البحرين وقطر.. التجنيس المضاد
يوسف سلمان يوسف - 2014-09-16 - 7:32 م
يوسف سلمان يوسف*
الأزمة التي ثارت بين البحرين وقطر بشأن تجنيس أبناء القبائل العربية التي لها امتدادات قبلية على الأرض القطرية تبدو متعددة الجوانب، فهي توحي من جانب أن التجنيس القطري يسير في الاتجاه المعاكس للتجنيس الجاري في البحرين من حيث إنه يسحب من المخزون البشري لمكون وطني محدد في البحرين تسعي السلطة الحاكمة في البحرين إلى تقويته وتمكينه وتكاثره وزيادة أعداده من أجل خلق كتلة بشرية كبيرة موالية لها تتصدى عند الاقتضاء لكل من يرفع عقيرته بالمطالبة بحقوق سياسية مغيبة في الأوضاع الحالية، فعملية السحب من هذا المخزون البشري تعني إضعافه واستنزافه وتقليص عدده، الأمر الذي يتضارب مع أهداف التجنيس البحريني.
وهي من جانب آخر تعني أن عملية التجنيس القطرية تسير في نسق موحد من حيث إدماج ابناء القبائل ذوي الاصول القطرية في النسيج الوطني القطري، فهي لم تشوه تركيبتها السكانية الوطنية بتجنيس أقوام واجناس واديان ومذاهب وثقافات مختلفة من مشارب ومآرب متعددة مما يمزق نسيجها الاجتماعي الوطني ويجعل تركيبتها السكانية مفككة كما هو حال عملية التجنيس الجارية في البحرين التي شملت خليطا من ما لا يقل عن 35 جنسية من مختلف الاجناس والاديان والمذاهب في مسعى يرمي الى خلق واقع ديمغرافي غير متجانس ومتنافر ولا تربطه اية صلة ببعضه الاخر، بينما عملية التجنيس القطرية ترمي الى استعادة ذوي الاصول القطرية للعودة الى وطن ابائهم واجدادهم بحيث يتحقق الانسجام القبلي داخل المجتمع القطري ولا يخلق نشازا بينهم.
والجانب الاهم في عملية التجنيس القطرية هو نظرة الارتياب والشك التي تنظر اليها قطر الى عملية التجنيس الجارية في البحرين والمخاوف التي تساورها من عملية تجنيس واسعة النطاق تجري على عتبة دارها، وهي شكوك ومخاوف تبدو منطقية، إذ إن عملية التجنيس الجارية في جارتها القريبة تستهدف استقطاب عناصر بشرية لأغراض عسكرية وامنية، بمعنى ان عملية بناء قدرات عسكرية وامنية واسعة تجري على قدم وساق على مقربة من حدودها قد تتجاوز أغراض الأمن الداخلي بكثير لان الإعداد الهائلة من البشر المستجلبين من الخارج تعني عملية بناء جيوش وتضخيم للقوة العسكرية وهو ما يثير ارتيابها ومخاوفها حيث ان كل هؤلاء المجنسين الجدد في جارتها موجهين لأغراض عسكرية وليست مدنية، وطالما ان هناك اغراض عسكرية وامنية من وراء التجنيس الجاري في البحرين فالمسألة ليست بريئة تماما، فاذا ساورتها المخاوف وانتابها الفزع مما يجري في جارتها البحرين فإنها تعتقد بان بناء الجيوش بقدرات كبيرة تعني انها موجهة للخارج.
وقد تكون قطر على جانب من الصواب في تصوراتها وتحليلاتها من التجنيس البحريني واغراضه ومراميه لان دولة صغيرة وفقيرة نسبيا تستقدم مجاميع من الناس الى اراضيها يعني انها لا تستهدف احداث تغييرات ديمغرافية على مستوى الداخل فحسب، بل يتعدى ذلك الى طموحات ابعد، لان القوة العسكرية الجديدة التي تبنيها على قاعدة التجنيس عبر استقدام البشر تعني أنها قد تستخدم لأغراض خارجية ومواجهات خارجية أو أي شكل من أشكال النزاعات مع قوى في الخارج خاصة في محيطها القريب.
ليس هناك مبرر لبناء هذه القوة من استجلاب بشر من وراء الحدود بهذه الاعداد الهائلة إذا لم يكن لها مبررات خارجية. فقطر لا تنظر إلى عملية التجنيس السياسي الجارية في البحرين من نفس المنظور الذي ينظر إليها شعب البحرين بأنها عملية تستهدف تغييرات جذرية في التركيبة السكانية الداخلية، بل أنها تنظر إليها كعملية طموحة لبناء القدرات العسكرية للبحرين. ولهذا سعت قطر من خلال إطلاقها لعملية تجنيس مضادة إلى تحقيق هدفين على الاقل في المستقبل المنظور، هما تقليص قدرات البحرين العسكرية المتنامية وتحجيم قوتها من خلال السحب من مخزونها البشري وبالذات من عناصر الأجهزة العسكرية، وثانيهما هو بناء قدراتها الذاتية هي أيضا طالما أن جزءاً من سكان البحرين يشكلون امتداداً طبيعياً لسكان قطر من حيث الانتماء القبلي، فمن الاولى استهداف هؤلاء بالدرجة الاولى لبناء قدرات قطر وتحجيم قدرات البحرين، وهذا ما هو جار الان.
ومن المعروف إن بناء الجيوش وتسليحها بمعدلات كبيرة بدءاً من تجنيد الموارد البشرية التي تشكل ركيزة البناء العسكري، يثير عادة مخاوف الجيران في كل مكان حتى في الظروف العادية، سواء عن طريق الاعتماد على الموارد البشرية الوطنية كما هو جار في معظم بلدان العالم، أو على استجلاب موارد بشرية خارجية كما هو جار في البحرين. فلو كانت عملية التجنيس موجهة لأغراض مدنية بحتة لكانت المخاوف اقل بكثير مما إذا كانت موجهة لأغراض عسكرية ولتعزيز القدرات العسكرية. والسلطة في البحرين تدرك إن العملية سوف تثير مخاوف الجيران وتحديدا الجيران الذين يتقاربون معها في موازين القوة، لكنها مضت في العملية غير مكترثة مما ستثيره من حساسيات إقليمية وخارجية، ومن الواضح أنها لم تحسب حساب العبء الاقتصادي للتجنيس وهو عبء باهظ الثمن، ولم تحسب لحساب الحساسيات والمخاوف الإقليمية القريبة، وفوجئت إن بنائها العسكري يتعرض للنقض والتحلل من خلال عملية تجنيس مضادة مرسومة بإحكام تنفذها قطر بحيث تستهدف تحقيق عدة أهداف في آن واحد.
لقد غابت عن عملية التجنيس البحرينية الحسابات المنطقية على جميع المستويات وغاب عنها حساب المؤثرات الجانبية التي قد تنجم عنها، وما عملية التجنيس القطرية المضادة الا احدى المؤثرات الجانبية الخارجية لعملية تجنيس اثارت الشكوك والريبة من حجمها واتساع نطاقها، ومن حق قطر ان تسال لماذا هذه الجارة الفقيرة نسبيا التي تعجز عن توفير مقومات العيش الكريم لمواطنيها من سكن وخدمات صحية وتعليمية وفرص العمل اللائق والرواتب المجزية اصبحت على درجة عالية من السخاء والكرم مع اناس مستجلبين من اصقاع الارض المختلفة لكي تحتضنهم على اراضيها المحدودة المساحة التي بالكاد تستوعب ما عليها من بشر وبمواردها المحدودة التي بالكاد تغطي مصروفاتها العامة وتعتمد على المعونات القادمة من دول الجوار، فوفرت لهم وبأقصى سرعة ما لم توفره لمواطنيها الا بشق الانفس وقوائم انتظار طويلة. اليس هذا مدعاة للشك والارتياب؟!
* كاتب بحريني.