فايننشال تايمز: صفقات الأراضي في البحرين: خيمياء صناعة المال من الرّمال

- مشروع "بحرين باي" الذي تبلغ قيمته 2.5 مليار دولار، والمبني على أرض مدفونة، هو واحد من المشاريع المثيرة للجدل
- مشروع "بحرين باي" الذي تبلغ قيمته 2.5 مليار دولار، والمبني على أرض مدفونة، هو واحد من المشاريع المثيرة للجدل

2014-12-12 - 3:28 ص

سينتيا أوموركو من لندن وسيمون كير من دبي، صحيفة فايننشال تايمز

ترجمة: مرآة البحرين

يبرز فندق جديد لمجموعة فور سيزونز من البحر ليُطِلّ على شاطئ المنامة، والمبنى عبارة عن ناطحة سحاب مُكَوّنة من 68 طابقًا على جزيرة حصرية ملكيتها خاصة.

وسيصبح الفندق، المُفتَرض افتتاحه في مطلع العام المُقبِل، مركزًا لثلاثة مطاعم يديرها الشيف المشهور وولفغانغ باك، وسيُقَدّم مجموعة واسعة من وسائل الراحة الفاخرة.

ويشكل البناء المهيب جزءًا من بحرين باي، وهو مشروع ضخم كلفته 2.5 مليار دولار، يَبرُزُ مما كان سابقًا فسحة مائية.

وبالنسبة للمستثمرين، هو واحد من رؤية طموحة لبحرين القرن الواحد والعشرين. أما النشطاء، فيرون فيه رمزًا لعدم المساواة في بلد أفسدتها انتهاكات حقوق الإنسان والصراع الطائفي، ويستمر فيها النّقص الحاد في المساكن على الرّغم من ازدياد الإنشاءات الباهظة.

"بحرين باي" هو واحد فقط من مشاريع كبيرة متعددة على أراضي الردم البحري (الأراضي المدفونة) التي تنتشر على ساحل هذا الأرخبيل الصّغير المكتظ بالسّكان. لكن الطّريقة التي تم بها الاستحواذ على هذه الأراضي أثارت التساؤلات حول الحد الفاصل بين الأراضي العامة والمَلكية، وهو ما يلقى المعارضة ويثير النزاع.

ويقول سياسيون في المعارضة إن الأراضي البحرية، التي تم دفنها لاحقًا للاستثمار، يجب أن تكون ملكًا للدّولة. ويظهر تحقيق لصحيفة فايننشال تايمز أنّ "مجموعة بريمير"، وهي جهاز استثمارات يعتقد متخصصون أنّ ملكيّته تعود إلى الملك وعائلته، قد استخدمت فعليًا الأراضي البحرية للحصول على حصص في مشاريع تجارية مشتركة ملكيتها خاصة. ولم يجد المُشرّعون البحرينيون أي سجل يوثق مدفوعات للدّولة مقابل هذه الأراضي.

الملك

ووجدت صحيفة فاينانشال تايمز أنّ الشّركات الفرعية التّابعة لـ"مجموعة بريمير" تمتلك أسهمًا في مشاريع تبلغ قيمتها الاستثمارية حوالي 22 مليار دولار داخل البلاد، بالإضافة إلى عقارات استثمارية فاخرة في بريطانيا.

وتظهر سجلات الشركات والأراضي التي اطلعت عليها فايننشال تايمز، ووثائق قدّمتها مجموعة متطوعة (تمويلها قائم على المنح) وهي منظمة بحرين ووتش، أنّ الشّركات الفرعية التّابعة لـ"مجموعة بريمير"، وعلى نحو خاص شركة "ستون"، لعبت دورًا محوريًا في سعي العائلة المالكة لتحقيق أرباح في البحرين والمملكة المتحدة.

واشترت شركة "ستون" فنادق فخمة، وأبنية تضم شققًا ومكاتبَ في بريطانيا تبلغ قيمتها حوالي 900 مليون دولار. وتم شراء أغلبيتها في العامين 2006 و2007 عندما أبرمت "مجموعة بريمير" عدة صفقات مُربِحة لإنشاء عقارات على الأراضي التي ستدفن في البحر.

الخارطة

وصرح شخص مطّلع على المعاملات المالية لـ"مجموعة بريمير"، إلى صحيفة فايننشال تايمز أنّ الشّركة اختارت لندن كجنّة استثمارات. وقال هذا الشّخص إنّ "مبيعات الأراضي" موّلت بعض الممتلكات التي تمّ شراؤها. وقد باعت "مجموعة بريمير" مؤخرًا بعضًا من استثماراتها في المملكة المتحدة، وفقًا لسجل العقارات.

وعلى مدى السنوات العشر الماضية، أصبحت شركة ستون والشّركات التّابعة لها مالكة لعدة أراضٍ بحرية على طول شاطئ البحرين. في العام 2002، أصدر الملك قانونًا يمنحه السلطة وحده في وهب حقوق أراضي الدّولة. وفي عدّة حالات، استخدم الملك هذه السّلطة لنقل ملكية أراض إلى شركات مرتبطة بـ"مجموعة بريمير"، وفقًا لوثائق الأراضي التي اطّلعت عليها صحيفة فاينانشال تايمز.

وقد كانت صفقات الأراضي مثيرة للجدل لسنوات عدّة.

في العام 2011، اندلعت احتجاجات الانتفاضات العربية، ونزل النّشطاء إلى الشّوارع للمطالبة بحقوقهم السّياسية وبوضع حد للفساد. واحتجّوا أيضًا على صفقات الأراضي المدفونة، المثيرة للجدل، والتي تعتَبرها المعارضة مُصادَرة الأملاك العامة. وباشرت الحكومة بحملة قمع دموية، وسعى عشرات البحرينيين للّجوء إلى المملكة المتحدة في وقت لاحق.

وحين ضخّت الدول الخليجية المجاورة الأكثر ثراءً 10 مليارات دولار لإنعاش اقتصاد الجزيرة، بدأت الحكومة حملة لإحياء صورتها كبيئة صديقة للأعمال التّجارية. ولكن الاستقرار السّياسي يبقى احتمالًا بعيدَ المنال بعد مقاطعة المعارضة للانتخابات العامة الشّهر الماضي.

وقد أكّد تحقيق فايننشال تايمز أنّ بعض الأراضي البحرية الممنوحة للشركات الفرعية التابعة لـ"مجموعة بريمير" استُبدِلت لاحقًا بحصصٍ في مشاريع مشتركة مع مصارفٍ إسلامية وأطراف مستثمرة أخرى كلفتها تساوي مليارات الدولارات، بهدف بناء إسكان، ومبانٍ تجارية، وفنادق فخمة.

ولم تستجب "مجموعة بريمير"، والديوان الملكي، والملك حمد آل خليفة لطلب التعليق على الأمر. وقالت السفارة البحرينية في لندن إنّها لا تستطيع التّعليق على أمور تتعلّق بشركات خاصة.

وقد صرّحت منظمّة بحرين ووتش أنّ "هذه الأملاك تعود للشعب البحريني ولا بد من إرجاعها إلى ميزانية الدولة. فقد تمّت خصخصة ساحل المملكة الخلّاب وتدميره لإفساح المجال لاستثمارات الأسرة الحاكمة الخاصّة".

المحرق

ومن المشاريع المثيرة للجدل مشروع ديار المحرق، الذي يتكوّن من منشآتٍ سكنية وتجارية في شمال شرق البحرين وتبلغ كلفته 3.2 مليار دولار. ويعتبر المشروع المشترك بين الشركات الفرعية التابعة لمجموعة بريمير ومصرف إسلامي يدعى بيت التمويل الكويتي أكبر موقع إنشاءات مدنية خاصّة في البحرين، وقد يوفّر مساكن لـ 100,000 شخصًا يومًا ما.

ووفقًا لوثيقة تمّ الحصول عليها في تحقيقٍ برلماني عام 2010، كانت شركة "ستون" تملك جزءًا من مساحة الأرض المستخدمة في المشروع.

وفي العام 2007، باشر الشركاء في المشروع المشترك بجمع الأموال عبر السندات الإسلامية أوالصكوك. إذ تستطيع عائدات السندات والمبيعات التي تتم مقدّما، أن تدفع تكاليف الإنشاء في المشروع، استنادًا إلى نشرة اكتتاب الصكوك.

وتكشف نشرة الاكتتاب خيمياء صناعة المال من الرّمال. إذ قُدّرت قيمة الأرض بـ103 مليون دولار من حيث مساهمتها العينية في الشراكة مع مستثمري الصكوك. وقد أمل المستثمرون بيع الأرض لمستثمرين ثانويين بـ 1.3 مليار دولار.

فنادق

وإلى بضعة أميال جهة الغرب، يعد "بحرين باي" أيضًا بتحقيق عائدات مالية جيّدة لـ"مجموعة بريمير". يضم "بحرين باي"، المتاخم للحي التجاري المركزي في العاصمة، منشآت مشهورة كمقر بنك آركابيتا الإسلامي، وفندق فور سيزونز.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2005، سعى مشروع بحرين باي، وهو مشروع تجاري مشترك بين بنك آركابيتا وشركة فرعية تابعة لـ"مجموعة بريمير"، إلى جمع 175.4 مليون دولار من المستثمرين لتحويل هذه الرؤية إلى واقع.

وتظهر سندات الملكية التي اطّلعت عليها فايننشال تايمز أنّ مساحة الأرض التي تمّ بناء بنك آركابيتا وفندق فور سيزونز عليها كانت مملوكة من قبل شركة ستون.

قطعة أرض لـ"مجموعة بريمير"، كانت تمثّل مجددًا، تذكرة دخولها في المشروع المشترك. واستنادًا إلى الوثائق المالية التي اطّلعت عليها فايننشال تايمز، فهذه المرة تمّ توفير مساحة أرض قيمتها 136.4 مليون دولار مقابل 40% من حقوق الملكية في الشركة التي تبني "بحرين باي".

وقد استمر سعي "مجموعة بريمير" إلى كسب عائدات استثمارية كبيرة في العام 2008 عندما بدأت بدفن مرسى السيف، وهو موقع آخر مقترح لمشروع خاص في شمال البحرين، تقدّر قيمته بـ 2.5 مليار دولار.

وقد حصلت "مجموعة بريمير" على حصّتها في المشروع المشترك مع مستثمرين دوليين من خلال المساهمة بالأراضي أيضا.

ووفقًا لوثيقة مالية، عندما قُصِد المستثمرون الدوليون للمساعدة على تمويل مرسى السيف، قيل لهم أن يتوقّعوا إيرادًا بنسبة 85% من الاستثمار خلال ثلاث سنوات.

غير أنّ مرسى السيف اليوم، عقب ست سنوات من البدء بالمشروع، ضحية أزمة الائتمان العالمية واقتصاد البحرين المضطرب. ولا يزال الموقع مساحة قاحلة من الرمال تمتد على ساحل إحدى أفقر القرى في البحرين، حيث يكسو الجرافيتي، الذي يصوّر متظاهرين قتلى ومعتقلين، جدران الأبنية على طول شوارعٍ مليئة بالحفريات.

"مجموعة بريمير" في لندن

دخلت مجموعة بريمير في سوق العقارات في لندن عام 2003 لاستملاك مبنى مكتبي مكوّن من ثمانية طوابق يقع في الجهة المقابلة لمحلات هارودز، وذلك استنادًا إلى سجل الأراضي ووثائق الشركة كما كتبت سينتيا أوموركو.

وفي نهاية العام 2008، ملكت الشركة 21 عقارًا وأربعة فنادق على الأقل في المملكة المتحدة، بما في ذلك فندق فور سيزونز في بارك لين الذي يحوي 219 غرفة نوم، وفندق هنبوري مانور، وهو منتجع ريفي فخم تديره فنادق الماريوت.

فنادق

اضغط هنا لتكبير الصورة

وقد استحوذت على هذه العقارات الاستثمارية البريطانية أكثر من 40 شركة (مؤسسة لغرض خاص*) مُسَجّلة في جيرسي والمملكة المتحدة، وهي شركات كانت تابعة لشركة "ستون" وتملّكتها في نهاية المطاف "مجموعة بريمير". ويعتبر هذا تّرتيبًا نمطيًا للطريقة التي ينظّم بها مستثمرون أجانب مشترياتهم العقارية في بريطانيا من خلال الملاذات الضّريبية في الخارج.

وهناك إشارات على أنّ "مجموعة بريمير" تنظر في الخروج أو على الأقل تقليل ممتلكاتها في بريطانيا. وقد تمّ عرض عدد من العقارات في السّوق في العامين الماضيين.

في العام الماضي، بيعت 3 عقارات منها بـ53 مليون جنيه إسترليني على الأقل، وفقًا لبيانات السّجل العقاري في إنجلترا وويلز.

وبالإضافة إلى مجموعة عقاراتها الاستثمارية في المملكة المتحدة، اشترت شركة "ستون" مبنىً خاصًا من تسعة طوابق في شارع جورج الخامس في باريس، بـ160 مليون دولار في العام 2007. وقد تمّ بيع المبنى بسعر مجهول إلى شركة "برودنشيال ريال استيت إنفستورز" في نهاية شهر يونيو/حزيران هذا العام.

ولم تجب "مجموعة بريمير" على طلب التعليق.

"مجموعة بريمير" في الوطن

تُعتَبَر المعاملات التجارية في "مجموعة بريمير" أسراراً خاصة .

وقال مستثمر سابق انهار مشروعه مع "مجموعة بريمير"، إنه "لم يُذكَر اسم "مجموعة بريمير" بقدر ما ذكر "صاحب السّمو الملكي" أو "الملك" في المفاوضات التّجارية". وأضاف "نعتقد أننا نتعامل حصريًا مع الدّيوان الملكي، و"مجموعة بريمير" كانت ببساطة مؤسسة تمثل الدّيوان الملكي".

وأظهرت سجلات مالية من العام 2005 أنّ "مجموعة بريمير" مملوكة لـ"الدّيوان الملكي"، وهو هيئة لصنع القرار يسيطر عليها الملك حمد آل خليفة. ولا يظهر سجل الشّركات في البحرين المساهمين في "مجموعة بريمير"، مع أن مثل هذه المعلومات تتوفر عادة عن الشّركات الشبيهة.

وقد ورد اسم عبد الله بن إبراهيم الرّميحي، الذي تمّت ترقيته في العام 2010 إلى رئيس للدّيوان الملكي، كمدير لعشرات الشّركات الفرعية التّابعة لـ"مجموعة بريمير" في البحرين، والتي تمتلك شركات في جرسي والمملكة المتحدة. ويعمل السّيد الرّميحي تحت إمرة الشّيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الدّيوان الملكي.

وتشير المعلومات المُتاحة علنًا أنّه بالإضافة إلى العقارات، تستثمر "مجموعة بريمير" في صناديق التحوّط الاستثمارية، وصناديق الأسهم الخاصة، وصناعة السّيارات في المملكة المتحدة.

ولم يستجب كلّ من "مجموعة بريمير"، الدّيوان الملكي، والملك حمد لطلب التعليق.

11 ديسمبر/كانون الأول 2014

النص الأصلي

_________________________________________

* الشركات التي تنشأ لغرض خاص (SPE) هي نوع من الشركات التي تسجّلها الشركات الكبيرة لتستخدم كأداة تجارية لإخفاء ملكية الشركة، وديونها، وعلاقتها بالشركات الأخرى، وعزلها عن أية أخطار مالية. في العادة يكون عمل هذه الشركات إدارة العقار، أو توفير تمويل للمشروع. (توضيح المترجم)... لمزيد من المعلومات أنظر تعريف ويكيبيديا     


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus