الطفل فيصل الطرّاح.. عشية عيد الأم وقبل أن يأخذوه من حضنها: ودّع أمك لأنك لن تراها مرة أخرى
2015-03-24 - 5:05 م
مرآة البحرين (خاص): لم يكن عيد الأم عند والدة الطفل فيصل علي حسين الطرّاح (17 عاماً) غير غصّة مختنقة، شأنها في ذلك شأن معظم الأمهات البحرينيات اللاتي لم يعد لديهن أبناء خارج المعتقلات يحتفلن معهن بيومهن. تحّول هذا اليوم من أيقونة فرح خاصة بالأمهات، وفرصة حميمية للالتمام، إلى نغصة ودمعة مكتومة.
والدة الطفل فيصل قضت يوم عيدها بطريقة خاصة اختارها لها أشاوس وزارة الداخلية، ففي عشية يوم عيد الأم، فجر الخميس 19 مارس، داهمت القوات التي تجاوز عددها 50 شخصاً ملثماً (حسب وصف الجدّة) شقة فيصل. كان نائماً مع والدته في غرفتها كما يفعل دائماً منذ اعتقال والده علي حسين الطرّاح والحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات. في الغرفة الثانية ينام باقي أخوته.
البيت تمت محاصرته بالكامل بأجياب الشرطة، استيقظ جداه اللذان يسكنان البناية ذاتها، كذلك عمّه حسن الذي يسكن الشقة المقابلة لهم، وباقي الجيران في البيوت القريبة، فقد اشتعلت المنطقة بالضوء والضوضاء، حتى ظنت الجدّة لشدّة الضوء الساطع من كراج البيت وصوت الطرطقات أن سيارة زوجها تحترق وأن هناك ما يتفرقع.
فيصل طالب في المرحلة الثانوية وحاصل على تقدير 98٪، وله مشاركته في النشاط المدرسي والأهلي الاجتماعي والديني. تستعرض والدته كامل شهادات تفوقه التي حصل عليها منذ طفولته حتى الآن، وكافة شهادات مشاركاته المختلفة التي استحقها وتقول: "لم أر ابناً بارّاً مثل فيصل، دوناً عن كل الأطفال الآخرين، خلوق ومؤدب ومتميز، همّه الدراسة والتفوق، حافظ للقرآن رغم حداثة سنّه"، ثم تضيف: " لدى فيصل تقرير طبي بسبب إجرائه عملية في (الرباط الصليبي)، وقد منع عنه الطبيب الجري والمشاركة في حصص الرياضة".
بتجرد كامل من المشاعر، وببرود شتوي قارس لم يعرفه طقس البحرينيين منذ سنوات طويلة، تسحب القوات الطفل من عين قلب والدته وتقول له: "ودع أمك لأنك ما بتشوفها مرة ثانية". إنها هديتهم لها في يوم عيدها.
تجر الجدّة رجليها نحو باب شقتها في الدور الأول متكئة على عكازها، تمنعها العملية الجراحية التي أجرتها مؤخراً في ظهرها أن تتمكن من صعود السلالم لمنع اعتقال حفيدها، وحين ترى ما يقارب 50 ملثماً ينزلون بطفلها عتبات السلم نحو الطريق تصرخ فيهم بأعلى صوتها. تحاول أخذه من بين أيديهم فتسقط على الأرض، تحملهم مسؤولية ما قد يصيبها وهي التي لم تتشاف بعد من أثر العملية الجراحية، فكأن أحداً لا يسمع، يزداد صراخها وانفعالها وتنهار فتسقط مغشياً عليها. لا يكترث أحد. تخرج ابنتها لتصرخ وتحاول تخليص ابن أخيها فيلطمها أحدهم فوق وجهها ويركلها لتقع بدورها. يخرجون بفيصل فيخرج قلب أمه التي تلحقه إلى الطريق وجدته التي غاب نفسها ووعيها.
في اليوم التالي مباشرة، يحتفل هؤلاء الـ50 ملثماً بعيد أمهاتهم، يشترون لهم الهدايا من الأموال التي حصلوا عليها ثمن ثكلهم قلوب الأمهات البحرينية، ثمن جرحها وقتلها كل يوم. يقف هؤلاء أمام أمهاتهم محملين بالهدايا ليقولوا لهن: "لا أحزن الله قلبك يا أمي"، وليقولوا: "الأمهات قبلة الله في الأرض"، وليقولوا: "عرفنا ماذا تعني رحمة الله منذ عرفنا قلبك يا أمي". ثم يلتقطوا معهن الصور التذكارية الحنونة والفيّاضة بالمشاعر.