رسالة "مكيافيللي" للملك في يوم جلوسه: الأمير الذي يعتمد على المرتزقة، يؤجل دماره المحتوم

2014-12-19 - 3:04 ص

"يعتبر الأمير دنيئا حقيرا إذا رأى الناس فيه تقلبه، وتفاهته، وطيشه، وتخنثه، وجبنه، واستخذاءه ذله وخضوعه"

نيكولو مكيافيللي، كتاب الأمير

مرآة البحرين (خاص): أنا (مكيافيللي) سمعت أنك أيّها (الملك) المتداعي معجب بكتابي، وكنت سأكون سعيدا بهذا الإعجاب لو لم أر في ثورة شعبك ما يثبت لي أن الناس ترى فيك التقلب والتفاهة والطيش والتخنث والجبن والاستخداء.

أقول لك أيّها (الملك) المتداعي، كما أنك لم تكن ملكاً، فأنت وقبليتك لم تكونوا أمراء في مسقط رأسكم نجد، ولكن مجرد قبائل لم تجد وطنا، بعد أن انتقلت من بلادها بسبب القحط أو ربما النزاعات. لكنكم لم تستطيعوا المكوث في أي بلد لجأتم إليه، فمن الفريحة في قطر، إلى بندر ديلم على سواحل إيران (الساحل الشرقي سابقا)، فإلى البصرة، ومدينة أم قصر، ومن ثم القرين (الكويت حاليا)، وبعدها إلى الزبارة في قطر مجددا، بقيت النزاعات والصدامات تتنٌقل بكم، ومعكم.

عرف أهل البحرين قبيلتك وحلفاءها العرب (العتوب) في العام 1700. كان أهل هذه البلاد المتعلّمون هم أوّل من أرّخ لـ"العتوب"، وظهورهم في سواحل الخليج، وهم من أدخل هذه الاصطلاح إلى كتب التاريخ، قبل حتّى أن تؤرّخ لكم الوثائق العثمانية. لقد قيل لي إن كل المؤرّخين يجمعون على أن كتاب "لؤلؤة البحرين" للشيخ يوسف البحراني، هو أول مخطوطة يظهر فيها اسمكم "العتوب".

التاريخ الذي بين أيدينا يقول فعلا إنكم ساعدتم شيخ المطاريش ناصر آل مذكور (الذي سميتموه نصور لاحقا) في منتصف القرن الثامن عشر، في محاولته الأولى لاحتلال البحرين، بعد أن عرض على شيوخكم مبلغا من المال والإعفاء من ضرائب الغوص على اللؤلؤ. لقد عملتم مرتزقة عند آل مذكور، لكن قبائل "الهولة" التي كانت تحكم البحرين، والتي ردّت غزواتكم سابقا بقيادة "آل حرم"، وقفت في وجهكم مجدّدا.

بعد كل هذه التقلّبات في تاريخكم، ما يثير كل استغرابي هو كيف لم تستطيعوا بعد أن تكونوا حكّاما وتؤسّسوا دولة؟ لماذا شعب هذه البلاد، التي لم تبق لكم إلا هي، لا زال يعتبركم غزاة بعد 230 عاما، والأعراب الذين اعتمدت عليهم دولتك منذ اليوم الأول، بدأوا ينفضّون عنك ويهجرونها. منهم من ألقاه هواه في أحضان "داعش"، ومنهم من رجع إلى "الزبارة"، موطنه الأول الذي فرّطتم به بكل تعجرف، بعد ثورة القبائل القطرية 1868، رغم أنها كانت البلد الأول الذي تسيدون فيه.

لقد كنتم ولا زلتم حكاما ضعفاء، همكم أن تنهبوا رعاياكم لا أن تحكموهم، وأن تخلقوا أسباب الفرقة بينهم بدلا من توحيدهم. وهكذا أضحت بلادهم بسببكم عرضة لأعمال النهب والغزو، وكل شكل من أشكال الفوضى. لقد سمّيتم احتلالكم للبلاد "فتحا"، وتريد أنت أيها الملك المتداعي أن تسترجع هذا التاريخ دوما، لأنك بدأت تحس أخيرا بضعف هذه الدولة، وتريد أن تستعيد مجدها المزعوم، لكنك نسيت أن أول من كتب تاريخك وتاريخ عائلتك، هم هؤلاء الذين غزوتهم، فأي تاريخ تزوّر؟

لقد كنتم دائما بحاجة إلى مساعدة الآخرين، وهذه حال الحاكم المهدّد الضعيف. ولكن إذا كان جيش جدك مكوّنا من أحلافه وقبائله، فجنود جيشك أنت هم مرتزقة، وتلك أكبر خطيئة يمكن أن تعجّل على هذا المُلك. لقد حذّرتك منها طويلا، في ذات الكتاب الذي تحبّه!

لقت قلت لك إن "المرتزقة قوات غير مجدية، بل ينطوي وجودها على الخطورة. وإذا اعتمد عليها أحد الأمراء في دعم دولته، فلن يشعر قط بالاستقرار أو الطمأنينة..والأمير الذي يعتمد على مثل هذه القوات، قد يؤجل دماره المحتوم"

لقد نسيت أيها الملك المتداعي أنكم كنتم مرتزقة عند نصر آل مذكور، وأنكم خسرتم حربكم تلك. إن حيازة هذه القوات، وإقامة مستعمرات جديدة من مرتزقة أجانب، بعد 230 سنة من دخولك هذه البلاد، هو طريق نحو خسائر كارثية، ومفاجئة. "إن الصداقة التي تقوم على أساس الشراء، لا على أساس نبل الروح، هي صداقة زائفة تشترى بالمال ولا تكون أمينة موثوقة، وهي عرضة لأن لا تجدها في خدمتك في أول مناسبة".

أما قوات جيرانك التي استعتت بها، فهي أكثر خطورة من المرتزقة، لأن الدمار معها غالبا ما يكون كاملا، والأمير العاقل هو الذي يعتمد على ما يقع تحت سلطانه لا تحت سلطان الآخرين، وقد أقر الحكماء دائما أن ليس هناك أضعف من الإنسان الذي يعتمد في قوته على قوة الآخرين.

لقد قلت إن عليك أن لا تخش كثيرا من المؤامرات إذا كان الشعب راضيا عنك، أما إذا كنت مكروها، وتحس بعداء الشعب لك، فإن عليك أن تخشى من كل إنسان ومن كل شيء، كما تفعل اليوم تماما.

وقد وصلني، أن أحد الأكاديميين في قارّتي، قال يقصدكم "إن انهيار هذه الممالك سوف يحدث كما كان يحدث دائما".

أيها الملك المستخذي، هل يستحوذ عليك كتاب الأمير فعلا؟ لقد قيل لي إن علماء الأخلاق اعتبروه كتابًا مناسبًا فقط للطغاة الأشرار.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus