نبيل رجب: لماذا تخشى الحكومات التسلطية الشيعة وتحرّض على كراهيتهم؟
نبيل رجب - 2014-12-19 - 7:06 م
نبيل رجب*
لماذا يخشى الحكام والحكومات التسلطية من التشيع والشيعة؟ هل صحيح أنه بسبب ما يقال عن سب الشيعة للصحابة وزوجات الرسول حسب ما يزعم مخالفيهم؟ وهل صحيح أن سببها هو الخلاف الديني والعقائدي؟ لماذا تتصدر بعض دول الخليج والأنظمة العربية المستبدة محاربة الشيعة وفكرهم؟ لماذا تستقدم حكومة البحرين الأجانب وتجنسهم لتغلبهم وتمكنهم على السكان الشيعة؟ لماذا ترعى وتموّل بعض حكومات الخليج كتب تكفيرية ضد الشيعة؟ بل لماذا تدرس هذه الكتب في معاهدهم الدينية؟ لماذا تسمح الحكومة بتكفير الشيعة والحض على كراهيتهم في المساجد التي هي تحت رعايتها؟ أو من قبل الوعاظ الذين تقوم هي بتعينهم؟ لماذا تنفق بعض حكومات الخليج الأموال من أجل تسنين الشيعة وتركهم لمذهبهم؟ لماذا يتم شيطنة الشيعة في عيون العالم والشعوب المسلمة؟ لماذا كل هذا العداء تجاه الشيعة؟
الشيعة هي مدرسة دينية كبقية المدارس والمذاهب الإسلامية التي تحمل كمّاً هائلاً من القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والقيمية، إلا إنها لا تخلو من بعض الرواسب والشوائب الدخيلة عليها والتي علقت بها على مر التارىخ. سوف لن أخوض في الجانب العقائدي والديني في مذهب الشيعة لأني لست من أهل الاختصاص، سأبقى في الجانب السياسي والحقوقي الذي أعتقد أنه وراء الخلاف الحقيقي ودافع التحريض الذي يحصل ضد الشيعة حول العالم.
يلخص الدكتور طه حسين سبب هذه الكراهية ويقول "إن الشيعة حزب معارض لسياسة البغي والجور، لهذه الغاية أنشئت، وعليها عملت، ولأجلها اضطهدت . وإن التشيع لعلي بدأ كحزب سياسي معارض لسياسة الجور والأوضاع الفاسدة، وإن هذه المعارضة كانت تظهر تارة في قالب الثورة وحيناً بإعلان السخط على الحاكم، وبسبب ذلك نُسب للشيعة ما ليس لهم به علم، حيث قتلوا وعذبوا واضطهدوا اضطهادا شديداً".
عمل الشيعة طوال العصور الأموية والعباسية وكل القرون على الثورة ضد الطغاة وأنظمة الحكم الفاسدة، وكانوا يمثلون المعارضة للحكومات الأموية والعباسية، وهي حكومات مستبدة وظالمة، لكنهم في الوقت نفسه، كانوا يؤيدون الحكومات المنصفة والعادلة، بدا ذلك جلياً في تأييدهم إلى الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز، حكم الأمة بالعدل والقسط وأعطى الناس والجماعات حقوقها.
اكتسب التشيع لعلي في تلك العصور صفة الدفاع عن المضطهدين والمحرومين والمستضعفين والمنتهكة حقوقهم، لذا تعرضوا لصنوف من الظلم والبطش والقتل، الأمر الذي جعلهم أكثر تعلقاً بمذهبهم ومدرستهم الثورية. يقول المفكر جورج جرداق "إن التشيع أصبح فكرة اجتماعية وصيغة لجهاد الظالمين ورفع الحيف اللاحق بالجماعات"، وهذا دفع الجماعات المظلومة والمضطهدة تلتف حول الشيعة على مدى تاريخهم.
ما نريد أن نقول هو أن الخلاف الحقيقي مع الشيعة في الماضي وفي الحاضر هو خلاف سياسي، وتحديداً في الجانب الثوري من المذهب التي هي مصدر إلهام للكثيرين، حتى تبعها قادة ثورات ومفكرين غير مسلمين أمثال المهاتما غاندي، حمل الحسين وشيعته شعاراً له، قال "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما وانتصر".
مواقف الشيعة المناهضة للظلم والاستبداد، حولت مذهبهم لأيقونة ثورية ضد الطغاة، ومدرسة مناوئة للمعتقد الذي يشاع ومفاده إن طاعة ولاة الأمر أمر واجب على المسلمين، حتى لو كانوا ولاة فاسدين أو ملوك وسلاطين وامراء مستبدين طغاة، وهي ثقافة أسستها الدولة الأموية وعززتها الدولة العباسية وأصبح امتدادها يحكم الكثير من الدول العربية المسلمة اليوم.
الصراع في حقيقته هو صراع بين أيدلوجيتين سياسيتين ترتديان غطاء ديني، وهو بين الدعوة لطاعة ولاة الأمر ولو كانوا ظالمين وفاسدين، وبين عصيان ولاة الأمر الطغاة والانقلاب عليهم والثورة على عروشهم المستبدة. وهذه هي الأسباب الحقيقية التي يخشى طغاة وعروش اليوم اطلاع شعوبهم عليها، لأن ذلك سيبين فسادهم وتوظيفهم السيئ للدين، لذلك هم يستغلون بساطة وتدين شعوبهم ليضللوهم بأمور وهمية أو شاذة، أن الشيعة يشتمون الصحابة وزوجات الرسول، أو إنهم يملكون كتاب آخر غير القرآن، أو إنهم يكرهون أهل السنة. ولنشر ضلالهم وتزويرهم للحقائق تراهم يعملون ويحاولوا شيطنة أبناء الشيعة وفكرهم في عيون أهل السنة والجماعة من خلال الكم الهائل من البرامج والكتب التحريضية.
رؤية الحكام الطغاة لم تتغير تجاه الشيعة، لأنهم يرونهم خطر على عروشهم وأنظمة حكمهم، لذلك سوف يستمر التحريض والتضليل والتحالف بين أنظمة الحكم الظالمة وبعض الجماعات التكفيرية التي تحمل نفس الرؤية تجاه الشيعة.
* ناشط حقوقي بحريني. رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان.
عضو المجلس الاستشاري لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، نائب الأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. رئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان.