ميدل إيست آي: جاين كينينمونت: تحديات البحرين الاقتصادية... تحليل

2014-12-20 - 9:02 م

جاين كينينمونت، ميدل إيست آي
ترجمة: مرآة البحرين

تواجه البحرين عددًا من التّحدّيات الاقتصادية المتداخلة، بدءًا بكيفية ضمان نموٍّ في المستقبل يتخطّى حدود قطاع النّفط، وصولًا إلى قضايا اقتصادية وسياسية معقّدة حول من الذي سيستفيد من ازدهار البلاد وثرواته.

كانت البحرين الدولة الأولى في الخليج التي اكتشفت النفط وباشرت بتكريره، وكانت من السبّاقين في ما يتعلّق بالبناء على مصادر الطاقة. فكانت البحرين أوّل من بنى مصهرًا لصناعة الألمنيوم في منطقة الخليج، يوفّر حاليًّا أكبر نسبة صادرات غير نفطية للبلاد.

وكانت أيضًا أوّل دولة في الخليج تقيم مركزًا ماليًّا، ويعود جزء من الفضل إلى المصرفيين اللّبنانيين الذين فرّوا من الحرب الأهلية في بلادهم. وعلى نحوٍ استثنائي في الخليج، فأكبر قطاع اقتصادي في البحرين متمثّل في الخدمات المالية، لا النّفط والغاز.

ومثل دولة عمان، بدأت البحرين، قبل الدول الخليجية الأخرى بكثير، بتنويع اقتصادها ليتخطّى حدود النّفط، بما أنّ احتياطي نفطها كان محدودًا. وتنتج البحرين 48,000 برميلًا في اليوم الواحد من حقلها الساحلي الوحيد؛ وتأتي معظم إيراداتها النفطية من حصّتها في حقل بحري تديره السعودية.

كما أنّها تملك قوى عاملة محليّة مدرّبة بشكل أفضل، وأكثر استعدادًا للعمل في القطاع الخاص، من تلك الموجودة في معظم دول الخليج المجاورة الأخرى، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن النّاس هنا ليسوا أغنياء جدًا.

ولكن خلافًا للدول المجاورة الأكثر ثراءً، تملك البحرين رأسمال محدود لتطوير هذه الصناعات وتسويقها، ممّا يتطلّب استثمارات أجنبية لتحقيق المزيد من التّطوير. وتحتاج أيضًا إلى البدء باستيراد الغاز الطّبيعي.

وعلى الرغم من اتّخاذ خطوات نحو التّعاون الاقتصادي، فإنّ دول مجلس التّعاون الخليجي (السعودية، والكويت، والإمارات العربية، والبحرين، وعمان) فشلت في الاتّفاق على نظام لتجارة الغاز إقليميًا، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى اختلافهم على الأسعار. وهذا يعني أنّ قطر تصدّر الغاز إلى كل أنحاء العالم، بينما لجأت البحرين إلى روسيا، والبرازيل، وحتّى إيران (قبل عدّة سنوات) لاستيراد الغاز.

وكون الممالك الأخرى في المنطقة، خاصّة السعودية والإمارات العربية المتحدة، لها مصلحة في بقاء وضع الأسرة الملكية في البحرين مستقرًا، هو واقع عاد ببعض النّفع على اقتصاد المملكة.

ولطالما وجد الدائنون في السعودية جهة ضامنة فعليًا للاقتصاد البحريني، وتعتمد البحرين في استقطابها للاستثمارات الأجنبية، بشدّة، على قدرة ولوجها إلى السوق السعودية، معفاة إلى حد كبير من دفع الرسوم الجمركية بسبب الاتّحاد الجمركي بمجلس التعاون الخليجي. والاقتصاد السعودي هو الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وحجمه يزيد على عشرين ضعف من اقتصاد البحرين (إذ بلغ إجمالي الناتج المحلي السعودي 745 مليار دولار أمريكي، مقابل 32.8 مليار دولار أمريكي في البحرين).

لذا يؤدّي هذا التّباين الاقتصادي، وكذلك اعتماد البحرين على جارتها الكبيرة، إلى بعض القيود السياسية. إذ يقول المسئولون البحرينيون، بتحفّظ، إنّ تحقيق الكثير من الإصلاحات السياسية قد يعرّض المملكة لخسارة الدعم الاقتصادي السعودي، على الرّغم من أنّ ذلك يستخدم بعض الأحيان كعذر مناسب.

ولم يزدد اعتماد البحرين الاقتصادي على السعودية إلّا بعد العام 2011، وتمثّل بالإعلان عن تشييد جسر ثانٍ يربط الجزيرة بالسعودية، وذلك في أغسطس/آب. وردًا على الاحتجاجات التي انطلقت في العام 2011، تعهّدت دول الخليج الأربع الأكثر ثراءً بمنح 10 مليار دولار أمريكي لكلٍّ من البحرين وعمان على مدى 10 سنوات. ولكنّ الضرر الذي طال سمعة البلاد منذ انتفاضة عام 2011 أضعف قدرتها على منافسة الدول الأخرى في الخليج في الاستثمار واستيراد الخبرات الأجنبية.

ومن القضايا الخلافية الأساسية أيضًا كيفية توزيع موارد الدّولة والتي تعد من الأسباب الرئيسية وراء الاضطراب السياسي في البلاد.

وكما في دول الخليج الأخرى، توزيع الدّولة لإيراد النّفط يساعد على تعزيز النّظام الملكي. هناك إعانات مالية، وخدمات، ومساعدات تذهب إلى كلّ المواطنين. ولكنّ فرص العمل في القطاع العام، والتعاقدات مع الحكومة، غالبًا ما تعتمد على الولاء السياسي، في حين يثار الجدل حول الحصول على منازل الإسكان التابعة للدولة، والشكاوى المتعلقة بالبنى التحتية.

الإحساس بالإقصاء الاقتصادي ملحوظ وواضح على وجه التحديد بين المواطنين الشيعة، الذين يتم استبعادهم من معظم الوظائف الأمنية (وبالتّالي لا حصّة لهم في الرواتب الهائلة التي تمثّل جزءًا من ميزانية الدّفاع).

ويتركّز الاضطراب السياسي في "القرى" الشيعية الأكثر فقرًا، والتي تحوّلت إلى ضواحٍ للعاصمة، وتمثّل المحاولات الرسمية لاتّهام إيران بالتآمر لإشعال هذه الاضطرابات، طريقة لصرف الانتباه عن الأسباب الدّاخلية الملموسة لحالة السخط. مع ذلك، هناك في البحرين أسر شيعية ثرية أيضًا وهي إما داعمة للحكومة بشكل فاعل أو غير ناشطة سياسيًّا.

وكما في سائر الدّول الخليجية، غالبًا ما تفضّل النّخبة الاقتصادية الابتعاد عن السياسة في حال هدّدت الخلافات أعمالهم. عندما عبّر أحد رجال الأعمال الشيعة، فيصل جواد، عن تعاطفه مع متظاهري المعارضة في العام 2011، تعرّضت متاجره إلى هجمات انتقامية؛ ولمرّة على الأقل، تعرّضت إحدى المحلّات التّجارية التي يملكها إلى النهب من قبل الشرطة (في حادثة سجّلتها كاميرات المراقبة).

وفي البحرين أيضًا مواطنون سنّة فقراء نسبيًّا. ولكن على مر العقود الماضية، لم يترجم عدم الرضا الاقتصادي كثيرًا إلى حركة معارضة ضمن هذه المجتمعات، التي تشك بأمر قادة المعارضة المنتمين غالبًا إلى الطائفة الشيعية. بيد أنّ بعض التّيارات السنّية تنتقد السلطات لممارستها الفساد وعدم المساواة.

وعلى مرّ العقد المنصرم، بُذلت بعض الجهود لتطهير الشركات المملوكة من قبل الحكومة، التي كانت تخسر المال، من الفساد. وفي قضية مثيرة للاهتمام، قامت شركة ألومنيوم البحرين برفع دعوى ضد مورديها الأجانب في الولايات المتحدة على خلفية اتّهامهم بدفع رشاوى لأحد كبار أفراد الأسرة الحاكمة.

ويزعم أنّ أشكالًا جديدة من الفساد ظهرت، خاصّةً عند عملية الخصخصة غير الشفافة لبعض الأراضي العامّة، التي كانت تمنح لأفراد الأسرة الملكية أو حلفائهم بأسعارٍ رمزية، قبل بيعها لتحصيل الربح.

وكانت هذه القضية من القضايا المحورية خلال احتجاجات عام 2011 التي أقيمت حول مرفأ البحرين المالي: إذ حصلت الحركة الشيعية المعارضة الأكثر شعبية، الوفاق، على وثائق مسرّبة كشفت أنّ منطقة المرفأ، التي كانت قطعة أرض عامّة، تمّ تحويلها لشركة خاصّة يترأسها صهر رئيس الوزراء. وفي منتصف شهر ديسمبر/كانون الأوّل، عرض تقرير للفايننشال تايمز تفاصيل نشاطات شركة خاصّة تعود ملكيّتها للديوان الملكي؛ إذ باعت هذه الشركة أراضٍ مدفونة في البحرين بأسعارٍ زهيدة واشترت عقارات فخمة في لندن. وهذه قضايا سيتردد صداها خارج المعارضة التقليدية.

والآن يثير التّدني الحاد في أسعار النفط مشاكل معيّنة في البحرين، وهي أصغر الدول المصدّرة للنفط في الخليج. وتواجه جميع دول الخليج احتمال انخفاض الإيرادات الحكومية، بينما لا تزال تشتد الضغوط لزيادة الإنفاق الحكومي منذ انطلاق انتفاضات الربيع العربي.

عانت البحرين من عجزٍ في ميزانيتها في كل عامٍ منذ بدء الانتفاضة وأعمال القمع ضدّها في العام 2011، إذ أعاق التهديد السياسي بعض الأنشطة الاقتصادية بينما دفع الحكومة إلى زيادة الإنفاق. وفي الأسبوع الماضي، توقّعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أنّ العجز المالي في البحرين قد يزيد عن نسبة 7% من الناتج المحلى الإجمالي في العام 2015؛ ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، تحتاج البحرين إلى سعر 125 دولار أمريكي لبرميل النفط الواحد للوصول إلى نقطة التعادل.

وقد ارتفع الدّين العام في البحرين إلى 44% من الناتج المحلّي الإجمالي عام 2013. وتعد هذه النسبة متدنية وفقًا للمعايير الأوروبية، ولكّنها تقلق المملكة التي استطاعت جاراتها الأكثر ثراءًا ادّخار المال، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، لأوقاتٍ أكثر شدّة في المستقبل.

وفي أعقاب الانتخابات التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني، من المرجّح أن تُعرض على النوّاب المنتخبين الجدد-الذين يشغلون 40 مقعدًا من أصل 80 في البرلمان، إذ يعيّن الملك الأشخاص الذين سيشغلون المقاعد المتبقية -خطط لإنقاص الإنفاق الحكومي، لا سيّما الدعم الحكومي (الإعانات المالية). ومعظم أعضاء البرلمان موالون للحكومة، بعد أن قاطعت التيّارات المعارضة في البلاد الانتخابات.

ولكن على الرغم من أنّهم قد لا يشكّلون جبهةً قويّة ضد الحكومة في ما يتعلّق بالقضايا السياسية، تفيد التجارب الماضية في البرلمان، كما في دول الخليج الأخرى، أنّهم سيطالبون بالمزيد من المنافع الاقتصادية لصالح ناخبيهم، لا سيّما أنّ أغلبهم نوّاب مستقلون غير تابعين لتكتّل سياسي أو أيديولوجي.

والآن يتم تخصيص أكثر من ربع الإنفاق العام للدفاع والأمن. ومن المستبعد أن يقوم البرلمان بالاعتراض على هذا الأمر، في ظل تأثير المؤسسة الأمنية المتنامي منذ العام 2011، وقلق الحكومة من إيران، والنفوذ الذي تشتريه البحرين في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة من خلال عرضها شراء معدّات عسكرية على نطاق واسع.
وفضلًا عن الحد من الإنفاق، تظهر وجهات نظر متباينة بين الآخذين بزمام السلطة حول دور عدم المساواة والتّمييز في البلاد.

إذ عبّر مجلس التنمية الاقتصادية، الذي تأسس في العام 2006 والذي يرأسه ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، عن وجهة نظر تقول إنّ معالجة المشاكل الاقتصادية، لا سيّما في ما يخصّ التّوظيف، قد تقلّل من حدّة الخلافات السياسية في البحرين. ولكن لطالما قدّمت الحكومة المساعدات الاقتصادية بشكل انتقائي لخلق حافز للولاء السياسي.

ولكن يجنح آخرون إلى الاعتقاد بأنه لا بد من معاقبة المعارضة على "خيانتها" من خلال وسائل اقتصادية، وكذلك بالقمع السياسي- وأنّه يمكن استخدام قضايا التّمييز والتّوظيف كأوراق ضغط في المفاوضات السياسية.

لقد ضعف مجلس التنمية الاقتصادية عقب الانتفاضة وأعمال القمع عام 2011، فتضررت حملاته التي تروّج الاستثمار في البحرين باعتبارها "بيئة مؤاتية للأعمال التجارية" وضعفت مكانة ولي العهد وحلفائه المستثمرين بترسّخ سلطة الجهاز الأمني.

ولكن هناك بعض الإشارات إلى أنّ حلفاء ولي العهد يستعيدون نفوذهم من جديد: ففي التعديل الوزاري عقب الانتخابات، تم استبدال وزير الصناعة والتجارة، حسن فخرو، الذي شغل هذا المنصب لمدّة 12 سنة، بزايد الزياني، وهو رجل أعمال وزميل مساعد لولي العهد.

واحتّل حليف آخر لولي العهد، عيسى عبد الرحمن، مقعد وزير الإعلام، مستبدلًا سميرة رجب، التي كانت ذات يوم متحدّثة باسم صدّام حسين، المنبوذ جدا من قبل المعارضة.

لذا العامل الرئيسي الذي لا بدّ من رصده هو ما إذا كانت الحكومة والبرلمان الجديد سيعملان على تحقيق تقدّم اقتصادي في القرى الشيعية ومعالجة قضايا التمييز، بما أنّها من القضايا الأساسية المسبّبة للاضطراب السياسي.

 

15 ديسمبر/كانون الأول 2014
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus