إميل نخلة: التطلّع إلى مستقبل السعودية بعد مرحلتين

2015-01-29 - 7:27 م

إميل نخلة، موقع لوبلوغ

ترجمة: مرآة البحرين

كُتب الكثير عن تراث الملك عبدالله وما حقّقته السعودية أو فشلت في تحقيقه خلال عهده في ما يتعلّق بالإصلاح وحقوق الإنسان. في حين كُتِب القليل جدًّا عن الدور الذي قد يلعبه محمّد بن نايف، ولي ولي العهد الجديد الذي تمّ تعيينه، في السعودية العربية الجديدة تحت حكم الملك سلمان.

يبلغ الملك سلمان 79 عامًا من العمر ويقال إنّه سبق وتعرّض لسكتة دماغية أثّرت على ذراعه اليسرى. ويليه في الحكم ولي العهد مقرن البالغ من العمر 69 عامًا.

محمّد بن نايف-أو م.ب.ن MBN كما يشار إليه في بعض العواصم الغربية- يبلغ من العمر 55 سنةً فقط. وبما أنّ كبر السّن وضعف الصّحة يعيقان الملك سلمان والأمير مقرن، فقد يكون لمحمّد بن نايف دور محوري كولي عهد مستقبلي أو ملك محتمل في السياسة الداخلية للسعودية، ولكن الأهم من ذلك، في سياسة المملكة على المستوى الإقليمي.

الحقيقة المرّة هي أنّه في عهد الملك عبدالله، حافظت المملكة العربية السّعودية على سجل مروع في مجال حقوق الإنسان، وقوّضت من شأن المُثل الديمقراطية لحركة الربيع العربي، ودعمت النظامين الدكتاتوريين في مصر والبحرين. وكذلك روّجت للطائفية البغيضة، ودعت للأيديولوجية التي تسبّبت بنهوض تنظيم داعش وجماعات إرهابية أخرى. ويُفتّرَض أنّ المملكة قامت بكل هذه الأمور تحت عنوان محاربة إيران.

حقيقة أخرى سببت القدر ذاته من الإزعاج، تمثلت في أن حكومة أوباما في السنوات الأربع الفائتة بالكاد اعترضت على السياسات غير الديمقراطية، والفاسدة، والقمعية للسعودية. فلا ينبغي بعد الآن تحمّل حبل المشنقة السعودي المشدود على الرقبة الأمريكية. ومن الممكن لمحمد بن نايف، الذي يلي ملكين في الحكم بعد سلمان ومقرن، أن يُغَيّر سياسات السعودية المحلية والإقليمية ويريح واشنطن من عبء الرياض.

وفي حال تربّع محمّد بن نايف على العرش، فإنّه سيكون الملك الأوّل من الجيل الثاني لسلالة آل سعود. وكحاكم شاب، نسبيًا، سيكون مرتاحًا في إدخال أفكارٍ جديدةٍ وفي التواصل، بثقةٍ، مع الشباب السعودي. وأسند  تحليلي هذا إلى تفاعلي معه خلال خدمتي في الحكومة منذ عدّة سنوات.

لاحظت عدة سِمات يتمتّع بها محمّد بن نايف، ومن الممكن أن تساعده كملك مستقبلي للسعودية في دفع البلاد للمضي قدمًا، وربما قيادتها في مرحلة من الإصلاح الحقيقي. هو خبير بالأسباب الجذرية للإرهاب والتطرّف وكيفية محاربتهما. ولديه مقاربة واقعية للسياسة الإقليمية، لا سيما دور إيران كقوّة إقليمية، وارتباط الاستقرار الإقليمي بالأمن السعودي.

مكافحة الإرهاب والتطرّف

وفقًا للتقارير الإعلامية، بدأ محمّد بن نايف برنامجًا شاملًا لمكافحة التطرّف في السعودية، متطلّعًا إلى إقناع الشباب السعودي بالتبرّؤ من التطرّف والإرهاب. وقد عرّضت استراتيجيته، ذات الشّعبتين، الشباب للتعاليم الإسلامية المعتدلة وأمّنت لهم الوظائف والدعم المالي لشراء منازل والزواج.

يعتقد محمّد بن نايف أنّ الأيديولوجية المتطرّفة، والحرمان الاقتصادي، وفقدان الأمل عوامل تدفع الشباب نحو التطرّف. وعلى الرغم من نجاح برنامجه النسبي، يستمر معدل انضمام الشباب السعودي إلى صفوف الجماعات المتطرّفة، كتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم داعش، في الارتفاع.

يُفتَرَض بمحمد بن نايف أن يكون قد أدرك الآن أنّ الأيديولوجية السنّية المتطرّفة تنبع من الخطب التي تلقى في المساجد والفتاوى الدينية التي يُصدرها رجال الدين السلفيون الوهّابيون في السعودية. وحتّى في حال حصوله على مئات آلاف الدولارات للاستقرار في منزلٍ كرجل متزوج، سيظل الشّاب السّعودي مُعرّضًا للأيديولوجية السّامّة التي يبثّها بعض رجال الدين خارج جدران "مدرسة" مكافحة التطرّف.

وبما أنّه لا يتمتّع بمنصب يُخَوّله الحصول على سلطة وطنية باستثناء ملف مكافحة الإرهاب، لن يستطيع محمد بن نايف فعليًا معالجة جذور الأيديولوجية المتطرّفة من دون إثارة سخط المؤسسة الدينية السعودية. إلا أنه قد يتمكّن من معالجة هذه المسألة الحسّاسة كملك.

سيواجه محمّد بن نايف عقبات ضخمة في حال قرّر معالجة هذه القضية-على المستوى السياسي، والتاريخي، والثقافي. إنّ الأيديولوجية السّنية المحافظة المتطرّفة غير المتسامحة قائمة في السعودية منذ مدّة طويلة ويمكن نسبها إلى تعاليم محمّد بن عبد الوهّاب في القرن الثامن عشر. ومنذ ذلك الوقت، باتت الثقافة السعودية مشبعة بتأويله للإسلام. إلا أنّه كملك يمثّل الجيل الأصغر سنًّا، ذي الثقافة الغربية في الأسرة الملكية، يدرك رغبة الشباب العربي المتعاظمة في الحصول على الحرية، قد يشعر محمّد بن نايف بتمتعه بقوّة أكبر لمواجهة المؤسسة الدينية في البلاد.

فضلًا عن ذلك، قد يشعر أنه أقل التزامًا بالاتّفاقية القديمة، والتي امتدت لأجيال، بين مؤسس السعودية وأسرة آل الشيخ، التي وفّرت لآل سعود هامشًا أكبر للحكم وخصّصت للمؤسسة الدينية السلفية سلطة  التّصرف كمرشد روحي للمجتمع السعودي.

السياسات المحلّية والإقليمية

تريد فئات كبيرة من الشعب السعودي الإصلاح الاقتصادي والسياسي. وقد عبّر هؤلاء عن وجهات النظر هذه في العرائض وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الأرض. احتجّ الناشطون الشيعة على التمييز الممنهج للنّظام على مدى سنواتٍ عدّة. زجّت الحكومة السعودية هؤلاء الناشطين في السجون بشكل مخالف للقانون، ودانتهم في محاكماتٍ زائفة، وقامت بتعذيبهم من دون محاسبة، وحتّى أنّها قتلتهم.

سيضطر الملك المستقبلي محمّد بن نايف إلى معالجة نسب البطالة المرتفعة بين الشباب السعودي والفساد المستشري بين الأسرة الملكية. ومن أجل تجنّب "ربيع سعودي"، سيندلع لا محالة في حال استمرار السياسات الحالية، لا بد لمحمّد بن نايف من صرف أموال طائلة على برامج مكرّسة لإيجاد فرص العمل.

سيتوجب عليه أيضًا تأمين نوع جديد من التعليم، من شأنه السّماح للسعوديين الباحثين عن عمل بالتنافس على الوظائف في الاقتصاد العالمي للقرن الواحد والعشرين الذي تحركه التكنولوجيا. وعلى الرغم من الثروة الهائلة التي جمعتها السعودية في نصف القرن الماضي، لا تزال مؤسسات التعليم السعودي تنتج خرّيجين غير مؤهّلين للمنافسة على مستوى الاقتصاد العالمي. وكملكٍ مجدِّدٍ، سيتوجب على محمّد بن نايف تغيير هذا الوضع.

وعلى المستوى الإقليمي، يدرك محمّد بن نايف أنّ استقرار الخليج ضرورة للأمن السعودي. ولاستمرار الأمن في الخليج، سيتوجب عليه أن يتقبّل إيران كقوّةٌ خليجية مهمّة وأن يبحث عن طرائق لبناء شراكة ذات منفعة متبادلة مع جارته الفارسية. وقد تكون إيران شريكًا نافعًا في المساعدة على تسوية النزاعات في البحرين، واليمن، وسورية، والعراق، وغيرها من الأماكن في المنطقة. وفي حال توصّل مجموعة الـ 5+1 إلى اتّفاقٍ نووي مع إيران، ستبدأ علاقة جديدة بين الولايات المتّحدة وإيران، وسيكون على السعودية تقبّلها.

وسيدرك محمّد بن نايف أيضًا، على سبيل المثال، أنّ الصراع المستمر في البحرين سيؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج، مّما سيضر بمصالح السعودية. لذلك، سيضطر لحث آل خليفة على تحقيق إصلاح سياسي حقيقي في البحرين، ووضع حد للتمييز الممنهج ضدّ الأغلبية الشيعية، وإشراكهم في العملية الاقتصادية والسياسية. وكخطوة أولى، سيتوجّب عليه سحب القوّات السعودية من البحرين، حيث فشلوا في قمع الاحتجاجات المعادية للنظام.

هل سيتمكّن محمّد بن نايف من فعل ذلك؟

بناء على معرفة محمّد بن نايف بالمنطقة وبالتّهديد الإرهابي لبلاده،  فإنّ فرص تحقيق إصلاحات سياسية ودينية حقيقية خلال عهده هي 60 مقابل 40 في أفضل الأحوال. وكشرط مُسبّق النجاح، سيتوجّب عليه أوّلًا تعزيز سلطته لمواجهة الأفراد المحافظين ذوي النفوذ في الأسرة الملكية. والأهمّ من ذلك، سيتوجّب عليه التغلّب على معارضة المؤسسة الدينية.

قد يكون انتصاره تاريخيًّا. ولكن فشله سيكون كارثيًّا على مستقبل السعودية. لن يتمكّن آل سعود والأسر الحاكمة الأخرى في الخليج من السيطرة، إلى الأبد، على شعب يزداد نفورًا وبطالة ويطمح باستمرار إلى مستقبل أكثر أملًا.

على الولايات المتّحدة أن تولي اهتمامًا شديدًا لفرص محمّد بن نايف بالنجاح وعليها تشجيعه بشكل تكتيكي للمضي قدمًا بثبات. وبغض الطرف عن الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض، لا يمكن لواشنطن أن تبقى غافلة عن ما يحدث في السعودية وغيرها من الممالك الخليجية.

النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus