إيمان شمس الدين: اعتقال الرموز والاتفاقية الأمنية المتدحرجة

إيمان شمس الدين - 2014-12-31 - 3:41 م

إيمان شمس الدين*

تأتي عملية اعتقال رمز الثورة وأحد قادتها البارزين، الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، في سياق عمليات أمنية متتابعة على مراحل مختلفة في مواجهة الثورة البحرينية.

ففي بداية الثورة تم اعتقال رموز للثورة كانوا يمثلون تيارًا عريضًا في داخلها يميل لتغيير النظام وليس إصلاحه، لتجربتهم السابقة معه في تسعينيات القرن الماضي. واليوم تعتقل القوى الأمنية في البحرين رمز الثورة الذي ينتمي للنهج السلمي الذي يدعو لإصلاح النظام.

فعلى المستوى الداخلي، هناك اتفاقيات أمنية ثنائية مع المملكة العربية السعودية جاءت تحت غطاء درع الجزيرة الذي دخل إلى البحرين لقمع الثورة والثوار، واتفاقية أمنية أخرى تربط دول التعاون ببعضها البعض بنظام أمني يحكم سيطرته على ضبط ومنع أي محاولات حراكية شعبية ضد الأنظمة الوراثية القائمة في الخليج.

ومن جهة خارجية هناك اتفاقية أمنية عقدت مؤخرًا بين المملكة المتحدة والبحرين، كان المايسترو فيها رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، الذي تربطه علاقات قوية مع جناح الصقور في النظام السعودي، ومع الحكومة البريطانية ، فالأخيرة، وفق صحيفة الإندبندت، كانت تغض الطرف عن التجاوزات الكبيرة في حقوق الإنسان، بل كانت تمد يد العون للنظام الأمني في البحرين في تدريبه على آليات القمع والتعذيب، إضافة إلى أنها ضمّنت الاتفاقية بينها وبين البحرين تعهدًا بقمع الثورة وإحكام يد النظام في ضبط الأمن وفق نفس الصحيفة.

إذًا هناك تدحرج تدريجي للاستراتيجيات الأمنية في منطقة الخليج التي تعتبر منطقة نفوذ اقتصادي وعسكري للأنظمة الغربية وأمريكا. هذا التدحرج اليوم وصل إلى مرحلة الانقضاض على الأمين العام للوفاق الذي يعتبر أحد وجوه الثورة ورموزها السلميين، وهو ما يمكن قراءته في عدة اتجاهات أهمها:

الاتجاه الأول: هو تمهيد يراد منه استقراء ردود الفعل الداخلية والخارجية لتحديد الخطوة اللاحقة ضمن استراتيجية الأمن الميدانية في مواجهة الثورة، التي تهدف على المدى البعيد إلى إخمادها، وإعادة بسط شروط النظام، وإرغام الثوار على القبول بها.

الاتجاه الثاني: هو تمهيد لمزيد من الاعتقالات على مستوى الرموز، وأهمها على الإطلاق الشيخ عيسى قاسم، الذي يعتبر مرجعية جامعة لكل الثوار، وأبًا لكل تيارات الثورة بمختلف مشاربها، فالشيخ علي سلمان من رموز الثورة السلميين، ويعتبر الشيخ عيسى قاسم الأب الروحي ومايسترو الأفكار والعقيدة الثورية له ولكثير من رموز الثورة البارزين.

الاتجاه الثالث: هو الدفع باتجاه تصعيدي يميل لتيار داخل الجسد الثوري يؤمن بضرورة إسقاط النظام وإن بالقوة، وهو ما يمكن أن يدخل ثورة البحرين في نفق مظلم قد يطول الخروج منه وقد لا يصل لتحقيق المطالب والطموح في الانتقال السلمي الديمقراطي.

وبالرغم من تأكيد تقرير بسيوني بمحلية الثورة وعدم وجود أي دليل على ارتباطها بقوى خارجية، إلا أن تدويل الملف البحريني جاء من قبل النظام البحريني الذي استجلب قوات من السعودية وقواعد عسكرية من بريطانيا وقوات درك من الأردن، واستعان بخبرات أمنية من المغرب وكل ذلك لقمع ثورة سلمية جل مطالبها الحق في المشاركة السلمية في القرار وبناء وطن على أساس دستوري مدني، يكون فيه المواطنون كلهم متساوين أمام القانون وفي الحقوق والواجبات.

لذلك تدويل الملف عقَّد الحلول في البحرين وأخّرها وجعلها مرتبطة بتطورات الملف الإقليمي والذي تدل كل المؤشرات اليوم على أنها ليست في صالح النظام البحريني والذي استشعر الخطر مبكرًا فاستجلب قاعدة بريطانية في أرضه.
ما يحدث في البحرين لا ينفصل عن ما تقوم به دول خليجية كالإمارات والسعودية في المنهج الأمني، وهو ما يؤكد خيار هذه الأنظمة الأمني المتدحرج ضد شعوبها، لمنع أي محاولات تغيير على المدى البعيد، خاصة مع بقاء كثير من هذه الشعوب تحت تأثير التخدير الرعوي وحاجتها الحقيقية للصحوة قبل فوات الأوان.

فكانت الثورة لبحرينية السلمية واستمرارها كل هذه السنين، رغم كل وسائل القمع والتحجيم والمذهبة التي مورست ضدها لحجبها عن باقي شعوب المنطقة، كانت هذه الثورة البوابة الهامة في إعادة الوعي السياسي المطلبي للواجهة وتحريك المياه الراكدة التي أخافت أنظمة الخليج ودفعتها باتجاه عقد عدة اتفاقيات أمنية ضد الشعوب، بدل قيامها بنقد مسيرتها وتطويرها باتجاه مزيد من الحريات والتنمية البشرية بما يؤمن لها علاقة مستقرة بينها وبين شعوب المنطقة.

فاليوم اعتقال الشيخ علي سلمان يأتي في سياق تدحرج الخطوات الأمنية في البحرين، والتي ترسل رسائل واضحة لشعوب الخليج أن أي محاولات شبيهة لما يحدث في البحرين سيكون مصيرها شبيها بمصير الثورة البحرينية.

وهو ما يؤكد ضرورة استمرار سلمية الثورة البحرينية وعدم الرضوخ للخطوات الأمنية المتصاعدة ضد هذه الثورة ورموزها، وفي نفس الوقت عدم السماح لهذا النظام باتخاذ خطوات تصعيدية خاصة بحق رموز هذه الثورة، وهو ما يتطلب إعادة رسم خطوات الثورة وفق تطورات الوضع الإقليمي والداخلي وتطورات الوضع الأمني، الذي يحتم اليوم تكتيكًا جديدًا يضع اللجوء للخارج أحد الخيارات المتوقعة للثورة، لكن ضمن سياق زمني مقروء بدقة في كل حيثياته، وضمن دراسة متأنية لآليات اللجوء وحدوده، آخذًا بالحسبان التطورات الإقليمية التي تميل حاليًا وبشكل متصاعد زمنيًا لصالح محور المقاومة.

*كاتبة كويتية.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus