موقع الجزيرة: بعد السّابقة البحرينية، هل سيفكّر قادة مصر وسورية وإسرائيل مليًا قبل السّفر إلى الخارج؟

2014-10-14 - 4:15 م

*توبي كادمان، موقع الجزيرة

ترجمة: مرآة البحرين

لطالما اعتُبِرت المحاكم البريطانية منتدى للعدالة المستقلة والنزيهة، وأحد مكونات هذا النظام القضائي الرئيسية هو تطبيق الولاية القضائية العالمية؛ وهي عملية تسمح لضحايا التعذيب المرتكب خارج بريطانيا برفع دعاوى في المحاكم البريطانية. غير أنه قد تم التشكيك مؤخرًا بهذه العملية بعد قضية البحريني ف.ف الذي زعم أنه تعرض للتعذيب خلال الانتفاضة البحرينية في العام 2011.

وسعى المحامون ، الذين يمثلون ف.ف.، إلى اعتقال الأمير حمد بن ناصر آل خليفة ومحاكمته خلال تواجده في المملكة المتحدة لمتابعة دورة الألعاب الأولمبية، غير أن خدمة النّيابة العامة الملكية رفضت محاكمة الأمير استنادًا لكونه يملك حصانة دبلوماسية. وسُمِح للأمير ناصر بالعودة إلى البحرين. وبناء عليه، طعنت المحكمة العليا بهذا القرار وأصدرت حكمًا في 7 أكتوبر/ تشرين الأول بعد موافقة جميع الأطراف مفاده أنّ قرار 2012 كان غير صحيح وأن الحصانة يجب ألا تشكّل عائقًا أمام التحقيق.

والجدير ذكره أن مديرة النيابة العامة، رئيسة خدمة النيابة العامة الملكية، وافقت على قرار سلفها في العام 2012 الذي ينص على أن الحصانة الدولية أمر خاطئ. وكجزء من حكم المحكمة العليا سيتم تسليم ملف الأدلة الآن إلى شرطة مكافحة الإرهاب للتحقيق فيه.

قادة سياسيون آخرون

نتج سؤالان عن هذا القرار؛ الأول يتعلق بجلب أمير البحرين ناصر أمام المحكمة البريطانية ليواجه تهم التعذيب والثاني إن كان رفع درع الحصانة الدولية الوقائي الآن سيسمح بمحاكمة قادة سياسيين آخرين بسبب الجرائم المعترف بها دوليًا كالتعذيب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومن المؤسف أن هذه الأمور غير واضحة أبدًا.

هذا وصرحت خدمة النّيابة العامة الملكية أن هناك عقبات أخرى تحول دون محاكمة الأمير ناصر بما في ذلك غياب الأدلة؛ الأمر الذي يتنازع عليه محامو ف ف. وسيكون على شرطة العاصمة أن تقرر الآن ما إن كان هناك أدلة كافية لبدء تحقيق ولكن قد يعتمد هذا القرار على عودة الأمير ناصر إلى المملكة المتحدة، لذلك، من الصعب الجزم ما إذا كان الأمير ناصر سيمثل أمام المحكمة البريطانية في القريب العاجل.

ثانيًا، كيف سيؤثر هذا القرار على القادة السياسيين في إسرائيل ومصر وسوريا وغيرهم الذين يواجهون ادعاءات مماثلة؟ قد يقنعهم بالتفكير مليًا قبل السفر خارج حدود دولهم في حال لم يتمكنوا من الاعتماد على الحصانة الدبلوماسية.

ولذلك، ومع بعض التردد، انضممت إلى جوقة التأييد والسّرور التي يبدو أن قرار المحكمة العليا المرجعي هذا قد أثارها.

إن هذا القرار طبعًا صحيح، ويؤمّن الوضوح المطلوب حول قواعد الحصانة الدولية، ويعزز أهمية منهج عدم التسامح بخصوص ادعاءات التعذيب الذي يمارسه مسؤولو الدول أينما حصل.

لا يمكن للعالم الاستمرار بغض النظر عن حالات التعذيب التي قد ترتكب في القضاء الأجنبي فقط لأنه من غير المناسب سياسيًا توجيه التهم إليهم أو بسبب مصالح اقتصادية مع الدولة المعنية. وهناك أمثلة واضحة عن تبني المملكة المتحدة لمنهج مماثل.

الانتهاكات الإسرائيلية

كما في حال البحرين، يتم الضّغط على النّخبة السّياسيّة في إسرائيل باستمرار للنظر في انتهاكات القوّات الأمنية للقانون الإنساني الدّولي. وجرت عدّة محاولات في السابق لاعتقال أعضاءٍ في الحكومة الإسرائيلية ومحاكمتهم لدورهم في ارتكاب جرائم في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. وفي العام 2009، أُصدِرت مذكّرة توقيف بحق وزيرة الخارجية الإسرائيلية السّابقة تسيبي ليفني.

وقد تمّ تقديم طلب بالمذكّرة وإصدارها من قبل قاضٍ بريطاني في محكمة مدينة وستمنستر الابتدائية. وسرعان ما تم سحبها في خطوة مُحرجة من قِبل وزارة الخارجية والكومنولث. ونتيجةً لذلك، تم تعديل القانون البريطاني، بحيث لا يمكن إصدار مذكّرة مماثلة إلّا بعد الحصول على الصلاحية المطلوبة من قبل المدّعي العام، وهو مفوّض سياسي، وبالتّالي تمّ تسييس العملية.

وهنا أطرح تساؤلاتي: حدّدتّ المحكمة العليا عمليًا في حكمها الواجب المفروض على المملكة المتّحدة، بموجب القانون الوطني والدّولي، بالتّحقيق مع أولئك الذين يُزعم أنّهم ارتكبوا أعمال تعذيب واعتقالهم ومحاكمتهم. فهل سيتم تطبيق هذا الحكم على قادة سياسيين آخرين متّهمين بارتكاب جرائم كهذه عند دخولهم إلى المملكة المتّحدة؟

يُفيد الحكم نظريًّا أنّه يتعيّن على المملكة فعل ذلك، على الرّغم من أنّ البعض، بالطّبع، سيسعى للاحتجاج بأنّ الوضع مختلف انطلاقًا من كون السؤال الذي تمّ توجيهه إلى المحكمة هو ما إذا كان سيتم تطبيق الحصانة.

العلاقات الخارجية

وبالنّظر بطريقة أكثر شمولًا إلى هذا القرار، من المرجّح أن يكون له تأثير على أمورٍ أخرى حيث يستمر القادة السّياسيون المتّهمون بجرائم مماثلة بالدّخول إلى بلادنا متمتّعين بالحصانة. وقد يكون أولئك القادة السّياسيين الذين يُزعم أنّهم شاركوا في الجرائم الدّولية المرتكبة في غزّة، ومصر، والعراق، وسورية، معرّضين أكثر لخطر الاعتقال. وسيؤثّر هذا حتمًا على العلاقات الخارجية بين المملكة المتّحدة وتلك الدّول.

وفي هذه الحالة، كما في حال كل التّحقيقات الجنائية، يشكّل تواجد المشتبه به في نطاق السلطة القضائية أحد المتطلّبات الأساسية للمباشرة بأي تحقيق. ومن هنا أقاوم الدعوة إلى ضمّ صوتي إلى الأصوات المؤيّدة.

إذ يواجه الأمير ناصر ادّعاءات خطيرة جدًّا بتورّطه في أعمال تعذيب ضد معتقلين في خلال انتفاضة البحرين المطالبة بالدّيمقراطية في العام 2011. وقد كان في نطاق صلاحية السلطة عندما تمّ تقديم مذكّرة توقيف بحقه، وإثر قرار خاطئ من قبل رئيسة الادّعاء العام في بريطانيا، سُمح له بالعودة بأمانٍ إلى موطنه بدلًا من الخضوع للتّحقيق. ومن غير المرجّح أن يعود إلى المملكة المتّحدة مع وجود هذه الادّعاءات ضدّه، بل سيبقى في مأمنٍ ضمن حدود بلده. وهذه هي المأساة الكبرى. إذ كان من الممكن أن يُحاكم هنا، ولكن في البحرين من المستبعد أن تأخذ العدالة مجراها.

لذلك، إنّ الرّسالة التي لا بد أن نفهمها من هذا كلّه هي أنّه يجب اتّخاذ الإجراءات المناسبة لوضع حدٍّ للحصانة.

توبي كادمان هو اختصاصي في قانون الجرائم الدولي. وهو محامٍ عضو في مكتب بيدفورد المشهور للقانون الجنائي في لندن وعضو في المكتب الجنائي في لاهاي.

12 أكتوبر/تشرين الأول 2014

النّص الأصلي

 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus