فريد هيات، صحيفة واشنطن بوست

ترجمة: مرآة البحرين

واشنطن بوست: في حين يتعثر الرئيس أوباما في تنفيذ استراتيجيته الخاصة لمكافحة الإرهاب، تعود الولايات المتحدة، نتيجة فشلها تقريبًا، إلى سابق عهدها باتّباع مقاربة فاشلة وهي: الاعتماد على الحكّام المستبدين للقيام بأعمالنا الوسخة.

ووفقًا لتقرير مايكل أر غوردن وآن بارنارد مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز، فإنّ الدلالة الأحدث على استسلام أوباما لهذا النهج القديم في التفكير، وأكثرها إثارة للأسى، كانت تلميحات حكومته إلى أن الولايات المتحدة لن تشدّد على تنحّي بشار الأسد عن الحكم في سورية بعد الآن.

لم تكن مطالبة أوباما بتنحّي الأسد إلّا أمرًا بلاغيًا. ومع ذلك، فإنه من المثبط لهمة الرئيس ، الذي شكّل مجلس منع ارتكاب الأعمال الوحشية (تذكر إحدى لوائح بيانات البيت الأبيض أنّ "الرئيس أوباما جعل مسألة منع ارتكاب الأعمال الوحشية موضع اهتمام رئيسي للسياسة الخارجية للحكومة) الاعتراف ضمنيًّا بعدم وجود استراتيجية تجاه سورية من دون الأسد.

الأسد هو أكثر جزاّري هذا القرن دموية، غير أنه ليس المثال الوحيد على حب الولايات المتحدة المتجدّد للزعماء المتشدّدين. لقد قتل الديكتاتور المصري الجديد المعارضين وزجّهم في السجون، بتبجحٍ لم يحلم به حسني مبارك قط. بيد أنّ وزارة الخارجية متلهّفة لقبوله في عملية شراكة جديدة.

وكان أوباما يصر على ضرورة إقبال حكومة البحرين "على الحوار، فلا يمكن قيام حوار حقيقي عندما تكون طائفة من المعارضة السلمية في السجون". والآن، في حين تشن البحرين حملة قمع ضد المعارضين السلميين، تكاد الولايات المتحدة لا تلاحظ ذلك.

في أوزبكستان في آسيا الوسطى، يترأس إسلام كريموف، البالغ من العمر 76 عامًا، مجتمعًا مغلقًا من معسكرات اعتقالٍ وأعمال سخرة. ولكن فورًا، عقب إعلانه عن تمديد حكمه لمدة خمس سنوات أخرى- في نهاية المطاف، يحكم كريموف البلاد منذ العام 1989 فقط- وافقت الولايات المتحدة على تزويد حكومته بشحنة من الأسلحة، ونصحت "بقدرٍ معين من الصبر الاستراتيجي في كيفية حدوث التغيير".

من أذربيجان إلى السعودية، التي سيزورها أوباما الثلاثاء، تتودّد الولايات المتحدة إلى الطغاة الذين يشاركونها بعض الصفات الأساسية.  يتفقون مع الولايات المتحدة على ضرورة محاربة التطرف الإسلامي. غير أنّهم يلاحقون أيضًا المعارضين السلميين-وهم أكثر شراسة ضد الناقدين العلمانيين والليبراليين. ومن خلال القضاء على أي قوى معتدلة، يتمكّنون من تقديم أنفسهم على أنهم البديل الوحيد للأصولية الدينية.

وفي حال أمّنت الشراكة مع هؤلاء جبهة دفاع فعّالة ضد الإرهاب، قد يستحق الأمر تجاوز أي هواجس أخلاقية.

ولكن، في الواقع، ستولّد أفعالهم المزيد من المشاكل في المستقبل-كما أوضح أوباما بنفسه في العام 2011.

إذ قال إنّ: "المجتمعات التي يوحدها الخوف والقمع قد توهم بالاستقرار لبعض الوقت، ولكنّها مبنية على خطوط الصدع التي ستتفسّخ في نهاية المطاف. فاستراتيجيات القمع وتحويل المسار لن تجدي نفعًا بعد الآن...الوضع الراهن لا يبقى على حاله".

وعد أوباما بتحقيق تحوّل تاريخي في سياسة الولايات المتحدة، بعيدًا عن الانفراج القصير المدى الذي توفره التحالفات مع الحكام المستبدين، والعمل على تعزيز "تقرير المصير والفرص السانحة".

وأضاف أوباما أنّه: "بعد عقودٍ من تقبّل العالم كما هو في المنطقة، سنحت لنا فرصة لجعل العالم كما ينبغي أن يكون".

فما الذي حدث إذن؟ لم تسر أحداث الربيع العربي وفقًا للمأمول-وبدأت الولايات المتحدة بخسارة الحرب. وسيطر أحد فروع تنظيم القاعدة بشكل مروّع على مساحات واسعة من العراق وسوريا. وانجرّت ليبيا إلى حرب أهلية. ودخلت اليمن، التي ذكرها أوباما العام الماضي كدليل على استراتيجيته الناجحة، في دوامة مماثلة. حركة طالبان  تحرز تقدّمًا في أفغانستان. ووفرت جماعة بوكو حرام مساحة أخرى من البربرية في نيجيريا.

وعندما يُسأل أوباما عن هذا المشهد، يقدّم عادة حجّته الواهية المفضلة لديه فيقول: " إن كان الادعاء هو، أنه في حال اجتحنا سوريا، سنكون أقل عرضة للهجمات الإرهابية، فسأترك لكم مسألة تخيل هذا السيناريو تحديد ما إذا كان يبدو مناسبًا".

ولكنلم يكن هذاالادعاء. . فالذي يقترحه النقّاد هو أنّه ينبغي على أوباما تنفيذ الاستراتيجية التي تحدّث عنها في خطاب ألقاه في ويست بوينت في مايو/أيّار: فهي لا تعتمد على غزو أمريكي، أو عقد شراكة مع الديكتاتوريين في الحرب، بل "شبكة من الشراكاتمن جنوب آسيا إلى الساحل" مع قوى معتدلة وملتزمة بمحاربة التطرف.

ولكن للأسف، لم يضع أوباما سوى جزء صغير من هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ. إذ أطاح بالرجل القوي في ليبيا، ومن ثم تخلى عن البلد. وأخرج جميع المستشارين من العراق، وتعهد بفعل الأمر نفسه في أفغانستان. يشدّد على تنفيذ هجمات من خلال الطائرات من دون طيار، ولكن لم يحقّق إلا القليل من بناء المؤسسات الذي من شأنه أن يسفر عن تعاونٍ على المدى الطويل. كما وعد بمساعدة المعتدلين السوريين مرارًا وتكرارًا على مر أربع سنوات، ولكنّه لم يقدم سوى القليل من العون. وبدلًا من بناء دعم شعبي للجهود الصعبة والطويلة الأمد التي تبذل، يتنقّل من منطقة إلى أخرى حول البلاد، متبجّحًا في خطاباته بأنّ "جنودنا سيعودون إلى الوطن".

وهذا صحيح في الوقت الحالي. ولكن كما يُظهر قيامه بإعادة نشر لـ3000 جنديًّا في العراق، لن يبقى الوضع على حاله في حال استمر الإرهابيون بإحراز التقدّم. ولن تؤدي الشراكة مع شيطان الاستبدادية في الشرق الأوسط، على المدى الطّويل، إلّا إلى تعزيز هذا التقدّم.

التاريخ: 25 يناير/كانون الثاني 2015

النص الأصلي