بحرين ووتش: بين التصويت والمقاطعة: تقييم النظامين السياسي والانتخابي في البحرين

2014-12-10 - 3:29 م

آلاء الشهابي، بحرين ووتش

ترجمة: مرآة البحرين

أجريت الانتخابات البرلمانية في البحرين نهار السبت المصادف 22 نوفمبر/تشرين الثاني. تنظر منظمة بحرين ووتش إلى أهمية هذه الانتخابات بالنسبة إلى النظام الانتخابي ككل وتقيّم الانتخابات استنادًا إلى المبادئ الأساسية المدونة في كتاب المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) حول المعايير الانتخابية الدولية.

لقد وجدنا انتهاكات خطرة للمعايير الانتخابية الدولية، لا سيّما، غياب مبدأ "صوت واحد لكل شخص"، ووضع قيود على الإشراف، وتقديم حوافز للتصويت مثيرة للشك. ونشير أيضًا إلى أنّه بسبب تمركز السلطة بعيدًا عن الهيئات المنتخبة، أصبحت قدرة الشعب على ممارسة السلطة عبر الاقتراع محدودة للغاية.

 

الانتخابات في ظل نظام سياسي مستبد

"يتعيّن على النظام الانتخابي ثلاث مهام أساسية؛ ترجمة الأصوات إلى المقاعد التي فازت في المجلس التشريعي؛ والعمل كقناة يستطيع الناس من خلالها محاسبة الأعضاء المنتخبين"، (المعايير الانتخابية، IDEA، صفحة 22).

الصراع الديمقراطي في البحرين مبني على فكرة وضع "دستور شعبي". وقد أسّس دستور البحرين عام 1973 برلمانا منتخبا بغرفة واحدة، لكنّه أبطل من قبل الأمير في العام 1975. وفي العام 2002، أعلن الملك دستورًا جديدًا، الذي كان نسخة معدّلة عن المثياق الذي وافق عليه الشعب. وأسس دستور عام 2002 برلمانا من غرفتين: غرفة عليا معيّنة، وغرفة دنيا منتخبة.

تبرز عدد من المخاوف، إجمالًا، حول إطار العمل الذي نشأ عن دستور عام 2002:

  • تمتُّع الملك بسلطة تشريعية، وتنفيذية، وقضائية واسعة. فعلى سبيل المثال، هو الذي يعيّن رئيس الوزراء، والقضاة، وكذلك أعضاء الغرفة العليا من البرلمان البحريني. وبما أنّه يتعيّن على الغرفتين المصادقة على التشريعات، فهذا يعني أنّ التّشريعات، بما في ذلك التعديلات الدستورية، لا تقرّ إلّا إذ صوّت ممثلو الملك لصالحها. وبإمكان الملك أيضًا إعلان الأحكام العرفية، وإقرار أنواع معيّنة من الأنظمة بشكل فردي.

  • غياب حقّ الاقتراع العام المتساوي بسبب التحيّز في توزيع الدوائر الانتخابية. "إحدى المعايير الدولية الواضحة التي لا بد من تأمينها هي ضمان حقّ الاقتراع العام المتساوي لكل مواطن بالغ"، (المعايير الانتخابية، IDEA، صفحة 34). لا وجود لمبدأ "صوت واحد لكل شخص" في البحرين، بما أنّ الدوائر الانتخابية غير متساوية من حيث الحجم. وقد أعلن الملك، مؤخرًا، عن دوائر انتخابية جديدة، غير أنّ هذه الدوائر الجديدة لا تمثّل عددٍ متساوٍ من الناخبين. إذ تحوي إحدى الدوائر (الشمالية 11) على خمس أضعاف عدد الناخبين في دائرة أخرى (الجنوبية 10).

  • الهندسة الديمغرافية الاجتماعية. يُزعم أنّه "تمّ تجنيس الأجانب من أجل منحهم حق الاقتراع ليدلوا بأصواتهم في انتخابات البحرين." ومن الصعب التحقّق من أعداد هؤلاء ولكن يُقدّر أنّهم بلغوا عشرات الآلاف.


الانتخابات في ظل نظام انتخابي معيب

ما يلي بعض المخاوف الجدير ذكرها في ما يخص المعايير الانتخابية الدولية:

  • جهاز إدارة الانتخابات مرتبط بالملك. على أجهزة إدارة العملية الانتخابية "العمل بطريقة تضمن إدارة مستقلة ومحايدة للانتخابات"، (الدليل الانتخابي، IDEA، صفحة 38). إدارة الانتخاب والاستفتاء هي الهيئة المسؤولة عن إجراء الانتخابات في البحرين. يرأسها وزير العدل، الذي يُعيّنه الملك. وقد صرّح المدير التنفيذي للانتخابات أنّ انتخابات البحرين "لا تحتاج إلى أيّ مراقبين دوليين". واستنادًا إلى الجمعية البحرينية للشفافية، تمّ رفض طلبهم لبعث مراقبين دوليين، ولكن تم السّماح لهم بإرسال مراقبين محلّيين. ومن الأمور المتكررة التي شدّدت عليها الجمعية البحرينية للشفافية هو استخدام مراكز اقتراع حاشدة. إذ من التوصيات العامّة أن لا يتخطّى عدد المقترعين 1,500 في كل مركز اقتراع. وتقر اللّجنة الانتخابية البريطانية أن "لا يتجاوز عدد النّاخبين المسجّلين في مركز اقتراع معيّن الـ 2,500". تمّ تحديد 40 مركزًا محلياً للاقتراع، و13 مركزًا عامًا للاقتراع في البحرين. وقد تمّ تخصيص أعداد كبيرة جدًا من الناخبين لمراكز الاقتراع المحلية ، فعلى سبيل المثال، تمّ تخصيص 12,341 ناخبًا للدائرة الشمالية (11)، و10,695 للعاصمة (7). وأمّا بالنسبة إلى مراكز الاقتراع العامّة (مراكز التسوّق والمطار مثلًا)، يمكن لأي ناخب من أي دائرة في البحرين الإدلاء بصوته في أي مركز اقتراع عام، وبالتالي عدم وجود حد أقصى على الإطلاق. وبناءً على النسب التي أعلنت عنها الحكومة، أدلي بـ28% من جميع الأصوات في مراكز اقتراع حاشدة. ولم يتم التّحقّق من هذه النسبة بشكل مستقل. وعلى كل، فاستخدام هذه المراكز الحاشدة يُضفي صعوبة على عملية رصد نسبة المشاركة، إن لم يكن ذلك مستحيلًا، بالنظر أيضا إلى قضية غياب سجلات الناخبين، كما ستوضّح النقطة القادمة.

  • عدم توفر سجلات الناخبين للفحص والتدقيق. "الشفافية تقتضي أن تكون سجلات الناخبين وثائق علنية، يمكن مراقبتها ومتاحة بالمجّان لمن يطلبها للتّحقّق منها" (المعايير الانتخابية، IDEA، صفحة 46). هذه السجلات ليست متاحة للملأ في البحرين، وقد طلبت الجمعية البحرينية للشفافية سجلات الناخبين عدّة مرات، ولكن لم يتم إعطاؤها أي نسخة. وبما أنّه تمّ إرسال دعوات لمواطنين متوفّين، وأشخاص تمّ سحب الجنسية منهم للإدلاء بأصواتهم، فإنّ دقة سجلات الناخبين محل تساؤل، وكذلك إمكانية تعرّضها للتلاعب المتعمّد. وقد صرّحت الجمعية البحرينية للشفافية أنّه تمّ صرف عدد من الناخبين المسجّلين عن مراكز الاقتراع. وفي ظل غياب المراقبة الفعّالة للعملية الانتخابية، تتضاعف المخاوف من النتائج التي تُعلنها الحكومة. على سبيل المثال، ادّعت الحكومة أن عدد الذين بلغوا سن الاقتراع القانوني، أي 20 سنة، وأدلوا بأصواتهم للمرّة الأولى في انتخابات 2014، وصل إلى 49,553، في حين أنّ الإحصاء الرسمي لعدد سكّان البحرين لعام 2010 يفيد أنّ عدد الذين تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة بلغ 59,657.

  • تأثير الدولة على عملية الترشح. "لا يجوز تمييز أي حزب أو مرشّح (خاصّةً الحزب الحاكم) بالدّعم المالي أو غير ذلك من خلال توفير موارد الدّولة أو استخدامها على حساب المرشحين الآخرين، ولا بد أن يكون لكل الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية فرص متساوية للفوز"، (المعايير الانتخابية، IDEA، صفحة 56).

في هذا النطاق، تشير منظمة بحرين ووتش إلى المخاوف التالية:

  • انحياز الإعلام: كان الإعلام الموالي للحكومة ينشر أخبارا مفبركة، بشكل معتاد، من دون تعرّضه للمحاسبة، بما في ذلك أخبارا عن أعضاء في البرلمان. كما أنّ ظهور المعارضة على وسائل الإعلام الرسمية محدود جدًّا.

  • تمويل الحملات الانتخابية: كان يُقال في الماضي إنّ وزراء الحكومة موّلوا المرشحين. ولم يتم التحقّيق فيهذا الادّعاء، لذا قد لا يزال هذا التّدخّل ساريا من دون أي مساءلة.

  • تأييد المرشحين من قبل أفراد من الأسرة الحاكمة: استخدم وزير الخارجية، وهو فرد من الأسرة الحاكمة في البحرين، حسابه على موقع تويتر لإعلان تأييده لبعض المرشحين. وعلى النّقيض من ذلك، تسعى الأسر الحاكمة في بعض الممالك، كالمملكة المتّحدة، إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال الالتزام بالحياد السياسي.

  • تأثير الدولة على النّاخبين. "لا بد أن يكون الناخبون قادرين على الإدلاء بأصواتهم بحرية، ومن دون تدخّل، أو خوف، أو تأثير غير مشروع، أو رشوة، أو تخويف"، (المعايير الانتخابية، IDEA، صفحة 56). ما يثير قلق بحرين ووتش هي الممارسات التالية:

  • اقترحت الحكومة قبل الانتخابات أن تجعل المشاركة في الانتخابات شرطا لأهلية الحصول على الوظائف الحكومية والخدمات، وأصدرت بيانًا اعتُبر أنّه تهديدٌ بحرمان الذين لم يشاركوا في هذه الانتخابات من حقّ التّصويت في المستقبل.

  • أجرت الحكومة استطلاعًا قبل الانتخابات للاطّلاع على نوايا المواطنين بخصوص الانتخابات.

  • استضافت محافظة العاصمة واعظًا دينيًا في مبنى حكومي ادّعى، في خطبته، أنّ المشاركة في الانتخابات تعد واجبًا دينيًا.

  • أدخل الذين شاركوا في الانتخابات في سحب، للفوز بواحد من أجهزة الـ آيفون 6 العشرين. وتشكّل إغراءات كهذه للمشاركة في التّصويت مصدر قلق من كون الانتخابات غير عادلة، لأنّ المشاركة في انتخاباتٍ غير عادلة تشد عضد هؤلاء الذين في السلطة.

  • قمعت الحكومة احتجاجات، واعتقلت أكثر من 60 مواطنًا في الأسبوع السابق للانتخابات، وفقًا لمركز البحرين لحقوق الإنسان. وقد تمّ إلقاء القبض على عدد من المنظمين والأفراد الذين قرّروا تنظيم تصويت بديل عن "حق تقرير المصير" قُبيْل الانتخابات.

  • ظهرت تقارير تفيد بأنّه تمّ استدعاء 15 ضابطًا في قوى الأمن للمثول أمام لجنة خاصّة بسبب عدم قيامهم بالتّصويت. لا يمكن تأكيد هذا الأمر ولكن هذا يزيد القلق من احتمال تكليف عناصر الأمن بالتّصويت.

 

انتخابات غير عادلة وغير حرّة في ظل نظام سياسي معيب

في ظل النظام السياسي في البحرين، حيث تتمتّع الهيئات المنتخبة بسلطة متواضعة، وتعتبر الدوائر الانتخابية غير عادلة، ويُنظر إلى الانتخابات على أنها عرضة للتلاعب؛ إنّ التصويت لصالح أي مرشّحٍ كان يُضفي شرعية على كيان السلطة القائمة. لذلك، كلّما ارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات، ازدادت شرعية النظام أكثر فأكثر. وعلى الرّغم من أنّ الإقبال الكثيف على الانتخابات أمرٌ جديرٌ بالثناء في حال إجراء انتخاباتٍ حرة ونزيهة، إلا أنّ سياسة التحفيز العدوانية التي اتبّعتها الحكومة للحث على التصويت، في هذه الحالة، قائمة على "المصلحة الذاتية"، وليس المصلحة الوطنية.

عندما يكون القرار بالمشاركة في الانتخابات أكثر أهمية بالنسبة لحكومة ما، من الطريقة التي يتم بها التّصويت، من الممكن أن تتحوّل إجراءات الشفافية والنزاهة الأساسية إلى أدوات قمع. فعلى سبيل المثال، تمّ ختم جوازات سفر الناخبين عند إدلائهم بأصواتهم. وفي حين يمكن أن يمنع هذا الأمر التّصويت المزدوج، إلا أنّ الختم يمكن أن يتحوّل إلى علامة على "الوفاء" من الممكن أن يطالب بها ويتحقّق منها أرباب العمل أو الجامعات أو جهات أخرى.

بالإجمال، يبدو أنّ انتخابات البحرين الأخيرة كانت أقرب لأن تكون أداة بيد الحكومة للسيطرة على الشعب، بدلاً من أن تكون وسيلة بيد الشّعب للسيطرة على الحكومة.

التاريخ: 26 نوفمبر/تشرين الثاني

النص الأصلي    

انتخابات

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus