رسالة إلى مي الخليفة: البحرين عاصمة المكارثية

2011-11-18 - 1:37 م



السيدة مي الخليفة وزيرة الثقافة،

كنت أمس في قصر (طاز) تروجين للبحرين عاصمة للثقافة العربية 2012، كنت تتحدثين في عاصمة أهم ثورة عربية، مصر التي انحازت مبكراً في الربيع العربي لإحداث التغيير، تقولين "إن الاحتفال بعاصمة الثقافة يأتى بعد الأحداث التى عاشتها البحرين وبعد اختلال الصورة الحقيقية لواقع البحرين لتبتعد عن ما يميز البحرين لذلك فسنكرس الصورة الحقيقية للبحرين وأن نصل بصوتنا للعالم"*
اسمحي لنا أن نقول لك، 14 فبراير ليس أحداثاً عاشتها البحرين، هي حدث ما زال مستمراً، ومازال يشكل الصورة الحقيقية للبحرين، اختيار العواصم الثقافية، هو مشروع لتشكيل صورة ثقافية للحرية في المدينة، صورة يصنعها الناس، فلا توجد ثقافة من غير ناس، كما لا توجد عاصمة من غير ناس، ولا يوجد ناس من غير كرامة. الحقيقة اليوم في البحرين، أن الدولة، لا تعترف بالناس، ولا تقيم وزنا لثقافتهم التي تريد التغيير والحرية. فكيف تريدين أن تجعلي من مشروع العاصمة الثقافية، أداة تسترين بها حقيقة ما يعيشه الناس منذ 14 فبراير؟

السيدة الوزيرة،

لقد أبدعت في صناعة البيوت الثقافية التراثية، وأعطيت للثقافة في البحرين مسحة جمالية، لكن ما يحدث في البحرين منذ 14 فبراير، ليس بيتاً ثقافيا تراثيا آيلا للسقوط بحاجة لإعادة بناء، إنه نسيج اجتماعي دمرته السلطة السياسية، والنسيج الاجتماعي هو الذي نبني به للناس سكناً في نفوس بعضهم. إن شركات التصميم التي تحسنين اختيارها، لا يمكنها أن تهندس هذا النوع من المساكن، والبنوك التي تجيدين إقناعها لتمويل مشاريعك المعمارية، لا يمكنها أن تسعفك هنا. بل اسمحي لنا أن نقول لك إنك لم تنجحي أن تجعلي بيوتك الثقافية سكناً لمشاريع المثقفين البحرينين، لقد هجروها، لأنك لم تحسني إتقان بناء نسيج  الشق الإنساني معهم.

إن بيت الحكومة، بحاجة لإعادة ترميم، يسكنه رئيس وزراء طوال 40 عاماً، ليس في العالم رئيس حكومة بهذه السنوات، لقد خرج الناس، ليجددوا هذا البيت، فهو بيتهم، لماذا تستنكرين عليهم ذلك، أليس التغيير فعل الثقافة الدائم، هل يمكننا أن نحتفل بالبحرين عاصمة للثقافة، ورئيس وزراء هذه العاصمة يحتفل بدخول حكمه العقد الرابع  لهذه العاصمة، ماذا سنقول للعالم؟ إن ثقافتنا لا تقبل تداول السلطة؟ إن ثقافتنا لا تقبل التغيير؟ أن ثقافتنا وعاداتنا في الحكم غير؟ هل سنقول للعالم إن إدارة الشأن السياسي ليس جزءا من ثقافة الناس؟ إن إدارة الشأن العام المشترك الخاص بحياة الناس ومصالحهم وحريتهم ليس من اختصاص الثقافة؟

السيدة الوزيرة،

يبدو أنك تجدين في الماضي ما يُجمل قبح الحاضر، فرحت تعطين له مساحة من برنامج العاصمة الثقافية تفوق مساحة الحاضر  "... نعد مشروعًا لبيوت طريق اللؤلؤ لشرح كل المراحل التى تمر بها تلك الصناعة الوطنية، البيت الأول يسمى بيت النوخذة"*
هل ستذهبين للاحتفال بالماضي، كي لا تزعجي أهل الحاضر؟ اسمحي لنا أن نقول لك إن عاصمة الثقافة العربية، لابد أن تكون مشغولة بحاضر الإنسان، وفي استحضارها للماضي، إنما تنطلق من الحاضر، تستزرع الماضي في الحاضر. الحاضر اليوم هو ميدان اللؤلؤة، كيف تحتفلين بالماضي وذاكرة الحاضر مقموعة ومحاصرة؟ كيف تحتفلين بتاريخ اللؤلؤ، وتاريخ لؤلؤة الدوار أزالتها حكومتك بمعدات العسكر؟ أليست هذه اللؤلوة جزءا حميما من ثقافة الناس، من ثقافة حاضرهم، أليست هي جزءا من مشكلتهم الحاضرة بقوة في أزمتهم السياسية. هل تريدين أن تحتفلي ببيت النوخذة، كي ننسى بيت الحكومة؟ لقد صنع الناس في الدوار لؤلوة حريتهم، وسيكون لها بيتاً في ذاكرتهم وذاكرة عاصمتهم التي هي هم، هم لا غيرهم عاصمة بلدهم.

السيدة الوزيرة،

لم يخرج الناس في 14 فبراير، لأن مشروع الملك منحهم حرية، كما قلت "والثقافة لها شرط أساسى هو الحرية ولولا الحرية ما حدثت الاحتجاجات الأخيرة فى البحرين"* بل خرجوا لأنهم هم الذين دفعوا الملك خطوة للأمام ليواكب تولعهم بالحرية، هل كانت أحداث التسعينيات مزحة حرية، أم تجربة قاسية في طلب الحرية. كانت خطوة الملك أقصر من خطوهم، لم يبلغ ما بلغته مسافة إرداتهم ووعيهم بمعنى أن يكون لعاصمتهم دستور عقدي وبرلمان كامل الصلاحيات، كانوا متقدمين عليه. ما فعله البحرينيون في 14 فبراير، هو نتاج تاريخهم النضالي في بناء مفهوم الحرية، نضالهم ضد استبداد أسرتك بالحكم واستفرادها به.

الثقافة هي القدرة على الاحتجاج ضد كل سلطة تحد من حرية الإنسان في أن يكون وفق ما يريد هو.نحن نريد تداول للسلطة السياسة التي تحد من حريتنا، نريد سلطة لعاصمتنا تؤمن بأن المواطن له الحق في أن يحتج على حكومته ويختارها ويغيرها ويُسائلها.نحن نريد هذه الثقافة، وقد خرجنا في 14 فبراير مدفوعين بتراث البحرين النضالي، لنرسخ هذه الثقافة.

السيدة الوزيرة،

اسمحي لنا نؤكد لك خطأ مقولتك  التي تجعل من الحرية منحة ملكية للناس "ولولا الحرية ما حدثت الاحتجاجات الأخيرة فى البحرين"* فحكومتك لم تسمها احتجاجات، لأنها لا تؤمن بحرية الاحتجاج، ولا تستطيعين أنت في البحرين أن تسميها احتجاجات. لقد سمتها السلطة مؤامرة خارجية، وسمت المحتجين خونة وحاكمتهم  في محاكم  عسكرية، واستباحت قراهم، وقتلت منهم أكثر من 40 شهيدا، وفصلتهم من أعمالهم ولاحقتهم في كتاباتهم وأماكن احتجاجهم ووسائل اتصالهم الحديثة وتعقبتهم في مستقبل أبنائهم.

ومزقت نسيج الوحدة الوطنية، كي تحافظ على نسيج الأسرة الحاكمة، تحافظ عليه كي لا ينسل منه خيط للشعب.لقد أحالت السلطة التي تحكمها عائلتك البحرين عاصمةً للشمولية والمكارثية ومحاكمة الناس على آرائهم ومواقفهم السياسية.ووظفت أجهزة الدولة كلها لتحقيق ذلك.وكانت وزراتك واحدة من أجهزة تحقيق هذه السياسة الشمولية، ألم تنشئ لجان تحقيق، ولجان تأديب، ألم تفصلي مثقفين وفنانين وموسيقين، ألم توقفي عن العمل عدد كبير منهم لأنهم عبروا عن آرائهم في دوار اللؤلؤة بالحضور والمشاركة. كان المثقف دكتور حسن مدن وهو رئيس أقدم جمعية سياسية معارضة يسارية معارضة في الخليج، واحداً من هؤلاء، وكان الموسيقي الطليعي أحمد الغانم واحدا من الطاقات الشبابية المبدعة التي طالها الفصل.

السيدة الوزيرة،

نثق أنك تحبين البحرين، ونثق أنك حريصة على صورتها، ونرجو أن تثقين أننا كذلك، لكننا نرى الحرية السياسية هي تحدينا الثقافي الذي يجب أن نواجهه الآن في لحظة الربيع العربي، ولا ينبغي لنا أن نستخدم الثقافة للتغطية على هذا التحدي.

هامش:

*انظر: حوار جريدة اليوم السابع مع: وزيرة الثقافة البحرينية: الربيع العربى بدأ منذ 10 سنوات.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus