ساحة الشرفاء: خليفة بن سلمان، رجل الجعجعة (4)

2011-10-29 - 7:27 ص


مرآة البحرين (خاص): في الحلقة السابقة، دشّن الشيخ المحمود مرحلة الحرب الطائفية من طرف واحد، أعلنت آياته في خطبة صلاة الجمعة، الإذن للطائفة السنية بالقتال، وعاد لتكرارها مساء اليوم نفسه وسط تجمع سلفي في مدينة حمد. دعا إلى تشكيل عصابات (جماعات) مسلحة عند مداخل المناطق السنية، كانت هذه هي المقدمة لما حصل في ساحة البسيتين بعدها بأيام قليلة في 7 مارس(1). الساحة التي ستصير بدورها مقدمة لما سيحدث عند مداخل المناطق ذات الغالبية السنية. في هذه الحلقة سنقف عند تداعيات سيوف المحمود وآياته، وسنقف عند الدعم الرسمي الممنهج الذي تلقته ساحة البسيتين ليشتد صهيل سيوفها وتقوى.   

لم يقف تجمهر ساحة البسيتين عند حد الليلة الأولى فقط، ورغم الاعتداء على 6 صبية من منطقة الدير، كانوا يعبرون نحو بيوتهم قادمين من دوار اللؤلؤة، لم يمنع الأمن هذا التجمع الرافع سيوف حربه جهاراً نهاراً، والمهدّد علنا لكل شيعي يمر عابراً في الطريق، لم يوقفه أحد، بل على عكس ذلك، كانت مفاجأة تنتظر هذا التجمهر المسلح في اليوم التالي (8 مارس)، إنها زيارة رئيس الوزارء بشخصه ولحمه ودمه.

■    جعجعة الطائفة

دولة تقدم نفسها على أنها دولة الجميع لا دولة الطائفة، ودولة القانون والمؤسسات لا دولة الفرد أو القبيلة، يأتي رئيس وزرائها، لا بثقل رجل الدولة، بل بخفة رجل الطائفة، ليغازل تجمهر سلفي مسلح يدق طبول الحرب ضد مكون يفوق عدده نصف الشعب. ثم يطربه استقبالهم له كشيخ قبيلة يقابل بهتافات الولاء وتقبيل الأنف والأكتاف والأيدي، فيقف بينهم ليخطب في فزعتهم بأنها فزعته: "نطمئن اهالي المحرق ونعدهم بالأمن والأمان والمحرق جزء مني والذي يمس المحرق بسوء سنردعه بعقاب صارم وأنتم أبنائي ولأبناء المحرق معزة خاصة بقلبي"(2).

هكذا إذاً، بعد أقل من 24 ساعة من صهيل سيوف الكراهية في ساحة البسيتين، يأتي رئيس الوزراء بصفته الرسمية في الدولة، ليعلن، في استعراض غير وقور، وقوفه الشخصي والرسمي مع تجمع الطائفة وسيوف الطائفة ومع الكراهية التي تلفح وجه المكان. لا يخجل رئيس الوزراء أن يرتدي بشت الدولة، فيما هو يتعثر بثوب الطائفة، ويشارك في تجمع أقل ما يوصف أنه جعجعة إشاعات كاذبة.

الإشاعات التي أرسلت عبر الهواتف النقالة، لتثوير طائفة ضد طائفة، متذرعة بالفزعة لحماية ابنة الطائفة(أمل أبو الفتح) كانت كافية لتنفض بشت رئيس الوزراء شخصياً، ولتجعله يأتي من فوره في الليلة التالية مشاركاً الجعجعة، وليتوعد بالردع بعقاب صارم على من تسوّل له نفسه مسّ أبناء طائفته بالسوء، وهو من يعلم بحكم موقعه الرسمي في الدولة، أن وزارة الداخلية، لم تسجل اعتداء واحدا من طرف شيعي قصد المنطقة بهدف المسّ، أو قصد بيت من يدعي التجمهر نية حمايتها، بل العكس هو ما حدث. هكذا يسارع رجل الدولة الثالث إلى ساحات الفتنة، بخفة المجعجعين، ليصطف طرفاً في الفتنة، وليعطي الأمان لسيوف الطائفة: أنتم جزء مني، أنتم أبنائي. معلناً للطائفة الأخرى أن الردع بالعقاب الصارم سيكون نصيبها، وهو ما سيبدأ بعد أيام من ذلك التاريخ.  الردع بالعقاب الصارم ليس لأن أحداً منهم (مسّ المحرّق بسوء) كما ادعى في خطابه تلك الليلة، بل لأن المحتجين مسّوا الأربعين عاماً من استفراده بالحكومة، بالرفض وفضح السرقات.

