رأسه لم يعد يحتمل خياطة رابعة، الطفل محمد الشمالي: "استعدي لخبر موتي يا أمي"
2015-04-16 - 9:44 م
مرآة البحرين (خاص): مثلت والدة المعتقل محمد الشمالي (17 عاماً) نموذجاً لحال الأمهات والأسر البحرينية التي يقتلها القلق على أبنائها وذويها المعتقلين منذ 10 مارس الماضي، بعد انفجار الأوضاع داخل سجن جو المركزي، الذي يضم المحكومين ممن تم اعتقالهم.
تحدثت أم محمد بعاطفة الأم، وألهبت المشاعر بعدما وصفت ما يتعرض له ابنها في العنبر رقم 10 الذي حولته قوات الدرك الأدرني التي تسلمت سجن جو المركزي إلى مسلخ بشري.
ذهبت والدة محمد الشمالي لزيارته منذ نحو أسبوع، لأول مرة بعد مرور أكثر من شهر من أحداث سجن جوّ. عادت مصدومة مخنوقة مما رأته في وجهه وما سمعته منه، وكان أكثر ما آلمها، إنه كان يبكي، ويقول لها: "كوني مستعدة لخبر موتي يا أمي".
حيرة الأم وقلقها فاضا بها. قررت بث صوتها عبر الفضاء العام، عبر وسائل التواصل في الهواتف الذكية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، سجلت شكواها صوتياً، وطلبت العون والمدد، قالت إنها لا تعرف اللجوء غير لله، لكنها طمعت أن يصل صوتها مكانا ما ليتغير حال ولدها ويتوقف التعذيب بحقه، ويحصل على حقه في علاج مناسب لحالته الصعبة.
أم محمد الشمالي المثقلة بالعاطفة والدموع والقلق، أكدت أن ولدها السجين يقترب من الموت بسبب جرح غزير في رأسه إثر تعذيب وحشي تعرض له، وأن هذا الجرح انفتقت خياطه ثلاث مرات بسبب استمرار التعذيب، وفي المرة الرابعة اعتذر الطبيب بأنه لم يعد قادراً على خياطته مرة أخرى، وأنها مسؤولية لا يستطيع تحمل نتيجتها المحتملة.
الرأس المفتوح جرحه ليس كافياً ليخفف عن محمد التعذيب، وطفولته كذلك ليست كافية ليرحم، بل يتعرّض يومياً -رغم جرح رأسه المفتوح- للتعليق مقيداً بالهافكري في الباب والمروحة. العديد من المعتقلين يخبرون أهاليهم حين يأتون لزيارتهم بأنهم قلقون على حالة محمد، يبكون وهم ينقلون إلى ذويهم: "تكلموا عن محمد الشمالي.. سيموووووت.. انقذووووه".
والدة محمد الشمالي المفجوعة تقول "يوقظونه يومياً منذ الساعة السادسة صباحا عبر صب الماء عليه وهو نائم، ابني لديه جرح غزير في رأسه بسبب الضرب، الجرح ثلاث مرات ينفجر، وفي المرة الرابعة اعتذر منهم الدكتور لانه نزف كثيراً وبات الجرح لا يمكن خياطه، وقال الدكتور لو تأخرتم عليه خمس دقائق لكان ميتاً، والآن غطوا جرح ولدي بالشاش ولم يَخيطوه لأن الخياط أصبح لا يثبت مكانه بسبب تردي حالة الجرح".
أضافت "كل يوم ظهراً منذ الساعة الثانية ظهراً حتى الساعة 12 ليلاً يتعرض ابني لوجبات من التعذيب، وصوته يسمعه كل من هم في غرف العنبر رقم 10، كل من في العنبر أصبحوا يبكون على ولدي محمد، لأن سنّه صغير، وحجم التعذيب الذي يجري عليه أكبر من استيعابه، أنا لا أدري ألجأ لمن لإنقاذ طفلي، أنا أتكلم بعاطفة الأم، أنا قوية، لكني لم أستطع".
بصوتها الذي يختلط بكاؤه بتوسلاته تكمل أم محمد: "رأس ولدي مجروح، وأذُناه تغير لونهما إلى الأزرق لكثرة الضرب، قال لي ولدي إنه تعرض لتعذيب كبير، وأنهم يركزون عليه كثيراً، أرجوكم حاولوا إيصال صوت ولدي وما يتعرض له، قال لي ولدي: أماه في أي وقت قد يأتيك خبر موتي. أنا الآن خائفة، وقد قال لي أيضاً: كوني مستعدة يا أمي لهذا الخبر".
وأردفت "محمد ابني الكل يعرفه، فهو خدم الشباب وهم في السجن، هذه المرة تعرض لإهانات بالغة، هذه هي المرة الأولى التي يتعرض لها لمثل هذا الأمر بهذه الطريقة، ابني يُمضي الآن سنته الرابعة في السجن، كان يبكي أمامي ويقول أماه التعذيب الذي يجري علينا تعذيب غير طبيعي، تعرضت لتعذيب قاس في السابق لكن ليس بمثل ما يجري الآن" وأضافت بصوتها المختنق بالبكاء "كل السجناء يعرفون ماذا جرى على ابني محمد الشمالي".
أكدت والدة المعتقل أنها ذهبت لدائرة التظلمات. وأنهم قالوا لها إنهم أرسلوا وفدأً، أكد وجود الجرح الغزير المفتوح. ورغم ذلك، تصمت الأمانة العامة للتظلمات، ومفوضية السجناء، عن قضية محمد الشمالي صمتاً مطبقاً. بل إن نائب الأمين العام لإدارة التظلمات أسامة العصفور الذي عيّنه الملك في منصبه بدرجة وكيل مساعد، رفض إعلان نتائج التحقيقات التي قامت بها الأمانة. ذكر العصفور في مقابلة لصحيفة محلية، أنه «ليس مناسباً من ناحية المهنية والتخصص إعلان النتائج من جانبنا، كونه لا يتوافق مع مبدأ الفصل بين السلطات، طالما أن القضية المعنية خرجت من نطاق التحقيقات في الأمانة».
العصفور برر كل شيء، حتى بقاء عدد كبير من السجناء محبوسين في خيام في باحات السجن المركزي في أوضاع مزرية، رأى أنها عائدة إلى التلفيات التي لحقت بالزنازن، وقال إنه ستتم إعادتهم إلى حين إعادة تهيئة هذه الزنازين. لكن العصفور لم يتطرق أبداً إلى التعذيب الذي تمارسه قوات الدرك الأدرني التي تسلمت السجن منذ 10 مارس الماضي.
نعم، محمد يموت ببطء، لكن لا أحد يسمع، بل هناك من لا يريد أن يسمع، فقد أمتحنت هذه الأزمة القلوب، وبينت أن ثمة قلوبا كثيرة ماتت هنا وفي هذا العالم المشبع بالظلم. محمد الشمالي نموذج لطفل يتعرض لما لا يستطيع أي إنسان الصبر عليه، فهل يسمع أحد صوت أم محمد ؟