ما الذي دار في لقاء الحقوقي نبيل رجب مع رئيس مكتب التظلمات التابع لوزارة الداخلية؟
2014-12-05 - 7:09 م
مرآة البحرين (خاص): ميزة هذا اللقاء أنه جمع بين صفتين حقوقيتين، الأولى تمثل الشعب والثانية معينة من قبل السلطة. الميزة الأهمّ، أن ممثل الشعب، حمل أسئلته الحقوقية لممثل السلطة، حول دور إدارته في رصد قضايا المواطنين مع وزارة الداخلية، ومواجهة الانتهاكات التي يعيشها السجناء على خلفية أحداث سياسية في السجون البحرينية.
الأول هو نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، ومدير مركز الخليج لحقوق الإنسان، ونائب الأمين العام للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان.
والثاني هو نواف المعاودة أمين عام مكتب الأمانة العامة للتظلمات التابع لوزارة الداخلية، وأمين عام مفوضية حقوق السجناء.
صباح يوم الاثنين 1 ديسمبر 2014، حمل الحقوقي نبيل رجب حقيبة أسئلة تفيض بالقضايا الحقوقية المأخوذة على وزارة الداخلية، عاش بعضها بنفسه داخل السجن طيلة سنتين وبعدها، وبعضها رصدها مركز البحرين لحقوق الإنسان الذي يترأسه او بقية المنظمات الحقوقية، ووثّقها، وراح بها إلى مكتب الأمانة العامة للتظلمات التابع لوزارة الداخلية ليبثها كاملة هناك، وليعرف كيف يتم التعامل معها.
إنها القضايا (المستلقية) بين جدران وزارة الداخلية، لكن ليس (الاستلقاء) الذي وصفت به الوزارة رجب ذات مسيرة في المنامة، حين أوقعته طلقات مسيلات دموعها مخنوقاً، ثم علّقت في حسابها الرسمي في تويتر أنها وجدت رجب (مستلقياً) في المنامة فحملته وأنجدته، وقد سجنته لاحقا على ذمة هذه القضية عوضا عن محاكمة المعتدين عليه. القضايا المستلقية بين جدران وزارة الداخلية هي المتروكة بلا فعل حقيقي لإنهائها، رغم كثرة إثارتها حقوقياً، فيما لا يبدو أن أية مراجعة حقيقية تنوي السلطة أن تمارسها لحلّها.
مرآة البحرين التقت نبيل رجب، وحاورته حول ما جرى في هذا اللقاء، وأهم الأسئلة التي حملها معه لمكتب التظلمات وكيف كان الرد عليها.
كيف تم التنسيق للاجتماع؟
رجب: جاء الاجتماع بناء على طلبنا للاستفسار عن بعض المواضيع المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان في البحرين، وعن كيفية التعاون المستقبلي مع هذه المؤسسة الفتية.
وكيف كان اللقاء بشكل عام؟
رجب: على المستوى الشخصي والاجتماعي كان اللقاء إيجابيا، وبداية لنقاش وحوار مطول حول المواضيع المختلفة، لكن على المستوى العملي المباشر لا توجد نتائج ملموسة لهذا الاجتماع، حيث لم نجد حلولاً مرضية تم وضعها لغالبية النقاط والملفات المطروحة.
حادثة التعذيب الجماعي
كانت قضية التعذيب الجماعي التي رصدها رجب بنفسه داخل السجن، وأوصلها إلى الجهات الحقوقية وأثارت الرأي العام المحلي والعالمي، هي أول سؤال يحمله رجب إلى المعاودة. يقول: بدأت اللقاء بالاستفسار عن حادثة التعذيب الجماعي التي رصدتها عندما كنت داخل السجن، وقد كانت جريمة مكتملة الأركان، فهناك متّهمين وضحايا وجرحى ومصابين وشهود، وكنت متفائلاً بأن مرتكبي التعذيب سيتم ملاحقتهم وسجنهم هذه المرة، خصوصاً أني كنت الشاهد الرئيسي إلى جانب شاهدين آخرين، ولم أنقل القضية سماعياً عن شاهد آخر، بل رأيت كل شيء بتفاصيله بعيني".
براءة المعذبين
هل كان تفاؤل رجب في محلّه بخصوص معاقبة المعذبين؟ "في الحقيقة لقد صدمت بدرجة كبيرة، صدمني الأستاذ المعاودة عندما أفاد أن المحكمة الجنائية الكبرى الثانية قد أصدرت حكماً بتاريخ 25 نوفمبر 2014 يقضي بتبرئة رجال الشرطة من التهم الموجهة إليهم، ورغم أنه بحسب المعاودة أن وحدة التحقيق الخاصة في النيابة العامة قامت بتقديم طلب استئناف الحكم وتم تحديد موعد جلسة استئناف الحكم بتاريخ 15 يناير 2015، إلا أني ما أزال مصدوماً، وهو أمر محبط جداً فيما يتعلّق بثقة الشارع في المؤسسة القضائية والنيابة العامة ووحدة التحقيق الخاصة وهي المؤسسة الفتية التي اعتقدنا انها ستحقق العدالة للضحايا، خصوصاً أنها الملجأ الأخير للشعب، ومثل هذه الأحكام تسبب مزيد من الإحباط وعدم الثقة بين المؤسسة والشارع"، يكمل رجب: "عموماً أنا لا أستطيع الجزم فيما يتعلّق بحكم المؤسسة القضائية لأني لا أعرف الحيثيات والطريقة التي رفعت بها النيابة العامة الدعوى وكيف تم تشكيلها وربما يكون ذلك هو السبب كما رصدنا في قضايا شبيهة، ففي بعض القضايا المتعلّقة بالانتهاكات التي مارسها رجال الأمن ضد المواطنين وجدنا أن النيابة العامة ترفعها بطريقة ضعيفة يمكنها ان تبرئ المعذِّب، لكن على كل حال تبرئة القضاء لجريمة مكتملة الأركان لا يترك انطباعاً وشعورا جيداً لدى الضحايا والمتضررين".
ما هو دور مكتب التظلمات تحديداً؟
هذا السؤال وجهه رجب للمعاودة، الذي أوضح بدوره أن المكتب خاص باستقبال الشكاوى والتحقيق فيها. وفيما يخص رفع الدعوات القضائية والمحاسبة أوضح أنها ليست ضمن اختصاص مكتبهم، إنما اختصاص وحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة. وأشار إلى أنه عن طريق النيابة العامة يتم رفع الدعوة الرسمية وتوجيهها، وأفاد بأن هناك تعاوناً مشتركاً بين مكتب التظلمات ووحدة التحقيق الخاصة. أما الأحكام التي يصدرها القضاء والإجراءات القضائية فأوضح أنها ليست من اختصاص عمل مكتب التظلمات التعليق عليها أو التدخل فيها لانها محصنة بالقانون.
وقال المعاودة بأن هناك تقريراً سنوياً يصدره مكتب التظلمات يتضمن الشكاوي التي يتلقاها المكتب والأحداث التي يتم متابعتها.
اكتظاظ السجون
تطرق رجب إلى قضية اكتظاظ سجن جو بالسجناء، ومتى سيتم حل هذه المشكلة خصوصا أنه بات نوع من أنواع التعذيب النفسي، وكان جواب المعاودة، أن الاكتظاظ لا تتحمل مسؤوليته وزارة الداخلية إنما كثرة الأشخاص الذين يواجهون عقوبة السجن، والذين تصدر بحقهم الأحكام القضائية بشكل مستمر، كما أفاد أن وزارة الداخلية في صدد بناء مباني جديده في سجن جو بدلا من المباني القديمة، كما أنه ينظر في موضوع العقوبات البديلة لبعض أصحاب التهم البسيطة.
الفصل الطائفي في السجون
أثار رجب قضية طالما شغلته وأشار إليها أكثر من حديث، وهي قضية الفصل الطائفي والعرقي في السجون، إذ أن السجناء من بحرينين من طائفة واحدة، والشرطة والمسؤولين في السجون جميعهم من جنسيات غير بحرينية أو من الطائفة الأخرى وهذا لا يساهم في تعزيز روح التسامح العرقي بين هؤلاء الناس ولا المذهبي. فكان جواب المعاودة أن الشرطة في السجن يجب أن يكونوا مدربين على التعامل مع النزلاء، وذكر أنه بعد حادثة التعذيب التي رصدها رجب داخل السجن، تم تركيب كاميرات مراقبة، كما أصدر مكتب التظلمات توصيات في تقريره السنوي بعقد دورات تدريبية متخصصة لجميع الموظفين المتخصصين للإلمام بكيفية التعامل مع النزلاء. فيما لم يتطرّق في جوابه إلى موضوع الفصل الطائفي وكون السجناء في قضايا أمنية وسياسية من طائفة واحدة والشرطة من طائفة أخرى أو إحلال بعض البحرينين الشيعة هناك مع الشرطة أو بحرينين سنة عوضا عن الأجانب الذين يشكلون غالبية الشرطة هناك.
مرضى السكلر
أما عن السجناء الذين يعانون من مرض السكلر، فقد أفاد المعاودة بعد سؤال رجب، أن هناك توصية في التقرير السنوي توصي بزيادة عدد الأطباء والممرضين والكادر الإداري في عيادة السجن، إلا أن التنفيد يبقى على الجهات التنفيدية، وأكد أن دور الأمانة العامة للتظلمات لا يتجاوز إعداد التوصيات والتقارير والتنفيد هو من مسئولية الادارات والمؤسسات الاخرى، أما الضغط لتنفيذ هذه التوصيات فهي مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الانسان.
السجناء الطلبة
السجناء الطلبة المحرومين من الدراسة، هي قضية أخرى أثارها رجب، وأوضح أن اكتظاظ الزنازن لا يوفر بيئة تعليمية ودراسية مناسبة، كما أن بعض طلبة التخصصات الصناعية محرومون من ممارسة تعليمهم لأنهم بحاجة للتطبيق في ورش عمل خاصة غير موجودة في السجن، وقد أفاد المعاودة في هذا الجانب بأن مكتب التظلمات أصدر توصية حول هذا الموضوع في تقريره السنوي، لكن لا يستطيع مكتب التظلمات أن يفرض الحلول، إنما التوصية فقط. وأفاد أن مكتب التظلمات خاطب وزارة التربية بخصوص موضوع السجناء الطلبة في التخصص الصناعي، وكان رد الوزارة بأنهم يحتاجون فصول عملية وليس نظرية فقط، وهذا لا يمكن توفيره في السجن، فيما أوضح رجب أن هذا سيحرم قطاع واسع من الطلبة من مواصلة تعليمهم.
العقوبات البديلة
يقول رجب: "تحدثتُ أيضاً عن العقوبات البديلة التي يحرم منها السجناء المرتبطة قضايهم بالأحداث السياسية، وهي عمل مهني أو اجتماعي يقرره قاضي تنفيد العقاب، بعد طلب المتهم المحكوم بثلاث أشهر أو أقل. ويشمل كل أنواع التهم عدا السياسية التي يمارس عليها التمييز في هذا الإطار دون سبب معروف أو مشروع. وأفاد المعاودة بأن ذلك ليس ضمن اختصاص مكتب التظلمات وإنما من اختصاص القضاء الذي هو محصن بالقانون".
يكمل رجب: "والأمر ذاته يتعلّق بموضوع استثناء السجناء السياسين من حافز قضاء ثلاثة أرباع مدة العقوبة نتيجة حسن سيرتهم وسلوكهم أسوة بالسجناء الجنائيين وغيرهم، في حين أفاد المعاودة أن ذلك خارج حدود صلاحيتهم"
أما عن الإعفاءات الدورية والمسماة بالمكرمة الملكية، والتي لا تشمل السجناء السياسيين أيضا، والذي يرى رجب أنه أمر يؤكد التمييز السياسي ضد هذه الفئة من السجناء، وتضارب المصالح بين وزارة الداخلية التي هي جهة إنفاذ القوانين، وطرف في المشكلة السياسية التي بسببها يقبع هؤلاء في السجن في نفس الوقت، فقد كان جواب المعاوة أن هذا الأمر أيضا ليس من دور مكتب التظلمات ودور التظلمات هو ضمان المسائلة القانونية فقط.
القوائم السوداء
تطرق رجب إلى موضوع "استهداف النشطاء السياسين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مطارات دول الخليج، وتوقيفهم عن دخول تلك الدول، خصوصا دولة الكويت والإمارات التي توقف الناس بناء على قوائم أسماء صادرة من البحرين، فيما أجاب المعاودة بأنه هذا الشأن ليس من اختصاص التظلمات، وليس من الاختصاص أن نتحدث عن ما يحصل خارج البحرين". يعلّق رجب: "فهمت من ذلك أنه لا يريد التحدث في هذا السياق، ومن المعروف أن هذا المنع غير القانوني يصدر من البحرين وليس من تلك الدول"
شهادات حسن السيرة والسلوك
أشار رجب أيضا إلى مشكلة "عدم إصدار شهادة حسن سيرة وسلوك من قبل وزارة الداخلية لبعض المواطنين الذين يحصلون على وظائف دون سبب قانوني مما يؤدي لفقدانهم وظائفهم وهؤلاء الناس هم كثيرون والعامل المشترك بينهم أنهم من المعارضة أو الشيعة، قال السيد المعاودة أن هذا ضمن القرارات الإدارية وبإمكان الأشخاص اللجوء إلى المحاكم الإدارية ورفع دعوى إدارية، وهذا ليس من ضمن اختصاص مكتب التظلمات". يعلّق رجب: "وقد تبين لي من خلال ذلك أنه لا يوجد قرار أو إرادة سياسية لحل هذا الملف في الفترة القادمة"
مصادرة سيارات المحتجين
ثم تساءل رجب عن مصير "مئات السيارات التي تمت مصادرتها بشكل غير قانوني من منطقة دوار اللؤلؤة، وبعض المناطق الأخرى عام 2011"، وطلب بوضع حل لهذه المعضلة خصوصا أنه الآن وبعد سنوات ما زال الكثير من أصحاب هذه السيارات يدفعون أقساطها الشهرية، بدوره "نصح المعاودة المتضررين برفع دعاوى قضائية للمحاكم المدنية حول هذا الموضوع" حسبما أفاد رجب. وهذا أيضا جعل رجب يفهم أنه لا يوجد حل قريب أو إرادة لحل هذا الملف.
وقد أكدّ المعاودة لرجب، أن "السجون في البحرين يتم تفتيشها من قبل 6 جهات: المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، مكتب التظلمات بوزارة الداخلية، مفوضية حقوق السجناء، المنظمة الدولية للصليب الأحمر، القضاء، والمفتش العام". فيما يرى رجب أنه رغم هذا التفتيش، فإن الأمور تجري بصورة معاكسة والظروف صارت أسوأ وهذه التوصيات ما زالت حبراً على ورق ولم ترى طريقها للتنفيذ.
وعن تقديم الشكاوى في مكتب التظلمات وكيفية التقديم، قال المعاودة لرجب بأنه "يمكن للسجين أن يقدم شكوى عن طريق ذويه أو أي أحد من الأشخاص، ويقوم بعدها مكتب التظلمات بزيارة السجين للتأكد منه ومن موافقته. أو يستطيع أي شخص أن يقدم شكوى نيابة عن الشخص المجني عليه، لكن يشترط لديه تخويل مكتوب بخط اليد من المجني عليه أو أسرته. كما أفاد المعاودة أن مكتب التظلمات توجد لديه استمارة تقديم شكاوى تتوفر بأربع لغات".
وبم انتهى اللقاء؟
سألنا رجب، فقال: "اتفقنا على التعاون المستقبلي، وعرض السيد المعاودة إمكانية عمل جلسة توعوية حول عمل مكتب التظلمات للنشطاء الحقوقيون لتعليمهم عن آلية عمل المكتب والمهام المناطة له".
وما هو الانطباع العام الذي خرجت به من اللقاء؟
يجيب رجب: إجمالاً، أرى أن الأمانة العامة للتظلمات أعطيت صيت أكبر المهام الموكلة لها او من الدور الذي تستطيع القيام به فعلياً. الصيت الذي أعطي للمؤسسة في الخارج هو أكبر من إمكانيتها الفعلية، فهي لا تستطيع القيام بأكثر من الرصد المحدود وإصدار التوصيات في بعض الامور المحدودة، وليس لها أية صلاحية تنفيذية.
يضيف: الأمر الآخر الذي أتحفظ عليه، هو أنه حتى فيما يتعلّق بالتوصيات الصادرة من الأمانة العامة، فإنها لم تغطي جميع القضايا والانتهاكات المثارة، لم تصدر مثلاً توصية بإعادة السيارات المصادرة للمواطنين، ولا برفع القوائم السوداء المرصودة من قبل وزارة الداخلية في مطارات الدول، كما لم تصدر منها توصية فيما يتعلّق بشهادات حسن السيرة والسلوك من قبل الداخلية، ولم تتحدث حول إخفاقات وزارة الداخلية في محاسبة مرتكبي التعذيب والانتهاكات المستمرة، وغيرها من القضايا العالقة والتي دائما ما يعاني منها المواطنون.
يتساءل رجب: "ماذا يمكن أن نأمل من هذه المؤسسة إذا لم تكن تستطيع القيام بأي عمل؟"، لكنه في الوقت نفسه يؤكد: "سنواصل العلاقة مع هذه المؤسسة بصورة ايجابية وسنعمل على دعمها لتكون أكثر فاعلية، رغم أن هذا اللقاء لم يحل اي معضلة ولم يضع إجابة لأي تساؤل عندي، لكن سنواصل لقاءاتنا معهم ونحث الضحايا على اللجوء لهم، ثم سنصدر تقريراً عن كيفية تعامل هذه المؤسسة مع قضايا المواطنين وتظلماتهم من المؤسسة الأمنية".