» رأي
الاستفراد بالوفاق
محمد نجم - 2011-11-09 - 10:03 ص
* محمد نجم
بدأت تتكشف شيئا فشيئا أسباب عزو ثورة اللؤلؤة للوفاق، وتحميل الوفاق كل اتهامات وأعباء الثورة بكل تفاصيلها، من امتلاك ميدان الشهداء في دوار اللؤلؤة، إلى تأمين موقف السيارات في مركز السلمانية الطبي منعا لهجوم قوات الأمن وبلطجية النظام على الشهداء والجرحى، وأخذ جثثهم أو أحيائهم من المستشفى، كما فعل النظام تماما بعد احتلاله من قبل القوات السعودية والبحرينية، وتحميلها أيضا حتى اتهامات المسيرات والتظاهرات التي لم تدعُ إليها ولم تشارك فيها رسميا، بل إنها أعلنت عدم مسئوليتها عنها بمعية الجمعيات السياسية، مثل مسيرتي الرفاع والصافرية وأيضا.
كذلك تحميلها مسئولية حتى مسيرة الديوان التي قاطعتها بل ومسيرة جمعيات المجتمع المدني المهنية والثقافية مع أن منظمي هذه المسيرات والمشاركين فيها ليبراليون وليسوا من أتباع الحركة الدينية، وتحميلها مسئولية صد هجوم البلطجية على الجامعة عندما دفع النظام ثلة من أوباش الشرطة بقيادة لاعب كرة اليد سعيد جوهر لترويع الطلبة المتظاهرين وافتعال اشتباك معهم وإرسال مسجات من شبكة الرسائل القصيرة التي تديرها المخابرات لتخويف أولياء الأمور على بناتهم.
كل ذلك وغيره من تفاصيل ثورة اللؤلؤة المجيدة، بات النظام يعزوه إلى جمعية الوفاق وحدها دون غيرها بحيث صارت ثورة الوفاق مع محاولات إعلام النظام الفاشي نفي أو تهميش أية مشاركات أخرى سواء لتيار حق والوفاء أم للجمعيات الليبرالية واعتبارها ذيلا، كما يروج طبالة النظام في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع سواء من منظـّري الإسلام الحكومي في البحرين كالشيخ صلاح الجودر وأحمد زمان وأحمد سند البنعلي إلى منظـّري الماركسية والقومية والليبرالية الحكومية مثل بدر عبد الملك ويوسف الحمدان وأحمد جمعة وسعيد الحمد، إلى تلاميذ غوبلز النازي الذي قال "أعطني إعلاميين بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي" مثل عقيل سوار و طارق العامر ومحميد المحميد وهشام الزياني وسوسن الشاعر وإبراهيم الشيخ ولطفي نصر وعلي الشرقاوي وغيرهم، من الذين تكتب المخابرات مقالاتهم ويمضونها بأسمائهم أو من المذيعين الذين يمتازون على غير عادة مذيعي الفضائيات المحترمة برقابهم الغليظة ووجوههم المكفهرة التي تتصنع الابتسامة بالقوة لفرط تدربهم في وزارة الداخلية على مهمات رجال الأمن لا رجال الإعلام.
يا ترى لماذا فعل النظام ذلك؟ وهل من المعقول أن يقوم نظام في العالم باتهام غريمه إلى هذه الدرجة بحيث يعزو إليه كل ما قام وما لم يقم به؟ أليس في ذلك كما يرى كثير من المراقبين ما ينافي الحس السليم الذي يفترض في كل فريق سياسي أن ينال من خصمه ويهمشه ويقلل من حجمه ومساحة تأثيره في جماهير الشعب؟ أليس هذه الاتهامات في النهاية تصب في خدمة الوفاق بحيث تصبح هي المسئول الأول والمرجع الوحيد للانتفاضة الشعبية؟ أليس في تهميش دور الوفاق فيما حدث خيار أفضل للحكومة لكي تقلل من الالتفاف الجماهيري حول الوفاق؟ بل ماذا تستفيد الحكومة من تضخيم الوفاق إلى الدرجة التي يصبح فيها كل الدوار بإنجازاته ومآسيه من بنات أفكار وممارسات الوفاق وحدها لا غير؟
يعلم النظام تماما بمخابراته وأجهزته الأمنية وأبواق إعلامه النافخة حقيقة أن ثورة اللؤلؤة ليست بنت الوفاق وأن هذه الجمعية لم تزد مساهماتها على تقديرنا لها ولدورها عن نسبة حجم الثورة. ويعلم النظام أن هذه الثورة كانت على العكس مما يروج له ثورة شعبية مدنية غير علمائية دينية.
ويعلم النظام تماما أن أجواء الثورة سواء من اختلاط الجنسين، وأشكال التعبير بالموسيقى والفن والفرق الغنائية والمحيط الذي كانت فيه صور شهداء اليسار تتصدر الواجهات وغير ذلك من المشاهد، كانت دليلا على عدم دينية الثورة، وإن كنا بالطبع لا نستطيع وصفها بالعلمانية. ويعلم النظام قبل غيره أنه إذا كانت هناك فعلا مرة في تاريخ البحرين منذ ثمانينيات القرن العشرين حتى اليوم ظهرت فيه الجماعات الشيعية متحررة بالكامل من رموزها وأفكارها الدينية ومندمجة بشكل كامل بدون مواربة أو تحفظ في الحس الوطني والعروبي العام، فهو في ثورة اللؤلؤة ولم يكن يوما في غيرها بهذه القوة والانصهار. لا بل إن مقال الملك نفسه في الواشنطن تايمز بقلمه لم يشر إطلاقا إلى دينية الثورة بل وصفها بجزء من تداعيات الربيع العربي.
لكن مع ذلك أصر النظام على تضخيم وحش الوفاق، لينسب إليه كل شيء فلماذا يا ترى؟ كانت الوفاق قبل الدوار وأثنائه جزءا كغيرها من المشهد العام، بينما جعل منها النظام اليوم بالبروباغندا، هي كل شيء وكل ما عداها ظلا أو ذيلا لها.
ومع أن هذا في ظاهره هجوم عدائي على الوفاق، إلا أنه بالطبع لا يمكن القول إن هذا أضر بالوفاق ومرجعيتها العلمائية بل على النقيض، لقد أفادها وحولها من قوة سياسية إلى قوة ثورية. واستعاد علماء الدين زمام قيادة المجتمع الذي كان قد بدأ يزاحمها مكون آخر في المجتمع المدني أيام الثورة.
وفي الوقت الذي كانت هناك توجيهات لشباب علماء الدين من كبارهم بعدم الإكثار من الظهور في الدوار وترك الدور والمساحة للناس، أصبح اليوم علماء الدين ومن تحتهم الوفاق في الواجهة الأساسية مرة أخرى. وفي الوقت الذي كانت فيه القيادات الليبرالية أيام الدوار سواء في الجمعيات السياسية أم في منظمات المجتمع المدني، قد بدأت تكسب ضمير الناس بحكم خبرتها في الخطاب وبحكم التحول الشعبي باتجاه المدنية جريا على نهج الربيع العربي، فإن هذه القيادات اليوم و(بسبب أخطائها أيضا) قد أخليت مساحاتها لتحتلها من جديد القيادات الدينية. وفي الوقت الذي كانت فيه خطب الزعماء السياسيين في الدوار تستقطب جموعا غير من تستقطبهم خطب الشيخ عيسى قاسم في الدراز، أصبح الشيخ عيسى قاسم من جديد هو صانع الخطاب الأوحد وموجه راية الثورة اليوم وعرابها المتوج بلا منازع. فهل يمكن القول إن هذا هو ما يريده النظام فعلا؟ جعل الشيخ عيسى قاسم أيقونة الثورة الوحيدة بدلا من كونه واحدا من أيقوناتها المتعددة؟
أرى إن الأسباب وراء هذه (الوفقنة) للثورة تتضح اليوم وهي اقتناص الوفاق كشريك دون غيرها ليسهل إملاء الشروط عليها. إن كل البروباغندا بالهجوم على الوفاق ورفضها كشريك مفاوض وتحميلها كل ما آل إليه البلد من تحولات ليس هدفه إبعاد الوفاق عن الطاولة، بل بالعكس تماما هدفه جلبها إلى هذه الطاولة وحصر الشراكة بها ومنع توسيع قيادة وقاعدة الثورة. ومؤخرا بتاريخ 16 أكتوبر 2011 كتب أحد بلطجية صحافة النظام وهو أحمد زمان في جريدة (البلاد) عن سيناريو الحل المقبل مؤكدا إن الوفاق ذات حجم وشعبية واسعة لا يمكن نكرانها وإن خلو البرلمان منها يجعله أقل تمثيلا للشعب وأن على الحل أن يتضمن عودتها لقبة المجلس النيابي بعد حله من الملك.
وللتأريخ فهذه هي المرة الأولى منذ الهجوم على الدوار الذي يتم الحديث فيه عن الوفاق كشريك في جريدة من جرائد البلطجية وعلى لسان كاتب بلطجي، وهو على ما يبدو سيكون الخط العام للإعلام الحكومي في المستقبل القريب وفي الذاكرة الآن عدة إشارات قريبة من هذا السيناريو بدءا بخطاب أوباما الذي أوعزت به المخابرات السعودية والأمريكية بتسمية الوفاق وحدها شريكا في الحوار وصولا إلى خطاب ولي العهد في لقائه بالتجار، حين كال للوفاق مديحا وتوبيخا لم يورده الإعلام البلطجي.
هكذا تنكشف أبعاد الهجوم الكاسح على كل الجبهات الإعلامية والسياسية والأمنية على الوفاق بهدف تضخيم قوتها تمهيدا للانفراد بها على طاولة المفاوضات عملا بنصيحة خبراء التفاوض بمكرهم العتيد وهي: "إذا كان لديك خصوم عديدون، ضخم من قوة أحدهم في عينه وفي عين الآخرين لتجعل منه شريكا وحيدا في المفاوضات بدلا من شركاء عديدين".
* كاتب بحريني.