لأنه كان بصحبة أخيه المطلوب لحظة اعتقاله... الطفل البحريني حسين العرادي (13 عاما): من ملاعب الحي إلى طوامير السجون
2015-04-29 - 2:15 ص
مرآة البحرين ( خاص): تفتقد مقاعد الدراسة في مدرسة السلمانية الإعدادية الطالب المطيع والمنضبط "حسين العرادي"، الذي اعتقلته سلطات الأمن البحرينية منذ حوالي أسبوع، لا لشيء سوى أنه كان بصحبة أخيه المطلوب أمنيا، حين قبضت عليه السلطات هو الآخر فيما عرف بكمين "النادي البحري".
تهم الطفل العرادي كلها سياسية، وحتى لو نفذ بجلده من القضايا التي لفّقتها السلطات الأمنية لأخيه ورفاقه المعتقلين، فإنّه لا يبدو سينفذ من "القضايا الأخرى" سهلة التلفيق: تجمهر، وأعمال شغب وتخريب، لأنّه باختصار طفل شيعي، يعيش في منطقة تسكنها غالبية شيعية، وهذا في حد ذاته دليل كاف للاشتباه به وإدانته، حتى لو كان يركض في الشارع المجاور لمنزله وراء الكرة، وحتى لو كان عمره 13 عاما فقط.
عرف عن حسين الهدوء والاحترام ليس في المدرسة فقط بل في بيته أيضًا. يحرص حسين على تقبيل والدته على رأسها شكرًا وامتنانًا، وإذا رغب في اللعب مع أصدقائه لا يتعدى منطقة الحي الذي يسكن فيه في العاصمة المنامة.
مع أخيه حتى في لحظة اعتقاله
ارتبط العرادي بأخيه الأكبر والوحيد "علي" ارتباطًا قويًا، فصار يرافقه في كل مكان يذهب إليه، وتأثر كثيرًا عندما أصبح أخوه من المطلوبين والمطاردين أمنيا، وزاد من حزنه اعتقال أخيه أمام عينيه، في كمين مخابراتي بالنادي البحري في 12 مارس/ آذار 2015.
ولكثرة مداهمات قوات الشرطة لمنزله بحثا عن أخيه، صار حسين يتوقع مجيئهم في أي لحظة، لأنهم كانوا يطلبون رؤيته أيضا، وقد وصل إلى مسامع والدته من أهالي بعض المعتقلين نقلا عن أبنائهم خلال الزيارة بأن "حسين" بات مستهدفًا، وأن شقيقه "علي" كثيرًا ما كان يُهدد به، مشددين عليها الانتباه له، خاصة بعد توعد أحد الضباط بإلباسه قضايا ملفّقة، كما فعل مع أخيه.
مع والديه في الليلة الأخيرة
في يوم الثلاثاء 21 أبريل/ نيسان 2015 تلقت عائلة العرادي اتصالا يفيد بضرورة إحضار طفلها "حسين" إلى النيابة العامة في اليوم التالي. كيف كان والداه سيبلّغانه بأنه مطلوب للتحقيق؟ اهتديا في النهاية إلى إيهامه بأن لديه موعدًا مع طبيب الأسنان في الصباح، ولذلك لن يذهب للمدرسة، كانت ليلته الأخيرة بينهما هادئة، ونومه مطمئنا. عند الصباح حانت لحظة المواجهة، انتظرته والدته يتناول فطوره أولا، لتخبره بأن والده سيأخذه إلى النيابة العامة لا طبيب الأسنان!!
وقع خبر ذهابه إلى النيابة العامة كالصاعقة على قلبه، دبّ الخوف في نفسه ورفض الذهاب، هدّأته والدته مطمئنة: سيسألونك بعض الأسئلة فقط وستعود بعدها إلى البيت حتما. لكن ما حدث هو العكس تماما، فقد أمرت النيابة بحبسه على ذمة التحقيق بتهمة "تنظيم احتجاجات وأعمال شغب وتجمهر وتخريب".
أم حسين في مركز الشرطة: أنت بطل ويجب أن لا تبكي
نقل الطفل العرادي بعد النيابة إلى مركز شرطة النعيم، وهناك كان ينتظره مصير مجهول، بالنسبه لعقله الصغير، وما إن رأى والدته ارتمى في حضنها باكيًا واختنقت هي بعبرتها، جميع من في المركز كان متأثرا، حاولوا تهدئة الطفل المسكين وتجلدت أمه محاولة زرع الثقة فيه: أنت بطل ويجب أن لا تبكي.
مثل هذه المشاهد لم تهز ضبّاط الشرطة، ولا وكلاء النيابة العامة، ولم تحرك في قلوبهم الشفقة والرحمة. راحوا يستمرون في حياكة هذه المؤامرة ضد الطفل العرادي، كما فعلوا مع عشرات الأطفال، منذ انفجار ثورة 14 فبراير 2011، في البحرين.
وفوق الظلم يمنع من الزيارة
يوم الخميس 23 أبريل/ نيسان 2015، اتجهت والدة العرادي إلى مركز شرطة النعيم لتأخد موعدًا لزيارة طفلها، وعندما دخلت على الضابطة هناك أخبرتها بان ابنهما ممنوع من الزيارة والسبب التقاطها صورة له ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، عندما كان جالسَا في مكتب الضابط بمركز النعيم، إضافة إلى إطلاقها لفظة "معتقل" على طفلها.
لم تيأس الأم حينها وتوجهت إلى مركز الأحداث حيث يحتجز "حسين"، وعند وصولها سألتهم عن ابنها وطلبت رؤيته. أثناء سؤالها سمعت إحدى المسؤولات هناك تقول بأنه أخذ إلى النيابة العامة وإنه غير موجود، ولكن سرعان ما أنكرت الضابطة ذلك مؤكدة بأنه موجود في المبنى لكن زيارته ممنوعة.
بعد 5 أيام من السجن: أعراض الرّوع والاكتئاب
وبعد مرور 5 أيام على اعتقاله حصلت عائلته على إذن لزيارته في 26 أبريل/ نيسان 2015. ذهبت والدته بلهفة لرؤية طفلها فصعقت لما رأته، كان هادئًا أكثر من ذي قبل، لم يبادر بالسلام على أمه وتقبيلها كما اعتادت، لذا بادرت هي باحتضانه بقوة كي تهدئ من روعه الذي بدا واضحًا على محياه، لقد خاب أمله في أن لا يبقى في السجن لأكثر من أربعة أيام كما حدث مع الطفل "سيد حسين" سابقًا.
لاحظت والدته خلال الوقت القصير الذي قضياه معا (15 دقيقة)، أنه يقوم بحركات غريبة لم تعهدها من قبل: كان يغمض عينيه كثيرا، ويسحب شفتيه بأصابعه. هي أعراض الرّوع والاكتئاب، خافت أمّه عليه وألحت عليه أن يتوقف عن هذه الحركات وأن لا يخاف من أحد.
إلى النيابة العامة دون علم والديه... والسؤال: هل تعرفهم؟
اقترب العرادي من أذن والدته وعيناه ترمقان الضابطة التي كانت متواجدة معهم أثناء الزيارة، همس في أذنها بأنه أخذ إلى النيابة العامة في يوم الخميس 23 أبريل/ نيسان 2015، وأنه سُئل هناك عن سبب تواجده مع المجموعة التي اعتقلت بكمين مخابراتي من النادي البحري، كما وجهت له أسئلة إن كان يعرف هؤلاء الشباب أم لا، وقد نفى معرفته بهم مؤكّدا أنهم أصدقاء أخيه علي الذي كان يرافقه للعشاء ليلتها.
وجهت له النيابة العامة أيضا أسئلة تتعلق بـ "محسن القطري" حيث نفى معرفته به، وعندما سئل عن "حسين الزرقي" قال لهم ببراءة الأطفال هو "مسجون" الآن! عندها وصفه الضابط بالكذاب! فلم يقبل ورد عليه مؤكدا أن الزرقي معتقل منذ فترة طويلة وهو يعرفه جيدًا لأنه ابن صديقة والدته.
عند الانتهاء من التحقيق معه فرح كثيرًا عندما أخبروه بأنه بريء من تهمة الانتساب لمجموعة النادي البحري، لكن فرحته لم تدم طويلا عندما أردفوا قائلين "عليك قضايا أخرى ولن تخرج من السجن"! هكذا ببساطة يمكن أن يبقى أي بحريني شيعي في السجن، حتى لو كان طفلا!
أطفال البحرين: أعداء أشداء داخل السجون
يد البطش في البحرين، امتدّت لتنال من الأطفال، عقابا على انتمائهم الطائفي والمناطقي، ولم تتوقف منذ 4 سنوات رغم الانتقادات الحادة جدا من المنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة العفو، فضلا عن وزارة الخارجية الأمريكية. يربي البحرينيون الأمل في أطفالهم، وتربي السلطات أعداء أشداء كل يوم، داخل سجونها.
شكا الطفل العرادي لوالدته ظروف حبسه، وأنه لا يرغب في الطعام المقدم إليه، وطلب منها توفير طعامه المفضل، وفي النهاية أوصاها بالذهاب إلى مدرسته وإخبارهم بأن سجن الأحداث سيقوم بزيارة لهم لتقييمه!
ينتظر الطفل "حسين العرادي" يوم غد الأربعاء 29 أبريل/نيسان 2015 عرضه على النيابة العامة مرة أخرى، بخوف ممزوج بأمل أن يعود لأسرته ومدرسته، وذلك الحي الذي كان يلعب فيه الكرة، طفلا كسائر أطفال هذا البلد، سوى أنه لم يكن آمنا!