هكذا، بدأت الساحة تكتسب شرعيتها الدينية والرسمية في آن واحد. الدينية منحتها لها آيات المحمود، والرسمية منحتها لها تطمينات رئيس الوزراء وأبوته. ما يضمن للساحة أن تكون محمية من قبل الدولة، ومن قبل رئيس الحكومة، لا من قبل رجال الأمن فقط. ومن هنا بدأت هذه الساحة تحدد هويتها بثقة الحماية، وجعلت لها اسماً: ساحة الشرفاء.
 صار حمل السلاح ضد الطائفة الشيعية محمياً برجل الدين ورجل الدولة. كلاهما لم ينطق بحكمة رجل الدين الذي يقدم السلام على الحرب، ورجل الدولة الذي يحسن احتكار عنف السلاح ليقدم السلم الأهلي على الاحتراب الطائفي. كلاهما راحا ينفخان في الاتجاه الذي يشحد السيوف نحو الفتنة أكثر. وهو ما يؤكد أن سيناريو تفجير الفتنة الطائفية على يد المحمود الذي تحركه السلطة، كانت هي المخرج المخطط له، لشغل الناس ببعضهم بدلاً من الانشغال بالنظام. وكانت الخفة التي أحضرت رئيس الوزراء في ذلك المكان ليلقي ذلك الخطاب الذي لا يصدر حتى من شيخ قبيلة رزين، هي الخطوة الأكثر فضحاً لهذه الخطة الرسمية الممنهجة.

■    ما بعد يوم الجعجعة

 
حسن عبدالله سعيد خرجت أمعاؤه
بفعل الرصاص الحي 14 مارس
ما الذي نتج عن هذا الإذن (إذن المحمود بالقتال) وهذه الحماية (حماية رئيس الوزراء لسيوف الكراهية)؟ سريعاً ما امتدت ساحة الكراهية، لتصير ساحات كراهية، تقف عند مدخل كل منطقة يسكنها المواطنون السنة. بل امتدت لتتعرض للمواطنين الشيعة أينما تصادف وجودهم. فيما يلي سنعرض موجزاً للانتهاكات التي تعرض لها مواطنون على أيدي جماعات مسلحة، دون الدخول في تفاصيلها، وهي حوادث تم توثيقها في الصحافة وتقديم بلاغ بشأنها في مراكز الشرطة (3)، حدثت على مرآى ومسمع رجال الأمن المتواجدين في معظم الأمكنة (4)، لا يجمع بين المتضررين سوى أنهم جميعهم من الطائفة الشيعية (5). تخلل ذلك تدريب الناشئة السنة (علناً) على حمل السلاح واستخدامه (6). وهو ما يؤكد الحرب الطائفية التي كان مخططاً أخذ البلاد لها برعاية رسمية، من أجل حماية السلطة، ومن أجل تبرير القمع الذي سيستخدم بعد أيام.


■    الجمعة 11 مارس 2011


شهد يوم الجمعة 11 مارس عدد من حوادث الاعتداءات، ففي فجر هذا اليوم، تعرض الشاب علاء إبراهيم حمادة (20 عاماً) لاعتداء عندما كان خارجاً من مجمع السلمانية الطبي من جهة بوابة الطوارئ، أربعة ملثمين قاموا بمهاجمته وطعنه بسكين وأصابوه بجروح الوجه واليد اليسرى والكتف.

عصر اليوم نفسه، هاجمت مجموعة من حملة السلاح الأبيض، المتجمهرين في  مسيرة الديوان الملكي، قاموا بمهاجمتهم بالأسلحة البيضاء من الخلف، فيما كان أولئك قد انتهوا للتو من مسيرتهم عائدين نحو سياراتهم، أوقعوا عددا من الإصابات نقلت على إثرها للمراكز الصحية.(7)

أيضاً اليوم نفسه، شهد اعتدائين على اثنين من حراس الأمن في في عيادة «عسكر» الطبية، هوجم أحدهما خلال نوبته الصباحية، والآخر خلال نوبته المسائية، قام مجهولون بالاعتداء عليهما وضربهما.  

أيضاً، قام ثلاثة مجهولين بالاعتداء على بحريني (30 سنة) بسوق واقف بآلات حادة وألواح خشبية، حتى أُغمي عليه من شدة الضرب.

أيضاً، ظهرت في هذا اليوم واليومين التاليين، مجموعات مسلحة تحمل السلاح الأبيض تنتشر على المنافذ المؤدية إلى مدينة الرفاع، تقوم بعمليات تفتيش وسرقة لمقتنيات المواطنين، والضرب وتكسير السيارات. تم عرض صور كثيرة لوجود هذه المجموعات بجانب قوات الأمن وفي مناطق مختلف، وكان منصور مهدي أحد الذين تمّ تكسير سيارتهم، وهي من نوع (نيسان تيدا) والتعدي عليه بالضرب وسرقة مقتنياته.    

■    السبت 12 مارس 2011


فجر هذا اليوم تعرض أربعة معتصمين بينهم فتاة، لإصابات متفاوتة بعد أن صدمتهم سيارة يقودها مجهولون بدوار اللؤلؤة قبل أن يلوذ سائقها بالفرار من الموقع ولم يتمكن أحد من القبض عليه أو تسجيل رقم لوحة السيارة.

صباحاً، تعرض الشاب أحمد كاظم (21 عاماً)، للاعتداء بالضرب على يد مجهولين بالقرب من إشارة الرفاع المحاذية لمنطقة عوالي، تقدم لهُ شخصان بينما كان يقف في الإشارة وأجبروه على النزول من سيارته «السكسويل» غير أنه رفض النزول، فأدخل أحدهم يدهُ المسلحة بـ«المخالب الحديدية» من نافذة السيارة، وضربهُ على صدره مما تسبب لهُ بجروح.

في هذا اليوم أيضاً، شكا عدد من أهالي منطقة عالي من سيارات لا تحمل لوحات أرقام، يقودها مجهولون، تنفلت بسرعات جنونية وسط الأحياء السكنية، وتقوم بإطلاق طلقات نارية بواسطة مسدسات صغيرة يحملونها.

أيضاً، مواطن من قرية سترة، تعرض إلى الاعتداء من قبل أربعة أشخاص بالسكاكين، بالقرب من السوق الشعبي بمدينة عيسى،  نتجت إصابات بسيطة في الفخذ الأيسر والصدر، وإصابة اليد اليسرى تطلبت عملية تخيط للجرح.

■    الأحد 13 مارس

في هذا اليوم، أقدمت مجموعات تحمل أسلحة بيضاء على اقتحام مبنى جامعة البحرين بالصخير، وهاجمت الطلاب لتوقع عدة إصابات بينهم أثناء خروجهم في مسيرة سلمية تطالب بإصلاحات سياسية، كما تم الاعتداء على الطواقم الطبية التي جاءت لإنقاذ المصابين أيضاً (8).

 
تخريب مقر جمعية وعد
أيضاً، أقدمت مجموعة مجهولة تحمل أسلحة بيضاء على تكسير مرافق وكذلك نوافذ مقر جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) بعراد في وقت متأخر من مساء هذا اليوم.

أيضاً، تواجد ما ياقرب من 15 مدنياً، مع عناصر أمنية متمركزين عند منافذ الرفاع الغربي والشرقي وحدود منطقة عالي، يحملون في أيديهم أخشاباً، فيما مركبات تابعة للجيش تتمركز على مقربة منهم.

أيضاً، اعترضت المواطن عبدالنبي (55 سنة) وهو سائق أجرة، ثلاث سيارات يستقلها نحو سبعة شبان يحملون أسلحة بيضاء، وقاموا بتكسير نوافذ السيارة بالكامل بأسياخ وأخشاب وأدوات حادة.

أيضاً، مساء ذلك اليوم شهد حادثة دهس على الكوبري المطل على دوار اللؤلؤة، أودت بحياة الشاب علي إبراهيم عبدالله الدمستاني (18 عاماً)، بعد أن لاذت السيارة من فورها بالفرار.

■    الاثنين 14 مارس

في هذا اليوم تطورت الأحداث باتجاه العنف أكثر، أصيب مساء هذا اليوم شخصان من سار برصاص الشوزن، أطلقه أشخاص مدنيون في سار. قبل أن يختبئا في منزل يُعتقد أنه لأحد المسئولين السابقين في الأجهزة الأمنية.  

أيضاً، اشتكى عدد من المسعفين في هذا اليوم من تعرضهم لاعتداءات وتهديدات من قبل مجموعات تحمل أسلحة بيضاء في منطقة المحرق أثناء تأدية وظيفتهم.

مساء، تعرض المواطن محمد جواد من منطقة النبيه صالح لضرب مبرح وتعرضت سيارته للتدمير الكامل، وذلك أثناء ذهابه للتبضع من مركز رامز التجاري قبالة دوار ألبا، من قبل مجموعة مدنيين مسلحين بأخشاب وآلات حادة، فيما كان بصحبة زوجته.

أيضاً، تعرض آخر في منطقة الدير، كان خارجاً لشراء العشاء لأسرته، لهجوم من مجموعات ملثمة (قدَّرها ب70) تتحرك قريباً من رجال الأمن، يحملون العصي والسكاكين كسروا معها سيارته قبل أن يلوذ فراراً بحياته.

وفي المساء نفسه، تعرض الشاب فاضل عباس عبدالله (18 سنة) إلى حادثة طلق ناري من قبل مدنيين مسلحين، أثناء عودته من تشييع جنازة الشهيد على إبراهيم الدمستاني، بمنطقة الجسرة في طريق عودته لقريته الدراز، فوجئ بمدنيين يقودون سيارة ويحاولون الاصطدام بسيارته، وأثناء وقوف السيارات عند الإشارة الضوئية، فتحوا النوافذ وأطلقوا رصاصاً حيّاً حطم زجاج سيارته وأصابه إصابة سطحية في الرأس في منطقة الإذن، حيث أصيب بخدش بليغ.


■    الثلاثاء 15 مارس

في هذا اليوم، ظهرت ميليشيات مدنية مسلحة جنباً إلى جنب مع القوى الأمنية التي هاجمت المنطقة (9).

أيضاً، أقدمت مجموعات مجهولة عند الساعة الواحدة من فجر اليوم الثلثاء (15 مارس 2011) على مهاجمة مطبعة صحيفة «الوسط» على شارع الاستقلال وتمّ ترويع الموظفين وتكسير مكينة الطباعة بواسطة الأدوات الحادة التي يحملونها بأيديهم.

أيضاً، خلال اليومين الأخيرين، استهدفت مجموعات تحمل السلاح الأبيض محلات «جواد» الشيعي المذهب، في مناطق الرفاع الغربي والرفاع الشرقي والبسيتين وشارع المعارض وعوالي (10). حطموا واجهات المحلات وعمدوا لتخريب محتوياتها بمضارب البيسبول والمطارق، وأمام رجال الأمن.(11)

كان هذا هو الدور الذي أدته ساحة الشرفاء في مرحلة ما قبل إقرار قانون السلامة الوطنية، بل كان هذا هو الطريق الذي أريد به إقرار هذا القانون: إيصال البلد إلى حالة من الفوضى العارمة التي تبرر للسلطة قمعها المطلق الذي بدأته مع إقرار هذا القانون. لن ننسى  أيضاً الزج بما أطلق عليهم البلطجية في جميع مناطق البحرين خلال هذه الفترة لتمارس كل أنواع العنف والاعتداء (12)، كل هذا أعقب مباشرة خطبة المحمود وزيارة رئيس الوزراء لساحة البسيتين ودعمهما لها. كيف سيتطور دور ساحة الشرفاء بعد إقرار قانون السلامة الوطنية وإخلاء قوات درع الجزيرة للدوار؟ في الحلقة القادمة.


هوامش:
  1. انظر ساحة الشرفاء الحلقة الأولى.
  2. انظر ملتقى مملكة البحرين.
  3. مواطن يروي تعرضه للتهديد بالسلاح وسرقة كاميرته وهاتفه.
  4. شاب يروي تعرضه للضرب على أيدي مسلحين مدنيين.
  5. مدنيون يتعرضون بالضرب لمواطن بحريني شيعي في شارع عام.
  6. تدريب الناشئة على استخدام السلاح في خيم خاصة ترعاها الدولة.
  7. مدنيون مسلحون يقومون بتكسير سيارات المواطنين المشاركين في مسيرة الديوان الملكي.
  8. انظر شوكة الأطباء الحلقة  الخامسة.
  9. ميليشيات مدنية مسلحة في سترة 15 مارس.
  10. الاعتداء على  محلات جواد بالرفاع والبسيتين.
  11. جميع الانتهاكات المذكورة في هذه الحلقة موثقة في صحيفة الوسط الصادرة في الفترة بين12 مارس- 15 مارس، أي حتى يوم واحد قبل هجوم قوات درع الجزيرة على الدوار.
  12. اقرأ تفاصيل أكثر عن البلطجية قدمتها (مرآة البحرين) في ملف شوكة الأطباء.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus