ساحة الشرفاء: سيوف المحمود وآياته (3)
2011-10-19 - 7:48 ص
مرآة البحرين (خاص): في الحلقة السابقة رأينا كيف أعلنت سيوف ساحة البسيتين، مساء 7 مارس، استعدادها للبدء بالحرب الطائفية، ومهدوا للاستعانة بقوات الجهاد من السعودية، وكيف حضرت السيوف الطالبانية في هذه الساحة، واللباس الطالباني، وهو حضور غريب علـى المجتمع المتعدد والمتسامح والمتعايش. حدث هذا للمرة الأولى في البحرين. كان سؤالنا الذي ختمنا به: ما الذي جرأ السلفية التكفيرية أن تكشف وجه كراهيتها بهذه العلانية؟ وكيف حدث هذا أمام رجال الأمن وبحضورهم؟ ومن الذي أعطاها الضوء الأخضر؟
■ الدوار السابع
لفهم ذلك، سنعود أيام قليلة للوراء، تحديداً مساء (الخميس 3 مارس). المكان: مدينة حمد (دوار 7)، يسكنه خليط من الموالين والمعارضين من السنة والشيعة والمجنسين الذين مُنحوا الجنسية لأغراض سياسية ممنهجة. الحدث: شجار بين مواطنين استخدمت فيه أسلحة بيضاء وأخشاب، ما تسبب في إصابات نقلت إلى مجمع السلمانية الطبي.
بحسب شهود عيان، الحكاية بدأت عندما خرجت طالبات من مدارس المرحلة الإعدادية صباح ذلك اليوم، في مسيرة منددة بالنظام، وهي مسيرة تأتي ضمن سياق احتجاجي طلابي عام شهدته معظم مدارس البحرين، تزامنا مع حركة الاحتجاجات الكبرى التي عايشتها البحرين.
قبل الدخول في تفاصيل الحادث، من المهم الإشارة إلى أن مسيرات الطلبة في فترة الدوام المدرسي، لم تلق قبولاً لدى الكثير من الجهات والجمعيات السياسية. الجمعيات السبع المعارضة (الوفاق، وعد، المنبر التقدمي، أمل، التجمع القومي، التجمع الوطني، الإخاء) أصدرت بياناً مشتركاً بتاريخ 2 مارس، ناشدت جميع المعلمين وأولياء الأمور المنتمين لشتى التوجهات الفكرية والسياسية «بضرورة إبعاد الاختلافات السياسية عن الجو الأكاديمي الدراسي والتركيز بشكل أهم على تقديم المادة العلمية والتربوية إلى أبنائنا الطلبة في أفضل صورها»، ودعت إلى ضرورة انتظام الجو الدراسي العام في مدارس البحرين وإبعادها عن الجو السياسي الساخن الذي تمر به البلاد. لكن أعدادا كبيرة من الطلبة لم توقفها هذه المناشدة وهذا البيان.
خرجت مسيرة الطالبات إذاً من المدرسة، فكان أن قام بعض الموالين في المنطقة بمهاجمتهن بألفاظ نابية، قبل أن يرموهن بأوساخ وقاذورات، نشب إثرها عراك أولي، ثم قدمت الطالبات بلاغاً لدى مركز الشرطة. مساءً، حدثت مواجهات بين أولياء أمور الطالبات المُعتدى عليهن والمجموعة المعتدية، تطورت إلى صدامات، ثم إصابات، بعد أن أحضرت المجموعة الموالية السيوف والسكاكين والخناجر والعصي واستخدموها في العراك. كانت هذه هي المرة الأولى التي تشهر فيها جماعة سلاحاً في وجه أخرى بسبب اختلاف مذهبي أو سياسي، وهي حالة لم تسبق للبحرين أن عايشتها اجتماعياً بهذا الشكل، رغم اختلاف أطياف الموالاة والمعارضة والمذاهب.
■ فخ الفاتح
هذه الحالة لم تأت من لا شيء، سبقها شحن إعلامي طائفي متواصل، وسيناريوهات منهجتها السلطة لتأليب الشارع السني ضد الحركة الاحتجاجية ذات الغالبية الشيعية. عملت على تصوير الحركة المطلبية على أنها مخطط شيعي لإقصاء السنّة والاستيلاء على الحكم. يجعلنا ذلك نفهم، ما حدث في تلك الليلة، فما أُخذ إليه الشارع السني من شحن ضد شريكه الشيعي كان صاخباً وهستيرياً. وكان الشارع السني بحاجة لأن يمتلك وعياً سياسياً كبيراً كي لا يقع في فخ السلطة التي أرادت أن تحمي نفسها بتثويره ضد شريكه كي لا يتوحدا ضدها.
تجمع الفاتح بقيادة الشيخ عبد اللطيف المحمود، كان مكلفاً بالقيام بهذا الدور إلى جانب الإعلام الرسمي: ضرب الحركة المطلبية بالشارع السني. في التجمع الثاني للفاتح (2 مارس)، أي قبل حادثة مدينة حمد بليلة واحدة، وصف المحمود المحتجين بـ"دعاة الطائفية"، واتهم الحركة الاحتجاجية بأنها تسعى لـ " حدوث المواجهات الدامية مع قوات الأمن لأنها كانت تراهن على وقوع قتلى، وتحرص على تأجيج نار الفتنة"، ثم عاد ليؤكد أنها "تحاول أن تؤجج الفتنة بين طوائف المجتمع" وأن لديها "مخططات لنشر الفوضى في البلاد"، قبل أن يختم كلامه محذراً "فإننا لا نضمن الانفلات الأمني كردة فعل لما يقع على أبنائهم وفلذات أكبادهم". (1)
كان هذا الخطاب كافياً للتحريض على الانفلات الطائفي، بل كان مبرراً له، إن لم يكن مقدمة مقصودة له. فلم يلبث أن صادق الانفلات، على خطاب المحمود في اليوم التالي مباشرة.وتحقق ما كان يشي به به خطابه. هل انتهى الأمر عند هذا الانفلات، أو ما سمي بـ (هوشة) الدوار السابع؟
■ وين الشرطة؟
استمر تجمهر الموالين حتى نهار اليوم التالي (الجمعة 4 مارس)، واستمر حملهم للأخشاب والأسلحة البيضاء، يجوبون الشوارع بحثاً عن (جنس) شيعي ليطردوه أو يهددوه أو يهاجموه. وبدلاً من علم البحرين، كان علم القاعدة يرتفع فوق الأكتاف معلناً عن نفسه بثقة غير مسبوقة ( 2). وهو ما يعود بنا إلى المنتدى السلفي (أنا المسلم) الذي يزخر بأعلام القاعدة في بروفايلات الأعضاء، واللباس الأفغاني في تجمع البسيتين الذي أشرنا له في الحلقة السابقة.
المجنسون، كانوا الأكثر بروزاً في مشاهد العنف في مدينة حمد والتي تواصلت حتى يوم الجمعة (3). مقاطع فيديو تظهر بوضوح لهجات غير بحرينية تسيطر على المشهد وتتحدث مع رجال الأمن المجنسين أيضاً، فالقوم إخوة القوم (4 ). مقطع فيديو يظهر علي حسن عباس في المستشفى، أحد الشباب الذين تم ضربهم في مدينة حمد يروي ما تعرض له: "كنا في الطريق إلى بيتنا في مدينة حمد، رأينا بعض الشباب المضروب ملقى على الأرض، نزلنا من السيارة كي نحمله ونأخذه، هجم علينا عدد من المجنسين السوريين، وقاموا يضربوننا بأخشاب بها مسامير على أرجلنا ورؤوسنا. عدد كبير من أجياب الأمن كانت في المكان، الشرطة لم يمنعوا المعتدين، ولم يأخذوا عنهم الأخشاب، كل ما فعلوه أنهم أبعدونا نحن. كان عدد المجنسين أكثر من 50. استخدم الشرطة غاز مسيل الدموع ضدنا نحن" ( 5).
فيلم آخر على اليوتيوب، يُظهر الاستنكار الشديد الذي تملّك شابين من المذهب السني، وهما يشاهدان الحشد المسلح بالأخشاب والمطارق و(الشياول)، يهاجم كل من يمر عند دوار 7 من الشيعة، دون أي ردع من الأمن الذي كان متواجداً وشاهداً. ويُظهر أحداً يمر بجانبهما ويخبرهما أنه تم قطع يد أحدهم بالسيف (يقصد من الشيعة). ثم يُظهر المسلحين أيضاً وهم يقومون بالهجوم على شباب من الشيعة ثم يُسمَع من يقول: من الدوار ميودينهم، صادوهم، وطقوهم هني. (أي تم اخذهم من عند دوار 7 وإحضارهم لمكان التجمهر لضربهم). الفيديو يُسمعنا تعليقات الشابين المرتجلة والعفوية، وهما غير مصدقين لما يريان بعيونهما. نسمع أحدهما لا يكف عن ترديد عبارات الاستنكار لصديقه : شوف المطرقة اللي طالع فيها.. شوف.. ياه.. يالله خذ .. شوف.. شوف… وين الشرطة؟ شسالفة الحين؟ صبيان يا جماعة.. وين الشرطة شلون هادينهم يعني؟ لا أحد يودهم! لا أحد يكلمهم! فوضى جذي أشكره..الله يعينه اللي بيدش بيتهم..هم بالعمالة هذي العفسة كلها.. يالله خذ.. شلون يهدونهم؟.. داشين من كل مكان.. ولا مفتكرين في الشرطة.. قاعدين يذبحون العالم.. ياه.. والله أبي أفهم الشرطة شله؟.. شتسوي الحين يعني؟.ينطرون لين ما يموت أحد؟ أكثر من جذي شيبون بعد؟.. المفروض خلاص..شوف مطارق شياول وحالة.. " (6 )
■ الإذن بالقتال
حدث كل هذا، في الوقت الذي كانت الحركة الاحتجاجية لا تزال تواصل اعتصامها السلمي عند دوار اللولؤة فقط، وفيما سوى مسيرات طلاب المدارس ، لم يكن هناك تحرك خارج منطقة الدوار إلا إلى أماكن حكومية رسمية. لكن السلطة ورجالاتها، كانت بدأت بالفعل التخطيط لنشر الفوضى، وتحويل المناطق إلى جبهات صراع وساحات حرب. الهدف صرف المحتجين عن هدفهم ومطالبهم وإغراقهم في حموة حرب طائفية. المحمود كان يُرى اليه أنه معتدل وله تاريخ وطني في التسعينيات، لهذا تم اختياره هو بالذات لينفذ المهمة الأكثر خطورة التي كانت بحاجة لوجه لا تسبقه لوثته. كيف؟
لا نزال في يوم الجمعة (4مارس). ويبدو أن الشيخ المحمود لم يكلف نفسه أن يرى المشاهد التي عرضنا بعضها هنا، كي يُميز المُعتدي من المُعتدى عليه، أو لا أقل من أن لا يتسرع في إطلاق الحكم ضد طرف باعتباره رجل دين، خصوصاً أن الأمن قد صرح بأن ما حدث هو (شجار بين مواطنين)، لا شيء آخر.
لكن خطبة المحمود لصلاة الجمعة، وهي الصلاة التي تهدف في قصدها الديني إلى جمع قلوب المسلمين وتوحيدها، لم تستنكر ما حصل من حمل السلاح واستخدامه ضد شركاء الوطن، ولم تُعِبْ أن يتعارك أبناء الوطن، فضلاً عن التقاتل، ولم تحذر الطرفين من مغبة السقوط في شر الفتنة الطائفية، لا، لم تأت خطبة المحمود لتقول هذا الذي من شأنه أن يوقف الفتنة ويقطع دابرها.
لم يستحضر المحمود آيات الوحدة ونبذ الفرقة، ولا أحاديث كل المسلم على المسلم حرام. بل استحضر في خطبته آية القتال: "أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"، مستشهداً أن الرسول أذن للمسلمين بمقاتلة المشركين. إنه الإذن بالقتال، هذا ما حملته صلاة جمعة المحمود. المسلمون هنا حسب المحمود هم أهل السنّة الذين يمثلهم تجمع الفاتح، والمشركون هم المحتجون ذوو الغالبية الشيعية، السنة الذين ظُلموا، والشيعة الذين ظَلموا، والله الذي أذن بالقتال. قتال الشعب للشعب والشارع للشارع والمواطن للمواطن والمسلم للمسلم والبحريني للبحريني.
ثم عرج على ما حدث في مدينة حمد، أوضح أن الأمن تكفل بالأمر حسب زعمه، إلا أن هذا لم يكف المحمود للدعوة بالكف عن العراك، بل للبدء بالقتال. عاد مشجعاً على القتال: "وقد أذن رسول الله (ص) لمن أريد أخذ ماله أن لا يمكنه من ذلك بل ويقاتله حتى لو قتل الصائل، فكيف إذا أراد الصائل قتله أو الاعتداء على جسده، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: قَاتِلْهُ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي. قَالَ: فَأَنْتَ شَهِيدٌ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ. رواه مسلم"، ثم أضاف المحمود: فكيف بمن يراد الاعتداء على روحه أو جسده أو عرضه؟". (7)
■ ميليشيا لكل منطقة
هل اكتفى المحمود بهذا التوجيه المباشر للتقاتل؟ لم يكتف بعد. بل راح يكمل في خطبة صلاة جمعته، وفي بيت الله: "إذا كان هناك من يتعاون على الإثم والعدوان (يعني المعارضة)، فعلى أهل الحق (يعني الموالاة) أن يتعاونوا على البر والتقوى". حسناً، وكيف يكون تعاون أهل البر والتقوى؟ يجيب المحمود "من أجل ذلك أطالب أهل كل منطقة من المناطق التي يمكن أن يأتي إليها أصحاب الفتنة ممن يتعاونون على الإثم والعدوان بأن ينظموا صفوفهم ويحكموا أمرهم للدفاع عن الصغار والكبار والنساء والرجال والدفاع عن الأرواح والأعراض والأموال".
وكيف يكون تنظيم الصفوف وإحكام الأمر للدفاع؟ أليست هي دعوة علنية لحمل السلاح؟ وضد من؟ ضد أبناء الوطن وشركائه؟ وأين الأمن من هذا؟ وهل يعقل أن يكون كل هذا التحريض المفتوح على القتل، هو رد على (شجار) ليلة واحدة في مدينة حمد؟ أليس في ذلك مبالغة مبالغ فيها، تجعلنا نفهم أن فتح جبهات القتال بين أبناء الشعب الواحد كان مقصوداً بذاته، والحادث لم يكن غير وسيلة له؟
مساء الجمعة، سيأتي المحمود إلى المتجمهرين الموالين الذين سيطروا على المكان، وأرعبوا السنة والشيعة، وسيتلو عليهم آية القتال، وسيكرر إذنه بالقتال، ودعوته بتشكيل الميليشيات المسلحة عند مداخل المناطق، وسيطلب من أتباعه أن يقوموا بالتصوير وتوثيق اعتداء أهل الاثم والعدوان (المحتجين) (8)،(9)، (10)، ورغم هذه التوصية، لم نقع على فيديو يوتيوب يكشف حمل المحتجين السيوف ضد إخوتهم السنّة في أي مكان، لم نجد سوى العكس.
هكذا إذاً، وبالعودة لسؤالنا في أول هذه الحلقة، يمكننا أن نفهم ما حدث في تجمع البسيتين 7 مارس، أنه جاء من هنا، أنه أول تطبيق لهذا الإذن بالقتال، الإذن بالتجمهر وحمل السلاح والقتل، المحمود وفّر الغطاء الشرعي لأتباعه للبدء بالقتال الطائفي، وجعله أقرب إلى تكليف جهادي عن الأرواح والأجساد والأعراض والأموال. كيف ستسير الأمور بعد فتح باب الحرب الطائفية بدعوة المحمود ومباركته؟ وكيف سيتطور ذلك وينعكس على المناطق السنية؟ وكيف سيعمل ذلك على تداعيات ساحة (الشرفاء) فيما بعد، في الحلقات القادمة.
هوامش:
- صحيفة الوسط 3 مارس
- علم القاعدة مرفرفاً على أكتاف المسلحين السلفيين في مدينة حمد
- السوريون المجنسون يرفعون الأسلحة في مدينة حمد ويهتفون باللهجة السورية
- الدماء على الأرض ولغات متعددة ليس من بينها البحرينية للمتجمهرين ورجال الأمن
- يوتيوب يروي الهجوم على المواطن علي حسن عباس من قبل مجنسين سوريين
- مواطنان يستنكران حمل السلاح والهجوم على الشيعة بحماية رجال الأمن
- خطبة صلاة الجمعة 4 مارس للشيخ عبد اللطيف المحمود
- المحمود في الدوار السابع مدينة حمد: أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا
- المحمود: هم يريدون الصدام، وينبغي علينا أن نثبت هذا الصدام
- المحمود: كل شباب والقادرين على العمل في كل منطقة يكونون فرقا