مجزرة القديح والبحث عن القاتل
2015-05-24 - 2:47 ص
مرآة البحرين (خاص): لم تكن مجزرة القديح التي وقعت أمس الجمعة 22 مايو/أيار 2015، هي الأولى ضد الأقلية الشيعية المضطهدة في السعودية، فقد سبقتها مجزرة الدالوة في محافظة الأحساء بالمنطقة الشرقية مساء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، والتي راح ضحيتها 5 شهداء و9 جرحى، بعد ما قام مسلحون بإطلاق النار على حسينية يقيم فيها الشيعة مأتماً في ذكرى استشهاد الإمام الحسين ثالث أئمة الشيعة الاثني عشرية.
لكن مجزرة القديح كانت أعنف وأكثر بشاعة، وبطريقة تقليدية مألوفة يستخدمها التيار التكفيري بشكل عام، حزام ناسف وانتحاري، هذا كل ما يتطلبه الأمر لإحداث مجزرة، وهذا ما حدث ويحدث في أفغانستان، العراق، سوريا وباكستان وبلدان أخرى، وهذا ما حصل في القديح، داخل مسجد أثناء تأدية مصلين شيعة صلاة الجمعة ظهر أمس.
وزارة الصحة السعودية أعلنت عبر حسابها على شبكة التواصل الاجتماعي تويتر، إن حصيلة التفجير الإرهابي كانت 123 ضحية، 21 شهيدا، و102 جريح تم علاج 50 منهم، فيما بقي 52 جريحاً في المستشفى لاستكمال العلاج، دون توضيح حالة الجرحى المتبقين في المستشفى.
وللإجابة على السؤال عن الفاعل، يمكن لأي شخص أن يقول إن داعش تقف خلف العملية التي تبنتها في بيان بثّته في شبكات التواصل الاجتماعي، لكن إلقاء اللوم على تنظيم إرهابي لم يعد مجدياً، في مجزرة الدالوة أعلنت الداخلية السعودية بشكل تدريجي عن المتورطين، بدايةً قالت إنها ألقت القبض على 9 متورطين في الحادثة جميعهم سعوديون، ولاحقاً أعلنت عن قبضها على تنظيم بالكامل عبارة عن 40 سعودياً وأردني على صلة بحادثة الدالوة، أما أهالي الضحايا فألقوا باللوم على طائفيةً لم تجد رادعاً، في إشارة منهم للسلطات السعودية التي تنمّي وتغذّي هذا الفكر المتطرف الذي يعمل على تكفير الشيعة وباقي فرق المسلمين.
في مجزرة القديح لا يختلف الأمر كثيراً، ما بين الحادثتين 6 أشهر، مارس خلالها رجال الدين السعوديين التحريض والتكفير، بل وزادت وتيرة الخطاب التحريضي مع الحرب التي شنّتها السعودية على اليمن منذ 26 مارس/آذار 2015، بمعيّة دول عربية أخرى، وهي ما أدت إلى تخلّي الجانب الآخر عن الدبلوماسية في التعاطي مع السعودية.
فهكذا رأى حزب الله اللبناني في بيانٍ له عن مجزرة القديح أن السعودية هي المسؤولة عما حصل لرعايتها القتلة "فكرياً وإعلامياً وسياسياً ومادياً وعملياً"، وهذا هو رأي الغالبية العظمى من الشيعة منذ عقود، إلا أن هذا الكلام كان لا يقال بشكل علني وصريح، نظراً لحسابات وحساسيات من تأجيج الوضع الطائفي في المنطقة.
أما إدانة السعودية الرسمية، فيدخل في سياق التبري من المنفذين، وهو ما يفسّر بيان مفتي السعودية الذي لحقتها تصريحات وإدانات من داخل السعودية وخارجها، من دولٍ صديقة وحليفة لمملكة الرمال.
لكن تلك المحاولات لم تقنع أهالي الضحايا الذين طردوا قناة "الإخبارية السعودية" معتبرينها إحدى أدوات التحريض التي أدت إلى ذلك، أما وسائل إعلام سعودية أخرى فكانت تغطيتها مُلفتة، فبعد ساعات قليلة لاحظ الصحفي زيد بنجامين أن قناة العربية السعودية، مستمرّة في تحريضها وشيطنتها للشيعة.
.ولاحظ الصحفي بنجامين في تغريدة أخرى أن رجال الدين السنة في السعودية، دانوا المجزرة، لكنهم امتنعوا عن الترحّم على الشهداء
الكاتب ذو الميول الأخوانية جمال خاشقجي، الذي لازال يسكنه الحنين لأفغانستان، دان بشدّة مجزرة القديح قائلاً: "إن بررت لجريمة تفجير القديح لأنهم شيعة، فاعلم أن داعش مثلما كفّر الشيعة لمذهبهم سيكفرك ويستبيح دمك بمسجدك ويعتبرك صحوات (إشارة إلى العشائر السنية التي قاتلت القاعدة تحت مسمّى الصحوات) لأنك لم تدخل في طاعته".
وفي موقف آخر متقدم لخاشقجي قال "تفجير مسجد للحوثيين في صنعاء قبل قليل، إنه نفس المجرم الذي نفذ تفجير القديح، وبالتالي يجب أن يشجب بنفس القوّة"، مضيفاً "حربنا مع الحوثي ليست طائفية".
سيعتبر كثيرون كلام السيد خاشقجي ممتازاً، لكن كاتب السطور السابقة هو نفسه من اعتبر "تقطيع رؤوس جنود الجيش السوري من قبل داعش وتصويرها وعرضها للإعلام بعد اقتحام الفرقة 17 عملاً وحشياً لكنه تكتيك عسكري نفسي فعّال" مضيفاً إن "الجماعة (داعش) يعرفون ما يفعلون".
هذا التناقض لا يعيشه خاشقجي وحيداً، فقبله رجال دين سُنّة في السعودية، عملوا على شيطنة الطائفة الشيعية منذ زمن سحيق. من منا ينسى الدعاء على الشيعة في الحرمين الشريفين، أو حادثة "تحريم الدعاء لحزب الله" إبّان حرب يوليو/تموز 2006 ضد إسرائيل فقط لأنهم شيعة، وبهذا أشار بعض المغردين، جامعين صور لرجال دين كبار في السعودين، وهم يمارسون مهنتهم المفضّلة، التحريض على الشيعة.
وهكذا قال إبراهيم الفارس الذي عمل كأستاذ جامعي في كلية التربية بجامعة الملك سعود سابقاً، فقد كتب قبل شهر، مهدداً الشيعة بأنهم لن يلطموا "في أيام عاشوراء فقط، لكن نبشركم فأبطال الجهاد وسادات الوغى أحفاد سعد وعمر والمثنى سيجعلونكم تلطمون طوال العمر بدون توقف".
واستمر الفارس في تحريضه ضد الشيعة بعد مجزرة القديح التي امتنع عن إدانتها وقال إن "الشيعة العرب أحجار على رقعة الشطرنج عند الفرس المجوس"
ولربما يستطيع القارئ أن يستوعب سبب تمنّع وزارة الداخلية السعودية أو وزارة الصحة عن وصف ضحايا التفجير بالـ "شهداء" والاكتفاء بتعابير أخرى كـ "ضحايا" و"متوفين".
أما المُلفت أكثر في مجزرة القديح فكان تحميل إيران والشيعة مسؤولية ذلك، فقد قال أحمد راشد سعيد وهو أحد حملة الدكتوراة في السياسة من الرياض، إن "صمود بلادنا في وجه المشروع الصفوي ليس بلا ثمن. كانت جريمة تفجير القديح متوقعة بعد عاصفة الحزم، ودعم أهلنا في سوريا. لكنها حشرجة الموت" على حد تعبيره.
والمُثقّف عبدالله الغذامي أشار إلى أمرٍ مشابه فقال "منذ ضبط سيارة المتفجرات مهربة من البحرين، والبوادر تشير إلى شيء مما حدث اليوم في القطيف، لا تنسوا من أرسل حجاجه بحقائب مُلغمة"، في إشارةً إلى مزاعم سعودية بضبط متفجرات قادمة من البحرين.
ويؤكد الغذامي إنه لا يستطيع تحليل ما حدث اليوم (تفجير القديح) دون استحضاره لمكائد إيران.
وفي السياق نفسه يذهب عادل عبدالله الذي يرى في نفسه محللاً سياسياً من الطراز الرفيع، يقول إن "تفجير داعش لحسينية في السعودية هو ذات المسلسل في سوريا والعراق واليمن ألا وهو "نقل الصراع إلى داخل عدو إيران، وبهذا نعرف من صنع داعش".
يستطيع جهابذة الفكر والسياسة والأدب من أنصار "عاصفة الحزم" والحروب السعودية المجنونة أن يقولوا ما يشاؤون، يستطيعون أن يمثلوا على الناس بقولهم إن داعش صناعة إيرانية، ويقف خلفها الشيعة، يستطيعون أن يحاولوا التبرؤ من هذا الوحش الذي ربّوه لسنوات، تبقى الحقائق في نهاية المطاف لايمكن تزييفها بسهولة، هكذا رأت ذات يوم صحيفة الحياة السعودية إن 60٪ من منفذي العمليات الانتحارية المنتمين لداعش هم سعوديون.
كليشيهات كـ "الإرهاب لا دين له" لم تعد تجدي نفعاً في التهرّب من المسؤولية، يعلم الجميع أن السعودية هي الحاضنة الفكرية والممول للإرهاب في مناطق الصراع، ويعلم الجميع أن هذه التنظيمات الإرهابية بُنيت بكوادر بشرية سعودية في مُعظمها، وهذا ما قاله ذات يوم نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في حديثٍ له بجامعة أمريكية، "حلفاؤنا السعودية وتركيا وقطر والإمارات" هم من سلّحوا وموّلوا "جبهة النصرة" و"القاعدة" و"داعش"، إنها الحقيقة المرّة التي على السعودي أن ينطق بها أخيراً، نحن صنعنا الإرهاب، وعلينا القضاء عليه.