إميل نخلة: انتخابات البحرين المزيّفة تتجاهل دعوات الإصلاح

2014-11-26 - 6:27 ص

إميل نخلة، موقع لوب لوغ
ترجمة: مرآة البحرين

لا تُنبئ الانتخابات الوطنية في البحرين المقررة يوم السبت بأي تغيّر في موقف نظام آل خليفة المعادي للشيعة ولا تُعد إلّا ممارسة أخرى عقيمة من ديمقراطيته المزيّفة. التيار الرئيسي في المعارضة، جمعية الوفاق الشيعية، قرّرت مقاطعة الانتخابات بسبب ما اعتبر تحيّزا في إعادة توزيع الدّوائر الانتخابية مؤخّرا.

يرى معظم المراقبين أنّ الانتخابات ليست إلّا حيلة "علاقات عامّة" أخرى من حيل الأقلية السنّيّة الحاكمة لإقناع العالم، لا سيّما دول الغرب، بأنّ كل الأمور على ما يرام في المملكة الصغيرة. فالنّظام يراهن، ولعلّه محقًّ في ذلك، على عدم انتقاد الغرب لألعوبة السياسة الانتخابية السّطحية التي يمارسها وذلك بسبب انضمام البحرين إلى الائتلاف ضد داعش الذي تقوده الولايات المتّحدة وتأثير السعودية على العملية.

القمع الطّائفي الذي يمارسه النّظام على الأكثرية الشيعية متجذّر في الأيديولوجيا السنّيّة المتطرّفة نفسها التي يعتمدها تنظيم الدّولة الإسلامية (أو داعش). وفي الواقع، أصبح الخطاب السّنّي المتطرّف جائزًا في البحرين بحجّة محاربة المعارضة الشيعية وإيران.

إذ يتمتّع تنظيم داعش بدعم ذي أهمية في البحرين في أوساط بعض الجماعات السنّيّة الموالية للنّظام. ويعتبر دعم أيديولوجي كهذا، يسود على جماعات سنّيّة معيّنة في السّعودية ودول أخرى تابعة لمجلس التّعاون الخليجي، محركا رئيسيا لداعش في العراق وسورية. ويفسّر هذا الأمر لماذا الكثير من مجاهدي داعش يأتون من الدول الخليجية التي تحكمها عائلات.

ترويج آل خليفة للأيديولوجيا السنّيّة المتطرّفة في الدّاخل مع محاربتهم، صراحةً، لتنظيم داعش في الشام، شيءٌ من مكر النّظام لتبرير قمعه المتواصل لحقوق الشيعة وسياسة غض الطّرف عن الأوضاع المعيشية الصّعبة في البلدات والقرى الشيعية. سترة، الجزيرة الشيعية الصغيرة التي تقع في جنوب العاصمة المنامة، هي في الحقيقة عالمٌ آخر كلّيًّا عن معاقل الخليفيين المبهرجة في مناطق أخرى من البلاد.

قد يكون إذكاء الطائفية استراتيجية ناجحة على المدى القصير، ولكنها بالتأكيد رهان خاسر على المدى البعيد. فمن السفاهة أن يعتقد النظام البحريني أنّ الدّعم الغربي، المبني اليوم على الحرب ضد داعش، سيكون كافيًا لحمايتهم من الغضب الشعبي في حال اندلاع انتفاضة شيعية شديدة.

الوفاق والانتخابات

على النظام، وصانعي السياسة الأمريكية بخصوص هذا الأمر تحديدًا، أن يأخذوا موضوع مقاطعة الوفاق للانتخابات النيابية على محمل الجد. فالوفاق، كجمعية معارضة أساسية في البحرين، كانت على استعداد للتعاون مع نظام آل خليفة السني ما دام سيطبّق إصلاحات حقيقية.

ووفقًا للوفاق، إن الإصلاحت ذات المغزى تشمل انتخابات حرّة، وإعادة تفعيل نص دستور عام 1973، ومحاسبة الحكومة (لا سيّما على مستوى رئاسة الوزراء)، ووضع حد للتمييز على المستوى الاقتصادي والسياسي وعلى مستوى التوظيف، خاصّةً في قوى الأمن والدفاع، ووقف الاعتقالات والمحاكمات والإدانات غير القانونية.

وفي الحقيقة، فقد دعمت الوفاق مبادرة الإصلاح للأمير حمد آنذاك في 2001-2002 وأيّدت ميثاق العمل الوطني المزعوم، معتقدةً أن الملك سيلتزم بإصلاحات حقيقية. وقد عاد عدد من الشّخصيّات من المنفى للمشاركة في تلك المبادرة الجديدة.

ولكن للأسف، كان "الإصلاح" الوحيد الذي نتج عن مبادرة حمد تغيير اسم دولة البحرين إلى "مملكة البحرين"، وتحويل لقبه من "أمير" إلى "ملك". وقد قد أوقفت مبادرة الإصلاح بسبب معارضة رئيس الحكومة خليفة و"الخوالد" في ديوان الأمير، وفرعي الدفاع والقضاء في الحكومة.

إسقاط سحب الجنسية من المواطنين الشيعة العملية غير الدستورية التي يمارسها النظام البحريني، أصبح مطلب إصلاح رئيسي عند الوفاق، فعلى الرغم من النهي الدستوري، قام النظام البحريني بتجريد 40 مواطنًا من الجنسية في السنتين الماضيتين- منذ 31 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 - وتسعة آخرين في أغسطس/آب 2014.

تنص المادّة 17 من الدستور البحريني على أنّه "يحرم إسقاط الجنسية على من يتمتع بها إلا في حالة الخيانة العظمى. ويحظر إبعاد المواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها". وتنص المادّة 18 على أنّ النّاس "سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة".

الوفاق أكثر الجمعيّات السياسية المعارضة تمثيلًا وأبرزها وأكثرها برغماتية. لقد استقالت كتلتها المكونة من 18 نائباً احتجاجًا على التدابير الصارمة التي اتّخذتها الأسرة الحاكمة ضد المعارضة، خاصّةً ضد المجتمع الشيعي.

وتعتقد الوفاق أنّ النظام سيستخدم نتائج الانتخابات المشوّهة لتبرير انتهكاته الهائلة لحقوق الإنسان واستمرار حملة التّضييق والاعتقال والاحتجاز غير القانوني. لذلك، قرّرت الوفاق وجمعيّات معارضة أخرى- من بينها وعد والتّجمع والإخاء- مقاطعة الانتخابات، رافضين بذلك المشاركة في ما يسميه البعض مهزلة سياسية وديمقراطية مزيّفة.

وقد صرّح رئيس شورى الوفاق جميل كاظم قائلاً إنّ الانتخابات "لا تمثّل إرادة الشعب ولن تحقق الأمن في البلاد". بينما دعا النائب السابق في كتلة الوفاق مطر مطر، الذي يقيم حاليًّا في مدينة واشنطن، الحكومة إلى تأجيل الانتخابات "حتّى يتم الاتّفاق على خارطة طريق وطنية".

وحثّت المعارضة أيضًا الملك حمد على "السعي إلى تحقيق توافق وطني لحلّ القضايا الوطنية الخطيرة التي اجتاحت البلاد منذ 2011 قبل إجراء الانتخابات".

يملك تيار المعارضة الرئيسي في البلاد بعض الرموز الذين يمكن أن يتعاون معهم النظام إن كان مهتمًّا حقًّا في أن يكون أكثر شمولية. من بين هؤلاء علي سلمان، أمين عام الوفاق، وجميل كاظم، وعبد الجليل خليل، وخليل المرزوق، ومطر إبراهيم مطر، وجاسم حسين، ومنصور الجمري، ونبيل رجب، ولميس ضيف، ومريم الخواجة، وعلي العكري، وآخرين.

وقد قام النّظام بكل ما في وسعه، كخطوةٍ دفاعيةٍ، لتسويق الانتخابات مرتكزا على ما سمي بإطار عمل "الأرضية المشتركة" الذي جاء به ولي العهد. بالإضافة إلى "الدّوائر الانتخابية"، شملت النّقاط الأربع الأخرى في إطار العمل هذا "السلطة التشريعية"، و"تشكيل الحكومة"، و"الإصلاح القضائي"، و"الأمن".

هل من طريق للتقدّم؟

يواصل النّظام طريقه لإجراء الانتخابات متجاهلًا مطالب المعارضة الواقعية. وألقت منظمتا هيومن رايتس ووتش وهيومن رايتس فيرست مرارًا وتكرارًا الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة التي يرتكبها النظام ضد مدنيّين أبرياء وناشطين سياسيّين.

غير أنّ حكومة البحرين شنّت حملة علاقات عامة شرسة تهدف إلى صرف حكومات الغرب عن إثارة قضايا حقوق الإنسان في البلاد. فاستعان نظام آل خليفة بجيش من أكاديميّين، ودبلوماسيين سابقين، وضباط عسكريين متقاعدين، ومدراء تنفيذيين، وفرق بحث، وبعض الشخصيات الإعلامية المؤثرة ليعملوا كمستشارين غير رسميين من أجل القيام بـ "التّأثير" على صانعي السياسة في العواصم الغربية بالنيابة عن النظام البحريني.

ما نشهده اليوم هو رفض الأقلية السنّية الحاكمة لإشراك الأكثرية الشيعية في العملية السياسية على أساس الإنصاف والعدالة. إذا رأت الولايات المتّحدة الأمريكية أنّ استمرار التوترات في البحرين ومنطقة الخليج يضر بمصالحها الإقليمية الاستراتيجية، فلا يمكنها أن تتغاضى عن هذه الانتهاكات واحتمال تقشّي التطرف في البحرين.

وبسبب رفض آل خليفة معالجة مخاوف الغالبية الشيعية في البلاد، لن تدفع انتخابات يوم السبت عملية المصالحة إلى الأمام. وقد تكون واشطن تأمل توطيد علاقاتها مع إيران من خلال التوصّل إلى اتّفاق حول الملف النووي، ولكنّ ارتفاع احتمال انتشار الطّائفية البغيضة في البحرين قد يهدد مساعيها لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

 

21 نوفمبر/تشرين الثاني 2014
النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus