخذ الأهالي قراراً بتشكيل لجان شعبية، لحماية مناطقهم من أي هجوم إرهابي محتمل.

لم تُعلن السلطات السعودية طوال أسبوع عن إلقائها القبض على أي شخص، بتهم التحريض أو تهديد السلم الأهلي، أو شق الوحدة الوطنية، وهي تُهم اعتاد النظام السعودي على توجيهها للمعارضين لسياساته، طوال سنوات مضت.

هكذا إذاً، السعودية تحاول أن تتجاوز وحشاً اسمه "داعش"، لكن بلا شيء تقريباً. وبينما يقدم الشهداء "الأربش" أرواحهم، تغرق وسائل الإعلام الرسمية في حملة التكاذب: رجال الأمن منعوا مجزرة محققة. أما الشهداء فالمدنيون وحدهم!

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus