من يسمم تاريخنا، يا عبد الله يتيم

محمد نجم - 2011-10-30 - 8:28 ص


ينعى الدكتور عبد الله يتيم على بعض الكتابات التاريخية ما يسميه  بـ(تسميم الكتابات الأكاديمية عن البحرين) ونسبة الإصلاحات لطائفة بعينها دون غيرها وإعطائها وحدها صفة التضحية من أجل الإصلاحات في البحرين.
غير أن ما يتجاهله وينكره الانتربولوجي العتيد الذي أصبح الآن منظر الهندسة الاجتماعية للبحرين ومفكر النظام الفاشستي، هو أن من سعى فاشلا لاحتواء طائفة ضد أخرى، ومن أعطى انطباعا أن تاريخ طائفة ما، هو الولاء له، لا للوطن والإنسان، ومن اختصر المعارضة في طائفة محددة معتبرا إياها مجرد صدى لمظلومية مزعومة متأصلة في التاريخ، ليس هم الكتاب الذين يتحدث عنهم، بل النظام نفسه.
من حجب تاريخ البحرين الحقيقي واختصره في مجرد تاريخ عائلته، ومن يشوه اليوم تاريخ هيئة الاتحاد الوطني ويعتبرها مجرد "هوشة" في الفريج، ليس كتاب التاريخ الذين يتحدث عنهم د. عبدالله يتيم، بل كتاب النظام وبلطجية القلم، أمثال محميد المحميد وهشام الزياني وفيصل الشيخ و باقي الجوقة.
من أغفل تاريخ العوائل العربية التي جاءت البحرين في القرن السادس عشر مع عائلة النظام مثل الفاضل والجلاهمة والنعيم والدواسر وغيرها، واحتربت معه تارة واحتربت عليه أخرى، واختصره في تاريخ عائلته، وجعلها قاطرة الحضارة في بلد "متخلف" وادعى أن البحرين كانت مجرد صحراء غير مأهولة، ليس هم الكتاب الذين ينعى الدكتور عبدالله يتيم "تسميمهم" للتاريخ، بل هو النظام نفسه.
من قدم تاريخا "منسجما" انسجاما قسريا، يوحي بأن العوائل العربية كانت طوال تاريخها موالية وفي جيب النظام ورمى بتاريخنا نحن، كفئة نشارك د.عبدالله يتيم الانتماء بكل فخر إليها، فئة الهولة، جاعلا إياها مجرد ملحق لآل خليفة، هو النظام وليس الكتاب الذين يسوق (يتيم) لهم الاتهامات.
من اختصر البحارنة الشيعة في القسم الذي تحالف معه منهم، وظل حتى اليوم بعد ثلاثة قرون من حكمه يعطيهم مقاعد الشورى ومناصب الوزارة والمال والجاه عرفانا بدعمهم لعرشه، يوم جاء من وراء البحر معتبرا كل من عداهم رعاعا، هو النظام وجوقته من صناع التاريخ بالأكاذيب.
من حول عيد البحرين الوطني من 14 أغسطس يوم خروج الاستعمار البريطاني إلى 16 ديسمبر يوم جلوسه على العرش احتقارا لاستقلال الوطن الذي صنعه شعب البحرين بنضاله ودمه واحتقارا لشهداء سقطوا برصاص الجيش البريطاني أو قضوا في منافيه القاسية من السياسيين والمثقفين والشعراء من كل أطياف المجتمع البحريني، هو النظام ولا أحد سواه.
من سمّم التاريخ ويسمم الحاضر وأوصل رسالته التشطيرية للعالم عبر بوق الجاهلية عبداللطيف المحمود وتجمعه البائس والذي ذهب لقاهرة الثورة في وفد دفعت حكومتا البحرين والسعودية كلفة سفره وإقامته ليقول كلمة واحدة فقط، وهي أن السنة موالون والشيعة معارضون، هو النظام ولا أحد سواه.
يعرف البحرينيون المعاصرون والأقدمون ويعرف د.عبدالله يتيم لكنه يتجاهل عامدا أن السنة شاركوا بل سبقوا الشيعة في المعارضة منذ البدء، سواء كان السنة من عرب فارس "الهولة" أم من القبائل العربية التي جاءت مع النظام.
يعرف الانتربولوجي المدجن والذي يكتم شهادته اليوم، بعد أن أوكلت له مهمة كتابة تاريخ "جديد" للبحرين لا مكان فيه لغير آل خليفة، أن حكمهم معمد بدماء ودموع كثيرة جرت من الدواسر والفاضل والجلاهمة والنعيم والمعاودة وأيضا الهولة منذ فجر دخولهم للبحرين.
ويعرف د.عبدالله يتيم أن فئة الهولة بالتحديد وهي الفئة الوحيدة في البحرين التي جمعت بين عروبة الانتماء وفارسية النشأة فجاءت مركبة من الحس القومي والمدنية الفارسية هي التي قادت منذ تأسيس الدولة الحديثة جزءا كبيرا – مع الفئات الأخرى – نضال التيار الديمقراطي واليساري من أجل دولة مدنية حديثة خاصة في الفترة التي كان فيها الشيعة العرب "البحارنة" ما يزالون أسرى نظرية تأجيل مشروع الدولة إلى ما بعد نهاية التاريخ قبل اندلاع ثورة الشعوب الإيرانية التي قضت على السلبية "الأخبارية" إلى الإيجابية "الأصولية".
بل أكثر من ذلك يعرف الدكتور الضليع في الانتربولوجيا أن هذا التحول الذي يعتبره منقصة دليل على انتقال الجماعة الشيعية من رفض مشروع الدولة الزمنية المعاصرة من حيث المبدأ إلى القبول بها مع تغييرها. وهذا التحول إذن حتى ولو رفضنا مآلاته لاختلافنا الجذري مع نظرية ولاية الفقيه، إلا أنه لا يمكن إطلاقا بقليل من العلم والموضوعية اعتبار الغيتو الإخباري الذي كان يرى الدولة نجسا أكثر تقدما من الطرح الأصولي!! اللهم إلا في تنظيرات المخابرات التي تفضل (الغيتو) لأنه يعزل الجماعة عن أي حراك نضالي.
وأخيرا يعرف د.عبدالله يتيم لكنه يكابر أن ثورة اللؤلؤة – ولو أنه لم يزر يوما دوراها وقراها – بل سمع وكتب في المقال عن كرم أهلها الفياض حسبما وصله من بلطجية المخابرات التي تراقب المراسلين الأجانب، هي ثورة آذنت بخروج الجماعة الشيعية من ربق ولاية الفقيه إلى ربق ولاية الديمقراطية وليس العكس.
الغريب أن الدكتور الفاضل وهو ينعى على هؤلاء الكتاب حصرهم للنضال الإصلاحي كماركة شيعية، لا يجرؤ إطلاقا وهو يعارض مزاعم تشييع التاريخ على أن يستشهد بما يعلمه هو قبل غيره عن ضحايا النظام ومعارضيه الأشداء من الإصلاحيين السنة الذين قضوا قتلا ونفيا وسجنا وما ذلك إلا لأن هذا الاستشهاد يتعارض مع مهمته الرسمية الجديدة في تفصيل التاريخ على مقاس خليفة بن سلمان واعتبار الإصلاحات السياسية رصيدا للنظام وحده لا شريك له من سنة ولا شيعة.
والأغرب أن محصلة المقال من باحث ليبرالي لا تصل إلى الدفاع عن الديمقراطيين والقوميين السنة أو الشيعة في تاريخ البحرينيين من دعاة الدولة المدنية وأنصار الديمقراطية بل يتوصل أخيرا بشكل لا يتناسب مع سيرته باحثا وإنسانا إلى الدفاع عن الأصولية السنية السلفية.
كان حريا بالدكتور عبدالله يتيم بدلا من توجيه اللوم إلى كتاب مغمورين يعتبرهم "سمموا" تاريخه أن يوجه لومه إلى النظام الذي يخدمه والذي صار سنا صغيرا في ترسه الكبير مراقبا مأجورا يمنع الكتب ويصادر الأفكار المرئية والمسموعة ويقمع حتى أكثر الأفكار اعتدالا مثل كتب د.نادر كاظم وروايات عبدالله خليفة وسير فريد رمضان ويمسح معارض الكتاب بعين الأسرة الحاكمة ليشذب ما شذ عن "الحكاية الكبرى" لنظام يشتري التاريخ بالمال، إمعانا في تعميم تاريخ واحد وسيرة واحدة ورواية واحدة تخدم النظام وحده دون سواه.
لقد قال د.علي فخرو ذات يوم "إن المثقف إذا انحرف يكون أسوأ من غيره" ونضيف بخاصة إذا كان انتروبولوجيا.


*كاتب بحريني.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus