إميل نخلة: هل كانت رحلة أولياء العهود إلى واشنطن تستحق كل ذلك العناء؟

2015-05-27 - 2:33 م

إميل نخلة، موقع لوبلوغ

ترجمة: مرآة البحرين

في حين تحلّق أولياء العهود والأمراء الخليجيون حول الرئيس أوباما في واشنطن وكامب ديفيد هذا الأسبوع، حلّل كل من وسائل الإعلام والخبراء الخليجيين ما إذا كانت هذه الرّحلة ستسفر عن نتائج ملموسة وتساءلوا ما إذا كانت تستحق كل هذا العناء. ففي النّهاية، لم تُلَبّ الولايات المتحدة مطالب القادة الخليجيين بخصوص ضمانات أمنية ضد التّهديد الإيراني المرتقب، والذي كان السّبب الرّئيسي لذهابهم إلى واشنطن في المقام الأوّل.

بعيدًا عن المشهد الخارجي للّقاء مع الرّئيس أوباما في البيت الأبيض والاستمتاع بالطبيعة البكر في جبال ماريلاند، عاد أولياء العهود وأميران اثنان خالي الوفاض. قلّل الرّئيس من مخاوفهم من إيران من خلال التّأكيد شفويًا على التزام أمريكا بأمنهم، ولكن من دون اتفاقية أو معاهدة أمنية مكتوبة. ولم يتخلّ الرّئيس عن نهجه الدبلوماسي مع إيران، وعن رغبته الواضحة في إبرام اتفاق نووي يمكن التّحقق منه مع إيران. كما لم تُفِد وسائل الإعلام عن أي بروتوكولات أمنية سرية على حد سواء.

النّقطة الرّئيسية التي أوضحها السّعوديون ونظراؤهم في مجلس التّعاون الخليجي هي أنّهم سيواصلون، في حال التّوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، السّعي إلى تطوير تقنيتهم النّووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم، لتتناسب مع قدرات إيران. وعلى الرّغم من أنّه يمكن اعتبار هذا الموقف تبجحًا بشكل جزئي، إلا أنّه يعكس إحباطًا عميقًا ناجمًا عن عدم قدرتهم على إفشال محادثات مجموعة الـ 5 + 1 النّووية مع إيران.

كُتِب الكثير عشية القمة، عن "الازدراء" السّعودي، و"التّوقعات المتقطعة" و"العلاقات الباردة" و السّياسة "الضّاربة" للولايات المتحدة في المنطقة. مع ذلك، كان قادة الخليج قد وفّروا عددًا من القضايا- بما في ذلك أمن إيران والخليج العربي، والدّولة الإسلامية في العراق والشّام (داعش) والأيديولوجية الأصولية السّنية، ونظام الأسد والشكاوى المحلية، وهي أمو رلا يمكن معالجتها فقط من خلال الشّراكة مع الولايات المتحدة. وتنم إثارة القضايا المحلية والإقليمية في القمة، وخصوصًا الشّكاوى المحلية والقمع والأيديولوجية الأصولية المنبثقة دائمًا من المملكة العربية السّعودية عن  السّذاجة. يتوجب على زعماء الخليج معالجة هذه القضايا بأنفسهم. إلا أنه بالنّسبة إلى دول مجلس التّعاون الخليجي، يبقى التّهديد الإيراني المُرتَقَب القضية الأهم، ولذلك وافقوا على المشاركة في القمة، على الرّغم من انخفاض مستوى المشاركة.

إيران وأمن الخليج العربي

لا تعكس "المخاوف" التي أثارتها السّعودية ونظراؤها في الخليج بشأن إيران، على سبيل المثال، سلوكًا خاصًا لإيران لا تُحمَد عقباه، أو تهديدًا إيرانيًا ضد الساحل العربي للخليج. لم تهدد إيران باحتلال أي من البلاد المجاورة لها. وكما الدّول الإقليمية الأخرى، عملت علىنحو حثيث على توسيع دائرة نفوذها في الدّول المجاورة. وترتكز المخاوف السّعودية بشأن إيران على عقيدتها الشّيعية وحلفائها الشّيعة، الذين يفترض أنهم يشكلون خطرًا على الإسلام العربي السّني، وعلى قدرتها النووية،التي، في حال تحولها إلى سلاح، تستطيع أن تشكل تهديدًا وجوديًا للمملكة العربية السّعودية وشركائها في مجلس لتّعاون الخليجي.

إثر قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979، عبر بعض آيات الله عن رغبتهم بتصدير الثّورة إلى الدّول المجاورة، لكن تلك التّصريحات انهارت بسرعة. سرعان ما أدركوا أن الخطاب الثّوري لا يخلق ثورات. علاوة على ذلك، شُغِلت إيران بالحرب التي شنّها ضدّها صدّام حسين في العام 1981. وبالمناسبة، ساهمت المملكة العربية السّعودية وغيرها من الدّول الخليجية بعشرات مليارات الدّولارات في جهد الحرب الذي بذله صدّام.

من المنطقي أن تقلق دول الخليج بشأن طموحات إيران النووية وأن تشير إلى كونها قد خدعت بشأن بعض الاتفاقيات التي وقّعتها مع وكالة الطّاقة الذرية. لقد انتهكت إيران أيضًا عددًا من قرارات مجلس الأمن الدّولي. إنّه لمن المنطقي أيضًا بالنّسبة لهم السّعي للحصول على ضمانات أمنية أمريكية ضد تهديد محتمل من قبل إيران.

على الرّغم من ذلك، أوضحت الولايات المتحدة، على نحو صريح، قبل انعقاد القمة، بأن واشنطن لم تنوِ توقيع اتفاقية أمنية مع دول مجلس التّعاون الخليجي، وإعطاءها ضمانات مماثلة لتلك التي يقدمها حلف شمال الأطلسي، أو توسيع المظلة النووية لتشملهم.

قبل انعقاد القمة، صرّح الرّئيس أوباما في مقابلة إعلامية أن أمريكا ستدافع عن دول مجلس التّعاون الخليجي ضد عدوان خارجي، على غرار ما فعلته لإنهاء غزو صدّام حسين للكويت في أغسطس/آب 1990. وعلى الرّغم من أن إدارة أوباما أبدت استعدادها لبيع أسلحة متطورة إلى دول الخليج، فإنّه يتعين النّظر في هذه المبيعات، بما في ذلك طائرات الشبح المقاتلة إف 35، في سياق توازن القوى في المنطقة والتزام أمريكا بالحفاظ على التّفوق النّوعي لإسرائيل.

وفي ضوء هذه الاعتبارات، فإنّه من الممكن لمقاربة سياسية محتملة النّظر في توسيع المظلة النووية لتشمل دول الخليج، بدءًا بالمملكة العربية السّعودية. وقد حاجج كل من إميلي س. ساندرز وبرايان إل. فيراي في مقال أكاديمي حديث أنه "نهجًا مماثلًا قد يكون الخيار الأقل سوءًا". يمكن لمظلة نووية فوق دولة من دول مجلس التّعاون الخليجي أو أكثر أن تقنع السّعوديين وآخرين بعدم السّعي لتطوير التكنولوجيا النّووية، التي سيتعين عليهم شراؤها من بلدان أخرى.

بالطّبع، ستمضي سنوات قبل حصول السّعودية وغيرها من الدّول الخليجية على الأدمغة المحلية القادرة على بناء مفاعلات نووية مع عدد كافٍ من أجهزة الطّرد المركزية لتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم. وفي حال التزام إدارة أوباما بمنع الانتشار النووي في الشّرق الأوسط، فعليها النّظر بجدية بتمديد المظلة النووية إلى دول معينة في المنطقة.

من لبى النداء ولماذا؟

بصرف النّظر عن هذه القضايا، منحت القمة دول مجلس التّعاون الخليجي فرصة لعرض جيل جديد من الحكّام، أصغر سنًا في الساّحة العالمية. وبما أن الرّئيس أوباما التقى بالفعل عددًا منهم في مناسبات سابقة، فقد بالغت وسائل الإعلام على الأرجح   في وصف فائدة هذا الجانب في القمة. في الواقع، تلقى اثنان من أولياء العهود علومهما في الولايات المتحدة وهما معروفان جيدًا بالنّسبة للمسؤولين الأمريكيين.

على وجه التّحديد، أوفدت المملكة العربية السّعودية حفيدين اثنين - محمد بن نايف، الذي يقرب من العمر 50 عامًا ومحمد بن سلمان الذي يناهز الثلاثين. وفي حين لا يتضح من من الاثنين سيبرز كقائد سعودي حقيقي في السنوات المقبلة، فمن الجلي الآن أن أحفاد مؤسس البلاد سيقودون المملكة العربية السّعودية بمجرد مغادرة الملك الحالي للساحة.

حاكما الكويت وقطر قررًا المشاركة، متحديين الطلب السّعودي بتخفيض مستوى التّمثيل. منذ طرد صدّام من الكويت في العام 1991، شعرت أسرة آل الصباح الحاكمة بالامتنان للولايات المتحدة لإنهائها العدوان العراقي ولن ترفض دعوة الرئيس الأمريكي. الحاكم الكويتي، الذي يبلغ من العمر 85 عامًا، هو أكبر المشاركين سنّا، وأفيد أنّه قال أنه يجب أن يشارك في القمة لاستشراف مستقبل المنطقة بعد التّوصل إلأى اتفاق نووي مع إيران.

حاكم قطر، تميم بن حمد آل ثاني في أواخر الثلاثينيات، وهذا يجعله الحاكم الأصغر سنًا في دول مجلس التّعاون الخليجي. قرر المشاركة في القمة لثلاثة أسباب على الأقل منها الشعور بالاستقلال عن المملكة العربية السّعودية، الإشارة إلى العلاقات الثنائية الخاصة التي يعتقد أنه يمتلكها مع الولايات المتحدة، والنّقص الملحوظ في خبرة ولي العهد القطري، أخيه غير الشّقيق عبد الله بن حمد آل ثاني.

ملك البحرين حمد بن عيسى لآل خليفة كان حريصًا على حضور القمة، لكنه رضخ للضغط السّعودي. ووفقًا لمرآة البحرين، وهي صحيفة إلكترونية معارضة مؤيدة للإصلاح، فإن الملك حمد "التمس" موافقة الملك السّعودي للمشاركة، لكن الجواب السّلبي كان "حاسمًا". أفيد أن حمد أخبر وزراءه أن القرار السّعودي "لا يخدم مصالحنا وسط التّحديات الخطيرة التي نواجهها، بما في ذلك داعش وخلفيات الاتفاق النووي مع إيران".

بدلًا منه، ترأس ابنه ولي العهد الأمير سلمان الوفد البحريني. تلقى سلمان دروسه في كلية في واشنطن، ويُعتَبَر "مصلحًا" من قبل الولايات المتحدة. وفي محاولة لتبرير غياب الملك، زعم وزير الخارجية البحريني أنّ الملك لا يستطيع المشاركة لارتباطه بزيارة تم الترتيب لها مسبقًا إلى المملكة المتحدة.

لم يكن حضور سلطان عمان، قابوس، متوقعًا، بسبب وضعه الصّحي الخطير. من بين كل أعضاء مجلس التّعاون الخليجي، عمان هي الأقل توجسًا من إيران أو تهديدها الملحوظ لجيرانها العرب. وقبل انطلاق محادثات مجموعة الـ 5+1 بشكل رسمي، لعبت عمان دور الوسيط في المحادثات الخاصة بين إيران والولايات المتحدة، وفقًا لعدة تقارير إعلامية. وبما أن قابوس لم يعين ولي عهد له، فإن وزير الخارجية العماني يمثله عادة في اللقاءات الدّولية المهمة.

حاكم الإمارات العربية المتحدة قرّر عدم المشاركة بسبب وضعه الصحي ونزولًا عند رغبة الملك السّعودي. الحاكم، الذي لم يتوقع وصول القمة إلى نتائج ملموسة، طلب من أخيه البالغ من العمر 54 عامًا، ولي العهد، الأمير محمد بن زايد آل نهيان، تمثيله فيها.

بصورة نهائية، تضمن جانب مجلس التّعاون الخليجي في القمة حاكمين، أحدهما في الـ 85 من العمر، والثّاني يبلغ أقل من نصف عمره، وثلاثة أولياء تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين عامًا، وبعض وزراء الخارجية.

واقعية الاتفاق مع إيران

على الرّغم من أنّ دول مجلس التّعاون الخليجي تشكل كيانًا جماعيًا، إلا أن الدول الأعضاء واصلت السّعي إلى تحقيق مصالحها الوطنية، بما في ذلك علاقاتها الثّنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل منفصل. للمملكة العربية السّعودية نفوذ في غالبية دول مجلس التّعاون الخليجي، لكن الدّول الأخرى، باستثناء البحرين، لا تتبع القيادة السّعودية. وبعودتهم من القمة، ستواجههم ثلاث تحديات لن تختفي في وقت قريب:

  • داعش والتطرف والجهاد والقاعدة في العراق والشام وشبه الجزيرة العربية والمغرب.
  • استمرار انبثاق الأيديولوجية السّنية المتطرفة الداعية إلى الجهاد باسم الخلافة الإسلامية من أوساطهم.
  • ازدياد المظالم الشعبية ضد القمع والفساد والطائفية.

على الرّغم من خلافهم العلني مع واشنطن، سيدرك حكام الخليج أنّ سعي الرّئيس أوباما إلى بنية أمنية جديدة في الشّرق الأوسط، تكون فيها إيران لاعبًا مسؤولًا، سيخدم في النّهاية مصالحهم. اتفاق نووي مع إيران، يشعر معه العلماء النوويون الأمريكيون بالرّاحة، يحد من التخصيب الكمي والنوعي في إيران ويعطي المجتمع الدولي الحق في إجراء عمليات تفتيش نافذة "في أي وقت وأي مكان" لمدة عشر سنوات على الأقل، سيكون الضّمانة الأكثر واقعية للأمن والاستقرار في المنطقة. سيحسن حكام دول مجلس التعاون الخليجي صنعًا بلحاقهم بالرّكب.

التاريخ: 15 مايو/أيار 2015

النّص الأصلي:


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus