أوبن ديموكراسي: مجزرة الحسينية السعودية: الطائفية تعود إلى عشها

2014-11-30 - 7:34 م

علي الجمري، أوبن ديموكراسي

ترجمة: مرآة البحرين

ضربت مدينة الدالوة السعودية مأساة يوم الإثنين 3 نوفمبر/ تشرين الثاني عندما أطلق ثلاثة مجهولين النار على "مجموعة من المواطنين" فقتلوا خمسة منهم وأصابوا تسعة. وعقب اليوم التالي للحادثة قتل شرطيان سعوديان أثناء تبادل إطلاق ناري مع مجموعة من المتهمين الذين قتل منهم اثنان أيضًا. ومنذ ذلك الوقت اعتقل ما لا يقل عن خمسة عشر شخصًا لارتباطهم بالجريمة. يعتبر هذا حادث شؤم ليس بالنسبة للسعودية فقط، بل لكل الشرق الأوسط. يمكن للسعودية فقط أن تواجه الأسباب.

أفادت وكالة الأنباء السعودية في هذا البيان القصير:

الأحساء، 11 محرم 1436، الموافق 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وكالة الأنباء السعودية-- أوضح الناطق الإعلامي بشرطة المنطقة الشرقية أنه عند الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء أمس الاثنين، الوقع في 10 محرم 1436 هجري، وأثناء خروج مجموعة من المواطنين من أحد المواقع بقرية الدالوة بمحافظة الأحساء، بادر ثلاثة أشخاص ملثمين بإطلاق النار باتجاههم من أسلحة رشاشة ومسدسات شخصية، وذلك بعد ترجلهم من سيارة توقفت بالقرب من الموقع، ما نتج عنه مقتل 5 أشخاص وإصابة 9 آخرين، حيث تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج والرعاية الطبية اللازمة.

وقد باشرت شرطة الأحساء بإجراءات الضبط الجنائي للجريمة والتحقيق فيها، ولا يزال الحادث محل المتابعة الأمنية.

ولكن اللافت في هذا البيان الصحفي أن الوكالة لم تذكر أسماء الضحايا ومكان الهجوم. كان الضحايا رجال شيعة وقد قتلوا خارج حسينية، وهي دار عزاء تحيي فيها الطائفة الشيعية، في الأيام العشر الأولى من شهر محرم من كل عام، شهادة الإمام الحسين، الحفيد الأكبر للنبي محمد، الذي قتله الخليفة الطاغية يزيد، ويقيمون له فيها المآتم. وبما أن التقويم القمري الإسلامي أقصر من التقويم الشمسي المسيحي، تختلف تواريخ التقويم القمري خلال الفصول. وعليه، صادفت عاشوراء هذه السنة (العاشر من محرم) يوم الثلاثاء 4 نوفمبر/ تشرين الثاني. تمثل قصة شهادة الحسين محور فلسفة الشيعة.

الأحساء هي أحد المراكز الرئيسية للكثافة الشيعية التي تتمركز في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط. الأقلية الشيعية، وهم حوالى 10% من كثافة السعودية (2-3 مليون شيعي)، لم يقبلوا بالكامل أبدًا أن يكونوا جزءا من السعودية، لا بل إنهم لم يعطوا الخيار لذلك. وبالنتيجة مورست عليهم أعمال القمع وكانت في بعض الأوقات أكثر قوة منها في أوقات أخرى.

وفي شهر أكتوبر، حكم على رجل الدين الشيعي نمر النمر بالإعدام بعدما أدين بتهم "التدخل الأجني" و"عصيان" الحكام. وقد كان الشيخ قياديا في المجتمع في العام 2011 عندما كان الشيعة في طليعة تظاهرات "الربيع العربي" السعودي يخرجون في تظاهرات في مارس/ آذار 2011، وكانت قد الشرطة ردت على الفور وحطمت عزيمة تظاهرهم المستمر. يحمل قرار إعدام النمر الذي ينظر إليه على أنه ذو دوافع سياسية رسالة قاسية لشيعة السعودية، فضلًا عن ذلك لم تقتصر ثورة المنطقة الشرقية على العام 2011 ونمر النمر، بل كان لسبتمبر/ أيلول 2014 موجته الخاصة من التظاهرات كتلك التي نظمت بعد مقتل متظاهر على يد شرطي في الشهر نفسه.

