جون لوبوك: هل سيطرق الإصلاح العام أبواب البحرين يومًا ما؟

2014-12-25 - 12:55 ص

جون لوبوك، موقع مفتاح
ترجمة: مرآة البحرين

مضت تسعة عشر يومًا على الانتخابات البرلمانية التي أجرتها البحرين وهي الأولى منذ العام 2011. زعمت الحكومة أنّ نسبة المشاركة بلغت 51%، وهي النسبة نفسها التي أعلنتها بعد انتخابات العام 2011. في الواقع، أدلى 17% فقط من النّاخبين بأصواتهم في العام 2011 في الدوائر المتنازع عليها. في هذا العام، انطلقت احتجاجاتٌ مستوحاة من حركة الربيع العربي هزّت نظام أسرة آل خليفة الحاكمة، الذي سحق هذه الحركة السلمية إلى حدٍّ كبير بدعم عسكري من دولتي السعودية والإمارات العربية المتّحدة المجاورتين.

وقد قاطعت المعارضة ثلاث دورات انتخابية من بين الأربع التي جرت منذ العام 2002، في الغالب احتجاجًا على ما ترى أنه لعبة انتخابية مزيّفة. وفي العام 2006، وهو العام الذي شاركت فيه الحركة المعارضة الأساسية، أي جمعية الوفاق، في الانتخابات، فازت الجمعية فقط بـ 18 من أصل 40 مقعدًا في الغرفة الدنيا من البرلمان. ولا تمثّل هذه النسبة الأغلبية التي تحتاجها في البرلمان لإقرار الإصلاحات الضرورية. وتُعتَبَر الوفاق جمعية "شيعية"-ويشكّل الشيعة ما بين 50% و60% من سكّان البحرين (على الرّغم من أنه لا أحد يمكنه تأكيد هذه النسبة، لأنّ الحكومة ترفض إجراء إحصاء سكّاني ديني) وهم يعانون التهميش من قبل الأقلية السنّية الحاكمة.

البحرين

وكما أظهرت عملية الاقتراع الأخيرة، فإن الديمقراطية البرلمانية المزعومة في البحرين تشوبها العيوب وينهشها الفساد المستفحل. ومن ضمن المطالب الرئيسية للمعارضة إعادة رسم الدوائر الانتخابية-التي تنتقد بشدة لإعطائها الأصوات الموالية للحكومة امتيازا على حساب أصوات الداعمين للمعارضة- بحيث تعكس المقاعد البرلمانية نسبة الأصوات. الآن، تحصل كل واحدة من الدوائر الانتخابية الأربعين على ممثّل برلماني واحد بصرف النظر عن حجمها. ووفقًا للقانون البحريني، يخضع البرلمان عمليًّا أيضًا لسلطة العائلة المالكة. فالغرفة العليا في البرلمان المؤلفة من 40 مقعدًا، أي مجلس الشورى، معينة مباشرة من قبل الملك وتتمتّع بسلطة الـ"فيتو" المطلقة على القوانين التي تقرّها الغرفة الدنيا المنتخبة.

مؤخّرًا، كانت المحادثات بين المعارضة والحكومة في مدٍّ وجزر حول الإجراءات لتصحيح عيوب النظام الانتخابي في البلاد. وفي حين تشكل هذه الإصلاحات خطوة ضرورية وحاسمة، تبدو احتمالًا بعيد المنال في البحرين.

إصلاحات الحكومة المقترحة

في سبتمبر/أيلول عام 2014، اقترح ولي العهد البحريني، الذي غالبًا ما يصفه الحلفاء في الغرب بـ "المصلح"، خطّة إصلاح مبهمة من 5 نقاط تهدف إلى إعادة إحياء حوار مضطرب بين الحكومة والجمعيات المعارضة. وتقر خطة الأمير أنّ تقسيم الدوائر الانتخابية، والتحيّز القضائي، وعدم تمتّع المشرّعين بسلطة على التّعيينات الحكومية هي قضايا تحتاج إلى الإصلاح.

وعلى الرغم من هذه التنازلات، رفضت المعارضة الخطّة. وزعمت الوفاق وجمعيات معارضة أخرى أنّ الاقتراح يتجاهل المطالب المتكررة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين ومحاسبة المسؤولين على انتهاكاتهم لحقوق الإنسان.

سألت نائب أمين عام جمعية الوفاق، خليل المرزوق، عن رأيه في الخطّة الإصلاحية، فقال إن "السلطات البحرينية لا تستطيع إنكار وجود مشاكل في النظام السياسي في البحرين. لا بدّ من إصلاحه. والمجتمع الدولي على بيّنة من ما يحدث في البحرين، ومن القضايا المحورية المتعلّقة بالنظام السياسي أيضًا. وتعترف [السلطات] بـ [وجود المشاكل] لا بإصلاحها. يفعلون ذلك لكسب الوقت فقط والقول إنّ هناك "شرائح أخرى من المجتمع تقاوم التّغيير وعلينا التّعامل معهم، لا ينحصر هذا الأمر بالأشخاص المطالبين بالديمقراطية". وهذا ما يحدث بالتّحديد في ما يخص عملية تقسيم الدوائر".

وبعد فترة وجيزة من نشر الأمير لأجندته الإصلاحية، أعلنت الحكومة عن خططها المرتقبة طويلًا لإعادة توزيع الدوائر الانتخابية. وقد أغضبت الدوائر المقترحة التيارات السياسية الشيعية والسنّية على حدٍّ سواء. ووفقُا لجستين غينغلر، وهو باحث كبير في معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية في جامعة قطر، حرمت خطّة الحكومة كلًا من الأغلبية الشيعية والمعارضة السنّية المتطرفة من حقوقهم [الانتخابية]. وفي ما يتعلق بالطرف الأخير، تخشى الحكومة من علاقة هؤلاء المتطرفين بتنظيم داعش ومن رغبتهم بتشكيل حكومة إسلامية تحكم البحرين.

ومن أكثر الأمور إثارة للسخرية في الانتخابات الأخيرة الصحراء غير المسكونة التي تشكل الدائرة الجنوبية في البلاد. واستنادًا إلى التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية، اعتُبرت هذه المنطقة جديرة بالحصول على دائرة انتخابية خاصّة، على الرغم من أنّها لا تحوي إلّا على 2368 ناخبًا مسجّلًا. وبدا أنّ المرشّح الذي فاز في هذه الدائرة لم يحصل مبدئيًا إلّا على اثنين وعشرين صوتًا فقط، ولكن أفيد لاحقًا أن مجموع عدد الأصوات لصالحه بلغ 834 صوتًا. ولوجهة نظر ما، ضمّت 11 من أصل 18 دائرة صوّتت في العام 2006 لصالح المعارضة، 10,000 ناخب مسجّل في الوقت نفسه.

وعلى الرّغم من أوجه القصور هذه، سرعان ما أشاد حلفاء البحرين الغربيون بهذه الانتخابات واصفين إياها بالتقدم الـ "ديمقراطي".

سفارة المملكة المتحدة في البحرين
ترجمة التغريدة: السفير البريطاني يزور مركزًا للاقتراع في الجفير في البحرين بصحبة السفير الأمريكي. استمرار تدفّق الناخبين، وجوٌّ إيجابي.
22 نوفمبر/تشرين الثاني 2014

وبالطّبع، إشادة المسؤولين الأجانب هذه المشكوك بأمرها لاقت حصتها من النقد:

نبيل رجب

ترجمة التغريدة: حزين لرؤية سفارة دولة ديمقراطية @المملكة المتحدة في البحرين تقوم بحملة علاقات عامة لصالح انتخاباتٍ صورية - هذه السياسة المنافقة ستضر كثيرًا بصورة #حكومة المملكة المتحدة
23 نوفمبر/تشرين الثاني 2014

وعند سؤاله عن دور السفير البريطاني في الترويج لـ "نجاح" الانتخابات البحرينية، ردّ رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب بما يلي:

"كان [السفير] يحاول إضفاء مصداقية على الانتخابات، ليقول للعالم الخارجي إنّ سبب مقاطعة الناس للانتخابات هو تعرّضهم للترهيب. ومن بين كل ممارسات الحكومة [البحرينية]، كإجبار الناس على التّصويت، وتهديدهم أحيانًا، وترغيبهم في أحيانٍ أخرى، لم تتحدّث بريطانيا عن ذلك كلّه.

ينتظر رجب حاليًّا محاكمته بتهمة إهانة وزارة الداخلية في تغريدات نشرها على موقع تويتر يصف فيها المؤسسة بـ "الحاضنة الأيديولوجية" التي تدفع البحرينيين للانضمام إلى داعش.

التلاعب بنتائج الانتخابات

غسان سعيد، وهو باحث بحريني يقيم في لندن، أخبرني أنّ بعض البحرينيين يشكون في أنّ الحكومة استخدمت "مراكز الاقتراع" في الانتخابات لزيادة نسبة الأصوات لصالح المرشحين الذين تدعمهم. ووفقًا للحكومة، فــ28% من كل الأصوات أُدلي بها في هذه المراكز. وبفضل غياب الشفافية، من الصعب مراقبة المرشحين الحاصلين على هذه الأصوات. وقبل الانتخابات، بعثت الحكومة برسائل إلى المواطنين تحثهم فيها على المشاركة، حتّى أنّها وجّهت أيضًا رسائل إلى مواطنين توفوا أو سُحِبت جنسياتهم تعسفيًا. فجد سعيد المتوفى، وكذلك النائب السابق عن جمعية الوفاق جواد فيروز المقيم حاليًّا في المنفى في لندن، تلقيا رسالتين تشجّعانهما على المشاركة في العملية "الديمقراطية" البحرينية. وكانت بعض أكثر المراكز استقاطبا للتصويت مركز المطار والمركز القريب من الجسر المؤدّي إلى السعودية. ويزعم سعيد أنّ الحكومة البحرينية جنّست مواطنين من دولٍ أخرى، بهدف زيادة القاعدة الشعبية المؤيدة لها. وفي الانتخابات الأخيرة، شجّعت الحكومة هؤلاء الأفراد، الذين يعيش أغلبهم خارج البحرين، على العودة إلى المملكة للإدلاء بأصواتهم. ويرى سعيد أنها "فوضى، فلا جدوى من الحديث عن أين صوّت الناخبون أو كيف أدلوا بأصواتهم، وغيرها، لأنّنا لا نعلم إلى أي حدّ وصل التلاعب بالانتخابات. فالسؤال هنا هو "هل تمّ التلاعب بها؟" بالنسبة إلي، هذا نقاش لا معنى له تمامًا، لقد تمّ التلاعب بها. والآن، كيف حصل ذلك؟ إنّها فوضى مطلقة.

في الفترة التي سبقت الانتخابات، غصّت الطرقات بالمحتجّين ضد القوانين والممارسات الانتخابية التي تتّسم بعدم المساواة والتّمييز. ووجهت هذه التّظاهرات بعنف الشرطة المعتاد وأيضًا بغازها المسيل للدموع. وقد رفع عدة مدنيين شاركوا في الاحتجاجات صور طفلٍ قُتل خلال التّظاهرات منذ ثلاث سنوات تمامًا. وقد وصف والد الطفل يوسف بداح ردّ الشرطة على المحتجين كما يلي:


توجّه المتظاهرون إلى مركز محلي للشرطة في قرية السيف، حيث بدأت قوى الأمن بالهجوم على المتظاهرين بقنابل الغاز المسيل للدموع.


والمفارقة في الأمر أنّ إحدى القنابل المسيلة للدموع أصابت بداح تلك اللّيلة فخسر إحدى عينيه جرّاء ذلك.

هل سيطرق الإصلاح العام أبواب البحرين يومًا ما؟

يصر المدافعون عن حقوق الإنسان، كنبيل رجب، على أنّ السبب وراء ثناء المملكة المتحدة على الحكومة البحرينية يكمن في استفادتها منذ زمن طويل من صفقات بيع الأسلحة مع حليفتها. ومؤخّرًا، أكّدت البحرين على دعمها لحملة القصف التي تديرها دول الغرب ضد تنظيم داعش، وقد أعلنت المملكة المتّحدة منذ مدّة وجيزة أيضًا عن بناء قاعدة بحرية جديدة هناك. يفسّر رجب هذا الأمر قائلًا إنّه "يبدو أنّها طريقة لإسكات الحكومة البريطانية، وحكومة المملكة المتّحدة أصبحت رهينة مصالحها [الخاصّة]. أين المبادئ والقيم التي يتحدّثون عنها في كل أنحاء العالم؟ لا يطبّقونها في سياساتهم عندما يتعلّق الأمر بالخليج والبحرين. جميع حقوق الإنسان التي يدافعون عنها في سورية وإيران، لا تنطبق على البحرين.

وبينما يكافح الحلفاء الغربيون لتحقيق توازن بين مصالحهم الأمنية وانتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، تعمل البحرين أيضًا على تحقيق توازن بين تحالفاتها في الداخل. فعلى الرغم من اعتماد الحكومة تاريخيًا على السكّان السنيين لتلقّي الدّعم، تصبح الجماعات المتطرفة أكثر فأكثر عبئًا عليها. إحدى الأسر البحرينية السنّية البارزة لديها أكثر من عنصر في صفوف داعش، أحدهم هو أرفع شيوخ الدين في التنظيم، على الإطلاق. كما أنّ أحد أفراد الأسرة الحاكمة في البحرين نشر تغريدة على موقع تويتر يعبّر فيها عن دعمه لداعش.

وعلى الرغم من دور البحرين في الحرب الدولية ضد داعش، تُعرِض الحكومة عن اتّخاذ تدابير ضد المتطرّفين السنّة في الدّاخل. ومع ذلك، ووفقًا لجينجلر، يهدف التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية إلى توهين دعم الكتلة السنية الشعبية على حساب المرشحين المحليين ذوي الولاءات القبلية.

يرغب النظام بإبقاء المجتمع السنّي في صفّه، ولكنّه أيضًا لا يرغب في فوز المزيد من السنّة المتطرّفين بمقاعد في البرلمان. تخلّصت حكومة البحرين من انتفاضة شيعية شعبية في العام 2011 ولا تنوي السّماح لانتفاضة سنّية بالوقوف في وجهها الآن.

من الصّعب معرفة أين سيحل التغيير في البحرين، ولكنّ الوضع الحالي غير قابل للاستمرار أيضًا. هل ستوجّه بريطانيا انتقاداتٍ علنية للبحرين لتعنّتها بخصوص التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، أم أنّ البحرين ستبدأ بقمع السنّة، الذين أصبح بعضهم متحمسًا للأصولية إلى درجة أنّهم يشجّعون رفاقهم من الإسلاميين على التّمرد ضد الحكومة البحرينية "الطاغية". في كلّ الأحوال، يبدو أنّ العنف سيتفاقم قبل أن تجبر الحكومة البحرينية على التنازل لتحقيق أي إصلاحات.

 

11 ديسمبر/كانون الأوّل 2014
النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus