ميدل إيست مونيتور: ثمن النقد الإيجابي لـ "إصلاحات" حكومة البحرين الزّائفة

2014-11-09 - 2:09 ص

ألستير سلون، ميدل إيست مونيتور

ترجمة: مرآة البحرين

ليس مبلغًا كبيرًا - كما تكشف سجلات البرلمان البريطاني- ما دفعته أسرة آل خليفة الحاكمة، وهو5،400 جنيه إسترليني فقط، لكل نبيل من النبلاء في البرلمان البريطاني التّالين الذّكر، البارونة سكوتلاند (إسثال)، واللورد غلام نون، والعضو في البرلمان هيزل بليرز، واللّورد باتيل (برادفورد)، واللّورد كلايف سولي، لكي يزوروا المملكة في أبريل/نيسان.

حصلتُ مؤخّرًا على نسخة لتقرير من 24 صفحة أصدره الوفد عقب زيارته، ولم يكن إلّا تبييضا. وبعرضه للعلن، فإنه يعتبر دراسة حالة مثالية لعملية تبييض سمعة البحرين.

كلٌ أعضاء الوفد عبّروا عن اهتمامات تبيّن مكر آل خليفة وتُظهر سعيهم لتحريف الثّورة-أوّلًا من خلال الاتّهامات الباطلة بالتّورط في الإرهاب، وثانيًا عبر القول إنّ الحركة المطالبة بالديمقراطية ليست كما تدّعي، بل يتم دعمها سرًّا من قبل الحكم الدّيني في إيران.

كلا الأمرين كلامٌ باطل ولكنّ التّقارير تظهر أنّ الموفدين تقبّلوهما برحابة صدرٍ وروّجوا لهما على الرّغم من ذلك.

اللّورد غلام نون، على سبيل المثال، يقول في تصريحٍ رسمي له: "أعتبر، شخصيًّا، أنّ البحرين بلدي الثاني وأتطلّع إلى الإقامة هناك."

ويضيف قائلًا: "أعتبر أنّي نصف بحريني".

وأقرّ لي "نون" منذ بضعة أشهر أنّه صديق لآل خليفة على المستوى الشّخصي.

ويذهب نون، الذي نادرًا ما يكون محايدًا، إلى تعزيز كذبة الدّعم الإيراني السّرّي، من دون حياء. وفي مقالٍ عنوانه "خائنون لا لاجئون" الذي تمّ نشره في البحرين خلال زيارة الوفد، صرّح لمراسلٍ محلّي أنّ النّاشطين البحرينيين الـ 500 أو أكثر الذين فرّوا إلى لندن غير مرغوب بهم.

وأضاف "فهم ليسوا بلاجئين أو طالبي حقّ اللّجوء، بل أشخاص لهم روابط مع وكالاتٍ خارجية تقف ضدّ المملكة".

ولم يقدّم نون أي أدلّة على هذه الادّعاءات، إذ قال: "في المملكة المتّحدة، نعي تمامًا الوضع حيث يقوم نظامنا القضائي بمنح الجنسية بكل سهولة." وتابع قائلًا: "نسعى إلى تقييم كل احتمالات التّغيير في نظامنا القانوني، إذ نرى أنّ الكثيرين يسيئون استخدام هذا الامتياز".

ويتحلّى اللّورد نون أيضًا بميزةٍ جديرةٍ بالإعجاب في حد ذاتها -وهي موقفه الشّديد ضد الإرهاب والتطرّف. وبالفعل، شوهد نون لفترة موجزة في فندق تاج محل في مومباي في غضون الهجمة الإرهابية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008 وقد دعا من ذلك الوقت لاتّخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامة ضد الدّعاة المتطرّفين في المملكة المتّحدة، وقدّم اقتراحات مرارًا وتكرارًا في مجلس اللّوردات تتعلق بقوانين إرهاب صّارمة.

وفي موازاة ذلك، اعتمدت الحكومة البحرينية تكتيكًا بشكل اعتيادي لتلطيخ سمعة الناشطين المؤيّدين للديمقراطية باتّهامهم بالإرهاب. في اليوم الذي وصل فيه "نون" وبقية السّياسيّين البريطانيين إلى البحرين، كان النّاشط في مجال حقوق الإنسان عبد الهادي الخواجة قد بدأ يومه الـ 1،025 من مدّة حكمه بالسّجن المؤبّد، الذي تمّ إصداره عقب انتفاضة عام 2011. إذ تمّ توجيه تهمة "تنظيم وإدارة منظّمة إرهابية" إليه، وإلى سبعة آخرين أيضًا.

كانت جريمة الخواجة الحقيقية الدّفاع عن حقوق الإنسان. إذ كان أحد مؤسّسي مركز البحرين لحقوق الإنسان، ولم يكن إرهابيًّا. لقد كان ممثّلا إقليميا للمجموعة المدافعة عن حقوق الإنسان التي تدعى " فرونت لاين ديفندرز"، ولم يكن منفّذ تفجيرات. وقد تمّت دعوته سابقًا للانضمام إلى "بعثة لتقصّي الحقائق" في العراق من قِبل منظّمة العفو الدّولية، لا تنظيم القاعدة.

وللأسف، كانت صياغة تقرير الوفد، الذي ينشر من قبل اللّورد غلام نون، تعطي مصداقية لهذه الاتّهامات الباطلة بالإرهاب، من خلال إشاراتها المتكررة إلى الموازنة بين حقوق الإنسان و"الأمن الوطني".

قد ترفضون الرّأي الذي يفيد بأنّ لا أساس للادّعاءات حول الإرهاب. في الشهر الذي سبق موعد زيارتهم، قُتل ثلاثة عناصر شرطة في تفجيرٍ ألقت الحكومة اللوم فيه على الحركة المعارضة. واعتمد التّقرير لهجة تعبّر عن قلقٍ، ولكنّها كانت قاطعة، إلى درجة مثيرة للإحباط.

"اطّلعنا على بعض الأسلحة التي صادرتها قوّات الشّرطة. وليس غريبًا أن بعضها كان إيراني الأصل، ولكن ما يُثير القلق أكثر هو أنّه من الواضح أنّ بعضها تمّ صناعتها محليًّا بطريقة بدائيّة ولكن فعّالة".

"لقد تضمّنت قنابل يدويّة الصّنع، ويُعتقد أنّ إحداها كانت مشابهة...لتلك التي قد تكون مسؤولة عن قتل ثلاثة عناصر شرطة...ويشير هذا النّوع من الأسلحة المصنّعة إلى وجود مقاومة منظّمة في البلدات الشّيعية".

بغض الطّرف عن ما إذا كان استخدام عبارة "ليس غريبًا" مناسبًا في تقريرٍ غير منحاز-هذه بعض التّساؤلات حول "الهجمة الإرهابية" أطرحها للوفد: دعونا نفكر بكل بساطة من الرّابح الأكبر من حادثة التّفجير، النّظام البحريني أم الحركة المعارضة؟ كانت ستخسر المعارضة كثيرًا في هذه الحالة، أليس كذلك؟ وهل سيقدّم المجتمع الدّولي العون لها إن لجأت إلى الإرهاب؟

توجد نظرية معقولة تفيد بأنّ المعارضة لم تكن مسؤولة عن الهجوم. فعلى الأرجح أنّ قوّات الأمن زرعت المتفجّرات. فقد طرح نائب بحرينيٌّ سابق هذه النّقطة، التي تعتقد بها شريحة كبيرة من المجتمع المناهض للعائلة المالكة.

وكانت الموفدة الأخرى، العضو في البرلمان هيزل بليرز، مناسبة أيضًا للاستغلال في هذه النّقطة، بما أنّها كرّست عملها للتّعامل "بصرامة" مع الإرهابين.

وكما تؤكّد سيرة حياة بليرز المرفقة مع التّقرير: شغلت بليرز منصب وزيرة الشّرطة ومكافحة الإرهاب في ظل حكومة حزب العمّال، وتملك "خبرة معمّقة في الشّؤون المتعلّقة بالأمن الوطني والدّولي"، وقد طبّقت استراتيجية "امنع" الكارثية في مكافحة الإرهاب بالمملكة المتّحدة.

قد تسألون عن سبب ارتباط كل هذه الأمور بتقييم انتهاكات حقوق الإنسان.

ولعلّ السّبب أنّ آل خليفة أرادوا بريطانيّين ذوي سلطة يرون العالم بعيون "الأمن الوطني"، والذين يعبّرون عن تأييدهم كلّما اتّهم أحدٌ مجموعة من الثّوّار بالإرهاب. ومن السّهل صرف النّظر عن الانتهاكات السّافرة في حقوق الإنسان عندما يصدّق السّياسيون الذين تقدّمهم أنّهم في طليعة المشاركين في "الحرب على الإرهاب".

ويوضح التّقرير أنّ بليرز، بالإضافة إلى البارونة سكوتلاند، شاركتا في الزّيارة لخبرتهما في "المشاركة المجتمعية الأوسع". وكانت بليرز، كما يشدّد التّقرير، تملك "خبرة طويلة في الإشراف على تطورات الشرطة المجتمعية في المملكة المتحدة".

ولكن لم ترد أي إشارة في الوثيقة التي اطلعتُ عليها إلى القسوة التي تعتمدها الشرطة البحرينية- ولا سيّما استخدامها المفرط للغاز المسيل للدموع. قبل شهر من زيارة الوفد، حظرت كوريا الجنوبية تصدير الغاز المسيل للدموع إلى البحرين خوفًا من أن يتم إساءة استخدامه من قبل قوّات الأمن. وبكل المقاييس، فإنّ وحشية الشّرطة، بما في ذلك التعذيب، وصلت إلى أسوأ حالاتها، ليس فقط منذ عام 2011، بل منذ انطلاق الانتفاضة في التسعينات.

وماذا عن اللورد كلايف سولي؟ ربما تمّ اختياره لترؤّس الوفد، لأنّ ولاء اللّورد غلام نون لآل خليفة كان واضحًا للغاية، أو ربما بسبب سجله الحافل في مساندته لسلطة استبدادية أخرى في الخليج.

ففي عام 2012، وجّه مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية الذي تديره دولة الإمارات، ومقره أبوظبي، دعوة إلى سولي للحديث عن سيادة القانون. فلم يتوان عن الإشادة المفرطة بـــِ "الإطار القانوني والسجل الحافل المثير للإعجاب للإمارات العربية المتّحدة في سيادة القانون".

وقد استخلص تقرير مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية تقريره حول الخطاب أنّ: "الملاحظة الأكثر أهمية التي أبداها اللورد سولي في محاضرته كانت الإشارة إلى وجود علاقة بين سيادة القانون والاستقرار في الإمارات العربية المتّحدة، والتنمية، والرخاء الاقتصادي، والمحافظة على حقوق الإنسان والحرية في البلاد".

غير أنّ دولة الإمارات ما زالت لا تسمح لأي منظمة مستقلة تُعنى بحقوق الإنسان بالعمل على أراضيها، كما أنّها لم ترد بعد على الادّعاءات الموجّهة ضدّها حول تعذيب مواطنيْن بريطانيين وناشطين سياسيين محليين. وقد انتقدتها وزارة الخارجية الأمريكية عام 2013 لفرضها "قيودًا صارمة على الحريات المدنية للمواطنين (بما في ذلك حرية التعبير عن الرّأي والصحافة والتجمع، وتكوين الجمعيات، واستخدام الإنترنت)"، بالإضافة إلى "الاعتقالات التّعسفية، والإخفاء القسري، والاحتجاز لفترات طويلة من دون أي محاكمة."

وإن كان من السّهل خداع سولي أو إن كان راضيًا بأن يكون دُمية في يد الإمارات، فما المانع أن يكون حاله كذلك مع البحرين؟ لقد اعترف طوعًا بأنه ليس خبيرًا في شؤون الشرق الأوسط، وصفحته على موقع مجلس اللوردات الإلكتروني تعلن أنّ سياسته الخارجية تركّز على شؤون أقصى جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى. ولم يأت على ذكر البحرين في خطاباته المتكررة أمام مجلس اللوردات حول الشّرق الأوسط إلا بعد زيارة الوفد للبحرين.

أما اللورد باتيل، الموفد الأخير، فإنّه أكاديميٌّ بارع وسياسيٌّ مقبول، لكنّه أيضًا يعترف على موقع البرلمان الإلكتروني بأنّه متخصص في شؤون الهند، لا الشرق الأوسط. وربّما كان من السّهل خداعه كاللّورد سولي.

ومن الغريب أن يكون باتيل يشغل منصب أستاذية في جامعة شرق لندن، (وأن تحصل البارونة سكوتلاند على شهادة دكتوراه فخرية من الجامعة نفسها). إنها مؤسسة قد اتّخذت موقفها سلفا بخصوص البحرين. فبتمويلٍ من اللورد غلام نون نفسه (وهو مستشار فخري لجامعة شرق لندن أيضًا)، تدير الجامعة برنامجًا تبادليًا مع الحكومة البحرينية.

استضاف النظام البحريني موفدين تجمع بينهم وبين النّظام صداقة وطيدة- كاللّورد نون، واللّورد باتيل، واللّورد سولي-، أو لديهم معتقدات خاصّة وأجندة تدفعهم لتصديق الاتّهامات المتعلقة بالإرهاب-كاللّورد نون وهيزل بليرز-، أو لصلتهم بمؤسسات قد أشادت بعمل البحرين-كاللّورد باتيل، والبارونة سكوتلاند، واللّورد نون.

ويعطي التقرير الذي أصدره الوفد انطباعًا بحدوث تقدّم، ولكن لا وجود لأي تقدّم على الإطلاق. وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش من جانبها إنّ وضع البحرين "تراجع أكثر في نطاقات أساسية في 2013 ولم تحقّق الحكومة إلّا القليل من التّقدّم بخصوص الإصلاحات التي تزعم أنّها تسعى إليها."

وحذرت منظمة العفو الدولية من أنّ النظام يرتكب أعمال تعذيب بحق الأطفال. وقد نشرت وزارة الخارجية الأمريكية نفسها تقريرًا من 49 صفحة ينتقد البحرين بشدة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الوفد لم ير إلّا ما أراد النظام المستبد له رؤيته، ثم ذهب ليغدق عليه الثناء والإشادة. عليهم أن يخجلوا من أنفسهم.

 

5 نوفمبر/تشرين الثاني 2014

النّصّ الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus