مبنى 10 في سجن جو.. ما الذي يحدث داخل وكر التعذيب؟
2015-04-27 - 5:08 ص
مرآة البحرين (خاص): "أغيثوا سجناء مبنى 10، أغيثوا سجناء مبنى 10، أرجو من الجميع التحرك لوقف آلامنا المستمرة!" هذه العبارة حملتها لنا زوجة أحد المعتقلين بحرارة، كانت وصيته لعائلته قبل أن يغادرهم محمولاً بهمّه وألمه.
المبنى الذي يحمل الرقم "10" في سجن جو، تم إعداده للوافدين الأجانب الذين يُلقى القبض عليهم وهم يقيمون في البلاد بطريقة غير مشروعة، يُطلق عليهم "الفري فيزا". يقضون في هذا المبنى أياماً قبل أن يتم ترحيلهم.
لكن بعد 10 مارس/آذار 2015، تحوّل لوكر تعذيب خاص. كيف؟
في هذا المبنى تم نقل قرابة 128 معتقلاً، اتهم معظمهم بتحريض المعتقلين على احتجاجات 10 مارس، وتكسير الزنازن وفق زعم إدارة السجن. الاحتجاجات اجتاحت سجن جو المركزي إثر ضرب منتسبي الداخلية لأحد المعتقلين وإهانته أمام عائلته أثناء زيارتها له، وإهانة عائلته بالمثل.
من بين الأسماء التي تم نقلها لهذا المبنى الشيخ محمد علي المحفوظ، والشيخ علي المسترشد، والناشط ناجي فتيل، والناشط عبدعلي السنكيس، والناشط علي صنقور، والدكتور ابراهيم الدمستاني، والدكتور السماهيجي، والعسكري علي الغانمي، والعسكري سيد فيصل العلوي، والمعتقل محمد سرحان، والمعتقل محمد سهوان، فيما يكاد يكون المعتقل محمد الشمالي بجرح رأسه الغزير الذي انفتق 3 مرات جراء التعذيب، هو صاحب الوضع الأصعب والأكثر خطورة: "سيموت إن لم تتداركوه" هكذا ينقل عنه السجناء بقلق بالغ.
وكان محتجون قد قاموا باغلاق الأبواب الرئيسية باستخدام الأثاث الموجود داخل الزنازن وأشياء أخرى كالثلاجات، وتوجه بعضهم إلى سطح المبنى 4، وبدأوا بالتكبير، فيما حاولت إحدى المجموعات التوجه لمبنى 3 الذي يبعد حوالي 7 أمتار عن مبنى 4، من خلال باب الطوارئ.
لكن يؤكد المعتقلون، أن من قام بفعل التكسير في الزنازن، وهي التهمة التي نسبت للمعتقلين فيما بعد، قوات الأمن أنفسهم. وذلك حين داهم المبنى حوالي 2000 شرطي، واجهوا المعتقلين باطلاق الغازات المسيلة للدموع مع اطلاق الرصاص الانشطاري (الشوزن). ثم قام منتسبو الداخلية بتكسير متعمّد للأسرّة والجدران وحتى الأسقف ومصابيح الإنارة بحثاً عن أجهزة الهواتف النقالة التي يشتريها المعتقلين من بعض أفراد الشرطة بأسعار باهظة ومضاعفة حوالي 10 مرات عن سعرها الأصلي.
الآن تتم معاقبة المعتقلين بشكل انتقامي وحشي بتهمتي التحريض والتكسير. فيما يلي بعض تفاصيل التعذيب التي تعرّض لها بعض نزلاء هذا المبنى كما حصلت عليها «مرآة البحرين»:
محمد الشمالي:
يكاد لا يسكت معتقل أثناء زيارة عائلته له عن تكرار عبارة "انقذوا محمد الشمالي فإنه سيموت". تردي الحالة الصحية للشمالي (17 عاماً) بسبب التعذيب أصبحت مثار قلق الجميع، الجرح الغزير في رأسه والناتج عن التعذيب انفتق للمرة الثالثة واعتذر الطبيب عن خياطته للمرة الرابعة لأنه نزف كثيراً وبات الجرح لا يمكن خياطه، وحسب والدة الشمالي فإن الطبيب قال "لو تأخرتم عليه خمس دقائق لكان ميتاً"، قبل أن يغطي الجرح بالشاش فقط "لأن الخياط أصبح لا يثبت مكانه بسبب تردي حالة الجرح".
ومن أساليب التعذيب الأخرى التي يتعرض لها الشمالي في هذا المبنى التعليق في المروحة أو في باب الزنزانة بشكل يومي رغم جرحه، ويتم ايقاظه يومياً عند الساعة السادسة صباحا عبر صب الماء عليه.
ناجي فتيل:
تم اتهامه بتحريض المعتقلين، ومعاقبته بوحشية شديدة. نقل عن سجناء أنه تم تغطيس رأسه في نقعة ماء متسخة حتى كاد يختنق ويفطس، وجعلوه يشرب من الماء المتسخ بالقاذورات، ثم جروه إلى مبنى10 وتعليقه بما يعرف بـ(وضعية البصلة). وقد وصف معتقلون حالة فتيل بأن التعذيب قد طال منه إلى الحد الذي بات غير قادر على المشي إلا معتكزاً.
لم تلتقه عائلته بعد، ولم يخرج في موعده المحدد للزيارة في 9 ابريل، تم تأجيلها إلى 23 ابريل، لكنه لم يخرج لعائلته في هذا اليوم أيضاً. عائلته قلقله، فهي لا تعرف إن كان ممتنعاً عن الزيارة أو أن حالته الصحية لا تسمح. في 12 أبريل وعندما عرف أن أخبار التعذيب في سجن جو ملأت أصداء البحرين قلق على والدته الكبيرة في السن فطلب الاتصال بها. لم تتعد مكالمته الدقيقتين. طمأن والدته أنه بخير وأنها يجب أن لا تقلق عليه، وطلب من زوجته اللجوء إلى لجنة التظلمات والنيابة العامة للتحقيق بشأن الانتهاكات التي يتعرض لها، ما إن انتهت المكالمة حتى انهالوا عليه بالضرب الوحشي.
إهمال علاج فتيل أثّر على ساقه المصابة مسبقًا، تعرضت للكسر في حادث في العام 2012 واحتاج لعملية جراحية ووضع فيها قطع حديدية على أن تزال بعملية أخرى بعد عام واحد. اعتقل قبل موعدها. مضى أكثر من عامين وسط تعمد واضح بإهمال علاجه.
علي صنقور:
يعاني المعتقل علي صنقور حالياً من كسر في الحوض بسبب نسيانه معلّقاً في الزنزانة لفترة طويلة، وهي عقوبة انتقامية يمارسها منتسبو الداخلية بشكل يومي على المعتقلين في مبنى 10. في موعد زيارته في 12 ابريل 2015، دخل على عائلته محمولاً بين يدي اثنين من رفقائه، لم يكن يقو على الحركة أو المشي، وضجت القاعة كلها بالصياح على حالته التي خلعت قلوب الجميع.
علي هارون:
في موعد زيارته في 12 ابريل 2015، أتى محمولاً هو الآخر مكسر الأضلاع، مهشم العظام، غيّر التعذيب ملامح جسده النحيل وصار أسمر اللون والبقع الداكنة جراء التعذيب تملأ جسده. لم يكن يقدر على الجلوس إلا متكئاً على أحد جانبيه. بكى وهو يقول لعائلته "بيقتلونا، بيقتلونا، بيقتلون الشيخ المحفوظ، بيقتلون محمد الشمالي". يؤكد لعائلته أن التعذيب الذي لقيه في التحقيقات الجنائية عندما جلب من تايلند لا يساوي شيئاً أمام ما يلاقيه الآن.
آخرون:
بسبب الإهمال الطبي صار جرح المعتقل رضا مال الله في فخذه يبعث روائح كريهة. فيما يتعرض الناشط عبد علي السنكيس للضرب اليومي على الرأس، ولا يترك حتى ينزف. ويتم التعمّد بضرب الدكتور سعيد السماهيجي على عينيه. وما زال الشيخ المحفوظ يعاني من التعب الشديد لقاء ما تعرض له من تعذيب فاق كل التصورات.
أحد نزلاء هذا المبنى أكد لعائلته التي زارته مؤخراً يوم 23 ابريل، أن الانتهاكات والإهانات والتعذيب لا زال مستمرًا، فهم ممنوعون من النوم، وإذا احتاج أحدهم إلى الحمام عليه أن لا يتعدى الدقيقتين وإلا الضرب هو مصيره، كما لا زال بعض المعتقلين يتعرضون للتحقيق.
وأخبر أن هناك نسخة واحدة فقط من "القرآن الكريم" لجميع المعتقلين الموجودين في المبنى 10 والذي يضم قرابة 128 سجينًا مقسمين على عنبرين، وأن من يرغب بالاتصال بذويه عليه أن يعيش موتًا حقيقيًا من الانتهاكات والضرب المبرح قبل وبعد الاتصال وكل ذلك أمام مرأى من الضابط " صالح الجهني" لذا بات الكثير من المعتقلين يتجنب الاتصال بعائلته خشية التعرض للتعذيب.
وأكّد المعتقل لعائلته أنه منذ حادثة سجن جو في 10 مارس الماضي مُنع المعتقلون من تبديل ملابسهم، ما زالوا يرتدون نفس الملابس منذ ذلك اليوم، كما حرموا من الأكل والشرب مدة يومين كاملين (يوم 10 مارس و11 مارس)، كما تم أمر بعض المعتقلين، بينهم الشيخ المسترشد بخلع ملابسهم وسكب الماء البارد فوق رؤوسهم وأجسادهم في العراء، وأضاف أن عدداً من المعتقلين الذين كانت لديهم إصابات سابقة بالشوزن، تسبب سكب الماء البارد على رؤوسهم وأجسادهم بإصابتهم بحالات من الرجفة والتشنج وتسارع دقات القلب وما يزال بعضهم تعود له تلك الحالة بين حين وآخر.
وفي ممارسة مهينة حاطة بالكرامة وفي أكثر من مرة يقوم الجلادون الأردنيون بحلق شعر رأس المعتقلين بأكمله بينما يتعمدون حلق النصف من اللحية فقط، وكذلك النصف من الشارب.