الواشنطن بوست: القواعد و(التهديدات) الانتخابية تقوّي البرلمان الطائفي في البحرين

2014-12-09 - 4:43 ص

جستين غينغلر، الواشنطن بوست

ترجمة: مرآة البحرين

في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، أنهت البحرين انتخاباتها التّشريعية الكاملة الأولى منذ بدء الانتفاضة الشّعبية في المملكة الخليجية في فبراير/شباط 2011. وتركّز الجدل الأساسي قبل وبعد التّصويت حول مسألة مشاركة كتلة الوفاق، الجمعية الشّيعية المعارضة الرئيسية، والتي استقال ممثلوها الـ18 في آن واحد من الغرفة الدنيا ذات المقاعد ال40 في البرلمان في الأيام الأولى من الانتفاضة، احتجاجًا على رد الحكومة القاتل على التظاهرات الجماعية. وبقيت الجماعة في الهامش السياسي منذ ذلك الحين، مُساعدَة على تنظيم حركة احتجاج مستمرة، حتى لو كانت تضعف أكثر فأكثر.

في النّهاية، اختارت الوفاق مواصلة مقاطعتها الانتخابية، إذ لم تؤمّن أي تنازلات سياسية ذات جدوى لتقدّمها لقاعدتها الناخبة التي تشعر بخيبة أمل متزايدة، كتبريرٍ لمشاركتها في برلمان لا يزال على كل حال عاجزًا إلى حدٍّ كبير. مع هذا العزوف عن العودة إلى الوضع الذي كان قائما من قبل بعد ما يقرب أربعة أعوام من النّضال المرير، فإن قرار الوفاق الامتناع عن المشاركة في انتخابات 2014، لم يكن اتخاذه عسيرا إلا بسبب تضافر الضغط الحكومي (وأيضًا الديبلوماسي الغربي)، بما في ذلك التهديد بحلّها نهائيا من خلال القضية التي تزال جارية، والتي رفعها ضدها وزير العدل خالد بن علي آل خليفة.

هذه المقاطعة، التي انضمت إليها ثلاث جمعيات معارضة أخرى، جعلت عائلة آل خليفة الملكية، والتي تحكم البلاد، تتدافع لإضفاء الشرعية على عملية لا يرغب أغلب المواطنين الشّيعة بالمشاركة فيها. وكان موضوع النزاع الأول بعد الانتخابات مسألة نسبة المشاركة في الانتخابات. تزعم الحكومة أن أغلبية كاملة من البحرينيين المُسجلين، أي 51.5 %، شاركوا في الجولة الأولى، فيما تقول الوفاق إنّ حجم المشاركة لم يتعدّ 30%، وتدّعي أن أكثر من "80% من النّاخبين كانوا من العسكريين وموظفي الحكومة في القطاعين الأمني والعام".

وفي خضم هذا السّجال، ضاعت على كلٍ النتائج الفعلية للانتخابات. الجدير بالذكر، على وجه الخصوص، هو أنّ البحرينيين انتخبوا 4 مُرَشّحين فقط من كل الجمعيات السياسية أيا كانت (مع وضع الوفاق جانبا)، أما النّواب الـ 36 الآخرون، فهم ـ"مستقلون" اسميا، ومُقَرّبون من الحكومة بدرجة أو أخرى. وكان الاقتراع بالتّالي كارثيًا بالنّسبة للجمعيات البحرينية السّنية، بما فيها الجمعيات الأكثر بروزًا كالمنبر الإسلامي وجمعية الأصالة، اللتين تمثلان الإسلاميين المرتبطين بالإخوان المسلمين والسّلفيين، بالترتيب. وقد فازت الأولى بمقعد واحد، فيما فازت الثّانية بمقعدين.

وما يثير الدهشة أكثر، هو أن أيًا من المرشّحين العشرة لما يُسمّى بـ"ائتلاف الفاتح"، لم يفز بمقعد. وهذا الائتلاف هو لائحة تُمَثّل الجماعات السّنية الشّعبية التي اكتسبت نفوذًا إثر تحركها الموالي للحكومة في فبراير/شباط 2011، والذي ساهم في إيقاف زخم الانتفاضة. في الواقع، استطاع ثلاثة منهم فقط الوصول إلى الجولة الثّانية. وهكذا، بعد أقل من أربعة أعوام على سحب ما زُعِم أنهم 350 ألف بحرينيًا إلى الشّوارع دعمًا للدّولة، لم تستطع حركات شعبية مثل تجمع الوحدة الوطنية (الذي كان هائلا لمرة واحدة فقط) أن تدفع إلا بالقليل من الأشخاص إلى الانتخاب بلا تردد. الحركة السّنية الشّعبية، التي كانت في الواجهة في عام 2011، وتراجعت منذ ذلك الوقت، فشلت نهائيا في الظهور كلاعب رسمي (في هيئة مؤسسة) في العملية السياسية البحرينية.

السّؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الذي حدث؟

قد يشير الكثيرون إلى استياء واسع النّطاق من الجمعيات السّياسية الموجودة، ونرى في النّتائج رفضًا للسياسة التقليدية القائمة على الطائفية في البحرين، سواء كان من المجموعة السّنية أو الشّيعية. وقد ذُكِرت أدلة على أن عددًا من المُرشّحين، المعروفين بارتباطهم بجمعيات سياسية، خاضوا الانتخابات كمرشحين مستقلين. وبالتأكيد، برز نوع من الإحساس بالعبء وبالإحباط من الجمعيات السّنية الموجودة، حتى مع حشد الفاتح في العام 2011، والذي تجاوز إلى حد كبير هذه الجماعات، كمواضع اهتمام للتنسيق السيّاسي.

ومع ذلك، فإنّ الملاحظة السّابقة _أي ترشح أفراد مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بجمعيات سياسية وخوضهم الانتخابات كمستقلين- لا تنطبق على هذه الانتخابات وحدها. فعلى سبيل المثال، فاز النّائب السّلفي المثير للمشاكل والسّيء السّمعة جاسم السعيدي في ثلاث جولات انتخابية كمرشح "مستقل" اسميا، بينما هو ينتمي في الواقع إلى جمعية الأصالة؛ وكذلك الأمر بالنّسبة للنّائب السّابق عيسى أبو الفتح. ولذلك من غير الواضح ما إذا كانت انتخابات العام 2014 تشكل اختلافًا نوعيًا في هذا المجال. والأهم من ذلك، أنّه على الرّغم من أنّ سبب تشكيل تجمع الوحدة الوطنية كان تقديم بديل أكثر شعبية على وجه التّحديد للجمعيات البحرينية السّنية التقليدية، فإن أداءها الانتخابي الذي يُرثى له يبدو أكثر غرابة.

بالتّالي، وفي حين كان الاستياء التام من امتداد الاضطراب السياسي، قد لعب دورًا بلا شك، فقد ساهمت ثلاثة عوامل أخرى على الأقل في تشكيل برلمان جديد شبه خالٍ من الأحزاب السياسية.

1. مراكز التصويت العامة:

على الرّغم من دعوة المعارضة إلى وضع حد لاستخدام مراكز التصويت "العامة"- وهي مراكز غير مرتبطة جغرافيًا بدائرة محددة، بل تحوي صناديق اقتراع للمحافظات الـ 40 كلها- فقد بلغ انتشارها في انتخابات العام 2014، مستوى مرتفعا بـ13 مركزًا، مقارنة بـ 5 مراكز فقط في العام 2010. الأماكن النائية لهذه المراكز (بما فيها، على سبيل المثال، على الطريق السريع الذي يصل البحرين بالمملكة العربية السّعودية، وفي حلبة سباق الفورمولا 1 وفي قرية جو الساحلية وشبه المهجورة، المجُاورة للمنشآت الامنية)، جعلت من مراقبة التّصويت بشكل فعّال أمرًا مستحيلًا.

ويتهم نشطاء المعارضة الحكومة باستخدام مثل هذه المراكز المعزولة لإخفاء عمليات التلاعب الانتخابية، بما في ذلك نقل رجال الأمن وعناصر الجيش إلى مراكز الاقتراع، وكذلك نقل المُجَنّسين المقيمين في المملكة العربية السعودية، والذين قيل إنهم حصلوا على الجنسية البحرينية مقابل تصويتهم. بالإضافة إلى ذلك، وبما أن كل مركز يحوي صناديق اقتراع للمحافظات الـ 40، هناك احتمال بأن تُوجه الدّولة الأصوات استراتيجيًا نحو المنافسات الانتخابية المثيرة للجدل أو الحسّاسة بشكل خاص.

2. الدوائر الانتخابية الجديدة:

في سبتمبر/أيلول، أي قبل شهرين تحديدًا من موعد الانتخابات، أعلنت البحرين عن إجرائها تغييرات جذرية في الدّوائر الانتخابية. وتهدف هذه التغييرات، وفقًا لوزير العدل، إلى "جعل الدّوائر أكثر تساويًا من حيث الحجم". وبالنّسبة للوفاق، ساهمت هذه الحركة الأحادية الجانب، والتي تعتقد الجمعية بأنها لم تحدث أي تغيير إيجابي أو سلبي في فرصها الانتخابية، في بلورة قرارها النّهائي بالمقاطعة، والذي تمّ الإعلان عنه بعد أيّام. لكن لما لم يكن لإعادة توزيع الدّوائر الانتخابية تأثير جوهري على الوفاق، فإن المبدأ ذاته لم يكن صحيحًا بالنّسبة للجمعيات السّنّية، والتي بدا أنّها الهدف الواضح للتّغييرات.

وقد أعاقت الدّوائر الجديدة بشدّة فرص وصول الإسلاميين السّنة والمرشّحين الشّعبيين، لصالح المستقلين القَبَلِيين. فقد تمّ توسيع الدّوائر بشكل كبير في المناطق الجنوبية التي يهيمن عليها السّنّة لتشمل أحياء جديدة كانت تتبع سابقًا للمحافظة الوسطى، التي تم إلغاؤها، ما أضر ببعض المرشحين الذين يعتمدون على دعم قواعدهم المحلية، وذلك في منطقة الرفاع (التي يهيمن عليها السّنة) وما حولها. بل تم دمج دوائر عدد من النّواب الإسلاميين السّنة، بما فيها دائرة السّعيدي، لفرض المواجهة الانتخابية المباشرة بين المُشرعين السّنة. وأخيرًا، في حين تمّ تجنيب معقل السلفيين والإخوان المسلمين، المُحرّق، من إعادة تقسيم الدّوائر الانتخابية، فقد كانت من جهة أخرى، المحافظة الوحيدة التي لم تحظ بعدد إضافي من المقاعد الانتخابية مع التغييرات.

وكان هدف الدولة الواضح، الذي اعترفت به جماعات موالية تدعم إصلاحات ولي العهد الانتخابية، أن تحافظ على أقلية برلمانية لجمعية الوفاق، في حين تمنع أيضًا صعود كتلة سنية شعبية وغير طائفية بين صفوف تجمع الوحدة الوطنية. وبعد أن أدّت مهمتها في إيقاف زخم تظاهرات المعارضة في العام 2011، فالوطنية السنية ليست ظاهرة تحرص الدّولة البحرينية على رؤيتها تترسّخ في خيال المواطنين، ناهيك عن أن تصبح مؤسساتية في شكل جمعيات سياسية منظمة في الاننتخابات الكاملة الأولى منذ الانتفاضة. عمل السّنّة معًا بشكل مؤقّت لصد محاولة الانقلاب التي يقودها الشيعة هو شيء - بالفعل، عمل يعبر عن الولاء للأسرة الحاكمة- لكن مشاركة السّنّة في معركة متواصلة، لتأمين أغلبية نيابية على حساب المستقلين القَبَليين الموالين للحكومة، على نحو موثوق به، هي أكثر بكثير من مشروع مشبوه لن يؤخذ بتجاهل أو استسلام من قبل الدولة.

3. إقبال الناخبين الناجم عن التهديد:

أخيرًا، ربما كان المساهم الأكبر في المظهر الجديد للبرلمان البحريني هو التّهديدات (غير المبطّنة جدا) من قبل الدّولة للذين قد يمتنعون عن التّصويت بخلاف ذلك. قبل يومين من الجولة الأولى الحاسمة، أعلن مسؤولو الانتخابات أن مجلس الوزراء "يدرس الإجراءات والتدابير الإدارية الواجب اتخاذها ضد الذين يتعمدون عدم المشاركة في الانتخابات". ووفقًا لما نشرته حينها صحيفة غلف ديلي نيوز، القريبة من الحكومة، صرّح المدير التنفيذي للانتخابات رئيس هيئة التشريع والإفتاء عبد الله البوعينين للصحافة "... [أنّ] الخيارات تضمنت منع أولئك الذي لا يشاركون في الانتخابات من الحصول على وظيفة في الحكومة". وكانت إشاعات سابقة، نفاها وزير العدل، أشارت إلى أنه سيتم منع المواطنين الذين لم يشاركوا في الانتخابات الحالية من المشاركة في الانتخابات المستقبلية.

بالنّسبة للبحرينيين أصحاب التوجهات المعارضة، الذين لا يتوقعون فعليا الحصول على وظيفة حكومية على أي حال، فإن تهديدًا مثل هذا لن يكون ذي أثر يُذكر على حساباتهم فيما يتعلق بالتّصويت. لكن القضية تختلف كثيرًا لدى نسبة معتبرة من المجتمع السني، الذين يوالون الحكومة ظاهريا، لكنهم إلى حد كبير غير مهتمين بالسياسة.

على سبيل المثال، أخبرتي إحدى البحرينييات التي تحدثت معها مؤخرًا، أن اسم أختها لم يكن واردًا في كشوف النّاخبين، لكنّها، خوفًا مما قد يحصل في حال عدم مشاركتها، ذهبت إلى مركز الاقتراع وأخذت جواز سفرها للتأكد من حصولها على ختم كدليل على مشاركتها، في حال احتاجت إلى تأمين وظيفة أو أي خدمات عامة أخرى.
لذا، إذا ما حشّد عدد كبير من البحرينيين السّنّة للمشاركة في الانتخابات، والذين ما كانوا سيشاركون لولا ذلك، فمن غير المُرجّح أن يكون هؤلاء الأفراد في درجة أن يميلوا إلى جمعيات سياسية رسمية، فهم مدفوعون للتصويت لا بسبب دعمهم لمرشحين مستقلين أو جماعات، ولكن فقط بسبب التهديد بالعواقب.

وبالتّالي، فمن المنطقي الاعتقاد بأنّ الأصوات التي أدلى بها هذا الكادر من السنّة الذين لا يشاركون في الانتخابات عادة، كانت بشكل متفاوت من نصيب المرشحين المستقلين، تمامًا كما يجد هؤلاء النّاخبون السّنة أنفسهم "مستقلين" من حيث امتناعهم الطبيعي عن المشاركة في الانتخابات. ومثل هؤلاء الأفراد لا يهتمون كثيرًا لمسألة المرشح الذي عليهم اختياره، أو يمتلكون القليل من المعلومات بشأن البرامج الانتخابية، إذ تقتصر نيتهم على المشاركة فقط. باختصار، عندما يتم إرغام شريحة جديدة كاملة من المجتمع السّني على التّصويت، وهي شريحة أصبحت أكثر تأثيرًا بسبب مقاطعة المعارضة، فليس من المستغرب أيضًا أن تكون النّتيجة مختلفة.

بالتّالي، يبقى السّؤال عمّا إذا كانت الجمعيات السّنية ستقبل بهزيمتها الانتخابية بهدوء، أو أنها ستشكو من تكتيكات الحكومة، التي تُحفَظ عادة للاستخدام ضد المعارضة. يشكل الحد من تأثير الوفاق ( وعدم تمكين الجمعيات الشيعية والعلمانية الأصغر بالكامل) سببًا في استخدام الدولة القواعد والحوافز الانتخابية، لكن استخدامها ضد قاعدة الدولة التّاريخية في إطار الدعم التشريعي، يدشّن مرحلة جديدة. لذلك يبدو أن مجرد التورط في جمعية سياسية رسمية يشكل الآن سببًا للاشتباه.

وبشكل أعم، مع مقاطعة الوفاق وغيرها من جماعات المعارضة الرّسمية، ومع التّمثيل البرلماني الرّسمي المحدود للإخوان المسلمين والسلفيين والتهميش الكلي لائتلاف الفاتح، فإن كلّ من الكتل السياسية البحرينية الرّسمية عالقة إلى حد كبير خارج المؤسسات السياسية الرسمية، بشكل مثير السخرية. ومع بقاء الجمعيات السّياسية متفرّجة من الخارج، هل ستواصل البحرين في مسارها السياسي المزدوج والصعب، والذي يتشكّل من السياسة في البرلمان من جهة، ومن جهة أخرى "الحوار الوطني" المدعوم من ولي العهد، إطار المفاوضات بين الحكومة والتجمعات السّياسية المعترف بها، بما فيها الوفاق؟ أم أنّ هذه العملية الأخيرة، العالقة في مأزق على مدى عامين، سيتم التّخلي عنها أخيرا؟

مهما كانت القضية، عندما يكون لدى البرلمان البحريني عدد من النائبات بمثل عدد البرلمانيين المنتمين إلى الجمعيات السياسية الإسلامية، فمن الواضح أن السياسة، كالعادة، ذهبت مع الريح.

1 ديسمبر/كانون الأول 2014
النص الأصلي


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus