غرفة (خليفة)

محمد نجم - 2011-11-15 - 10:40 ص


محمد نجم*

يقر عدد من المراقبين أن من أهم أسباب الوهن في الحركة الديمقراطية البحرينية وضعفها وانكسارها في كل مرة وتغـّول الدولة عليها هو أنها لم تشهد ما تشهده الحواضر الخليجية الأخرى في الجوار من وجود رأسماليين كبار وأقوياء، وفي نفس الوقت لديهم حس المعارضة والاستقلالية والندية أمام الأسرة الحاكمة.

إن هذا التكافؤ هو الذي يجعل شغل المعارضة في دول الخليج ليس وقفا على المعتــّـرين والمعسرين، بل شغل ذوي النفوذ أيضا من كبار التجار وملاك الصحف الذين تحسب لهم دولة مثل الكويت ألف حساب بينما بقي فن المعارضة في البحرين غالبا حكرا على فقرائها.

وكما يعلق أحد كبار التجار في الكويت متندرا على التبجيل الذي يحيط به التجار البحرينيون الأسرة الحاكمة في البحرين بقوله: "أنا أفهم أن يفعل ذلك الفقراء طمعا أو هلعا لكن أن يفعل ذلك تجار لهم تاريخهم ومكانتهم فلا أفهمه" مضيفا: "نحن بالكاد نتحرك من مكاننا وقوفا إذا دخل أمير من عائلة الصباح مجالسنا وذلك لبساطة آل الصباح وامتزاجهم بالناس ولقوتنا نحن أيضا وشعورنا بالاعتداد".

والحق أن هذه القاعدة شهدت بقدر ما خروقات عبر التاريخ، فعوائل تجارية كبيرة مثل الشيرواي وفخرو والمسقطي وغيرها برز منها رجال معارضون في خمسينيات القرن المنصرم ونال منهم السجن والنفي ما نال، غير أن هذه المسافة بين التجار والأسرة الحاكمة لم تدم طويلا ولم تصبح ظاهرة مؤسسة بحيث يمكن القول بوجود رأسمال قوي مسيس ومعارض وله حضوره الشعبي والإعلامي بحيث يشكل جسرا بين المعارضة الفقيرة التي هي راديكالية بطبعها لارتباط النضال الاجتماعي لديها بالنضال السياسي وبين الحكم.
بالطبع هذا لا ينفي ظهور معارضين ينتسبون لهذه العوائل كأفراد، لكنهم لا يحملون صفة المعارضة التجارية بل هم أقرب للطبقات الشعبية منهم إلى عوائلهم.

لقد عمل الحكم بكل قوة على عدم بروز رأسمال مستقل قوي وقادر على أن يبني اقتصادا وطنيا مستقلا ينتسب لقوة الرأسمال وحدها، بعيدا عن وساطات وتسهيلات واستثناءات الدولة التي توزع الغنائم والأرباح فريقا في الجنة وفريقا في السعير.
وفي اقتصاد يقوم قطاعه الخاص بنسبة 80% على ما تعطيه الدولة له من مشروعات تستخدم المناقصات والعطاءات الحكومية كأدوات لتكريم الموالين واستبعاد المعارضين. كما يسيطر أبناء الأسرة الحاكمة على كل المشروعات الكبرى كالفنادق الضخمة وشركات الاتصالات والبنوك والبترول والغاز بحيث نشأ لدينا نمط إنتاج لم يفطن له حتى طيب الذكر كارل ماركس برغم كل تنظيراته في تاريخ الرأسمالية وهو "نمط الإقطاع الرأسمالي". 

وحتى الكليشيه الذي سكه ولي العهد بإخلاص لا نشك فيه بدءا من عام 2005  بعدما آلت إليه قيادة مجلس التنمية الاقتصادية وهو كليشيه "القطاع الخاص قائد للاقتصاد" ما لبث أن تبينت هشاشة بنيته الفكرية في ظل نظام يريد كل شيء له وحده لا شريك له، وفي ظل رأسمال يحسب خطواته قبل أن يقول للدولة كلمة (لا)، فخصخصة القطاعات العامة صارت وسيلة لاستيلاء "الدولة" من جديد عليها عبر تنفيع كبار أعضاء الأسرة الحاكمة من كل مشروع مخصخص.

لقد برز ضعف الرأسمال التجاري أكثر ما برز في ظل تداعيات أحداث ثورة اللؤلؤة فبعد أن تجرأت الغرفة (ممثل التجار) خلال أوج الأحداث والتقت بشباب 14 فبراير بعدما قرأت قيادة الغرفة الأحداث بأن رئيس الوزراء ذاهب لا محالة وبدأ يعلو صوت التجار بأنهم ضاقوا ذرعا بأتاوة (الفيفتي فيفتي )التي يأخذها أزلام النظام من كل مشروع كبير ناجح، وقام التجار أيضا بزيارة الشيخ عيسى قاسم في معتكفه بالدراز، وبدا أننا نشهد لأول مرة خروجا قويا على النص من قبل التجار، سرعان ما انكسر هذا المد بعد احتلال القوات السعودية للبحرين وتدميرها لميدان الشهداء.

وبدلا من تضميد الجراح على الأقل واتخاذ موقف وسطي كما هي التجارة عادة، بحيث يسعى التجار لتذويب وتخفيف حماس الانتقام الحكومي من ثورة مغدورة، جاء رد الغرفة كقائد للقطاع الخاص بالعكس من ذلك. فبعد لقاء مع رئيس الوزراء في منتصف إبريل عبر فيه عن امتعاضه من صمتهم قامت قيادة الغرفة المطأفنة تماما بتحريض الجمعية العمومية على طرد عادل العالي وابراهيم الدعيسي من الإدارة المنتخبة للغرفة ثم تم فصل عدد من موظفيها بدون أي تحقيق، حيث أمر رئيس الغرفة (عصام فخرو) باستلام التعليمات فقط من وزارة الداخلية والفصل بناء عليها بما في ذلك فصل مستشار وطني محترم هو (د. حسين المهدي) ورئيس الغرفة التنفيذي د. منذر الخور الذي أمضى معظم حياته في خدمة الغرفة مديرا وباحثا ومنظــّرا لعملها.

كما بادر القطاع الخاص في شهور مارس وإبريل ومايو وقبل أن يـُفصل أي عامل في القطاع الحكومي بفصل الآلاف من العمال بناء على توجيهات صريحة من الحكومة حتى لا يقال إن الحكومة هي من بدأت بالفصل.
وأثناء زيارة ممثل منظمة العمل الدولية (غاي رايدر) للبحرين في نهاية إبريل عبر عن استغرابه مما رآه في زيارته لمقر الغرفة من احتفالية بما سمي (سيوف الولاء) تعبيرا عن شرعنة قتل المعارضين مستنكرا أن يحدث هذا في مقر منظمة يفترض أنها تمثل بيت الرأسمال المدافع عن الحريات والليبرالية.

وكعضو في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية وفقا لانتخابات مؤتمر العمل الدولي الأخير – يونيو 2011 – أصبحت الغرفة مثارا للتندر في المنظمة، إذ بينما يقوم نظيرها على المستوى العمالي (الاتحاد العام للنقابات) بالدفاع عن أعضائه والقتال من أجل عودتهم لأعمالهم، تصمت قيادة الغرفة عن الحملات الشرسة على أعضائها من أصحاب العمل والتجار بالمقاطعة والحرمان من  عطاءات الدولة علاوة على صمت الغرفة عن حملات الكراهية التي يشنها بلطجية النظام والتي أدت إلى إحراق (كوستا – جواد) أكثر من مرة إضافة إلى سجن بعض صغار التجار وأصحاب المحلات بتهمة تزويد (الدوار) بالماء البارد أو بالمأكولات!!!
وحتى عندما أراد ولي العهد في زيارته الأخيرة للغرفة استنطاق قيادتها في  شأن المقاطعة لتقول كلمة حق، لم يجد إلا الصمت المطبق منهم سمعا وطاعة لرئيس الوزراء.

وخلال زيارة السيد (أنطونيو بينالوزا) أمين عام المنظمة الدولية لأصحاب العمل IOE وهي ما تعادل على الجانب العمالي الاتحاد الدولي للنقابات ITUC، للبحرين في الشهر الماضي أكتوبر لم يجد من غرفة خليفة أي تعبير مفيد عما يدفعه تجار البحرين من خسائر باهظة جراء سياسة الدولة القائمة على القمع والبطش والتمييز ضد التجار. ولم يتسن حتى لمن طردوا من الغرفة بأمر مباشر من رئيس الوزراء لـعصام فخرو رئيس الغرفة أية فرصة لطرح شكواهم للضيف.

وإذا كان عمال البحرين يعانون من كيد فاصليهم فلهم عزاء في وجود اتحاد يحمل همهم بقدر ما يستطيع في ظروف غير مؤاتية، ويحمل شكواهم إلى كل محافل العالم العمالية، بينما تجار البحرين وأصحاب العمل فيها اليوم، يعانون ليس فقط من نظام ظالم بل أيضا من منظمة تحمل اسمهم وتمثلهم دوليا لكنها تتفرج على معاناتهم إن لم تكن شريكة في تفاقمها.

*كاتب بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus