صفاء الخواجة: جانبا من الحكاية في سجن جو

صفاء الخواجة - 2015-03-18 - 3:20 م

صفاء الخواجة*

كثيرة هي أوجاع المعتقلين السياسيين وآلامهم في السجون، فصول من المعاناة التي لا تنتهي، ولا يمكن حصرها بمجموعة من الكلمات تكتب في مقال إنما تحتاج لكتابة مجلدات، فلكل سجين قصة تحمل في داخلها حكاية ثائر شرب كأسا مملوءا بالظلم والقهر والاستبداد، فثار في وجه الظلم وهو ينشد مطالب الحرية والعدل والمساواة.

عوائل كانت أمنياتهم مجرد زيارة لابنائهم المعتقلين في مركز جو "للإصلاح والتاهيل" وفي سبيل تلك الأمنية عانوا من صعوبة طول الطريق للوصول لهذا السجن،والانتظار على أبواب المركز لساعات مقابل فترة بسيطة تجمعهم بابنهم المعتقل، تستقبل الأم ابنها بدموع الشوق والفرح لرؤيته بخير. لكن الحال كان لايسر، فكان العناق بينهما بالإشارة من خلف زجاج، والقبلات عبر سماعة الهاتف، إنه ظلم السجان الذي يتزايد شرره وتتسع شراسته.

وفي يوم من أيام السجن المؤلمة، في إحدى الغرف ارتفعت أصوات تحمل في طياتها معنى الظلم والقهر، في تلك الغرفة قصة لمعاناة سجين منع من رؤية عائلته التي كانت تنتظر قدومه لتروي عطش الشوق واللقاء.

ثارت الأم تريد رؤية ابنها وتطاولت أيدي القهر عليها حتى ثار كل من كان هناك غضبا لما حدث أمامهم حتى وصلت الأصوات إلى الغرف المجاورة بضرب عائلة، ومعتقلين اثنين وما هي الإ لحظات حتى بدأت روح الثائر تغلي في أجساد المعتقلين الذين كان عددهم قرابة 1000 سجين وبدأت الهتافات والتكبيرات ترتفع، بين المعتقلين، لتعلن حالة من التمرد من داخل السجن وكان مطلبهم العدل الذي أمرت به الدساتير والنصوص الدولية.فكيف كان جواب السجان ؟!

لقد تعاملت القوات الأمنية معها بمزيد من القمع الوحشي حيث استخدمت القنابل الصوتية، والغازات السامة الخانقة والكلاب البوليسية لاسكات المعتقلين المحاصرين بين أسوار المركز ،لا يستطيعون الفرار من الكم الكبير من الغازات السامة التي ملأت الأمكنة، حتى أصبحت كما الاكسجين بالنسبة لهم في تلك الأثناء بدأت حالات من الإغماء الشديد جراء التشبع من استنشاق الغازات السامة، لم يقتصر الأمر على هذا الحال، بل كان الاعتداء البدني يسجل انتهاكا اخر أقدمت عليه عناصر من قوات حفظ الامن ، اصاب العديد من المعتقلين،حتى تسلل الخوف إلى قلوبهم بعد رؤية ما يحدث لدرجة انهم حاولوا إغلاق أبواب العنبر بوجه العناصر المهاجمة عبر استخدام خرطوم الإطفاء فقط لحماية أنفسهم من الضرب .

لم يتوقف مسلسل العقاب والانتقام الممنهج ،بل استمر بدخول عناصر"حفظ النظام" بقيادة ضابطين ومسئول كبير بالمركز إلى العنبر من جديد لإطعام المعتقلين وجبات من التعذيب القاسي والتنكيل الجسدي والنفسي والعقائدي فكانت ظهورهم المكوية بضربات الحقد تكشف جانبا من مأساة الحكاية !!.أجواء مظلمة، مخيفة عاشها السجناء، مما دفعهم لقراءة أدعية وأيات لاستنهاض همم المتعبين والجرحى، هجمت العناصرعلى المعتقلين بالضرب بالهروات وبكل ماهو ممنوع قانونا ، كان يقدرعددهم قرابة 500 عسكري.

كانت أجواء سجن "جو" كما الحرب الشرسة ولكن ضد من؟ ضد معتقلين عزل سلاحهم الوحيد "صوتهم" معتقلين جرمهم الوحيد مطلبهم العيش بكرامة كما وصفها الدستور الذي لا تحضر نصوصه في ذهن السجان ! ولا تحضر عنده الحقوق الانسانية للسجين التي وردت في دليل "تفعيل القواعد الدنيا لمعاملة السجناء" وأقرتها الامم المتحدة. عاش السجناء في هذا المركز ساعات وأيام من الاذلال المتعمد حتى وصل بهم الأمر إلى لعق الأحذية ولمس البراز .

مبنى الموت، هو مبنى جديد لم يعرف إلا من أيام وهو "مبنى 10" جمع هذا المبنى أكثر من 80 معتقلا ، تعرضوا لشتى صنوف التعذيب، كانت أصوات المعتقلين ترتفع إلى السماء ليشهد الخالق مدى الظلم الذي يعيشه هؤلاء المواطنون، كان من بينهم أيمن سلمان ، حسين مهدي، يوسف احمد وغيرهم الكثير.!

سؤال يطرح نفسه بإلحاح، متي يحاسب المعذبون؟ أين ذهبت نصوص بسيوني عن محاسبة المتورطين بالانتهاكات؟ وبالاخص ما جاء في الفقرتين 1180و1179بتورط مسئولين وقيادات عليا في الانتهاكات والتجاوزات أين مفوضية السجناء والمعتقلين عما يحدث في هذا السجن ومن يجبر بخواطرأهل المعتقلين؟، ومن سيبادر بحمايتهم من قوانين القمع إلى تحقيق الإنصاف والعدالة ؟حيث "جرائم التعذيب والقتل خارج القانون، والإهانة والحط بالكرامة الانسانية ، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم"، بنص قانون العقوبات البحريني الذي ينص في مادته 208

"يُعاقب بالسجن كل موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ألحق عمدا ألماً شديداً أو معاناةً شديدةً، سواء جسدياً أو معنوياً، بشخص يحتجزه أو تحت سيطرته بغرض الحصول منه أو من شخص آخر على معلومات أو إعتراف، أو معاقبته على عمل إرتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص آخر، أو تخويفه أو إكراهه هو أو شخص آخر، أو لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز من أي نوع. وينص أيضا "يعاقب بالسجن كل موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة هدد شخصاً يحتجزه أو تحت سيطرته بأي من الأفعال المبينة في الفقرة الأولى من هذه المادة، أو إذا ارتكبت هذه الأفعال من قبل طرف آخر بتحريض منه أو بموافقته أو بقبوله. وتكون العقوبة السجن المؤبد عندما يؤدي التعذيب إلى موت المجني عليه".

لقد كانت الصور المسربة من سجن جو مخيفة، وتكشف عن تصرفات لا يمكن القول بانها تصرفات شخصية بقدر ماهي تعبر عن أساليب عبر عنها بسيوني بالممنهجة والمعتمدة !

وقد كشف الناشط في مجال حقوق الانسان نبيل رجب في حسابه على "تويتر" فظائع من التعذيب المجرم في زيارته لأحد المفرج عنهم من هذا السجن بنص المادة 19 من الدستور البحريني ونص المادة 7 من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والمادة 4 من اتفاقية التعذيب الدولية.

فصول حكاية هذا السجن الذي غدا حاضرا ستبقى ماثلة أمام الهيئات الحقوقية الدولية، لتبرهن أن منع مقرر التعذيب من زيارة البحرين لم يكن عبثا !

م ايمكن إضافته في هذه الحكاية، أن جدران هذا السجن الواقع في غرب المنامة سوف تخزن في مخيلتها أشكال الانتهاك بحق هؤلاء المسجونيين، ومعاناتهم الذين تحولوا إلى ضحايا غياب القانون !

يبقى في هذه الحكاية ،أن المعتقل قد ينسى الألم الجسدي، ولكنه حتماً لن ينسى الآلام النفسية التي لحقت به طوال فترة تعذيبه، وإهانته دون جرم أو جناية !


*ناشطة بحرينية في مجال حقوق الانسان.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus