» رأي
في وداع سمو الأمراء
محمد نجم - 2011-09-30 - 11:36 ص
محمد نجم*
حين كانت سوسن الشاعر وسعيد الحمد وبقية جوقة الإعلام الطائفي تنفخ في نار الفرقة بين الشعب وتروج لمقولة أن المعارضة للنظام شيعية فقط مرتبطة بأجندة إيرانية وتوزع تهم الانتماء لحزب الله على المعارضة ويواصل شيخ التنظير الطائفي صلاح الجودر شتائمه ضد دوار اللؤلؤة وأيامه في كل عبارة من عبارتين، والانتخابات الطائفية الفاشلة يبدو مرشحوها البائسون كعرسان بلا زفاف، والتي لم تنقذ ماء وجه الحكومة ولم يستطع وزير عدل الحكومة التعسة مداراة خجله وحرجه أمام الصحافة وقد خذلته ملكاته الفقيرة في ترويج نسبة مشاركيها ولا نتائجها، كان فقد ثلاثة من رموز البحرين الموحدة الرائعة يتحدث بلغة الصمت والرحيل عن ظلم هذه الحكومة وسوء أدائها الذي كشفت عنه الثورة ولم يعد ثمة مبرر واحد مقنع لبقائها.
ومع كل احتفاء بتأبين واحد من هؤلاء الأبطال الراحلين كنا نرى فيهم أمراء الشعب الحقيقيين الذين اكتسبوا ألقاب السمو بتنصيب الشعب لهم لا بالفرامين والمراسيم. ورأينا البحرين الحقيقية الصافية التي قد تختلف على كل شيء إلا على حقيقة أن هذه الحكومة أتعس وأسوأ من أن تستمر لحظة واحدة في إدارة البلاد.
جاء رحيل الرمز الوطني الكبير عبد الرحمن النعيمي وتشييعه إلى مثواه واحتفاء البحرين، كل البحرين من المحرق شمالا إلى الجفير وسطا إلى سترة جنوبا بشخصيته الوطنية الكبيرة التي أفنت عمرها في مقارعة الفساد والطائفية والتمييز والاستبداد ولتسقط كأوراق الخريف نظرية أن المعارضة شيعية الهوى وأن السنة في جيب الحكومة.
ولم يكن ثمة دليل على ضعف هذه الحكومة وخوائها أبلغ من تدخلها والحزب الحاكم (حزب الفاتح) بشكل مباشر لمنع تشييع النعيمي في منطقته الأصلية (الحد) خشية من حضور جموع الشعب من كل الأطياف لتشيعه إلى مثواه ثم تدخل الحزب الحاكم مرة أخرى لإجبار عائلة الراحل الكبير بعدم السماح لأي مظهر سياسي في تشييع قائد سياسي كبير كالنعيمي وإرجاع باصات المشيعين القادمة من القرى ومنع رفع رايات الوطن بأيدي المشيعين ومنع تغطية نعش الجثمان الطاهر بعلم البحرين وكان التشييع بكل المعاني عملية اختطاف قامت بها المخابرات برغم أنف المواطنين لقمع المشيعين من أي احتفاء سياسي بالنعيمي كواحد من أبرز رموز المعارضة.
لكن الشعب الذي أتقن الحيلة والذكاء النضالي في مواجهة حكومة فاشلة من حزب غبي ووزراء كسالى لم يفوت أيام العزاء فازدانت ساحة العزاء برايات البحرين وجلس رفاق الراحل من كل أطياف المعارضة برغم أنف المخبرين جنبا إلى جنب عائلته فهم جزء لا يتجزأ من أسرته الحقيقية. وجاء الاحتفاء بالنعيمي في نادي (العروبة) بحضور حاشد من جموع الشعب ليضيع صواب النظام الفاشستي ورهانه التجزيئي الطائفي، وبدأ كتاب النظام يتملقون روح الراحل الكبير ويدعون أنهم أيضا جزء من المعارضة ومن تاريخ النعيمي متباهين بأنه كان أقرب إليهم من المعارضة. لقد كان إحساسهم بالخزي من كونهم موالين للحكومة يتزايد فيبحثون عن صفة (معارض) بأي ثمن لتعطيهم البريستيج الذي يحن إليه كل موال يحسد المعارضين على استقلالهم وحريتهم وكرامتهم فعطر الكرامة يسحر أنوف الأذلاء.
وجاء رحيل الشيخ عيسى الجودر أحد أبطال العرائض الشعبية والنخبوية المطالبة بالإصلاح السياسي منذ تسعينيات القرن الماضي والذي جاب مساجد البحرين ومآتمها برغم كبر سنه داعيا للوحدة الوطنية والإصلاح وكان من رفاق حسن مشيمع في حركة (حق) حتى أعلنت الحكومة المستبدة متحدثة قسرا باسمه عن خروجه من الحركة إمعانا منها في ممارسة لعبتها المفضلة في تشطير الشعب الواحد طوائف وجماعات فريقا في الجنة وفريقا في السعير، لكن الشيخ المناضل ظل في ضمير الشعب وازدانت جدران القرى والمدن بصوره واسمه وكلماته ردا على الحكومة وحزبها الحاكم.
أما الراحل الأخير فهو الشاب حسين الأمير الكفيف الذي ذاق الإهانات والإذلال في مركز الشرطة غداة اعتقاله القصير حتى قضى بعد أسابيع كمدا بالسكتة القلبية، فقد جاء حفل تأبينه بمشاركة كل الأطياف الوطنية حاشدا ولائقا بمكانه الوطني وأيضا الإقليمي والدولي كعنصر فاعل في حركة ذوي الإعاقة.
وكان عطاؤه لرفاقه المعاقين خاصة ذوي الإعاقة البصرية في البحرين ومنظماتهم في منطقة الخليج العربي وكرم روحه وعناد مقاومته للإعاقة محل احتفاء الجمع الذي غصت به قاعة جمعية الصداقة للمكفوفين من كل الأطياف في رد بليغ على بلطجية شرطة الجهل والاستبداد الذين لم يملكوا ذرة من الإنسانية تجعلهم يكفون عن إهانة إنسان كفيف راق وطيب كالمبدع حسين الأمير. وجاء التليفزيون الطائفي الرسمي ليستجدي تغطية حفل تأبين الأمير في دولة تقتل القتيل وتمشي في جنازته.
هكذا يتبرأ حتى خدام الحكومة من تهمة الولاء لها لفرط خجلهم من تخلفها، وليثبت إن هؤلاء الراحلون هم الأمراء الحقيقيون المتوجون بمحبة البحرين كل البحرين وتقدير الشعب كل الشعب وليسو كأمراء السلطة الذين يستنجدون تأييد الناس بالأموال والقوة وبالترهيب والترغيب فلا ينالونه إلا ريثما يزول أثر سيف المعز وذهبه ليعود أمراء السلطة في وحشتهم كما يقول علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه (لا وحشة أشد من العُجب).
*كاتب بحريني.