» رأي
الفلعة قبل الدوا
محمد نجم - 2011-10-10 - 11:22 ص
محمد نجم*
لطالما قال النظام الفاشستي بأن المعارضة تخطط منذ ثلاثين عاما لما قامت به من انقلاب على الحكم. هل هي كذلك فعلا؟ البعض يقول ليتها كانت كذلك.
فالحقيقة أن الوحيد الذي لم يؤخذ على حين غرة في الربيع العربي هو النظام البحريني فهو الوحيد الذي كان على أكثر من أهبة الاستعداد الأمني قبل الربيع العربي وقبل الربيع البحريني بزمن لا بأس به مكنه من الغدر بالثورة. وإذا كان هناك من خطط واستعد وجهز "الفلعة قبل الدوا" فهو النظام لا غير.
لن نذهب لثلاثين سنة كما يفعل النظام، بل نأخذ المسار القريب للأحداث فمنذ الأسبوع الأول من يوليو 2010 أعد النظام عدته للسيطرة الكاملة على الإعلام وتصفية أية وسائل إعلامية منشقة تمهيدا لهجمة قادمة فتم فصل الثقافة عن الإعلام وصار هذا الأخير هيئة تولى قيادتها غوبلز البحرين فواز آل خليفة وكان وزير الإعلام السابق جهاد أبو كمال قد طرد قبل ذلك من الوزارة بعد أن سمح التلفزيون لإبراهيم شريف أمين عام جمعية (وعد) المعارضة في مقابلة مع المذيع غازي عبد المحسن بالحديث عن الفساد المالي في الدولة والتساؤل عن مبررات استبعاد الديوان الملكي من الموازنة.
وفي منتصف أغسطس 2010 الموافق نهاية شهر رمضان المبارك بدأ تنفيذ الهجمة الأمنية وحين كانت الناس تنتظر مفاجآت سارة في عيد الفطر السعيد، ظهر النظام بمسرحية الشبكة الإرهابية واعتقل مجموعة من الناشطين ووجه إليهم تهمة تشكيل تنظيم إرهابي لقلب نظام الحكم بالقوة، وتمت مداهمة الأحياء والبيوت وبرزت طريقة اختطاف الناشطين بدون اعتقال رسمي وبدون مذكرة قضائية، وتم فضح المعتقلين في كل خدمة حصلوا عليها هم أو أقرباؤهم من الدولة كقسيمة سكنية أو بعثة دراسية أو سرير علاج.
وتلا ذلك في سبتمبر 2010 حل مجلس الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وإغلاق مواقع الانترنت المعارضة وسحب تراخيص صحف الجمعيات السياسية المعارضة. ولم يكن لذلك التوقيت سبب معقول غير استباق الانتخابات النيابية التي يطبل النظام لديمقراطيتها بحملة شرسة شنها النظام وصحفه المأجورة: الأيام والوطن وأخبار الخليج على المعارضة بشكل يكاد يكون يوميا لمدة شهرين كاملين سابقين على الانتخابات مستهدفا بشكل أكبر جمعيتي وعد والوفاق.
كان تحليل المراقبين آنذاك، هو أن هذه الحملة كانت تستهدف جر المعارضة إلى المقاطعة خاصة بعد أن تمكنت برغم ضعف صلاحيات البرلمان من فضح الفساد وخاصة في ملف أملاك الدولة Real estate Gate الذي فضح استيلاء المتنفذين غصبا على نحو 10-15% من مساحة البلاد برا وبحرا، وإن لم تكن المقاطعة فعلى الأقل إثقال مشاركة المعارضة بالملف الأمني، ليصبح الشغل الشاغل للوفاق هو السعي للإفراج عن المعتقلين وصد الهجمة الأمنية، وأما الهدف الثالث فكان فك الارتباط نهائيا بين المعارضة الليبرالية والمعارضة الإسلامية عبر الترهيب والترغيب. ومع ذلك فازت المعارضة الإسلامية متمثلة في الوفاق بجميع دوائرها الثمانية عشر فيما أسقط النظام مرشحي الجمعيات الليبرالية سواء بإغراء بعضهم بالدخول في دوائر محسومة سلفا للمعارضة الإسلامية أم بدعم مرشحي الموالاة ضدهم في دوائر أخرى.
ولم تتوقف هجمة النظام على المعارضة بعد الانتخابات، فقد تم استبدال فريق الدفاع عن متهمي "الشبكة الإرهابية" برغم إرادة المتهمين وجاء التعديل الوزاري في نهاية أكتوبر 2010 سيئا جدا حيث اكتفى بإدخال نائب رابع لرئيس الوزراء من العائلة هو رئيس ديوانه الشيخ خالد بن عبد الله وإعادة محمد المطوع للوزارة في وزارة شئون المتابعة، ترضية له عن فقدان منصب أمين عام التعاون. ولم يكن تعديل ضئيل كهذا إلا ردا احتقاريا مهينا للمعارضة، يراد منه القول أن فوزها بمقاعدها الـ 18 ليس شيئا ذا بال بالنسبة للنظام.
وجاء الخطاب السامي في افتتاح الفصل التشريعي الثالث في منتصف ديسمبر 2010 مخيبا للآمال بالغ السوء في مضمونه ورسائله فبدلا من التركيز على الملفات السياسية العالقة، كان أشبه بقصيدة في مديح قوات الأمن والجيش وجاهزيتها القتالية وكأن البلاد مقبلة على حرب. وتلا ذلك تنصيب خليفة بن أحمد القائد العام برتبة مشير في 9 فبراير 2011 قبل يومين فقط من تنحي مبارك في مصر وتولي المشير طنطاوي مسئولية البلاد، وستكشف التطورات اللاحقة فيما بعد عن أن المشير خليفة بن أحمد على ما يبدو كان قد تولى بالفعل حكم البلاد منذ تلك اللحظة ولم يكن مرسوم السلامة الوطنية في منتصف مارس بعد ثورة اللؤلؤة إلا تحصيل حاصل. كما قام الأمير ناصر بن حمد نجل الملك في 11 فبراير بتكريم مجموعة من المشاركين في مسابقة "فدى ترابك يا وطن" والتي أقيمت في مبادرة استباقية لتعبئة الثورة المضادة.
وجاء اجتماع لجنة الرد على الخطاب السامي مع الملك في فبراير 2011 أيضا بنفس الخيبة فخلال مناقشة مع نواب المعارضة بشأن نظام المجلسين سخر من أحلام الربيع العربي وقال بأن تونس ومصر لا يزال يحكمها العسكر وليس المدنيون ثم جاء خطاب الملك في احتفال عشرية الميثاق في 13 فبراير 2011 بنفس الدرجة من السوء والإحباط فقد كان كل مضمونه إشادة بالقوات المسلحة والأمن والجاهزية القتالية، كما قام خلال الاحتفال بتكريم فرقة الأمن الملكي.
وكانت زيارة الملك للجيش في 16 فبراير 2011 مرتديا بدلة عسكرية إيذانا بالهجوم الأول على دوار اللؤلؤة في اليوم التالي وهكذا استبق الهجوم الثاني أيضا في منتصف مارس 2011 بزيارة مماثلة.
وإذن فقد تم تلقيم وتجهيز الوحش الأمني الكاسر قبل الثورة بزمن بعقيدة ووسائل الهجوم مسبقا، وإن كان ثمة تخطيط يتحدث عنه طرف في البحرين فلا شك أنه تخطيط وتجهيز النظام ولا أحد غيره.
إن كل هذه السلسلة من الخطابات والأفعال تكشف عن جاهزية أمنية لا مثيل لها، وتخطيط مسبق تم خلاله شحن العقيدة الأمنية بوجود تهديد خارجي وبأهمية الانتصار على الناس العزل بالقوة المسلحة أداء لواجب وطني مزعوم. وإننا مع كل هذه البروباغندا التحريضية والاستعداد القتالي المسبق كنا لنستغرب ألا يحدث ما حدث من قتل للناس وهجوم على تجمعاتهم ومنازلهم فقد استعدت قوات الأمن والجيش استعداد من ينوي الحرب قبل اندلاع الثورة بمدة وكانت الأيدي على الزناد تنتظر الأوامر.
ليس هذا فقط بل إن الشحن نفسه حقنت به نفسيات قيادة وجنود درع الجزيرة الذين دخلوا البلاد في 13 مارس بعنوان واحد فقط، هو تحرير البحرين من عدوان خارجي متحالف مع مؤامرة داخلية، ولم يكن مستغربا أن هؤلاء بدوا من داخل مركباتهم يرفعون علامة النصر كمن يخوض أم المعارك.
أمام وحشية مجهزة العدة والعتاد كهذه، وفي ظل صمت عربي شريك في الغدر وليونة دولية لئيمة يبدو البحريني الضعيف اليوم وهو يتلقى الفلعة تلو الفلعة دون دواء متجسدا في صورة الشهيد الأخير أحمد القطان في قرية أبي صيبع الذي مات نزفا لعدم توفر مكان علاج يلجأ إليه بعدما فشلت قريته في الحصول على مشفى ينقذه في ظل الحصار الأمني على المركز الطبي الرئيسي.
يبدو البحريني وكأنه يردد بصوت نهاميه القدامى كلمات الشاعر علي عبدالله خليفة الإنسانية قبل أن يصبح ترساً في آلة النظام يوم كان في شبابه يغني:
وين اشتري لك دوا محدٍ يبيع بلاش
وبلاد ما ينطفى فيها الظما تبلاش
حظ الوفي ينكسر ويقوم حظ اللاش
وين اشتري لك دوا والكل في شانه
مات النخل يا ولد والأرض عطشانه
وجروح عمري كثرت ما صاد نيشانه
اصنع لجرحك دوا ما من دوا ببلاش
-----------
الفلعة: هي ضربة الحجر
الدوا: الدواء
ويضرب المثل معكوسا في البحرين لمن يجهز للأمر قبل حدوثه فيقال :"برز الدوا قبل الفلعة". لكن الكاتب هنا يعكس المثل كناية عن أن (الدواء) أصلا ليس واردا في ذهنية النظام القمعية بل (الفلعة) فقط.
*كاتب بحريني.