ساحة الشرفاء: صليل سيوف الكرهية (2)
2011-10-13 - 9:44 ص
مرآة البحرين (خاص): هل كان اقتحام الفتاة لاعتصام المتجمهرين عند مرفأ البحرين المالي مصادفة أم أنه حدث مُدبّر؟ هل هو تصرّف شخصي أم مفتعل؟ كيف نفسَّر انتشار بيانات الفتاة كاملة مع عنوانها ورقم هاتفها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد أقل من 30 دقيقة من وقوع الحدث؟ من الذي قام بنشر البيانات كاملة بهذه السرعة؟ ومن يملكها غير وزارة الداخلية؟ وما الهدف من وراء ذلك النشر؟ لا يمكن الجزم بالإجابة على أي من الأسئلة السابقة لأنها متعددة الأوجه، لكن الحدث الذي ينتظرنا في هذه الحلقة، يكشف لنا عن بعض هذه الأوجه.
تناولنا في الحلقة السابقة، رد فعل المعتصمين المباشر والفوري، على شتم الفتاة ودهسها لاثنين من المنظمين. كان رد الفعل باقة من الورد، واتصال هاتفي لتأكيد إبقاء الأخوة ودرء الفتنة الطائفية. بالمقابل تساءلنا عما ينتظرنا في الطرف الآخر.
■ فزعة الطائفة
خلال ساعة واحدة من الحدث الذي وقع بين الساعة الخامسة والنصف والسادسة مساء، كانت الرسائل الهاتفية والالكترونية تنادي بـ(فزعة أهل السنّة) للدفاع عن (ابنة الطائفة). الفزعة شملت كل من منطقة البسيتين التي تقطنها الفتاة، والمحرق والرفاع وقلالي والمناطق الأخرى المحسوبة على الطائفة السنية. الرسائل تدّعي أن الشيعة (هاجموا) فتاة مرت (مصادفة) عند المرفأ، بسبب وضعها (صورة للقيادة) على سيارتها، وأنها (ارتبكت) فدهست، وأن (الشيعة) يعتزمون الهجوم على بيتها بعد أن نشروا عنوانها. وضعنا بين قوسين الكلمات التي ظهر ضعف صدقها في الحلقة السابقة. من خلال هذه الفزعة، بدا واضحاً أن تهييجاً طائفياً متعمداً كان يُعد له. ولأن الجماهير لا تعبأ بتقصي الحقائق بقدر ما تستجيب للشحن، فقد كان الهياج هو رد الفعل المباشر من الجماهير المشحونة طائفياً أصلاً. "بدأ التجمع يزداد عند الساعة التاسعة مساء، مع الكثير من الإشاعات بأن حافلتين من الدوار قصدتا البسيتين وأن الشرطة أرجعتهما، فكثر تجمع حاملي الهراوات والسكاكين، وصارت الساحة كأنها مدخل للمنطقة" ينقل لمرآة البحرين أحد قاطني منطقة البسيتين قريباً من الساحة.
■ سيوف متشابهة
كيف كان شكل هذا التجمع؟ شاهدة عيان من سكنة المنطقة وتنتمي إلى المذهب السني، تصف لمرآة البحرين ما شهدته بالكامل: "كنتُ في سيارتي عائدة إلى بيتي الذي يقع في منطقة البسيتين. عند المدخل تيبَّست مكاني واجمة وصرخت: ما هذا؟ أكثر من 1000 شخص يحملون السيوف والسواطير والأسياخ الحديدية والألواح الخشبية ويرفعونها كمن يستعد للهجوم على عدو في حرب، منظر لم أره في حياتي من قبل، كانت السيوف ذات سطح عريض ولامع، بدت جديدة ومتشابهة وكأنها صُنعت على يد حدّاد واحد وأحضرت للتو وتم توزيعها، تساءلت في نفسي من أين أتى الناس بكل هذه السيوف المتشابهة دفعة واحدة؟ كانت تلمع في يد الصبية كأنها سهام من شر". ثم تضيف "كانوا يصرخون بطريقة هستيرية، ويقومون بتفتيش السيارات التي تأتي عند مدخل البسيتين، يفتشونها واحدة واحدة بحثاً عن شيعي يخطر من هنا. حركة السيارات توقفت تقريباً لشدة الازدحام. رحت أطالع في وجوه المسلحين وأتفرس فيها جيداً، لم أصدق ما أرى، بينهم جيراننا وأبناء جيراننا، صبية أراهم كل يوم يسيرون نحو مدارسهم مرتبين مهندمين، الليلة يحملون سيوفاً أطول من أعمارهم، تفرّست في وجوههم لأصدق ما أرى، لم تكن وجوههم تشبههم، كانت كراهية خالية من الوجه، كراهية تكفي وحدها أن تحرق بلداً، من أين أتت كل هذه الكراهية؟ كنت أرتجف ".
■ صِبْية الدير
في الأثناء، كانت سيارة يركبها 6 شبان من الدير، وهي إحدى مناطق المحرق أيضاً، تتراوح أعمارهم بين 18-21 سنة، خارجين من محطة بنزين البسيتين، سالكين أقرب الطرق المؤدية إلى منطقتهم، وهي طريق تمر عبر هذا الشارع. لم يكونوا يعرفون ما ينتظرهم. سيتفاجأ هؤلاء بعشرات المتجمهرين يقومون بإيقافهم، يسألونهم عن وجهتهم. يقول شاهد عيان من المنطقة "سمعت الصبية يجيبون أنهم ذاهبون إلى منازلهم، لا أعرف ما الذي أتى بهؤلاء في هذا المكان في هذا الوقت، لقد حاولو الخروج، لكن لم يكن دخول البسيتين في تلك الليلة مثل الخروج منها، لقد تنادى المتجمهرون على السيارة وبدؤوا بضرب السيارة، كان الصبية في روع وذهول شديد مما يحيط بهم، فحاولوا الهرب بسيارتهم، لكنهم اصطدموا بسيارة واقفة، فقفز عليهم مئات المتجمهرين، ودارت بنا الأرض".
شاهدة (المرآة) لا تزال واقفة في اكتظاظ السيارات حينها، وقد حدث الهجوم على سيارة الصبية أمامها مباشرة. تكمل روايتها لمرآة البحرين: "تحركت سيارة صبية الدير لتنجو بنفسها، وحاولت المرور من فرجة صغيرة صارت جهة اليسار، مازلت أذكر وجه الصبي الجالس في الأمام والرعب المرسوم على وجهه، تحركت السيارة بعصبية وارتباك ظاهر، وصدمت أحد جوانب سيارة بيضاء متوقفة بسبب الارتباك الشديد"، وتضيف مذهولة "إن هي إلا لحظة، ورأيت أحد المتجمهرين من الشباب جاء يركض من الخلف، ركب من فوره فوق السيارة، وراح يكسرها باللوح الخشبي الذي كان يحمله بيده، لحق به العشرات، هجموا جميعهم فوق السيارة يضربون كل بما في أيديهم، سيوف وسواطير وأسياخ حديدية وألواح خشبية، اختفت السيارة تحت الهجوم، لم أر غير السيوف والأخشاب تتعالى وتقع فوق السيارة، تراكض بعض الرجال الذين كانوا في موقع الحدث لتخليص الصبية من يد المتجمهرين قبل أن يقلتوهم، تم الهجوم على الصبية كمن يهاجم عدو ينشده منذ زمن، ضربوهم بكل ما في أيدهم من قوة ومن سلاح، بعد معركة من طرف واحد تمكن البعض من تخليص الصبية من يد الموت بعناء ومشقة، وتم أخذهم من فورهم إلى المستشفى، كانت ليلة رعب لم أعش مثلها في عمري، ولن أنساها أبداً". كان ذلك بعد الواحدة والنصف ليلاً.
■ رجااااااال
رجل تجمع الفاتح (ناجي العربي) كان هناك أيضاً، جاء يمثل تجمع الفاتح في تهدئة متجمهري البسيتين، لكنه بدلاً من شحن النفوس بالوحدة والتهدئة، خصوصاً مع عدم وجود أي توجه أو محاولة من طرف المحتجين للمجيء نحو بيت الفتاة، أطربته الكثرة، وراح يشحن رجولة سيوف الحرب الموهومة، ويغذي نقص الاعتراف عند حامليها. كان يبدأ بالتهدئة، ثم ينزلق سريعاً نحو التهييج، يصرخ محمّساً عزة السيوف (لا عزّة الرجال) قائلاً: لدينا رجاااااااااااال. فكان صراخ أصوات الحرب تعلو أكثر، وكانت السيوف الفارغة من رجال الوطن، والصارخة باسم رجال الطائفة، ترتفع أكثر (1)، وكان حماس حماس الحرب مع (لا أحد) يشتط ويشتد، وينتهي بزهو الانتصار على هذا اللا أحد.
في منتدى "أنا المسلم" الالكتروني، يعرّف أحد المشاركين نفسه بـ(بهاء الدين السماحي)، ويضع علم "تنظيم القاعدة" بروفايلاً شخصياً له، كتب يفتخر بطعم العزة التي ذاقها لأول مرة بمشاركته تلك الليلة: "لقد نزلت لأشتري ساطورا أتسلح به، ففوجئت بأن جميع المحلات الكبرى (المنتزه، آخر فرصة، ميجا مارت، ميدوي، رامز، ستي سنتر، جيان) لم يعد بها أي سكاكين نهائيا إلا سكينا طوله 12 سم فقط ... المهم أخوكم ذهب لورشة حدادة واشتريت منها عصا حديدية طولها متر و20سم واتجهت إلى حي البسيتين التابع لمدينة المحرق وظللت مع إخواني السنة مرابطين حتى قبل نصف ساعة من الآن، ورأيت في هذا المكان شجاعة إخواني، فذقت طعم العزة لأول مرة منذ زمن طويل حتى كدت أن أنساها، والجميل في الأمر أن تلاميذي في المدرسة الثانوية قد خرجوا عن بكرة أبيهم وأحدهم معه منشار والآخر مطرقة وآخر خشبة غليظة وآخر خنجر وآخر حديدة والكل يقسم أنهم لو رأوا الروافض ستكون البسيتين مقبرة لهم ثم تركت هناك ما لا يقل عن ألفين من إخواني السنة وننتظر رسالة من أي أحد نفزع لهم مرة أخرى".(2)
■ حرب الروافض
في هذا المنتدى، ستكون كلمة "الروافض"، هي التسمية الأكثر تأدباً عند الحديث عن الشيعة. كان العنوان الذي جاءت تحته تلك المداخلة هو "بدأت معارك البحرين والاستعداد للحرب الأهلية". امتدت المداخلات على هذا الموضوع طوال 42 صفحة، ليس من بينها مداخلة تشت بتوجهها عن هذا: الاستعداد للحرب الأهلية. تتخللها دعوات لاستدعاء جماعات الجهاد من السعودية. هناك ستجد المشاركين يحتفون بما أسموه بدء الحرب الأهلية، ويحتفلون بالاستعداد لها، وكأنها أمنيتهم المؤجلة، وكأن بشائر تحقيقها للتو بدأت تترآ لهم، وستسأل نفسك متعجباً وأنت تقرأ: هل هؤلاء بحرينيون فعلاً؟. أعلام القاعدة هي ما يزين معظم بروفايلات الأعضاء، وعموم اللغة هي التعطش الشديد لحرب تبيد (الرافضة) وتمزقهم كل ممزق.
أما محرقاوي (مشارك آخر)، فكان مزهوا بالانتصار على المجوس (يعني الشيعة)، رغم أنه يعترف أنه لم يأت منهم أحد. يقول في مشاركة تحت نفس الموضوع " فتجمع حوالي ألفي رجل من أهل السنة لحماية منزلها (يعني الفتاة)، و بقوا مرابطين من المغرب حتى صلاة الفجر وهم يكبرون ويهللون وينتظرون هجوماً رافضياً. فلم يدخلها المجوس، وأنى لهم ذلك، ولكن الذي حصل هو دخول سيارة رافضية من الدير ... فأخذهم الشباب السني وضربوها ضرباً مبرحاً، واستطاعوا أن يقتلوهم لكنهم رحموهم كما رحمهم إخوانهم من مدينة حمد، وحتى لا تُستغل الحادثة هذه إعلامياً، فاستدعوا سيارة الإسعاف التي كان يقودها رافضياً، واشترطوا أن ينقل السني أولاً إلى مستشفى العسكري! لا أن يأخذ إخوانه المعتدين من أهل الدير الأنجاس... و كان هذا بمثابة الدرس الصغير للرافضة، و"البروفا" لأهل السنة. ومن الطرائف في هذه الحادثة بأنه كان بعض الشباب يرتدي الزي الأفغاني ويحمل السيوف (3).
الطريفة الأخيرة هذه، تكشف لنا هوية الوطن (الطالباني) الذي يحلم به هؤلاء وينادون باسمه ويحملون سيوف عزتهم في سبيله، كما يكشف لنا عن التكوين الذي قام عليه تجمع ساحة البسيتين التي سيصير اسمها ساحة الشرفاء، وعن التعطش للحرب الأهلية الطائفية التى يتمناها هؤلاء، وأن حادثة الفتاة سواء أكانت متعمدة أم مدبّرة، لم تكن أكثر من (غطاء) يُخفي النية الطالبانية في إشعال هذه الحرب، وأن الدفاع عن الوطن هو (غطاء أكبر) للدفاع عن الطائفة، ولعل مشاركة أخرى تحت نفس العنوان تكشف لنا هذا أكثر، "مهما وصل بملك البحرين من الظلم كما تزعمون فلا يجب أن يُترك، بل يجب أن يلتف السنه حوله، الآن ليس وقت خلافات بل وقت اتحاد في وجه الرافضه... الله يوفقكم ويحقن دماء أهل السنه ويمزق الرافضه كل ممزق" (4).
كان هذا ما حدث في يوم 7 مارس. لكن من الذي جرأ السلفية الطالبانية أن تكشف عن أدوات عنفها وتكفيرها بهذا الشكل الفاقع، وأمام رجال الأمن وبحضورهم؟ من الذي أعطاها الضوء الأخضر؟ هذا ما سنحاول أن نعرفه في الحلقة القادمة.
هوامش