تجنيس الإرهاب في البحرين

يوسف سلمان يوسف - 2014-09-15 - 8:37 م

يوسف سلمان يوسف*

الشاب الداعشي الذي مزق جواز سفره البحريني أمام الكاميرات في مكان ما من سوريا مهددا " بالعودة بقوة السلاح إلى البحرين وتمزيق الجثث إلى أشلاء ودق آخر مسمار في نعوش الطواغيت " على حد قوله، يمثل حالة تستحق التأمل والدراسة.

هذا الشاب ليس بحرينيا بالأصل أو الولادة أو القرابة أو النسب، ولا يرتبط بالبحرين سوى بصلة الجنسية، فهو مجنس من الذين منحوا الجنسية البحرينية ضمن الحملة المحمومة التي تقودها السلطة الحاكمة لتجنيس أعداد هائلة من الغرباء لتغيير الواقع الديمغرافي في البحرين واستبدال شعبها بشعب آخر ضمن مخطط الإقصاء والتهميش من جهة، وخلق كتلة سكانية جديدة موالية لها من جهة أخرى. فهو حين مزق جنسيته المكتسبة لم يصبح بدون جنسية أي " عديم الجنسية " كما هو متعارف عليه قانونيا أو من فئة " البدون" كما هو متعارف عليه شعبيا، بل لا يزال يحتفظ بجنسيته الأصلية كحال السواد الأعظم من المجنسين في البحرين لان الجنسية الجديدة بالنسبة إليه هي أولا وأخيرا رابطة مصلحة، ينتفع منها لينقذ نفسه من براثن العوز والفاقة وليس لأداء واجب الولاء " لوطنه الجديد" أو"لقيادته الجديدة ". فهو في الأصل سورياً وبقي سورياً حينما اكتسب الجنسية البحرينية ولا يزال سورياً بعد تمزيق جنسيته المكتسبة، فأية محاولة لتغيير واقعه الأصلي لن تجدي لأنه متمسك بوطنه الأصلي وجذوره ويصر إن يبقي كما كان عليه منذ إن فتح عينيه في الحياة، فالجنسية الجديدة ليست سوى إضافة تخدم مصلحته وتزول بزوال هذه المصلحة أو بالاستغناء عنها عند تغير أحواله المعيشية.

هذا الشاب السوري الأصل المجنس بحرينيا جاء لينال وظيفة براتب لا يناله في بلده الأصلي مع وجود مزايا أخرى ينتفع منها كالسكن والخدمات الصحية والتعليمية لعائلته وغيرها من المزايا والمغريات التي عرضت عليه، وحصل على وظيفة في الخدمة العسكرية بقوة دفاع البحرين وبراتب " حلم" بالنسبة إليه. لم يمنح الجنسية البحرينية بصورة عشوائية، بل هو يلبي معايير معينة وضعتها السلطة لمن ترى أنهم "يستحقون" الجنسية البحرينية، أولها انه ينتمي إلى فئة تنتسب فكريا وعقائديا إلى مكون معين ترضى عنه السلطة الحاكمة ويشكل إمكانية قابلة لخلق ولاء سياسي يصب في خدمتها، فهو من الناحية الفكرية لا يعترف بأي انتماء سوى الانتماء للفكر الذي ينتمي إليه. وثانيا انه شاب في مقتبل العمر قوي البنية مفتول العضلات قادر على أداء الخدمة العسكرية والمهام التي ستوكل إليه وهو بهذا يفي تماما بما تطلبه السلطة، كما انه قادر على إنجاب عدد كبير من العيال ليخلق حالة تكاثر مطلوبة لتحقيق هدف التغيير الديمغرافي في البلاد، فكلما أنجب قالت له السلطة هل من مزيد. ثالثا انه كعسكري عليه تنفيذ جميع الأوامر التي تصدر إليه، في الأوقات المطلوبة، ومنها إعطاء صوته حسب الأوامر لمرشح معين من كتلة معينة في مركز انتخابي عام لترجيح كفته على منافسيه، وبهذا فهو يؤدي وظيفة سياسية تخدم السياسات المرسومة من قبل السلطة الحاكمة وتضعف من ثقل خصومها السياسيين، وكذلك أية مهام أخرى توكل إليه.

هذا الشاب المجنس أدى مهمة موكلة إليه عندما وقف شاهرا سيفا وهو مرتديا لباسا مدنيا متحديا المتظاهرين المحتجين المطالبين بالإصلاحات السياسية الذين نظموا مسيرة إلى قصر الملك بالرفاع وذلك في ذروة أحداث البحرين في مارس 2011، فلباسه المدني يوحي بأنه واحداً من أهالي الرفاع الذين تداعوا بدعوى " الدفاع عن قصر الملك وعائلته " في عقر دارهم فيما هو عسكري ينفذ أوامر موكلة إليه للتصدي للمحتجين الذين اقتربوا من القصر ومحيطه. هذه المهمة هي جزء هام من الفرائض المطلوب منه أدائها وفق موجبات التجنيس، ولا يستطيع الامتناع عن أداء هذه المهمة أو يتخلف عنها لأن ذلك سيكون مدعاة لسحب الجنسية التي اكتسبها منه على اعتبار إن الامتناع أو التخلف عن أدائها إخلال بموجبات التجنيس، فهو نفذ الأوامر الصادرة إليه ووقف في مقدمة الصفوف شاهرا سيفه متحديا المحتجين وأدى بذلك ما عليه من مهمة موكلة وحقق الغرض المطلوب من التجنيس الذي ناله.

مذ سمع هذا الشاب المجنس إن باب الانخراط في العمل المسلح في وطنه الأصلي قد بات مفتوحا على مصراعيه وان وراء هذا الانخراط مزايا ومكاسب أخرى منها رواتب مغرية تدفع بالعملة الصعبة من خزائن الدول النفطية في المنطقة، كما انه يلبي طموحه في التخلص من السلطة الحاكمة في بلاده لم يتردد في الانخراط في هذا العمل المسلح، لا يهمه من يدير اللعبة على بلاده والأغراض السياسية وراءها، المهم أنها ترضيه فيما يتمناه وما يطمح إليه من الناحيتين المادية والسياسية، فشد الرحال إلى وطنه الأصلي تاركا البلد الذي جنسه لان المرء يعود إلى جذوره في كل الأحوال وحمل السلاح الذي يجيد استعماله بحكم كونه عسكريا ووجد ضالته في الجماعات المسلحة المنتشرة على الأراضي السورية، وتحديدا الجماعات السلفية التي ينتمي إليها فكريا وعقائديا، فتحول إلى " جهادي" ضمن مجاميع كثيرة جاءت إلى بلاده من كل أصقاع الأرض، ليس من اجل الديمقراطية، فهذا أمر لا يفهمه هو ولا من معه من المسلحين ولا يسعى إليه وأبعد ما يكون من أجندته، وإنما من أجل إن يستفيد ماديا وان يقيم " إمارة " تعوض المجموعات التي ينتمي إليها أو القريب منها فكريا ما فقدته في أفغانستان وحتى في الانبار بالعراق، قد تكون هذه " الإمارة " بالضرورة صغيرة، خلافا لما صرح به هو عن النية "بالتمدد ".
الواقع على الأرض لا يتيح لهم ذلك نظرا للعدد الكبير من الجماعات المسلحة التي تطمح كلها في إنشاء "إماراتها" والتي يصل عددها إلى 1300 جماعة مسلحة، وكون مساحة الجغرافيا السورية ليست كبيرة لكي تستوعب كل هذه "الإمارات"، فقد كان من المتوقع إن تكون كل " أمارة " ضئيلة ومحدودة، هذا قبل إن يدب بينهم التنازع والاحتراب، ويستنزفون قواهم البشرية والعسكرية بأنفسهم فيما الجيش السوري يتقدم بخطى ثابتة في المحاور الرئيسية المحيطة بالمدن السورية الكبرى فأخذت المساحات التي كانوا يسيطرون عليها تتقلص تدريجيا، وأصبح طموح " الإمارة " عسيرا ومكلفا، بل وليس مضمون البقاء.

وجاء قرار وزير الداخلية البحريني بتحديد مهلة أسبوعين للبحرينيين الذين يقاتلون في الخارج للعودة إلى البلاد، وإذا لم يعودوا في غضون هذه المدة فسيجري إسقاط جنسيتهم، وقد يكون هذا القرار استعراضيا أكثر منه جديا لان وزارة الداخلية تعرف عن أنشطة الداعشين في البحرين وإرسالهم المال والرجال للقتال في سوريا والعراق وهي تغض الطرف عنها ولم تستدع قط احد من القائمين على هذه الأنشطة للمساءلة والتحقيق، إلا إن الشاب الداعشي المجنس قد تعامل مع هذا القرار من منطلق التحدي له باعتباره بات بمنأى عن أية تداعيات وآثار أمنية وسياسية ومادية عليه، فلن تطاله يد وزارة الداخلية البحرينية ولم يعد بحاجة إلى الجنسية البحرينية المكتسبة، ولديه الآن وظيفة " جهادية " يقاتل ويكسب من وراءها راتباً اكبر مما كان يتقاضاه في قوة دفاع البحرين إلى جانب مغانم أخرى.

هذا الشاب الداعشي المجنس بحرينيا يقدم صورة نمطية عن التجنيس السياسي الجاري في البحرين منذ سنوات، فقد تم اختياره بدقة من فئة لا تعترف باي مكون غير المكون الذي تنتمي اليه، وكل من يختلف معها هو خارج عن " الملة الرشيدة " وعن " سنة الحياة الحميدة "، فلا فكر سوى فكرهم.

عندما مزق هذا الشاب جوازه المكتسب بالتجنيس فقد مزق اوهام السلطة التي جنسته بايجاد شعب بديل عن شعبها الاصلي وخلق كتلة سكانية عريضة وواسعة من الموالين لها سياسيا، فالولاء لا يأت عن طريق وثيقة ولا عن طريق علاقة هي في الاساس علاقة مصلحة، فالولاء هو في الاساس ولاء للوطن وهو ينبت ولا يغرس.

* كاتب بحريني.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus