ميدل إيست آي: القضية المثيرة للجدل: قناة العرب التي قتلت قبل ولادتها

2015-03-20 - 6:40 م

شريف نشاشيبي، موقع ميدل إيست آي

ترجمة: مرآة البحرين

يسلط إغلاق قناة العرب الإخبارية الضوء على واقع الحال في البحرين وعلى حقيقة أنّ الصحافة الحرة ما تزال حلمًا بعيد المنال في العالم العربي.

إن إغلاق البحرين لقناة العرب بعد بدئها بالبث بساعاتٍ فقط أمرٌ محير، ولكن ليس بسبب الإغلاق نفسه، بل لأنّ القائمين على القناة، على ما يبدو، اعتقدوا، حقًا، أنهم يستطيعون العمل بحرية في هذا البلد.

وهو أمر يثير الدهشة على وجه الخصوص لكون مالك القناة الأمير السعودي الوليد بن طلال، ذي الحنكة التجارية، الذي وصفته "فوربس" بأنه "من أبرز المستثمرين في العالم". لم يصبح من كبار أثرياء العالم بسبب قراراتٍ ساذجة، غير أنّ قراره إنشاء القناة في البحرين يبدو كذلك بالتحديد.

صرّح المدير العام للقناة، جمال الخاشقجي، أنّه تمّ اتّخاذ القرار بناءً على واقع مفاده عدم سماح السعودية بوجود قنوات "مستقلة"، مع ذلك، كان من الواضح، قبل الإعلان عن القناة في ديسمبر/ كانون الأول عام 2011، أنّها ستتخذ البحرين مقرًا لها، وأنّها لن تكون "مستقلة" هناك أيضًا.

وفي وقتٍ سابق من ذلك العام، أقدمت المنامة، بمساندة عسكرية من مجلس التعاون الخليجي، على قمع انتفاضة شعبية ضد النظام الملكي، وكانت تدعو إلى الإصلاح قبل أن تواجه ردّ السلطات القاسي. كان النظام قد أثبت، قبل ذلك بكثير، عدم قبوله بأي شكل من أشكال المعارضة- وهذا لا يساعد على تحقيق وعد الخاشقجي بأن قناة العرب ستتطرّق لأي موضوعٍ كان بكل حرّية.

والتزامًا بنوايا القناة بأن تكون مستقلة ومتوازنة، بدأت انطلاقتها بإجراء مقابلةٍ مع قيادي في المعارضة البحرينية، ومن ثمّ مع وزير الإعلام البحريني. ولكن استضافة أحد ناقدي النظام كانت كافية لتحديد مصير القناة.

أعذار  تتلو أعذارًا

وقالت هيئة شؤون الإعلام إنّها "قررت إيقاف نشاط قناة العرب نظرًا لعدم حصولها على التراخيص اللازمة قبل بدءها البث". وهذا عذرٌ مثير للسخرية إذا أخذنا بالاعتبار فترة الإعداد التي سبقت إطلاق القناة.

وما لا يمكن تصورّه أيضًا أن يقوم رجل أعمال ناجح كالأمير الوليد بتحمل عبء إنشاء القناة ومسؤولية تكاليفها من دون الحصول على التصاريح اللازمة. كما أنّ وزير الإعلام البحريني، قبل أيّامٍ فقط من بدء بثّها، امتدح القناة وإطلاقها الوشيك. لذلك، في حال لم تكن القناة قدّمت  كل التصاريح اللازمة، فلا بدّ من كون السّلطات المعنية قد أدركت ذلك آنذاك.  

والأعذار التي قدمتها قناة العرب أيضًا لا يمكن تصديقها، إذ قالت إنّها: "أسباب تقنية وإدارية". فالمشاكل التقنية والقضايا الإدراية يتم ملاحظتها وحلها قبل إطلاق أي قناة إخبارية مهمّة، وليس بعد إطلاقها بساعات قليلة.

ويفصح اتهام هيئة شؤون الإعلام بأنّ قناة العرب "أيضًا لم تنجح... في ممارسة نشاطها بما يتناسب مع الجهود المبذولة لإيقاف مد التطرف والإرهاب في كل أنحاء المنطقة والعالم" عن السبب الحقيقي وراء إغلاق القناة: وهو أنّ أي معارضة للنظام الملكي تعد متطرفة وإرهابية.

ولتضفي المزيد من الكوميديا على قرارها، قالت الهيئة إن قرارها: "لا يؤثر على مبادئ حرية الإعلام، وأنه مبني، حصرًا، على التزام الحكومة بضمان تعددية وسائل الإعلام في المملكة وعدم تحيزها".

القيود على وسائل الإعلام

لو كتبت كلمة "البحرين" في أي محرك بحث خاص بمنظّمات الرقابة المحترمة التي تعنى بحرية الإعلام كمنظّمة مراسلون بلا حدود أو لجنة حماية الصحفيين أو الاتحاد الدولي للصحفيين، ستجد أنّه من الواضح أنّ "حرية الصحافة" و"تعددية وسائل الإعلام وعدم تحيّزها" مفاهيم غريبة عن البحرين.

وفي هذا الشهر، عقب تعليق عمل قناة العرب بأيّام، استنكرت لجنة حماية الصحفيين قيام البحرين بسحب الجنسية من الصحافيين، قائلةً: "إنّ الصحافيين البحرينيين، الذين يجرؤون على نقد حكومتهم، يواجهون مخاطر جسيمة، بما في ذلك اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم وزجّهم في السجن. والآن تعاقبهم البحرين بتجريدهم من أعزّ الأشياء لديهم".

وطالبت اللجنة السلطات "بإيقاف سجن الصحافيين والتضييق عليهم وتهديدهم، والسماح للشعب البحريني بالحصول على حقّه الأساسي بتلقّي نطاق واسع من المعلومات ومشاركتها والمناقشة حولها". ويسلط هذا الأمر الضوء على سخافة ادّعاء رئيس هيئة شؤون الإعلام بأنّ "حرية التعبير والرأي.. سائدة في المملكة".

معضلات

إنّ إيقاف عمل قناة العرب يحرج المنامة بعض الشيء، لا سيّما أنّ وزير الإعلام قال الشهر الفائت إنّ إطلاقها "سيعزز مكانة البحرين الإعلامية"- إلا إذا كان مقصده تعزيز مكانتها كقامعة للإعلام.

ولكنّ قناة العرب وقعت في مأزق أكبر من ذلك بكثير-ولعلّه مأزق مستحيل. فنظرًا لسجل البحرين المريع بخصوص حرية الإعلام، وغياب أي شجب رسمي من قبل السعودية،  حليفة البحرين الرئيسية في المنطقة، لقرار المنامة بإغلاق القناة، لا يمكن التصديق أنّ المنامة ستغيّر رأيها وتسمح للقناة بممارسة نشاطها باستقلالية.

وبالتالي، في حال استأنفت القناة البث من البحرين، فإن الانطباع- الواقع حقًّا- سيكون أنها رضخت لقيود الدولة. وهذا سيشوّه صورتها، ويؤثر على مشاهديها منذ لحظة انطلاقها.

ونظرًا لجو القمع ضد الإعلام في العالم العربي، سيكون من المستصعب على هذه القناة العربية الموحّدة أن تجد دولة في المنطقة تستطيع العمل فيها باستقلالية. فلن يُسمح ببث تقارير أو تعليقات ناقدة لقيادة الدولة المضيفة أو لأي حليف إقليمي. وإنّ اتّخاذ مقر للقناة خارج العالم العربي ممكن نظريًا، غير أنّ الانتقال إلى أي مكانٍ الآن سيكون عملية كبيرة ومكلفة وتستغرق الكثير من الوقت.

ونظرًا لحجم الدعاية التي حظيت بها القناة قبل إطلاقها، فإنّ موت قناة العرب قبل ولادتها يلقي الضوء على واقع حال البحرين وعلى حقيقة أنّ الصحافة الحرة ما تزال حلمًا بعيد المنال في العالم العربي. وهذا يدفع المرء للتساؤل: بم كان الأمير الوليد بن طلال يفكر؟

-شريف نشاشيبي صحافي ومحلّل في الشؤون العربية حائز على جوائز. في العام 2008، نال جائزة من مجلس الإعلام الدولي "لمواظبته على نشر تقارير متوازنة وتسهيل نشرها" حول الشرق الأوسط.

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus