الإهمال الطبي ... القتل البطيء في سجون البحرين

صفاء الخواجة - 2015-03-21 - 11:05 م

صفاء الخواجة*

القتل الأكثر ألمًا، والأقل كلفة للسلطة على الإطلاق، أن تقتل دون رصاصة واحدة، ودون بقعة دم واحدة تكشف عناصر الجريمة.

تتكرر حالات الإهمال الصحي لمئات المعتقلين البحرينيين على خلفية قضايا سياسية، فيما ودعت البحرين عدداً من الشبان الذي قضوا ضحية هذا الإهمال المتعمد.

وحتى اللحظة ما زالت السلطة تهمل علاج الجرحى والمرضى وتبقيهم في سجون لا تراعي حقوقهم وظروفهم الصحية. لا يكاد يخلو يوم من دون سماع أنباء عن مرضى، أو مصابين معتقلين في السجون يطلبون من ذويهم إيصال رسالة عن أوضاعهم الصحية داخل المعتقل، بعدما صم المسئولون آذانهم عن سماع صرخات واستغاثات المعتقلين المتكررة، فلا استجابوا لآلامهم ولا طلبوا علاجهم. وبحسب منظمات حقوقية محلية ودولية هناك المئات من المرضى والمصابين في السجون يواجهون يوميا "الموت البطيء" بسبب الإهمال الطبي لهم .

إن عيادة مركز "الإصلاح والتاهيل" لا تتوانى في تعذيب المعتقلين السياسيين صحيا ونفسيا على مدار الأوقات والأيام ، بتنصلها من مسؤولياتها إزاء الحقوق الصحية والطبية للمعتقلين، والاكتفاء بتقديم الدواء السحري الوحيد المتوفر لديها وهو قرص "بندول" باعتباره علاجاً لكل الأمراض.

وبحسب المعلومات الواردة، ينقل بعض منهم وبشكل سري إلى المستشفى العسكري، عندما يكونون في حالة خطرة جراء التعذيب الممنهج، أو عند حرمانهم من حق العلاج وما قضية المعتقل عبد الهادي الخواجة إلا خير دليل على ذلك.

إن الانتهاكات الخاصة بالمجال الصحي التي يتعرض لها المعتقلون في السجون تتمثل في الإهمال الصحي المتكرر، والمماطلة في تقديم العلاج، والامتناع عن إجراء العمليات الجراحية للمرضى المعتقلين، وعدم وجود أطباء مختصين داخل السجن، كأطباء العيون والأسنان والأنف والأذن والحنجرة، وعدم توفر الأجهزة الطبية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك أجهزة التنفس والبخاخات لمرضى الربو، والتهابات القصبة الهوائية المزمنة.

من بين الخروقات الطبية التي تمارس بحق المعتقلين المرضى، حرمان المعتقلين ذوي الأمراض المزمنة "كالسكلر" أو ما يعبر عنه طبيا بـ "فقر الدم المنجلي" من أدويتهم، كنوع من أنواع العقاب داخل السجن. كما أن المعتقلين يتعرضون للضرب المبرح في زنازين الشرطة والسجون فضلاً عن حالات وفاة أخرى لمعتقلين مصابين بأمراض القلب والسرطان أو أمراض أخرى، وتم رفض علاجهم وسط تردي الخدمات الصحية داخل السجون.
وقد صرح مسؤول دائرة الحريات وحقوق الإنسان بجمعية "الوفاق"، هادي الموسوي في مؤتمر صحفي في فبراير/شباط 2014، بأن حرمان الجرحى والمصابين والمرضى عمداً أو انتقاماً أو استهتاراً بحقهم في الحصول على العلاج أصبحت مشكلة متجذرة، كاشفاً عن وجود " قائمة طويلة جدا" بحوزتهم.

يحوي أرشيف المنظمات الحقوقية ملفات وشهادات مؤلمة لمعتقلين مرضى تعرّضوا لتعذيب بدني ونفسي شديد وحالتهم الصحية في خطر، وفي ما يلي أسماء لأبرز سجناء الرأي الممنوعين من العلاج ونماذج لبعض المعتقلين المرضى في السجون البحرينية:

محمد علي فرج (مواليد 4 أكتوبر 1994) يعاني من مرض التصلب اللويحي وهو محكوم بـ 7 سنوات سجن، لا يقوي على المشي وينقل للمحكمه على كرسي متحرك، يموت موتا بطئيا، فالسجان لا يرحم وهو فى أشد معاناته من مرض نادر وخطير قد يودي بحياته.

سيدعلي شرف (من مواليد 1989) يحتاج إلى أدوية خاصة لحالته الصحية بشكل منتظم، كما أنه اشتكى من تعرضه لنوبات من التشنج ولم يحصل حينها على الرعاية الطبية اللازمة.

إبراهيم الدمستاني الذي يقضي حكماً بالسجن 3 سنوات بسجن جو المركزي، تعرض للإهمال الطبي، و استمرت إدارة السجن في معاقبة "الحياد الطبي" حسبما قال الدمستاني إلى عائلتة.

عمّار محمّد علي حويدة "38 عامًا" والمحكوم عليه بالسجن 10 سنوات في قضية سياسية، هناك قلق شديد على صحة وسلامته، كونه يعاني آلامًا حادّةً في رقبته من الأعلى وصولًا إلى ركبته في الأسفل، وهو ألمٌ يرافقه أغلب الوقت ويحتاج للعلاج المناسب.

حسن الشيخ الذي كان يقضي عقوبة سجن لجناية مدتها 10 سنوات لقي حتفه بعد إصابته بكسور مركبة في الرقبة واليدين وفسخ في الفك السفلي فضلًا عن الرضوض والسحجات والجراح بشتى أنحاء جسمه، وذلك على يد ضابط وعدد من أفراد الشرطة في سجن جو المركزي.

وزارة الداخلية كانت قد أعلنت وفاته طبيعيًا ومر على إعلانها ذلك يومًا قبل أن تتراجع لتعلن الشبهة الجنائية في واقعة مقتله، لكن هذا التراجع لم يأتِ قبل ارتفاع صرخات زملاء حسن الشيخ في السجن، فقد شهد مجموعة من زملائه صرخات ضربه وتعذيبه على يد الشرطة.

وثّق تقرير لجنة تقصي الحقائق 5 حالات وفاة بالتعذيب خلف القضبان خلال فترة شهرين من 14 فبراير 2011 وحتى 15 أبريل 2011 وقد خرج بتوصية 1716 لإيجاد آلية لمحاسبة المسئولين عن حالات القتل والتعذيب في السجون. لكن بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق استمرت أساليب التعذيب لتحصد ما يصل لـ20 حالة وفاة تحت التعذيب بحسب شهادات أهاليهم.

يبدو إن حالة المرضى والمصابين داخل السجون بسبب التعذيب، والإهمال الطبي، وانتشار الأمراض، وسوء التغذية، وعدم التهوية، لم يكن كافيًا لجذب انتباه السلطات الحاكمة لحال الآلاف من المسجونين الذين ينتظرون نفس المصير، ويواجهون القتل البطيء فلا هم أحياء يعاملون كالبشر، ولا هم أموات رحلوا .

نظم السجناء عشرات الاضرابات احتجاجًا على الظروف الصحية السيئة وعدم تقديم العلاج، لكن جميعها انتهى بوعود لم تنفذ!

إن "مبادئ الأمم المتحدة الأساسية لمعاملة السجناء"، والتي اعتمدتها الجمعية العامة في ديسمبر/ كانون الأول 1990 تنص على حق السجناء في "الحصول على خدمات صحية دون تمييز بسبب وضعهم القانوني".

فهل تستخدم السلطة الموت البطيء لغرض التخلص من المعتقلين السياسين دون بصمات تذكر!

 

*ناشطة بحرينية في مجال حقوق الإنسان.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus