"كعب أخيل" سلطة القمع

يوسف سلمان يوسف - 2014-10-01 - 1:14 ص

يوسف سلمان يوسف*

لا يُعرف على وجه الدّقة ما هي نقطة الضعف المميتة عند السلطة الاستبدادية؛ فهي تملك المال والثروة وقوة أجهزتها الأمنية الانكشارية، بالإضافة تحظى بمحيط إقليمي قبلي رجعي يشاطرها، في "حلفٍ مقدسٍ" ويدعمها بالمال والسلاح والمجندين.. و"من يملك المال يملك ثلثين القوة، إن لم يملكها كلها.." هكذا يقال، لكن الأكيد كعب أخيلها: "هو ما نراه ونتلمسه في عدم قدرتها على شراء شرعيتها بمالها وعتادها من غالبية شعبها وإن التف حولها قلة من المتمصلحين"، أي لم يكن هذا الشعب يوماً ما حاضناً لهذه المشيخة، حتى أصبحت في مقاربة مع قوى المعارضة الوطنية الفاعلة التي اكتسح نهجها الجماهيري السلمي والسياسي والمدني والأخلاقي والاجتماعي والحقوقي الساحات والميادين، فصار الحُكم كما "الأم المحرومة من الإنجاب وتسمع أن جارتها ولدت توأم!".

لا خيار إذاً أمام هذه السلطة المحرومة مرتين: مرة من الإنجاب، ومرة أخرى من الحاضنة الشعبية لعدم كسب ثقة الناس بها ولعدم إمكانية إصلاح نفسها بنفسها، غير الشراء بمالها الوفير أبناء جدد لها بالتبني ":كيف كيفها"، فتستبدل شعب "مشاكس": يتظاهر ويحتج ويقاوم يومياً لانتزاع لقمة عيشه وحقوقه المشروعة وإنسانيته وكرامته وآدميّته بانعتاقه من العبودية والاستبداد، بشعب آخر مستورد لا حول له ولا طول يرضى بالمقسوم ويستمتع بـ"العبودية المختارة".

ومن خلال ما تقدم، أمام المعارضة اختبار حقيقي في توضيح نقطة الضعف المميتة لهذه المشيخة وهي عدم إعطاء شرعية لهكذا نظام أثناء الانتخابات المقبلة بمقاطعة شاملة لتتجاوز النسبة أكثر من 70% من أصوات الناخبين، وهي عملية ليست بالمستحيلة رغم تجنيس عشرات الآلاف إذا ما أخذوا في الاعتبار ونسبة الذين يحق لهم التصويت بينهم.

ففي انتخابات 2010، على سبيل المثال، حصلت الوفاق نحو 64 % من أصوات الناخبين بفوز 17 نائباً (وفوز نائب واحد آخر بالتزكية ـ عبد الجليل خليل) بمجموع أصوات 82838، وبإضافة أصوات حصل عليها المترشحين للمعارضة في "وعد والمنبر التقدمي والقومي والشخصيات الوطنية الأخري" ولم يحالفهم الحظ بالفوز فإن نسبة الحصول على أكثر من 70% للمعارضة ليس عسيراً، في حين كانت شعبية أكبر جمعيتين للموالاة (المنبر الوطني الإسلامي "نائبان حصدا 5452 بنسبة 4،2%" والأصالة الإسلامية "فاز نائب واحد بالتزكية ـ المعاودة وفاز نائبان حصدا 5952، بنسبة 4،6%").

وهذه النسبة لأكبر تكتيلن (10% للأصالة والمنبر الإسلاميتين) قابلة للنقصان أيضاً في الانتخابات المقبلة، وهناك مؤشرات تصدر بين الحين والحين من جمهورهما لعدم المشاركة في انتخابات نوفمبر القادم، برز من بينهما ما دعا إليه النائب السلفي السابق إبراهيم بو صندل في دعوته للجمعيات السياسية والشخصيات المعروفة لمقاطع الانتخابات، "معتبراً أن البرلمان البحريني بشكله وصلاحياته الحالية لا يمثل الشعب ولا إرادته، ولا يؤثر في الحكومة".

وفي حين أن السلطة تلهف بالتهديد والوعيد بتدعوة المعارضة للمشاركة في الانتخابات للخروج من أزمتها وتثبيت شرعيتها أمام العالم، تواجه هجرة قبلية معاكسة من مواليها إلى قطر ما أثار استياءها على الشقيقة قطر وعلى الأسر المهاجرة واتهامها بالخيانة دون النظر إلى الأسباب الحقيقية وراء ابتعاد أقرب أقرباء المشيخة من حولها، ولازال كبيرها (الملك) يعتقد أن الشعب يحبه.

كعب أخيل سلطة القمع بدأ ينكشف وما على المعارضة إلا توجيه السهام له بالمقاطعة الجادة من خلال توحدها الوطني الصادق، "اليوم ضرورة... وغداً سيكون الوقت متأخراً".

 

** يعود أصل مصطلح (كعب أخيل) إلى الميثولوجيا الإغريقية، حيث أنه عندما كان أخيل طفلا، تنبأ له بأنه سوف يموت في معركة، ومن أجل منع موته قامت أمه ثيتس بتغطيسه في نهر ستيكس الذي يعرف عنه بأنه يمنح قوة عدم القهر. لكن بما أن ثيتس كانت تحمل أخيل من كعب قدمه أثناء غسله في النهر، فلم يصل الماء السحري إلى كعبه. وهكذا كبر أخيل ليصبح أحد الرجال الأقوياء الذين صمدوا في الكثير من المعارك، إلا أنه في أحد الأيام أصاب سهم مسموم كعبه متسببا في مقتله بعد فترة قصيرة.

 

*كاتب بحريني.

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus