يوم الانتخابات يبدأ بتصريح متغضّن لوزير الديوان، وينتهي بآخر للملك... ووكالات الأنباء تتناقل تصريح الشيخ علي سلمان فقط!
2014-11-23 - 4:31 ص
مرآة البحرين (خاص): السخط والتورط والغيظ والخوف من الفضيحة، كلها مشاعر كانت بادية على ألسن المسئولين في البحرين، منذ الصباح الباكر ليوم الانتخابات، الذي لا يمكن إلا أن يمثّل اقتراعا آخر على شرعية النظام الحاكم.
استمات النظام بكل الأساليب، الترغيب والترهيب والتضليل، في الضغط على الناس للمشاركة. استماتة غير مسبوقة أبدا: وثيقة أعيان، تهديدات، شتائم، فبركات، جوائز، رسائل إلى البيوت، وأخرى على الهواتف، وما كل ما يتمنى المرء يدركه!
اليوم باكرا جدا، وبعد أن نفدت كل الوسائل المتاحة، بدأت التصريحات الحادة جدا تنهال من وكالة الأنباء الرسمية، افتتحها تصريح لوزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، الذي يعتبر الخصم السياسي الأبرز للمعارضة في البحرين، ومهندس المشاريع القمعية منذ العام 2000، بسلطاته الواسعة التي يستمدها من الملك مباشرة، ومن أخيه القائد العام للجيش المشير خليفة بن أحمد.
وزير الديوان، الذي تحوّل مؤخّرا من محاور للمعارضة من خلف الستار، إلى المحاور الرسمي المفوّض، لم يكن ممتعضا فحسب، بل ضمّن بيانه الرسمي عبارات ساخطة جدا، وراح يجر عبارات القدح بشكل علني وغير مسبوق للمعارضة وجماهيرها، متّهما إياهم من جديد بالنزول على فتاوى دينية من الخارج، في موقف المقاطعة الذي اتّخذوه، وضاربا بيتا من الشعر كدليل على ذلك، في تهكّم فاقع لا يدل سوى على أنه نام البارحة مضطربا!
ومن بعد وزير البلاط، راح المسئولون الآخرون يعضّدون تصريحاته، فجاء ابن عمه نائب رئيس الوزراء خالد بن عبد الله ليقول علنا بأن المعارضة لا تريد خيراً للوطن، متمنيا أن تصبح "في عزلة اجتماعية ورقماً خاسراً في المعادلة"!
وزير العدل خالد بن علي لم يكن قد توقف عن التصريح طوال فترة الانتخابات منذ شهرين، لكنه شدد لهجته خلال الأيام الماضية في الإعلام وعلى حسابه في تويتر. آخر ما قاله وزير العدل خلال مشاركته في التصويت اليوم إن "المقاطعة لا تهمه" لأنه "معني بالمشاركة فقط"، وقد يلزمنا متخصص سيكولوجي وسيميائي لفهم الفرق بين الاثنين!
غيظ "الخوالد" انتهى عند هذا الحد، لكن الشاب رقم 1 في العائلة الحاكمة، ناصر بن حمد، لم يشأ أيضا أن يمر هذا اليوم دون أن يدلي هو أيضا بدلوه، هو وشقيقه خالد بالطبع.
وزير الداخلية يدلي بصوته في الانتخابات اليوم |
أما وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة، وباعتبار خصوصية منصبه، فاكتفى بتهديد "من يعرقل الانتخابات" بأنه سينال عقابه، مطمئنا من يخشى على نسبة المشاركة أن موظفيه وعوائلهم جميعا شاركوا في الانتخابات.
تصريح وكيل وزارة الداخلية لشئون الجنسية والجوازات راشد بن خليفة، كان "توقّعا" لكنّه "توقّع قاطع". الوكيل توقّع أن تكون نسبة المشاركة بين 60 إلى 70%، وقال بناء على ذلك إن مقاطعة المعارضة خسارة لها، رغم أنه لا يبدو أن مع هذه النسبة ستكون هناك "مقاطعة" من الأساس!
المستشار الإعلامي للملك، مالك صحيفة الأيام، ووزير الإعلام الأسبق، نبيل الحمر، والذي لم يكف عن كيل الشتائم والسباب لجماهير المعارضة ورموزها عبر حسابه في تويتر، لم يفته اليوم أن يعبر عن "حزنه" وهو يرى "بعض من يتخلى عن واجبه تجاه مستقبل البحرين"، وعلى خطى وزير الديوان قال الحمر إن "المسلوبة إرادتهم بفتاوى المقاطعة الخارجية نقول لهم لقد انتصرت إرادة شعب البحرين .. من قاطع فهو الخاسر .. خسر حقة وواجبه وخسر إرادته".
أما المدير التنفيذي للانتخابات المستشار عبدالله البوعينين فجاء تصريحه هو أيضا ضمن التصريحات التي لا يمكن إلا أن توصف بـ"الخنفشارية"، إذ قال إن "الدعوات لتصفير الصناديق لها دلالات كبيرة، ويمكن قراءتها بين السطور"، في حين أنه جزم يوم أمس، ضمن تصريحاته التي لا تنتهي، بأن "مقاطعة المعارضة للانتخابات لن تؤثر على سيرها" متوقعا إقبالا كبيرا.
لكن البوعينين زعم أيضا أن إعلان النتائج "سيتطرق إلى الدوائر التي لم يتم التصويت فيها إن وجدت"، ولا نتمنى للبوعينين أن يجد دوائر دون أصوات بالطبع، لكننا نتمنى أن يعلن عن جميع نسب المشاركة، بكل مصداقية، حتى تلك التي لن تزيد في أبعد تقدير عن 10%، كما حصل في الانتخابات التكميلية 2011.
وامتدت التصريحات لتشمل سفراء الدول العربية والأجنبية في البحرين، فخرج علينا تصريح من السفير الكويتي في البحرين عزام الصباح، الذي انضم إلى السباق وقال مبكرا إن معدلات المشاركة في هذه الانتخابات غير مسبوقة، ويبدو أن لدى آل صباح معلومات أسبق من الحكومة البحرينية في هذا الصدد.
وصدر بالطبع تصريح عن السفير البريطاني إيان ليندزي، أبرز السفراء الغربيين تأييدا للنظام البحريني، والذي تفاخر بأنه زار المراكز الانتخابية بمعية نظرائه الإيطالي، والفرنسي والأمريكي. ليندزي قال، بالنيابة عن جمييييع السفراء في المملكة إنهم جميعا "يدعمون الانتخابات البحرينية"(رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصدر أي تصريح بهذا الشأن إطلاقا)، وبعد مهاجمته بشدة من قبل قوى المعارضة ظهر اليوم، رد ليندزي بالقول إن "من يرى مقاطعة الانتخابات في هذه المنطقة فهو مجنون".
وبشكل غريب غابت عن التصريحات اليوم، وزير الإعلام، سميرة رجب، بعد أن كانت قد أدلت بتصريحات مثيرة وشاذة عن السياق لوكالة الأنباء الفرنسية يوم أمس، قالت فيها، إن الحكومة البحرينية تبقى منفتحة على الحوار مع المعارضة الشيعية، وإنه "لن يقفل باب الحوار حتى وصولنا إلى توافقات". الوزيرة التي عرفت بتصريحاتها المتشددة جدا من المعارضة قالت هذه المرة إنها "تمنت أن تكون الوفاق جزءاً من هذه العملية السياسية" وأن "الوفاق تستطيع أن تبقى معارضة قوية وجيدة وديموقراطية"، ونتمنى أن لا يكون هذا التصريح سبب غيابها عن المشهد اليوم، فوزير الديوان الملكي لا يبدو راضيا عن هذا التخبّط!
غاب عن التصريحات، والحضور الإعلامي أيضا، ولي العهد، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ونرجو من الله أن لا يكون هو أيضا اتخذ موقف المقاطعة بعد كل ما فعل ليرسم خطة هذه الانتخابات، حينما أحس أنه فشل فيها، كما نأمل من الله أن لا يكون غيابه هذا مؤشرا على إحباطه الكبير في حد ذاته، رغم أن ذلك لن يسدد بالطبع ديونه الكثيرة بعد مواقف الغدر التي لا تحصى له.
تصريحات اليوم، توّجت ربما بحضور الملك شخصيا في مركز اقتراع جامعة البحرين، القريب من قصر الصخير، لحضور ما وصف بـ"مهرجان" أقيم هناك احتفالا بالانتخابات، رغم أن أحدا لم يسمع به. الملك حمد قال بدوره إنه يشكر "الموقف الوطني المشرف" للمشاركين و"تلبيتهم نداء الواجب والمشاركة بكل حماس في هذه الانتخابات"، وبالطبع لم يفت الملك أن يقول: أيها الإخوة إنه "ليوم سعيد"!!!
في زحمة هذه التصريحات الكثيرة والمثيرة، والتي أثبتت قبل إعلان النتائج أن المقاطعة ستكون كاسحة محرجة، وأنها لن تكون سوى وصمة عار في تاريخ النظام وإسقاطا رسميا لشرعيته. ضمن هذا الزحام خرجت وكالات الأنباء الدولية ومواقع الأخبار والصحف ووسائل الإعلام حول العالم، مركزة على تصريح واحد: تصريح الرجل الذي قال إن الاستبداد يجب أن ينتهي!
هامش:
1- تغضَّنَ يتغضَّن ، تَغَضُّنًا ، فهو مُتَغَضِّن
تَغَضَّنَ الْوَجْهُ : تَكَشَّرَ ، تَجَعَّدَ
تَغَضَّنَ الشيءُ : تثنَّى وتكسر