الصلات مع القاعدة

يعيدنا هذا إلى من كانوا الجناة، فالرجال الثلاث المزعومون قد حاربوا في سوريا لصالح القاعدة قبل أن يعودوا إلى بلدهم ويقوموا بهذا الهجوم. أما الدول، فتعتبر المتطوعين الجهاديين الذين سافروا إلى سوريا والعراق كابوسًا: إذ أن المتطرفين يتسلحون ويعودون إلى بلادهم ليقوموا بهجمات عنيفة؛ هكذا سينظر دوليًا إلى الهجوم الذي شن على الحسينية، غير أن الفعل بحد نفسه يحمل رسالتين واضحتين:

الرسالة الأولى تظهر أن عقيدة الشيعة خاطئة وتبطل استقامتها. لا يستهدف هذا التفكير الإسلام الشيعي فحسب، بل إنه التفكير الضمني المجرد من الإنسانية المسؤول عن المجازر التي ترتكب في العراق وسوريا على يد القاعدة وداعش؛ سواء استهدفوا بهجماتهم الشيعة أو المسيحيين أو اليزيديين أو أي أقلية أخرى.

والرسالة الثانية هي أن التطرف الديني لم يعد محتوى في العراق وسوريا اللتين مزقتهما الحرب. كان هجوم الحسينية على نطاق ضيق ومحلي. وعلى الرغم من أنه قد تم اعتقال خمسة عشر شخصًا لحد الآن لارتباطهم بالهجوم، يمكن أن نجزم أن المسلحين لم يشنوا هجومهم على أساس ارتباطهم بمشروع أكبر يتمثل بالهجوم على الشيعة في الدالوة أو الأحساء. يبدو أن هذا الهجوم غير المنسق كان أمرًا جيدًا ولكن في حال تكرره أو نمو الحركة، سيكون الأمر مقلقًا جدًا.

ويعتبر ما اختار الإعلام في السعودية ألا ينشره عاملا مربكا آخر ولكن ذو أهمية، فمن خلال عدم ذكر حقيقة من قتل ومكان قتلهم وسبب استهدافهم، يفشل الإعلام السعودي في انتقاد الإيديولوجية الضمنية التي دفعت القاتلين.

امتنع الإعلام عن ذكر طائفة المقتولين الشيعة وعن المناسبة الدينية التي كانوا يشاركون بها. تعتبر حقيقة مقتل سبعة أشخاص مأساوية، ولكن أن يكون خمسة منهم شيعة وأن تكون مناسبة دينية هي موقع الهجوم، فهذا يدل على رسالة واضحة من المهاجمين. ماذا نقول عن السعودية إذًا، هل نقول إن إعلامهم لا يستطيع أن يعلن عن معتقدات جميع ضحايا المجزرة؟

وهل عدم ذكر طائفتهم يعني أن كونهم شيعة هو أمر مخزٍ أو هو أمر يجب إخفاؤه، هذا غير مقبول. قد يكون هذا الخطاب الرسمي الأكثر اعتدالًا في هذا العالم الطائفي، ولكن هذا الغموض سمح للتعابير الطائفية وشجعها؛ ما سيؤدي بالنهاية إلى ازدهار التطرف.

يسمح في المملكة العربية السعودية بقدر من المشاعر المعادية للشيعة، ما سمح بتفاقم الوضع ليصل ربما إلى قتال. وفي هذا الصدد، لا يمكننا فصل طائفية النظام السعودي الغامضة عن طائفية الإيديولوجية المتطرفة لتنظيم القاعدة وداعش، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار كيف أنتجت المملكة العربية السعودية في السابق وكيف تنتج الآن عددًا من الجهاديين المتشددين الشبان. وفي مثال آخر على قابلية هذا الخطاب،ي هو المبالغ التي يدفعها مواطنون سعوديون (ومواطنون من دول خليجية أخرى) مسؤولون بشكل مباشر عن تمويل تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية السلفية الأخرى بشكل كبير.

يعكس ما حدث يوم الأربعاء في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني حالة واضحة وغير معلنة لردود فعل النظام السعودي المتضاربة للإيديولوجية الضمنية للمسلحين: فقد استقال وزير الثقافة محيي الدين خوجة من منصبه بعد أن حظر قناة وصال الفضائية، التي تحظى بسمعة سيئة بسبب برامجها ورسائلها المناهضة للشيعة. وليس من المعروف ما إذا كان إعفاء خوجة من منصبة مرتبط  بآخر عملٍ بارز له كوزير، فالأمور كلها تثير أسئلة محيرة حول موقف السعودية من التطرف. فمن جهة، أعلن وزير الداخلية السعودي الأمر "كعمل إرهابي" ومن جهة أخرى، قد يفسر البعض توقيت إعفاء خوجة من منصبه كمصادقة على الرسائل الطائفية التي تبثها قناة وصال التي يستمع إليها رجال قد يأخذون على عاتقهم السفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى المجموعات الجهادية.

خطاب عابر للحدود

الطائفية تتجاوز الحدود، فعندما اندلعت الاحتجاجات في البحرين في العام 2011، لم ينتظر النظام السعودي طويلًا ليتدخل. وفي منتصف شهر مارس/آذار أي بعد شهر من اندلاع الاحتجاجات، أعلنت حالة طوارئ ودخلت قوات درع الجزيرة إلى البحرين للمساعدة في قمع التظاهرات. تتألف هذه القوة من تحالف جيوش دول مجلس التعاون لدول الخليج الستة ولكن القوة التي دخلت البحرين كانت تضم فقط وحدات سعودية. أما القصة الرسمية المقبولة هي أن الجيش خدم فقط في "الحماية والحفاظ على مواقع حيوية"، ولكن دوره لم يكن واضحًا البتة، فقد زعم بعض البحرينيين أن مشاركة الجيش السعودي تعدت أمر الحماية بكثير.

خلال حالة الطوارئ، هدمت قوات الأمن البحرينية 53 مسجدًا شيعيًا وحسيية ومقامًا. كان الشيعة هدفا للترويع. وتبقى هذه المشاكل معلقة. وكما هي الحال في السعودية، فإن الطائفية هي تهديد واضح في البحرين. وفي الواقع، يعتبر تركي البنعلي (29 عامًا، بحريني) إمام من أئمة الدولة الإسلامية الرائدين والذي انضم إليه بحرينيون آخرون. لا يمكن أن تتناول العقيدة الإسلامية، مع مفهومها العابر للحدود للأخوة، على أساس دولة بدولة، فالأفكار والمواقف الفلسفية عالمية، وما يحدث في السعودية يؤثر على ما يحدث في البحرين والعكس صحيح.

إن الهجوم الإرهابي في السعودية هو الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب في سوريا والتقدم السريع والهائل لداعش ولكنه قد لا يكون الأخير. فالسعودية كان لها الفرصة في اتخاذ موقف قيادي ضد إيديولوجية التطرف ولكن هذا لا يمكن أن يكون من خلال رد أمني، فما يحتاجه الأمر بشكل أساسي هو رد إيديولوجي. هذه مهمة صعبة وأساسية بالنسبة لقواعد المملكة منذ الوهابية، التي تعتبر ركنا أساسيا من الهوية الوطنية السعودية وقانونها وهي أيضًا قاعدة الميليشيا الجهادية الأكثر تطرفًا. ولكن في حال استطاعت السعودية المحافظة على تحول مسارها المسيطر بعيدًا عن هذه الإيديولوجية، حتى لو قليلًا، قد تضطر إلى قطع شوط طويل لمكافحة إيديولوجية القاعدة السامة والدولة الإسلامية.

 

15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014    

النص الأصلي 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus