موقع مفتاح: الغاز المسيل للدموع: من المنامة إلى ميسوري

2014-08-25 - 9:47 م

ايرين كيلبرايد، موقع مفتاح

ترجمة: مرآة البحرين

ألم الحرق الناتج عن الغاز المسيل للدموع ليس ذلك الإحساس الذي يمكنك نسيانه بسهولة. يخترق الغاز أنفك، يملأ رئتيك، يحجب عنك ما تبقى من إمدادات الأكسجين، يحدث التهابات تحت ملابسك ويلتصق بجلدك مثل الشمع الساخن. تسمع دوي البندقية، وحفيف القنبلة وهي تطير في الهواء، وصليل المعدن وهو يضرب الأرض، ومن ثم تظهر فورة تبدو وكأنها ماء قد ملأ الشوارع. كل شيء من حولك يتحول إلى اللون الأبيض - تراها قبل أن تشتم رائحتها - وللحظة تتساءل إذا كنت في مأمن من غازها، وبعد ثانيتن أو ثلاث ثوان، تدرك بأنك غير موجود، كما تدرك بأنها لا تسبب دموعك، بل تجعل أنفاسك تضيق داخل صدرك.

في عام 2014 وحده، اخترق غاز سي ار CR (وهو مركب كيميائي Chlorobenzalmalononitrile 2-، موجود في عدد من أصناف الغاز المسيل للدموع)، صدور الأتراك والبحرينيين والكمبوديين والمصريين والباريسيين والفلسطينيين والبرازيليين، وآلاف المواطنيين في دول أخرى. وهو شعور لا يمكن لعدد من الأميركيين التعاطف معه.

ولكن قبل سبعة أيام، أطلق شرطي من ذوي البشرة البيضاء النار على مراهق أمريكي أسود يدعى مايكل براون- 18 عامًا، في مدينة فيرغسون، في ميسوري. واستخدمت الشرطة بعد الحادث قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين الذين احتشدوا في شوارع فيرغسون عقب وفاته حيث شهدت هذه المدينة ست ليال متتالية من أعمال الشغب العرقية، أما أمريكا الوسطى في عام 2014، فتبدو شبيهة بواشنطن العاصمة في أيام الستينات.
أو اسطنبول في العام الماضي. أو البحرين يوم الخميس الماضي.

بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية لعام 1993 وبروتوكول جنيف بصورة عامة، لا يمكن استخدام الغاز المسيل للدموع في النزاعات المسلحة الدولية. أما اليوم، وفي واحدة من أكثر مسائل القانون الدولي المقلق إثارة للتهكم، لا يزال من الجائز استخدام هذا الغاز في النزاعات الداخلية. في عام 2004، ذكرت مجلة طبية نيبالية أنه "يجب اعتبار استخدام غاز سي إس CS والغازات الأخرى ذات الآثار الطبية المشابهة حرب كيماوية ضد المدنيين."

انتقد سكان فيرغسون استجابة الشرطة على الإحتجاجات ووضعوها في إطار "القوة المفرطة"، و"الوحشية" و "الحصار" على أحيائهم. وقد عبّر مراسل الواشنطن بوست ويسلي براون عن قلقه على سلامة أهل هذه المدينة بعد أن بدأت عبوات الغاز المسيل للدموع تتساقط أمام منازلهم وتُطلق موادها الكيميائية داخل بيوتهم.

ربما أصبحت توسلات سكان مدينة فيرغسون عن غير قصد صدىً لصرخات البحرينيين ، الذين تُهشم عبوات الغاز المستورد زجاج نوافذهم وتملأ منازلهم بغاز سي إر CR.

وبعد الصور التي التُقطت في ميسوري، والتي أصبحت أكثر صعوبة من تلك التي التقطت من قبل الصحفيين المواطنيين في غزة والمنامة واسطنبول، حيث قدم الناس المُرهقون الناجون من الغاز المسيل للدموع بعض الأساليب لسكان فيرغسون للتقليل من الآثار الضارة الناجمة عن الغازات المسيلة للدموع:

تقول مريم البرغوثي عبر تويتر: التضامن مع # فيرغسون. لا تلمس وجهك عند إطلاق الغاز المسيل للدموع ولا تضع الماء على وجهك واستخدم بدل ذلك الحليب أو الكوكا كولا!

وتقول أيضًا في تغريدة أخرى: تأكد دائمًا من أنك تركض عكس الريح / حافظ على هدوئك، سوف يذهب الألم بسرعة، لا تفرك عينيك! التضامن مع # فيرغسون

من صالح متظاهري مدينة فيرغسون الإصغاء إلى نصيحة المعاصرين في الشرق الأوسط وتركيا. وعلى كل حال، هم يعرفون عما يتحدثون.

وفي كل من فيرغسون وميسوري وبني جمرة في البحرين، هناك احتمال كبير بأن تكون العبوات المذكورة من صنع الولايات المتحدة الأمريكية. هذا صحيح. نحن نصدر الغاز المسيل للدموع بكميات هائلة، ونجني المال الوفير من ذلك. نصنعها في مصانع في جيمس تاون بولاية بنسلفانيا وكاسبر ووايومنغ وبلاينفيو ونيويورك، ومن ثم نصدرها إلى الخارج. وأحيانًا نظهر على التلفاز ونطلب من عملائنا ألا يطلقوها بشكل مباشر على رؤوس مواطنيهم، واستخدامها في إطار "السيطرة على الحشود" بشكل مسؤول، وليس كسلاح هجومي ضد "حشد" مكون فقط من عدد قليل من الناس.

نصدرها إلى إسرائيل ومصر وتركيا ودول أخرى وحكومات قمعية معروفة بانتهاكاتها لحقوق الإنسان واستخدامها هذا االغاز ضد مواطنيها أو ضد من يحتلونهم. هذه الأنظمة تستخدم منتجنا الكيميائي هذا بكميات وفي مواقع تنتهك المبادئ التوجيهية الدولية. إنهم يطلقون هذه المواد الكيميائية في المناطق السكنية المحصورة، وعلى الحشود الصغيرة، ومن مسافات قريبة. تموت النساء المسنات خنقًا داخل غرف نومهن، كما تنشطر وجوه الأطفال عند إطلاقها مباشرة على رؤوسهم.

بعد أن ينقشع الدخان، ويتوقف الحرق في أنوفهم، وبعد إخراج إخوانهم من العيادة الطبية السرية المجاورة، حيث تغطت شوارعهم ذات مرة بالقنابل المصنوعة في بنسلفانيا، يظهر هؤلاء الذين كانوا ضحية ابتكارنا الأمريكي على وسائل الإعلام الاجتماعية ليروا بأن المدنيين العزل في ضاحية من ضواحي الولايات المتحدة يغرقون في الغاز المسيل للدموع أيضًا.

ومع الدعم الذي تلقاه متظاهري فيرغسون عبر الإنترنت من البحرين وفلسطين ومصر وباكستان، وصف المحللون على وسائل الإعلام الاجتماعية الغاز المسيل للدموع ب"الرابط الذي يوحد" و "المُعادل الكبير." عرضت صحيفة غلوبال بوست 25 صورة مدمجة تظهر بأن الغاز المسيل للدموع "يوحدنا جميعًا." ولسوء الحظ، كانت هذه الوحدة إلى حد كبير من جانب واحد. فمع النصائح ورسائل التضامن التي يتم إرسالها من الشرق الأوسط إلى ميسوري، يبدأ المرء بالتساؤل عما إذا كان هذا العرض الهائل من الدعم سيقابل بالمثل بعد أن يصفو الهواء في فيرغسون ويبقى غاز سي إر CR في أماكن أخرى مثل غزة.

مؤخرًا، كان هناك افتتاحية في الهاف بوست تحت عنوان " ضرورة التحدث عن مدى خطورة الغاز المسيل للدموع". بالتأكيد. يجب علينا أن نتحدث عن مدى خطورته على جميع الناس، وليس فقط على الأمريكيين. كان يجب علينا التحدث عنه منذ عقود خلت. وقد تحدث كاتب عامود آخر عن الشركات التي تجني الأرباح من "وحشية الشرطة في فيرغسون" مستشهدًا بتقرير صدر في يونيو/حزيران يقدر قيمة السوق العالمية للأسلحة "غير القاتلة" بـ 1.6 مليار دولار. في الواقع، وكما يتبين من أحداث فيرغسون، فإن نفس الشركات التي تقوم بتصدير الأسلحة الكيميائية إلى جميع أنحاء العالم لديها شركاء تجاريين محليين هنا في الولايات المتحدة. وهؤلاء الشركاء يجنون الأرباح من بيع أسلحة السيطرة على الحشود قبل وقت طويل من اندلاع الاحتجاجات في ميسوري. وسوف يستمرون في جني الأرباح إلى حين أن نقابلهم ببعض التضامن العالمي.

يجب على هذا التضامن العابر للحدود أن يكون بعيدًا عن التعليق الذي نُشر ردًا على تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست على عنف الشرطة في فيرغسون ويقول التعليق:

تتصرف الشرطة كما لو أنها قوة مارينز تواجه مواطني الفلوجة المعاندين.

إذا كان المتظاهرون عراقيين، فهل يجب تبرير القوة المفرطة؟ وهل الاعتداء الكيميائي ضد المدنيين العراقيين خلال معركة الفلوجة أمر مقبول؟

ومعلق آخر:

الرجل الذي لديه بلطجية يطلقون الغاز المسيل للدموع على فناء داره لديه الحق في الرد بالقوة المميتة.

هل ينطبق هذا المنطق نفسه على الشباب البحريني الذي يلقي المولوتوف على قوات الأمن الحكومية عندما يتم استهداف منازله بقنابل الغاز؟ أو على الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة على قوات الدفاع الإسرائيلية عبر سحب غاز سي إر CR؟ هل يعتبر الأمريكيون قوات الشرطة في مصر وتركيا وكمبوديا "بلطجية" كونها تشتري أسلحتنا الكيميائية؟

ربما لا. ما زلنا لا نرى جميع البشر الذين يتعرضون لموادنا الكيميائية المصنعة في الولايات المتحدة على قدم المساواة. ولن يوحدنا الغاز المسيل للدموع، حتى نفعل ذلك. حتى في الرد على فيرغسون، إن عقلية "نحن مقابل هم" تبدو مستمرة بين العديد من الأميركيين، مما يعني أن انتشار الغاز المسيل للدموع في ميسوري هو أمر غير إنساني فقط لأنه يتم استخدامه ضد"نا".
إذا أردنا أن نتعامل مع هذا الانقسام، دعونا فقط نفعل ذلك تقديرًا للدعم المدهش الذي أظهروه "هم" "لنا". إن الردود الأميركية على هذا الدعم سوف تحدد شرعية وإرث ما يسمى حركة "تضامن الغاز المسيل للدموع". وفي الحقيقة، هناك بعض حساباتنا على تويتر التي أظهرت التضامن من فيرغسون إلى غزة. هذه هي بداية. لكن قنابل الغاز المسيل للدموع التي سوف تمطر في المرة القادمة على المنامة أو غزة أو مومباي، لا يحتاج أهلها إلى نصائح"نا" بل إلى إيقاف إرسال الغاز المسيل للدموع إلى شواطئهم.

 

16آب/أغسطس2014

النص الأصلي

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus